مقالات ودراسات

الناقد أسامة الزكاري يكتب عن إصدار جديد في المسرح المغربي: “قراءات في أعمال مسرحية للطيب الوزاني”


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

أسامة الزكاري| المغرب

 

 

يتابع الأستاذ الطيب الوزاني خطواته الثابتة في ترسيخ نهجه القويم في التأصيل لمعالم تجربة فريدة في الكتابة المسرحية الوطنية المعاصرة.

 

لم يكتف هذا المبدع بإخراج كتاباته ذات الصلة إلى النور،  بل اختار الطريق الصعب والمؤسس في مسار تلقيح التجربة، عبر إعطاء الفرصة للمتتبعين وللنقاد ولعموم القراء، من أجل استقراء حصيلة المنجز الإبداعي للأستاذ الوزاني. وبذلك، انزاح المبدع الطيب الوزاني قليلا إلى هدوئه الفعال وإلى انزوائه المنتج، من أجل إعطاء الفرصة للمتلقي لإعادة إنتاج النص، وتشريحه، وتفكيكه، في أفق تحويله إلى قيم إنسانية وجمالية تخترق الأزمنة والأمكنة، في مسار تمثلها لإواليات الخلود والتميز والاستمرارية.

مناسبة هذا الكلام، صدور كتاب جماعي تحت عنوان “قراءات في أعمال مسرحية للطيب الوزاني (2017-2022)”، سنة 2024، في ما مجموعه 202 من الصفحات ذات الحجم الكبير. يحاول الأستاذ الوزاني في هذا الإصدار الجديد، الإنصات لنبض التلقي الراشد والتداول المنتج، كمدخل لتخصيب التجربة ولصقل محددات العملية الإبداعية.

 

تظل الأعمال الإبداعية في حاجة إلى قراءات موازية تجعل منها كتابة ثانية للعمل، لاعتبارات متعددة، لعل أبرزها مرتبط بتعدد رؤى المتلقي في تفكيك مضامين المتن، وبالقدرة على ابتكار عين ثالثة، ربما لا ينتبه إلى عمقها وإلى دلالاتها صاحب النص نفسه، سواء على مستوى الأبعاد الفنية والجمالية والقيمية والإنسانية للنص، أم على مستوى آليات الكتابة وأدواتها التقنية واستعاراتها المجردة التي تصنع للمتن خصوصياته وتُضفي عليه سمة الفردانية والتميز.

تبرز شخصية المبدع قوية ووازنة في العمل الجديد للأستاذ الطيب الوزاني، مادام قد استطاع تحرير ذاته من علياء الصمم الذي كثيرا ما أجهض الأحلام وأنهى المسار. يكتب الطيب الوزاني نصه وهو ينصت إلى محيطه، وهو يتفاعل مع قارئه، وهو يُدمج نقاده وزملاءه في بناء المتن والرؤية والأفق.

 

 

والحقيقة، إن هذه الصفة الفريدة التي رسخها الطيب الوزاني مع كتاباته في مجال القصة القصيرة جدا وفي المجال المسرحي، تظل قيمة مضافة لحصيلة تراكم تجربة المبدع الوزاني، زكت مكانته داخل حقل التلقي الثقافي الوطني الراهن. لذلك، تعززت صورة الوزاني الباحث الأكاديمي والجامعي داخل كلية العلوم بتطوان، بصورة الوزاني المبدع المحلق في علياء الفن وفي دروب الإبداع وفي عوالم الافتتان بالجمال وبالخلق وبالإنسان، راسما -بذلك- لنفسه واحدة من أبرز صور البهاء الثقافي الراهن لمدينة تطوان ولعموم بلاد المغرب.

 

وبخصوص الإصدار الجديد ودواعيه، فقد أجملها الأستاذ الطيب الوزاني بشكل دقيق، عندما قال في كلمته التقديمية: “لا يدعي هذا الكتاب وصول تجربة المؤلف المسرحي إلى درجة النضج أو الاكتمال، بل هو يتيح فرصة محاسبة هذه التجربة والسعي إلى تقويمها في سياق البحث المتواصل عن مسرح جاد وهادف يتوفر على رسالة صادقة ونبيلة.

 

اعتمدت الدراسات والقراءات الواردة بهذا الكتاب على ستة نصوص مسرحية في بناء تصور نقدي بناء وواضح، يهدف إلى ملامسة الجدية والعمق الفكريين الثاويين في هذه النصوص، عبر تمرير خطابات تعمل على مساءلة الأوضاع العامة، والتفاعل معها، واستشراف رؤى مستقبلية لتطور المجتمع الإنساني في ظل سيادة أجواء العولمة، وتغول الذكاء الاصطناعي، وسيطرتهما على أنماط الحياة الآنية للناس، وتحكمهما في مآلها القريب،

 

خصوصا وأن هذه النصوص متعددة في مواضيعها، ومتنوعة في مضامينها، وطريقة طرحها وعرضها، وصيغة تفاعلها مع حساسيات ظرفية معينة…” (ص ص.11-12). يتعلق الأمر بنصوص “بيتزا.. همبوركر.. سوشي” (2017) و”آلهة في الطابق السفلي” (2018) و”أحلام بلا لون” (2020) و”شربيل حليمة” (2020) و”سفر في زمن معطل” (2021) و”عناكب في الرأس” (2022).

 

يُقدم الكتاب قراءات فاحصة لمضامين هذه العناوين الستة، بأقلام ثلة من النقاد والمسرحيين والمشتغلين بتفاصيل التاريخ الثقافي، على مستوى التراكم وعلى مستوى التحول، ثم على مستوى القدرة على صناعة التميز داخل مكونات الهوية الإبداعية الجماعية المركبة، وداخل رحاب المخيال الجماعي المنتج للقيم الرمزية الفردية والجماعية، ثم داخل حقل تطور الذهنيات الفردية التي تعتبر عنصرا لاحما لمكونات التراث الرمزي الذي تسمو به نخب تطوان وعموم البلاد عن مستوى الإسفاف الإبداعي وعن التردي الثقافي المهيمن.

 

جاءت هذه القراءات متكاملة بتكامل اهتمامات أصحابها، مما ساهم في إضاءة المتون المسرحية من زوايا مختلفة ومن رؤى متقاطعة ومن منطلقات متكاملة. يتعلق الأمر بكتابات الأساتذة رضوان احدادو، وخالد البقالي القاسمي، ويوسف الفهري، ويوسف الريحاني، وعبد الإله حبيبي، وإسماعيل شارية، والمسكيني الصغير، ومزوار الإدريسي، ومحمد أهواري، وعصام اليوسفي، وفاطمة الزهراء الصغير، ورشيد الأشقر، وعبد الكريم برشيد، وحميد ركاطة، وكمال الكوطي، وعبد اللطيف ندير، وحسناء داود، وأسامة الزكاري.

 

استطاع الكتاب إعادة تشخيص معالم النبوغ في تجربة المبدع الطيب الوزاني، راصدا أبعاد المخاض الطويل الذي تتطلبه “صنعة” الكتابة، في أفق إنتاج النص المشتهى أو المتن الموعود. ويبدو أن إيقاع الاشتغال على هذا المستوى بالنسبة للطيب الوزاني يبرز فريدا لكنه منتجا، متريثا لكنه وازنا، صارما لكنه مؤسسا. ولعل هذا ما اختزله المسرحي رضوان احدادو في تقديمه لمسرحية “بيتزا.. همبوركر.. سوشي”، عندما قال: “اليوم، وهو يطرق باب الكتابة الدرامية يكون فيها، بأصالة أصيلة، رجل مسرح بامتياز، وأحد فرسانه، وصانعي توهجاته المتوارية زهدا في الوهج والتوهج… في المسرح، لم يكن يوما ولا لحظة عليه متطفلا، ولا فيه مدعيا، فلقد جاءه من الباب الواسع.

 

فقد تمرس أول الأمر بالخشبة، تمرغ في غبارها، وأودعها نصيبا من عرقه، وقد بلغ ما بلغ من خلال أعمال متوهجة كممثل ومؤطر وتقني في عدة مسرحيات، لتسلمه مع الزمن مفاتيح أسرارها ومنغلقاتها وشفرات خرائطها وألغازها،… وهو اليوم، حين يدعونا إلى مشتهياته، يكون فعلا قد أعد لنا طبخة طباخ محترف، مجرب، عاشق،…” (ص ص.15-16).

 

إنه عشق المسرح الذي كان له الفضل، كل الفضل، في إثارة الانتباه نحو جبة الإبداع لدى الطيب الوزاني، بعد أن توارت لسنوات خلف جبة الباحث الجامعي. وفي جميع الحالات، فالأمر اكتسب مقومات استمراريته وعناصر تميزه باعتباره إحدى أبرز معالم خصوبة حقل العطاء الثقافي الذي يصنع لمدينة تطوان هويتها الحضارية، اليوم وغدا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock