مقالات ودراسات
الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا يكتب: السامر الشعبي ومسرح السامر وعبد الرحمن الشافعي
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
أحمد عبد الرازق أبو العلا *
ناقد مصري
عودة (مسرح السامر) لممارسة نشاطه من جديد أثار البهجة في نفوسنا ، بعد أن ظل مُغلقا لسنوات طويلة عقب زلزال 1992 ، وهذا المسرح حين انشيء تحت هذا الاسم ، كان الهدف منه هو إحياء فنون الفرجة الشعبية ،واستلهامها في مسرحنا لتأكيد الهوية ، تلك التي سعى لتحقيقها بعض كتاب المسرح في الستينيات ، ومنهم (توفيق الحكيم)
حين أشار إلى ذلك في كتابه ( قالبنا المسرحي) 1967وتحدث فيه عن الحكواتي ، والمقلداتي والمداح ، وتكلم عن السامر والفنون الشعبية الريفية من رقص وتحطيب وغناء ، وحاول تطبيق نظريته في نصوص كتبها قبل عملية التنظير بسنوات: (الزمار1932- ياطالع الشجرة1962 – الصفقة1956) لكنه لم يستكمل تجربته وظلت مجرد نظرية في كتاب.
وهذا ما فعله أيضا (يوسف إدريس ) حين كتب بيانه المعروف بعنوان ( نحو مسرح مصري) عام 1964وفيه تكلم عن فكرة المسرحة ، أي مسرحة فنون الفرجة في ثقافتنا ، واستخدام السامر الشعبي أيضا ،مؤكدا على أن السامر ( لايزال مسرحا شعبيا في الريف ، لايعرف أحد متى بدأ ،
وفي المدينة كاد ينقرض مسرح مماثل ، مسرح الحواري ، وخيال الظل والأراجوز ، وكل تلك الأشكال المسرحية الصريحة ، ولا أعتقد أنها أشكال من احتكار الشعب المصري ولا يمنع هذا أن شعبنا بمواهبه التمثيلية والتأليفية طورها ونبغ فيها ذلك لأن الشعب المصري حدث له شيء في تاريخه لم يحدث لشعب آخر ، شيء قطع تماما كل صلته بتاريخه الطويل الذي يعتبر أطول تاريخ لأي شعب معروف ، أوقف تماما سريان وتوارث التقاليد الحضارية وتراكمها في وجدان الشعب وعقله الباطن والواعي ) ولهذا السبب جاءت دعوته بضرورة إحياء فنوننا تلك ، والعمل على تطويرها ، لتُصبح لنا هُوية خاصة ، مطبقا هذا المفهوم في نص وحيد له هو ( الفرافير 1964) وظل كلامه نظريا أيضا ،
من هنا جاءت فكرة مسرح السامر ، ليكون المكان الذي يحتفي بتلك العروض المسرحية ، التي تستلهم من تراثنا الشعبي ، ما يجعلها تتمتع بالخصوصية ، والتفرد ..
وكلمة (السامر) ذاتها تعني (الحفل الذي كان يُقام في المناسبات الخاصة سواء أكانت أفراحا أو موالد ،أو احتفالا بالختان ، أو ولادة الأطفال ، أو الترفيه عن الفلاحين في ليالي الصيف،كما كان يُقام في الأعياد الدينية الشعبية والوطنية سواء في القرية أو في المدينة ) ويُعد مظهرا من المظاهر المسرحية التي تضم عددا من أشكال الفنون الشعبية ( الغناء – التحطيب – شاعر الربابة المتجول – التحبيظ ) وكلمة الشعبي التي أضيفت إليه ، جاءت على أيدي الباحثين الذي كتبوا عنه ووثقوا تجاربه في أبحاثهم الميدانية .
وتعود فكرة إنشاءه إلى الكاتب ( سعد الدين وهبه ) الذي كان رئيسا للثقافة الجماهيرية في ذلك الوقت ، خاصة حين شعر أن حركة مسرح الأقاليم بلغت أوج قمتها وقدمت مهرجانا مسرحيا على المسرح القومي ، وهنا أحس الرجل – كما قال عبد الرحمن الشافعي في إحدى مقالاته ( بأنه لن تكون هناك حركة مسرحية مصرية خالصة ، إلا من نتاج مسرح جاد للأقاليم ، اذن لابد أن تكون هناك دار عرض في العاصمة تُطل منها ثقافة الأقاليم وفنونها على جماهير القاهرة ومثقفيها ، فكان السامر مسرحا مصريا وشعبيا خالصا ).
تم بناؤه عام 1970 في نفس المكان الموجود فيه الآن ، وافتتح 9سبتمبر قبل رحيل ( جمال عبد الناصر ) بأيام .
وعُين المخرج عبد الرحمن الشافعي مديرا له عام 1971
والسؤال : لماذا عبد الرحمن الشافعي ؟
لأنه اهتم بتقديم عروض المسرح الشعبي ، من خلال (فرقة الغوري) قبل إنشاء المسرح بسنوات ، حين أخرج مسرحية (ياسين وبهية ) لنجيب سرور عام 1967 ، ومسرحية ( آه ياليل ياقمر ) لنجيب سرور أيضا عام 1968 و(كفر أيوب) من تأليف : عبد المنعم خالد عام 1969 و(أدهم الشرقاوي ) تأليف نبيل فاضل 1970 ، وكل تلك الأعمال كما نُلاحظ جاءت في إطار المسرح الشعبي ، الذي انحاز له ، واعتبره مشروعه الفني الكبير . حتى أنه في افتتاح المسرح ، أقام مهرجانا لمسرح الأقاليم ضم ست عشرة فرقة قدمت عشرين عرضا مسرحيا ، وثلاث فرق للفنون الشعبية ، منها فرقة الآلات والمداحين الشعبيين ، وقدم وحده في ذلك المهرجان عرضين من إخراجه هما : (أدهم الشرقاوي ) تأليف : نبيل فاضل- و(شلبية الغازية) من تأليف أمين بكير .
وعن تلك المهمة قال ( عبد الرحمن الشافعي ) : إن المسرح لم تكن له اعتمادات مالية ( توليت مسئوليته بعد نجاحي في تكوين فرقة الحي الشعبي بالغوري عام 1967 وانتقلت منها وبكل فنانيها لمسرح السامر عندما صدر قرار تعييني كأول مدير لهذا المسرح الفقير في سبتمبر 1971 وكنا قد اعتدنا أن نعمل بدون أجر أو امكانيات انتاجية ، فقط تجمعنا روح الهُواية وحماس الفريق منهم النجار والحداد وبعض الباعة وعمال المؤسسات المختلفة ، وأمين شرطة وطلبة ورئيس سنترال وسائق ، هم شطار من زماننا لايملكون سوى عشقهم لفنهم ) . وبهذا العشق استمرت الفرقة ، وانضم إليها آخرون .
وتعرضَ المسرح للحريق – مع خيمة مسرح البالون والسيرك القومي – عام 1975 وظل مُغلقا إلى أن افتتحه السادات عام 1978 بعرض ( عاشق المداحين ) عن ( زكريا الحجاوي) من تأليف : يسري الجندي وأغاني :عبد العزيز عبد الظاهر ، ومن إخراج : عبد الرحمن الشافعي .
وعن هذا العرض تحديدا وملابساته ذكر ( عبد الرحمن الشافعي ) أن خبرا صغيرا نُشر بجريدة الجمهورية يوم 5 سبتمبر عام 1977 فحواه ” تمر ذكرى وفاة زكريا الحجاوي دون أن يلتفت إليها أحد ” أحيل هذا الخبر إلينا بشكل روتيني من مكتب (عبد الفتاح شفشق ) وكيل الوزارة للمراكز الثقافية ( الثقافة الجماهيرية ) باعتباري أشغل – حينها – وظيفة مدير المكتب الفني للوكالة ومديرا لفرقة الآلات الشعبية ،
وكما فهمت أن المطلوب كان إقامة ليلة فنية من خلال فرقة الآلات الشعبية ، وهي الفرقة الممتدة من فرقة الفلاحين التي أنشأها الحجاوي عام 1957 وتم تطوير الاحتفال بعد أن كتب ( يسري الجندي ) مشروعا من ثلاث ورقات يحتوي فكرة الاعتماد على عملين من أعمال (الحجاوي ) المشهورة وهما “أيوب وسعد اليتيم “( حكايتان من الحكايات الشعبية التي كان للحجاوي الفضل الكبير في الكشف عنهما في صورتهما الأصلية ، ويستند اختيار هاتين الحكايتين بالذات إلى وجود أصول لهما في التراث الأقدم عهدا ، وهي أسطورة إيزيس وأوزوريس وابنهما حورس ، والتي تمثل أهمية خاصة في التراث المصري القديم والتراث الإنساني بوجه عام ) .
كل هذا النشاط الذي قدمه الشافعي لمسرح ( السامر ) منذ إنشائه ، دفع باحثا وكاتبا كبيرا متخصص في هذا المجال وهو ( فاروق خورشيد ) إلى أن يكتب عن (عبد الرحمن الشافعي ) ذاكرا ( أنه لم يكتف بالعمل في ميدان المثقفين العاملين ، وإنما دخل إلى المثقفين الشعبيين ، دخل إلى عمق الوجدان الشعبي عند الفنانين الشعبيين المؤدين بالصوت وبالحركة ، ومن هنا كان عبد الرحمن الشافعي موسوعة تستكمل بعد الحجاوي ومن بعد أعلاما كثيرين دخلوا الميدان من باب حقيقي ، ونزلوا إلى مكان بحثا عن الصوت وبحثا عن الحركة وبحثا عن الكلمة ، وبحثا عن المعني ، إن الشافعي أضاف إلى جانب الدراسات النظرية عطاء عمليا حقيقيا )
وذكر أيضا د. عبد الحميد يونس قائلا ( إن متابعتي المتواصلة لأجهزة الثقافة الجماهيرية تجعلني مُطالبا بأن أسجل الجُهد الكبير الذي بذله (عبد الرحمن الشافعي) في فن الإخراج المسرحي وكل من يتاح له أن يتعرف على جهده يدرك أنه يجمع بين الاختيار المتميز ومالهذا الاختيار من اتصال بنفسية الجماهير ، وهذا ما حرضه على تقديم مسرحيتيَ ” عاشق المداحين ” ومنين أجيب ناس “) .
وعقب زلزال عام 1992 حدثت شروخ ، تم اغلاق المسرح بسببها بزعم ترميمه ، لكن الترميم لم يتم ، وظل مُغلقا ، بعد هدمه تماما ، لأكثر من ثلاثين عاما ، وأشهد أن المسرح لم يكن بناء يمثل خطورة ، لو تمت معالجة الشروخ وقتها ، خاصة وأن سقفه كان خيمة ، وليس اسمنتيا ، ولو علم مديره في ذلك الوقت الكاتب المسرحي ( يسري الجندي) أن تسويفا سيتم طوال تلك المدة ، لتم علاج المشكلة وقتها بدون هدمه ..
المهم أنه عاد إلى الحياة من جديد بعد افتتاحه يوم الأحد16 يوليو 2023
وبمتابعة الأعمال الأخيرة التي قدمها ، وعُرضت باسمه على مسارح مختلفة ، منها أرض السامر ، ألاحظ أن عروضه ابتعدت كثيرا عن تلك الفكرة التي قام من أجلها ، وابتعد المسرح عن الهدف الذي كان دافعا لكل من ( زكريا الحجاوي وعبد الرحمن الشافعي ) وكل من جاءوا بعدهما مؤمنين بأهمية المسرح الشعبي ، وفي مقدمة هؤلاء الكاتب (محمد أبو العلا السلاموني ) الذي قدم وحده أكثر من عشرة نصوص في هذا الاتجاه .
فضلا عن تنظير مهم للتجربة في كتاب أصدره قبل رحيله بعنوان ( بيان في المسرح الشعبي ) عام 2023 وأضيف إليه عددا آخر من الكتاب المُهتمين بالمسرح الشعبي (يسري الجندي – عبد الغني داود – سيد حافظ – محمد الفيل – شوقي عبد الحكيم – نجيب سرور – رأفت الدويري – بهيج إسماعيل – فاروق خورشييد – محمود دياب – الفريد فرج- محمد الفيل ) وغيرهم من كتابنا الجُدد .
إن الابتعاد عن خصوصية هذا المسرح ، وتفرد عروضه ، يجعل الاسم مجرد اسم ، فتضيع هويته التي سعي من أجل تأكيدها كل هؤلاء ، ونصوصهم علامة تدل على جهدهم في هذا المجال ، فلا ينبغي أن نقدم فوق خشبته نصوصا أجنبية ، مترجمة أو مُعدة – كما يحدث الآن- وحين نقدم نصوصا لاعلاقة لها بالفكرة التي يحتضنها المسرح ، فإننا نُهدر كل المحاولات التي سعت من أجل تأكيد هوية لمسرحنا المصري .
ولذلك أدعو القائمين على هذا المسرح للالتزام ، بالحفاظ على المسمي ومحتواه ، وليس المسمى فقط ، فلا قيمة للمسمى بعيدا عن تحقيق خصوصية ذلك النوع من المسرح الشعبي ، خاصة وأن هناك تنظيرات كثيرة كُتبت في هذا الإطار كتبها كل من ( د. علي الراعي – د. عز الدين إسماعيل – د. حسن عطية – أبو العلا السلاموني – وكاتب هذه السطور ) .
تلك الكتابات ينبغي أن تساعد كتابنا في الإلمام بطبيعة الكتابة في المسرح الشعبي الذي أصبحت له أسس وقواعد ، وأصبح مفهومه حاضرا ليتحقق واقعيا وفعليا في عروض يقدمها مسرح السامر .
فضلا عن أهمية هيكلة فرقة السامر المسرحية .. واختيار كوادر إدارية وفنية لإدارة المبنى نفسه ..ومتابعة مشاكله وصيانته .. فبدون هذا ستحدث مشكلات فنية وإدارية كثيرة ستؤثر على دوره .
وأخيرا : ضرورة مواصلة التجريب في هذا الإطار الشعبي ، ليحقق الخصوصية التي تعطيه الاسم والمعني.