مقالات ودراسات

الناقدة رنا عبد القوي تكتب عن: قضية ذهب الحمار بين الفانتازيا و الواقع!


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

بقلم الناقدة والباحثة| رنا عبد القوي

 

 

قدمت فرقة ملوي المسرحية بقصر ثقافة ملوي بفرع ثقافة المنيا، بإقليم وسط الصعيد الثقافي، ضمن فعاليات المهرجان الختامي لفرق الأقاليم، العرض المسرحي قضية ذهب الحمار، تأليف الكاتب سعيد حجاج، إخراج رأفت ميخائيل .

وقد اتخذ العرض إطاراً كوميدياً لطرح قضيته الاساسية و الاسقاط على واقعنا المُعاش، من اجتياح الاطماع الشخصية للشعوب

العربية وحكامهم، حتى انهم يسيرون وراء الخرافات كالعُمي أو كالمسحورين بلا ارادة وبلا عقل أو منطق، حيث تدور احداث

العرض حول مجتمع يأتي اليه شخصية دخيلة عليه، وهو (شمعون) الذي يأتي هو وزوجته الى بلدة، ويقيمان بها كضيوف، ثم

يبد أن في وضع خطط للسيطرة على عقول أفراد هذا المجتمع، حكومةً وشعباً، فيقوم شمعون بمساعدة زوجته باستغلال

نقاط ضعف المجتمع، و عدم اتفاق وتوحد افراده، بخداعه والنصب عليه، حتي يحتلان البلدة .

ففي البداية ادعي شمعون ذلك اليهودي الصهيوني ان لديه حماراً ينزل من فمه دنانيراً ذهبية عندما يكون سعيد، فيطمع في

هذا الحمار شهبندر التجار و يشتريه، ويحاول دائماً استرضاءه لجعله سعيداً ليأتي بالذهب، حتى تنشب بينه وبين زوجته

الخلافات لانه لا يحاول اسعادها مثلما يفعل مع الحمار ، حتى انها تترك له المنزل.

وبعد اكتشاف الامر .. وان الحمار لا يأتي بالذهب ، يلجأ الشهبندر للقاضي ، ويذهبان الي منزل شمعون الذي يجدان فيه كلباً

يدعي هو وزوجته انه يتحدث عدة لغات و يقوم  بالاعمال المنزلية على اكمل وجه، فيشتريه القاضي ويذهب به الي منزله،

الى ان تكشف له زوجته ان هذا الكلب لا يساعدها في شيئ بل حاول التحرش بها و ترك المزل، فيستعين القاضي بوزير

الشرطة، ويذهبان لمنزل شمعون، و في محاولة اخري لخداعهم يطلب شمعون من زوجته إعداد الشاي للضيوف، فترفض

فيتشاجر معها و يطعنها، وتخدعهم بأنها قد ماتت، و مع تعنيف كل من الوزير والقاضي له، يخبرهما بأنه يؤدبها ويستطيع

اعادتها للحياة وقتما يريد بواسطة النفخ على المزمار الذي يمتلكه، فتعود الي الحياة بنسخة افضل، كزوجة مطيعة لزوجها،

وهنا يطمع وزير الشرطة – الذي يعاني الشجار الدائم مع زوجته –  في المزمار أملاً في تغيير طباع زوجته، فيشتري المزمار

من شمعون، ويذهب منزله و يقتل بعد مشاجرة زوجته، ومن ثم يحاول استخدام المزمار لاعادتها للحياة ولكن دون جدوى .

وبعد ان خدعوا جميعهم ، اجتمعوا ليجدوا طريقة للخلاص من شمهون ، فيضعونه في شوال ليقذفونه في البحر، ولكن حتى

هنا، يستطيع هو ايجاد حيلة تنقذ حياته، حيث يمر راعٍ يسمع صوت شمعون في الجوال فيخرجه، ويخبره أنهم يُجبرونه على

الزواج من ابنة تاجر ثري بينما هو يُحب فتاة أخرى، فيطمع الراعي في هذه الزيجة، ويقرر ان يحل محل شمعون، ويتنازل له

عن غنمه ، ومن ثم يتم القاء الراعي في البحر ويهرب شمعون ويعود لخداع أهل البلدة مرة اخرى.

فيجتمع الوالي مع القاضي والشهبندر و وزير الشرطة ويخبرهم أن شمعون حي وأنه طلب منه الإتيان الى مجلسهم هذا،

وبالفعل يحضر، وعند سؤاله كيف نجى من الغرق، يدعي ان جنية قد انقذته واعطت له الغنم، وان لها أخت تستطيع ان تمنح

الذهب والاموال، وهنا يطمع الوالي، فيطلب من شمعون مساعدته للنزول البحر و مقابلة تلك الجنية، وفي تلك اللحظة التي

يقوم فيها الوالي بالقاء نفسه في البحر نجد كل اهل البلدة قادمون على فعل نفس الشيء طمعاً في الثراء .

بشكل مباشر .. يشير النص على أصل علة البشر وهي الطمع و عدم القدرة على العمل الجاد لايجاد حلولاً حقيقية ،

والاستسلام للخرافات والحلول الجاهزة حتى وان كانت غير منطقية، فالشهبندر متعجل الثراء  و دون عمل، و وزير الشرطة لم

يبذل مجهود لادارة حياته الزوجية، والقاضي الذي من المفترض ان يكون حكيماً اعتقد ان كلباً سوف يخدم زوجته، والراعي

تنازل عن غنمه مقابل زيجة سهلة تجلب له الكثير من الاموال ، والوالي ليس لديه هم مجتمعي ولا يعبأ غير بنفسه.

فشمعون هنا هو ذلك الكيان الصهيوني المتشعب في العالم كله والمسيطر على العالم والرأي العالمي، والذي يستغل هشاشة الشعوب وضعفها، ويستطيع اقامة مُلكه على التدمير و الخراب، فقد لعب على الطمع البشري، ونقاط ضعف دول العالم الثالث، حُكام و سلطة وشعوب، واستغل خلافاتهم الشخصية وأحقادهم تجاه بعضهم البعض والتفرقة فيما بينهم ، بينما يتحلى هو و زوجته بالقدرة على الاقناع وايجاد الحيل .

اعتمد النص والعرض على راويين، يقومان بقص الحكاية منذ البداية و التدخل بالتعليق على الاحداث بين الحين و الآخر،

بطريقة فكاهية، تعضيضاً للاطار الكوميدي، الذي يهدف الى الكسر الدائم وطيلة العرض للايهام، وإعمال عقل المتفرج،

ومشاركته حيناً في الاحداث، مثلما حدث في جزء من العرض عندما قام وزير الشرطة بسؤال الجمهور عن رأيه فيما اذا اعاد

زوجته الآن ام بعد فترة الي الحياة مرة اخرى . كما كان لهذا الاطار الكوميدي صداه في بقية عناصر العرض مثل موسيقى (

مسلسل المال والبنون) لياسر عبد الرحمن، التي استخدمها المخرج تعليقاً على بعض اللحظات المصطنعة من شمعون و

زوجته انيسة، والاداء الحركي البطيئ  (slow motion) .

عن المنظر المسرحي والديكور .. فقد سيطرت صورة الحمار علي جانبي خشبة المسرح، مع محاولة باءت بالفشل من صانع

الديكور والمخرج بتغيير مكان الاحداث، اذا كان منزل اي من القاضي او الوزير او الشهبندر او شمعون، حيث تحركت اجزاء من

الديكور لاكثر من مرة للانتقال بين مختلف المنازل و لكن دون جدوى حقيقية من ذلك، فبدا المنظر من البداية للنهاية وكأننا

بداخل نفس الفضاء، فما كان إلا ننا كنا نرى اشخاص يقومون بتحريك الديكور بين الحين والاخر بينما لا يتغير في الأمر شيئ،

حتى أن عروض المسرح المدرسي قد تكون اكثر نضجاً واختزالاً في التعامل مع المنظر المسرحي عن ما رأيناه .

بالطبع يُحسب للمخرج اختيار النص .. فهو يطرح قضية تتماس مع هنا والآن، تهُم المجتمع المصري والعربي، كما انه يقدم

فرجة قريبة من أن تكون فرجة شعبية، عرضاً يناسب الاسرة، ولكن ينقصه الحضور الجماهيري ليلة أمس، ربما كونه بعيد عن

جمهور المخرج وصناع العرض، ولكنه كان مهم جداً ليتفاعل مع اللحظات الكوميدية الساخرة بالعمل.

يؤخذ على العرض انه لم يعترف كون متن النص مستلهم من اسطورة الكداب، المكتوبة في كتاب ( أساطير من الشرق) تأليف

سليمان مظهر . كما ان زمن العرض والذي هو ساعتين – وهذا مبالغ فيه جداً – كان من الممكن اختزاله في اقل من ذلك ،

ربما نصف الوقت .

 

نشر المقال في نشرة نوادي المسرح


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock