سينما وتليفزيون

الناقد الأردني ماهر عارف يكتب: أيها المشاهد.. راجع أعمال ومواقف صلاح السعدني، تجده “يعيش” حتى الآن!


المسرح نيوز ـ القاهرة| سينما وتليفزيون

ـ

ماهر عارف

ناقد أردني

 

أرجو منك عزيزي القاريء أن تتفضل بمراجعة  أي عمل تصدر بطولته الفنان المصري الراحل صلاح السعدني، ستجده ينطوي على قيم ومبادىء إنسانية، وقناعات فكرية.
هكذا اختار السعدني وجهته في الدراما، منذ تصدر بطولة الأعمال.
كان مقتنعا بأن الدراما تعيد تشكل الوعي، وتطرح أسئلة وحوارات داخلية لدى المُشاهد، وتفتح آفافا للفكر، ومراجعة الذات.
هذا يفسر إلى حد كبير، سبب اعتذاراته المتكررة عن بطولة مسلسلات تحديدا، واشتراطه أولا “مقولة” العمل، وما يريد إيصاله للجمهور، حتى أنه عُرف بإعادة كتابته بعض شخصياته، قبل موافقته على تقديمها.
مقابل كل عمل يظهر فيه صلاح السعدني، كان يرفض خمسة أعمال على الأقل، في مرحلة كان خلالها “المطلوب الأبرز” على صعيد الدراما التلفزيونية تحديدا، وفي لقاء داخل منزله، كان واضحا تراكم نصوص غطت جزءا وافرا من حائط، يُلاصق مكتبه.
هكذا يتوافق مع واقعه. “عروبي حتى النخاع”، ينطق بآرائه في الفن والسياسة والحياة دون تحفظ، لا يهادن، ويُفضّل الابتعاد تماما، والتأمل، على مخالفة قناعاته، ويفخر بانتمائه لعائلة تضم رموزا في الأدب والثقافة والكتابة الأصيلة، أبرزها الساخر بـ”سوداوية” محمود السعدني، الذي تسببت رؤاه الصريحه، في التضييق على شقيقه فنيا، لسنوات، في مرحلة سابقة.
صلاح السعدني اعتذر عن دور “الطالب الشاعر” الذي جسده أحمد زكي في “مدرسة المشاغبين”، لأنه كان يُحضّر مسرحية من الأدب العالمي بإسقاطات على المجتمع العربي، وتراجع عن تحسيد الشخصية التي قدمها عبدالعزيز مخيون في فيلم “الهروب”، لأن التعديلات الجديدة على النص لم تُقنعه،
في حين قبلَ على الفور دور “العمدة سليمان غانم” في “ليالي الحلمية” بعدما اعتذر المرشح الأول سعيد صالح، لأنه اقتنع بمضامين تتحدث عن ضرورة التمسك بقيم “الحارة المصرية”، ومواقف عُمّالية في مواجهة تغوّل المال.
شاهده في “أرابيسك” يُمسك بتوازانات “ابن المنطقة الشعببة”، الشهم والجدع، الذي لا يخلو من أخطاء ومغالطات، فسرها في حديث إعلامي بـ”المحافظة” على شخصياته “من لحم ودم”، دون مثالية مفرطة، وتطرف تام”.
اسحب أي “شريط درامي” من أعماله، ستتأكد أن هذا الممثل اختار نهجا قائما على “ابن البلد”، و”التنويري”، و”النضالي”، حتى أصبح ذلك مُلاصقا لشخصيته الواقعية أمام الجمهور. “الحب في زمن العولمة”، “للثروة حسابات أخري”، “حلم الجنوبي”، “الأصدقاء”، “أوراق مصرية”، وغيرها من المسلسلات.
حتى “السيف الوردي” الذي شارك فيه الفنان الأردني زهير النوباني بدور المناضل “أبو محمد” عام 2004، كان صلاح السعدني وهو يجسد شخصية صحافي عصامي نزيه پإسقاطات سياسية داخلية، وعلى الوطن العربي عموما، يُدرك إمكانية عدم عرضه بتوسع على الشاشات، بسبب مضامينه، وهذا ما حدث فعلا.
هذا يفسر سبب عدم حصول صلاح السعدني على مكان يضاهي أبناء جيله سينمائيا، فهو لم يهتم ب”الجمهور عايز كده” إطلاقا، وكان يستشهد بإقبال الجمهور على مسرحياته.
“العمدة صلاح” كما يُطلق عليه فنيا، لم يمانع أداء أدوار بعيدة كليا عن النواحي الإيجابية، لكنه كان يريد منطقا ومنطلقات ومبررات درامية، وكان يُصر على أن تأتي ضمن أعمال لديها رسائل. هكذا أراد، وهكذا مضى في حياته وفنّه، حتى ابتعد قبل 11 عاما، وترك الجمهور يعيش على ذكريات مواقفه، وما قدمه دراميا.
عزيزي المشاهد.. راجع أي عمل وموقف تصدره صلاح السعدني، ستجده “يعيش” حتى الآن.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock