الناقد الجزائري الكبير علاوة وهبى يكتب: العبادي ولعبة التيك تاك مسرحياَ!

المسرح نيوز ـ الجزائر| علاوة وهبي

ـ

 ” انا تارة تجدني فاعلا . وفي الازمات فعلا وفي القحط مفعولا به.او مفعولا فيه. لكن لا يروق لي سوي ان اكون علامة استفهام في نهاية الجمل حتي تلك البليدة منها او الهرمة او تلك التي شارفت علي الموت ” . هكذا يقول علي العبادي في مسرحية (مرحاض) علي لسان احدى شخصيات المسرحية ، وكأنه يتحدث عن نفسه هو.

(علي العبادي) الكاتب العراقي الشاب من الاسماء المتميزة في الفعل المسرحي ومشهده في العراق من ضمن مجموعة من الاسماء التي يقوم علي عاتقها حاليا الفعل المسرحي العراقي ومن الاسماء التي لها امتداد في فعل الكتابة المسرحية في البلاد العربية بشكل عام. علي متخرج من كلية الفنون الجميلة فرع التمثيل جامعة بابل .

يكتب النص المسرحي ويكتب الشعر كذلك. كما انه يقف علي الركح ممثلا ويقوم بالإخراج كذلك اي انه يجمع ثلاثة من عناصر الفعل المسرحي في يده وأظنه صمم سينوغرافيا لبعض اعماله كذلك.في قراءتي لمجموعته الاولي (براد الموتي) قلت. ان نصوصه مكتوبة باحترافية كبيرة.وتظهر أن كاتبها عارف بكواليس المسرح وهو اذن كاتب محترف يعرف ما يقول وكيف يقوله. ولا شك عندي بعد قراءة مجموعته الثانية (تفو) .

انه كذلك اذ عندما يكتب، يكتب بفكر الكاتب وعقلية الدراماتورج وإحساس الممثل بمعني انه يجمع بين الثلاثة من عناصر العرض المسرحي لذلك تجد نصوصه لا تحتاج الي قراءة ركحية عند اخراجها من لدن اي مخرج، لأنها كتبت بعقلية الدراماتورج ولا تحتاج الى حذف ما يصعب علي الممثل نطقه على الركح، لأنها كتبت بإحساس المؤدي . وعلي كما صرح هو نفسه يسعي الي ” تأسيس لخطاب مسرحي يحمل هوية وجع الوطن ” . فنصوصه مرتبطة بأرض وطنه العراق وما ألم به وما لحقه من تدمير او ما عرفه من اضطهاد وتعسف سلطوي .وسبق لي كذلك في قراءة مجموعته الاولى. التساؤول وأن كان مسرح (علي العبادي) مسرحا ملتزما وقلت انه اذا كانت الكتابة عن الوطن وهمومه التزاما فان مسرحه ملتزم، وأجدني عند نفس الرأي وأنا اقرأ مجموعته الثانية .

نعم هو كاتب ملتزم بهموم وطنه وشعب وطنه. ولكنه كذلك كاتب يحاول او هو متمرد ثائر وحتى ساخط على الوضع الذي اصبح عليه العراق . وهو الذي عاش كل الذي حدث في بلده طفلا علي مقاعد الدراسة .اعمال (العبادي) في مجملها لا تخضع لمدرسة مسرحية معينة وعن ذلك يقول ” لا احب ان اخضع الي قاعدة مسرحية في الكتابة. ربما القاعدة الوحيدة التي اخضع لها هي كيف لي ان أؤثث فضاء الوجع والفوضي بالدهش .والصدمة والتمرد ” .

هذه الدهشة والصدمة كذلك نجدها في نصوص مجموعته الثانية (تفو) فهو يصدمك بدءاً من العنوان (تفو) الذي هو البصاق وصولا الي العنوان الاخر (مرحاض) ثم (مقبرة) و(انتروبيا). ففي مرحاض الذي هو في الحقيقة مجموع من المراحيض بها اشخاص سجناء ومنهم المارد الذي لم يعد في قدرته تلبية طلبات محرره (علاء الدين) .كما هي شخصيات (مقبرة) الدفانين الثلاثة الذين ما عاد لهم من اموات يدفنونهم. وتستولي عليهم حياة الملل والبؤس اما (انتروبيا) والتي هي اقرب الي السيناريو منها الي النص المسرحي وقد استلهم موضوعها من حادثة واقعية مأساوية هي حادثة (سبايكر) .

(علي العبادي) في هذه المجموعة صادم فعلا وربما حتى ان بعض العناوين عنده مقززة ولكنه هكذا فالمسرح الان وعند الاجيال الجديدة من كتابه (مسرح صادم) لأن الحياة نفسها اصبحت صادمة لما يحدث فيها يوميا من تقتيل وتخريب ومن الجرائم الصغرى والكبرى. في اغلب نصوص المجموعة الثانية هذه نلمس روح مسرح (التيك تاك) في حواراتها و(التيك تاك) مصطلح فرنسي يقصد به الاختصار في جمل الحوار وسرعة ادائه وتبادله بين الممثلين مما يعطي للعمل سرعة في الاداء والحركة معا وهذا نلمسه اكثر في نص (مرحاض)، كذلك هناك مسحة عبثية فيه.

وانت تقرأه تحس وكأنك تقرأ في نص (لبيكيت) خاصة، لان عند (بيكيت) كذلك نجد هذا (التيك تاك) في الحوار وخاصة في نصه (نهاية اللعبة) ، إلا ان ذلك لا يعني أن مسرح (العبادي) مسرح عبثي رغم ان الفاصل بين الواقع واللا واقع الذي هو العبث فاصل قصير ولا يعني ان الواقع الذي نعتقده واقعاً ليس عبثياً .او ان العبث الذي نعتقده عبثاً ليس واقعاً .

وبخصوص اشكالية (التيك تاك) كذلك نجد انه ربما اول من استخدمها من الكتاب العرب هو (توفيق الحكيم) سيد المسرحيين وذلك في نص له نشر في (جريدة الاهرام) في سبعينات القرن الماضي وهو نص في ثلاث مشاهد يستخدم الحكيم في المشهد الاول حواراً لا يتعدى الكلمة الواحدة وفي الثاني كلمتين وفي الثالث ثلاث كلمات وقال عنه “انه نص تجريبي” – اي تجريبي علي مستوي الكتابة – ونص (العبادي) مرحاض به هذا الاستخدام بشكل جيد مما يعطيه سرعة كلام وحركة ما يعنيني قوله هو ان ما يكتبه (العبادي) من نصوص يعد اضافة اضافية لرصيد النصوص المسرحية العربية. وتمردا على موروثها الباهت في الكثير منها وبحث عن جديد يمكنه ان يكون الوجه المعبر حقا عن كل المتغيرات التي تعرفها المنطقة العربية وما قد تعرفه لاحقا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock