الناقد السوداني السر السيد يكتب: العرض البلجيكى”تحول” و أسئلة كثيرة في السياسة والوجود.

عرض في الدورة الثالثة لمهرجاان بغداد الدولي للمسرح

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

بقلم: السر السيد

 

بلجيكا تشارك بعرض  Turba للمخرجة Sarah Deppe .. في الدورة الثالثة لمهرجاان بغداد الدولي للمسرح
بلجيكا تشارك بعرض  Turba للمخرجة Sarah Deppe .. في الدورة الثالثة لمهرجاان بغداد الدولي للمسرح

عبر حالة ادائية تغيب فيها الكلمة الملفوظة تماما ويبرز فيها بشكل جلى ما يمكن تسميته ب ( قول الجسد )..يمكننا القول ان العرض بشكل عام وفى اشارة الى هيمنة النظام الذكورى وانعكاس ذلك على حيوات النساء الشخصية والعامة، يقارب موضوعا ذو وشائج بما هو شخصى وسياسيى واجتماعى وثقافى.

ترى الكاتبة النسوية سوزان بورد : ( ان الجسد وسيطا تنتقل الثقافة من خلاله-نص يقرأ وتتم كتابته من خلال احداث الرواية،والملابس،والازياء- ولكنه ايضا مصدر مباشر لاستدعاء القدرة على التحكم الاجتماعى فى مقدرات الفرد ).
عبر الفرضية اعلاه ادخل الى مقالتى حول العرض.

العرض من تأليف و اخراج سارا ديب،قام بالاداء “سارة ديب” و “انابيل ريد” و “صفاء خميس”..ينطلق العرض فى بناء مقولته الكلية من رؤية “نسوية” سنتوقف عندها فى ثنايا هذه المقالة..يتكون العرض من ثلاثة شخصيات،امرأتان ورجل و تتوالى مشهديته “صوره” فى مكان فارغ خلو الا من بعض الظلال والاضواء والموسيقى والمؤثر الموسيقى وانية منزلية ( جردل )..

انه مكان مستطيل ووفقا للمقولة الكلية للعرض حسب ما ارى يمكن ان يكون مكانا عاما او مكانا افتراضيا يرمز للمجتمع او بيتا..المهم مكان يتوالد فيه صراع مع الذات او صراع مع الاخر كما يحدث عادة فى المجتمع وفى البيت فلا يخلو مجتمع من صراع ولا يخلو كذلك بيت من صراع ايا كان شكل هذا الصراع ونوعه..هذان المكانان المقترحان كمكان للعرض لا يكتملان ولا يأخذان هويتهما الا بوجود الجسد بحسبانه الموضوع الاوضح لتبديات الثقافة الذكورية وبحسبانه فى نفس الوقت المنصة التى تخرج منها المقاومة بحثا عن الانعتاق والتحرر وفقا لمنطق العرض.

يبدأ العرض بظهور امرأتين فى حيز شبه مظلم وفى حالة وضع يشبه التأهب لفعل ما..فى ذات الحيز يظهر الرجل متحركا بما يفيد انه هو الذى يصنع المكان الذى توجد فيه المرأتان وذلك بتوزيع تلك الانية المنزلية فى كل جوانب المكان مما يفيد ان الرجل يرسم حدودا لهذا المكان ..اى يصنعه ويحوله الى مكان ذو أسوار “او حدود” تقبع داخلهما المرأتان ، وهنا يبرز السؤال الاكثر اهمية، من هاتين المرأتين وما نوع العلاقة التى تربط بينهما؟؟ الاجابة هى ان العرض لا يشير الى العلاقة التى تربط بينهما..لكنه يقول: انهما امرأتان لا أقل ولا أكثر وانهما موجودتان فى حيز مكانى وزمانى واحد وانهما ترتديان ملابس متشابهة حتى فى اللون ( بنطال وطوب اسودان ) وانها اى هذه الملابس عابرة للهويات والثقافات بحيث لا يمكن من خلالها تحديد هوية هاتين المرأتين العرقية او الثقافية او الجهوية، فهذه الملابس يمكن ان توجد فى كل بلدان العالم ومع هذا فهى ليست بريئة لانها تفيد التعبير عن المرأتين كنوع فى مقابل الرجل كنوع مما يعنى ان المرأتين فى العرض ترمزان الى المرأة كنوع غض النظر عن هوياتها الاخرى.

فى العرض الذى ينهض على الجسد وهو هنا جسد انثوى حيث ان الرجل فى هذا العرض يحضر ” كشخص ” وليس كجسد، ورمزيا يبدو كسلطة او كحيلة درامية تأخذ وجاهتها كضرورة لتنظيم المكان ( مكان العرض ) كما اشرنا ليصبح الرجل دلالة على ” السلطة الذكورية ” وتمددها وهيمنتها على فضاء اللعب “مكان العرض” اى على السياسي والشخصى، ولان الشخصى هو السياسي

 

وفقا للمقولة النسوية الشهيرة، نرى الجسد الانثوى وعبر الرقص والذى هنا هو تعبيرى بامتياز فهو يقوم على تشكيلات متنوعة للجسد عبر توظيف الاطراف،الكفين،القدمين، الساقين ، البطن،وتكوينات تتنوع بين استقامة الجسد وانحناءاته..الحبو على الركبتين..الزحف على البطن..الاستلقاء على الظهر ..هذه التشكيلات والتكوينات تتم وكأنها فى حوار مع الزمن فهى تأتى مع وعكس عقارب الساعة وتأتى وكأنها فى حوار مع المكان ( المجتمع او البيت ) او فلنقل “”التاريخ”” وذلك بالعمل على تهشيمه وتغيير علاقاته عبر السيطرة عليه بالجسد..بالانسراب عبر الرقص فى كل جغرافيته_ وسطه..اطرافه..عمقه _ فى اشارة الى اعادة ترسيمه وذلك بالتدخل فى الترسييم الذى صنعه الرجل عبر الانية المنزلية ” الجردل” وما حوته من اصباغ متنوعة الالوان..

 

يتم هذا التدخل عبر الموسيقى وسطوع الجسد واحتفاليته..الجسد الذى تبدى متنوعا عبر الصور الذى شكلها وشكلته فهو افريقى واوربى واسيوى..جسد كونى..نرى المرأتين وقد افرغتا كبتهما وقهرهما التاريخى برقصهما عكس التيار..عكس السائد والمهيمن وبضربهم وزحفهم على تلك الاصباغ التى دلقها الرجل فى مكان اللعب والذى رمزيا يشير الى المجتمع او الى التاريخ لتكون الاصباغ رمزيا بمثابة المفاهيم والافكار والعلاقات التى تصنع تمييزا ضد النساء وتصادر حقهن فى المساواة وجدارتهن بالحياة الكريمة…هذه الاصباغ وعبر الجسد الانثوى المقاوم..نراها تتحول شيئا فشيئا الى لوحة جميلة..تتحول من االتشويه والقبح الى التناسق والجمال فى اشارة الى ان المرأة لا تولد امرأة ولكن علاقات التاريخ هى من تجعلها امرأة وهو ما يعنى ان التمييز ضد النساء وقهرهن هو نتيجة لعلاقات تاريخية يمكن تغييرها ون مجابهة النظام الذكورى والغائه فى مصلحة النساء والرجال.

هذا عرض ادائي ممتع..يثير العديد من الاسئلة السياسية والوجودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock