الناقد أحمد خميس يكتب عن عرض”قبل الافطار” .. كارثة غير متوقعة لأسرة فقيرة.. على مسرح الهوسابير !

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات

ـ

أحمد خميس*

ناقد مسرحي من مصر

 

غالبا  تستمر الحياة الرتيبة بين الزوجين من تلقاء نفسها طالما لم يعطلها حدث جلل ولم تتعرض لكوارث من أحدهما فقبول الأخر يتعلق عادة بالتكيف مع الوضع الراهن وإنتظار معجزات القدر التي قد تأتي في لحظات الهزيمة والإنكسار , وقد تكون المسألة برمتها متعلقة بالمصالح المتبادلة ليس إلا فليس من صالح أي منهما أن يسعي لإفشال الوضعية الاجتماعية  والنفسية وعليه أن يعود نفسه علي مقابلة نفس المشاكل ونفس ردود الفعل ويقبل بأي شئ طالما أن الحياة تسير ويحصل من الاخر علي ما يؤمن وجوده حيا حتي لو كانت الضغوط تزيد يوما بعد الأخر , فالمسألة بالنسبة للمهزومين والفاشلين وغير القادرين علي التغيير الجذري للظروف السيئة عادة لا توجد فيها قرارات حاسمة أو هجران مفاجئ أو حتي تغيير نمط حياة وإنما رضا وتكيف وبلادة لا متناهية

هكذا ضمن الكاتب الأمريكي الشهير “يوجين أونيل” طبيعة العلاقة البائسة بين (الفريد وزوجته السيدة رولاند) فليس هناك من جديد بينهما والحكاية برمتها لم تكن لتتطور بالمنطق السئ لولا أن القدر كان له تدبير أخر حرك المياة الراكدة ودفع العلاقة نحو نهاية مأساوية , أو بالأحري أدي إكتشاف الزوجة لخطاب من إحداهن وجدته في ملابس زوجها لإنفجار الهواجس الكامنة ودفعها دفعا للإنفلات العصبي الأمر الذي كشف كوامن العلاقة البائسة وفضح الرضا غير المشروط  بين الزوجين وادي في النهاية لإنتحار الفريد الشاعر القاص غير المشهور والذي كان يعيش حياته كيفما إتفق فلا يعمل ولا يسعي للتغيير وإنما فقط ينتقل من هزيمة لهزيمة جديدة ومن عشق لعشق جديد مع كلمات معسولة وكذب فاقع مكشوف , هكذا ببساطة يحدث الإنتحار من قبل الزوج الذي يبدو انه كان يهرب من التوبيخ الفاقع ومن مرارة الموقف ومن الفلس المزمن ومن محبوبته الجديدة فقرر في لحظة إنكسار وزهق أن يتخلص من حياته البائسة وهو الأمر الذي لم تتوقعه الزوجة , إذ كانت تسعي لتغيير نمط حياته ليس إلا ولكنه فاجأها بالتصرف السريع وتخلص من حياته في لحظة مفاجئة

عرض (قبل الإفطار) قدم مؤخرا علي إحدي قاعات مسرح الهوسابير وهو إنتاج خاص لفرقة (فنون) وهو من تأليف “يوجين أونيل” دراماتورج أحمد عامر وبطولة هبة سامي وديكور وملابس يارا سعيد وموسيقي محمود وحيد وإضاءة أبو بكر الشريف وإخراج شروق أحمد

تبدا اللعبة الدرامية عبر مشهد إفتتاحي كاشف لوضعية تلك الاسرة البائسة التي تعيش بالكاد عبر إستعراض للمكان الكئيب المملوء بالفوضي والفقر , فحجرة المعيشة تتضمن المطبخ أيضا ومن خلال حركات الزوجة ومحاولتها إيقاظ زوجها تتكشف العلاقات شيئا فشيئا ويبدو أن البداية تمرر فكرة أن ذلك الموقف يحدث يوميا تقريبا مع تغيير طفيف , زوجة في عجلة من أمرها تضطر للإستيقاظ المبكر لتحضر الافطارقبل أن تذهب مضطرة للعمل  وتدعو زوجها السكير أن يفيق من نعاسه المستمر أملا في دفعه لتغيير الوضع المزري بالبحث عن عمل ينقذ وضعية الاسرة التي قد يطردها مالك العقار في أي لحظة لو أنهم تخاذلوا عن دفع أجرة السكن , وضمن مهامها اليومية للتوضيب السريع للمكان تجد بالصدفة خطاب من محبوبة زوجها التي تبلغه بأمر حملها وتسأل عن كيفيات التعامل مع الموقف , لتجد الزوجة دليلا دامغا علي الخيانة التي كانت تتوقعها من ذلك الرجل المستهتر وتقرر أن تنتقم لنفسها منه عبر إيلامه بشكل فج عله يفيق ويعود إليها من جديد كرجل رضيت به , رجل كانت تتصور فيه فتي أحلامها فقد خدعها بعباراته البراقة وكلماته الرنانة وتحققه الإجتماعي ولكنها إكتشفت الحقيقة عبر التعامل اليومي معه

الاكتشاف يؤدي بالطبع لتهور الزوجة ويدفعها نحو الايلام والتهكم علي حال الأسرة التي لا تجد قوت يومها وبالمرة تطلب من زوجها أن يحلق ذقنه حتي لا يبدو كالمتشرد وشيئا فشيئا تعرض عليه معرفتها بفحوي الخطاب وتبرر موقفها بكونها زوجته ومن حقها أن تعرف كل شئ عن زوجها وخباياه التي يخفيها عنها , من هنا تبدأ الحكاية في التبدل

العرض يحقق بدقة شروط الموندراما سواء في التقديم القوي للموضوع أو تطوير بنية النص الرئيسية مع الحفاظ علي كون الحكاية عن فتي وفتاة من  المجتمع الامريكي وهو الامر الذي أحيي عليه الدراماتورج ” أحمد عامر” الذي لم يتدخل بحيث يحول الموضوع (لهنا والأن) وإنما ترك الفعل الدرامي “لأونيل” كما هو مع بعض الغيير البسيط سواء في تمرير الانفعال أو ترتيب المشاهد علي إعتبار ان ما حدث يمكن أن يجري في أي وقت وفي كل مكان وظني هنا أن تدخله الاساسي كان عبر تبرير المواقف والأفعال وربطها بقوة بطبيعة الشخصية الدرامية وما يمكن أن يخرج منها بحسب نشأتها الإجتماعية وما تعرضت له من موقف الخطاب الذي قلب الوضع الساكن رأسا علي عقب وهي مسألة قليلا ما نجدها فعادة يتدخل المعد عندنا كي يفسد الحدث بإضافة تفاصيل لا تمثل الشخصيات أو التيمة المتضمنة

ويبدو لي أن اداء “هبة سامي” كان منضبطا لحد تقديم التفاصيل الدقيقة التي تتمتع بها الشخصية الدرامية مع تلوين صوتي يناسب المواقف المختلفة التي تعرضت لها تلك المرأة التي تخاف علي مستقبل علاقتها مع زوجها وتخشي من فشل تلك العلاقة كما أنها في الوقت ذاته تدافع عن الانثي التي فقدت الثقة في نفسها رغم كدها المستمر والدئوب كي تستمر الحياة بكل رهاناتها السخيفة , والتحول الذي جاء في نهاية الحدث الدرامي بدا لي متوقعا فالمرأة التي ضغطت علي زوجها بكل قوة ودفعته للإنتحار بدت منهارة من هول الموقف الذي لم تكن تتوقعه ففي الاصل كانت تقوم بتلك الافعال من اجل عودة الرجل إليها بكليته ليس إلا , ورغم قرب المتلقي في القاعة الضيقة إستطاعت ا، تنفصل وتؤدي بمنطق الحائط الرابع وهو أمر صعب للغاية خاصة وكل تفصيلة من جانب المشاهدين كانت تصل لها وهو الإختبار الصعب الذي نجحت فيه هبة سامي

ديكور المسرحية “ليارا سعيد” بدا بسيطا الي حد كبير فعلي يمين المتلق باب غرفة الزوج وعن يساره مطبخ بائس لأسرة فقيرة وفي المنتصف اريكة وحيدة تبدو كقطعة وحيدة من زمن ولي وحتي زي المرأة جاء فقيرا كتعبير واقعي عن حال الأسرة وفي الخلفية بعض الاطباق ومعدات المطبخ المعلقة , فالحكاية برمتها لا تعدو أن تكون حكاية معتادة في أسرة فقيرة واجهت موقف خطير أدي للنهاية المأساوية , فقط زحمة المكان بالتفاصيل أربك الحكاية التي كان يمكن أن تكون أبسط من ذلك ولكن حرص مهندسة الديكور علي الغرق في الواقعية أدي بنا لهذا المنظر المعتني بتفاصيله الكثيرة التي تضع المتلق مباشرة في صلب الحكاية وتعطيه اكثر من إشارة عن فقر الاسرة

أما إضاءة أبو بكر الشريف فكانت متقنة وتعبر بذوق عن تفاصيل الحكاية مع البحث الطيب عن مصادر غير معتادة للمنظر المسرحي

وكذا كانت موسيقي “محمود وحيد” الذي علي ما يبدو كان قد فكر كثيرا في لحظات الحكاية بطريقة تناسب المواقف المتعاقبة والتشويق للحدث الجلل في جسد الحكاية فالرجل يعرف ما يضمنه من موسيقي للحظات الفارقة في جسد الحكاية المقدمة ويعرف ما يناسبها من موسيقي لا ترهق المتلق وتضعه مباشرة في قلب ما يقدم من حدث درامي

وجاء إخراج “شروق أحمد” لدراما العرض واثقا من قدرة الحكاية المعتادة للمرور لقلب المتلقي وتضمين الدرس الواقعي بكل وعي وقدرة علي ملئ التفاصيل بالتعابير المناسبة , إذ يمكن من خلال التناول الواقعي تقديم مأساة المرأة التي تريد الحفاظ علي زوجها الكسلان حتي اللحظة الأخيرة لتكتشف في النهاية أنها قد ضغطت علي أعصابه وكشفته بكل قوة مما أدي لإنهياره ليصل للكارثة التي لم تكن متوقعة , فقط أهمس في أذنها ما معني تزيد المشهد بالدم في نهاية الحدث الدرامي ؟ لقد كانت لحظة مهمة ويمكن تمرير المصيبة التي حدثت دون دم يملأ يد الممثلة فالافراط قد يؤدي لنتيجة غير مناسبة من قبل المتلقي وكان يرجي في مشهد كهذا الاكتفاء بالكارثة التي حدثت من خلال تعبير المرأة عن الكارثة التي المت بها

ــــــــــ

مسرحنا العدد 566

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock