الناقد السوري الكبير أنور محمد يكتب: محفوظ عبد الرحمن .. المسرح لتعميق الشعور بإنسانيتنا!

المسرح نيوز ـ سوريا| أنور محمد*

*ناقد مسرحي سوري.

 

 

 

هكذا المسرح عند محفوظ عبد الرحمن 1941 – 2017, لآنَّ الفكر وجودٌ يتطوَّر تاريخياً بصفته بعضٌ من فعلٍ, يتولَّدُ من الفعل الذي يزيد مساحة الوعي؛ وعي الضرورة.

 

ففي مسرحية “عريس لبنت السلطان” يكسِّر/ يحطِّم أوثان السلطة السياسية كانت مُحتلاً هو الخاقان (تيمورلنك) الذي يحاصر المدينة, أو يتزوج الأميرة ذهبية بنت السلطان شعبان الغازي, فيدوس محفوظ بقدم الشعب على رأس تيمورلنك ومَنْ ماثله, ويزوِّج ذهبية من الصعلوك أحمد الغلبان. محفوظ يريد أن يصعلك الدولة لتشرب الحقيقة بكأس الناس الغلبانين؛ فتسمية أحمد ب (الغلبان) حاملاً رسالة تيمورلنك للسلطان شعبان الغازي كي يزوجه ابنته ذهبية أو يجتاح المدينة ليست عابرة أو صدفة عابثة, هو مسارُ الصراع التراجيدي, فتقعُ ذهبية في حُبِّ أحمد, فتُفضِّل الصعلوك أحمد على المُحتل تيمورلنك فيتأزَّم الصراع. محفوظ هنا ضد زيجة يتمُّ فيها سلبُ بكارة ذهبية, محفوظ لا يكذب على (جُوَّاه) ولا على (عقله), أحمد وذهبية صارا عاشقين. وذلك ببديهيتهما الإنسانية, هذه البديهية الوجودية الشعورية, فزواج ذهبية لو تمَّ مِنْ تيمورلنك لما كُنَّا بحاجة إلى أنْ يكتب محفوظ وغيره من الكتَّاب مسرحية أيَّ مسرحية.

 

فالزواج كاذب, لأنَّه زواجٌ جبري, ذهبية فضَّلت – وإنْ كان قلبها دقَّ لأحمد؛ الزواجَ من مظلوم على الزواج من ظالم وهي الأميرة بنت السلطان وليست من عامة الشعب, الذين خرجَ منهم أحمد والذي سيقود الثوَّار فيما بعد ضدَّ تيمورلنك وسدنته من التجَّار وخونة الوطن, لأنَّ محفوظ يكتب وفق تخطيط ومنهج عقلي, وهو يُصَعِّد الصراع مُتدرجاً في البرهنة على أنَّ مَنْ يدير ظهره للناس وحاجاتهم مقابل أن يطيع تيمورلنك وأعوانه سيسقط, فلا تأويل ولا تحوير ولا تزوير ولا تغافل ولا تجاوز ولا تهميش لحرية الناس ومطالبهم.

 

فكلُّ زواجٍ قسري هو عملية قرصنة وسرقة للجسد. محفوظ عبد الرحمن يكتب مسرحه- وإن كان هناك مباشرة في بعض مفاصل مسرحياته في الخطاب القولي/الحوار, بتركيبٍ عملي ليُحقّق الفكر/ الفعل, ليُحقِّق الصدمة الحسِّية, الصدمة الانفعالية عند القارئ وكذا المُتفرِّج: فكر وصدمة؛ إنْ في مسرحية “عريس لبنت السلطان” أو “حفلة على الخازوق” أو”الحامي والحرامي” أو “كوكب الفيران” أو “الفخ” أو “احذروا”. وذلك ليكون أكثر تأثيراً على المشاعر/الأحاسيس- مشاعرنا. ثمَّة مكانٍ وزمان, زمان في حالة انبجاس وتدفق. فالأحداث/الصراعات تكاد تخطف صورة الواقع, وكأنَّ محفوظ ينتزعها من قلب الحياة, فيضعنا في مشاهد من الجدِّ والهزل والسخرية والتهكُّم, فنرى الطِباع البشرية في غاية نُبلها كما في مُنتهى جشعها ودناءتها وخسَّتها, وهو يستدعي وعينا. فما يكتبه هو تجاربُ مُعاشة, هو جدلية صيرورة لإنسان يتعرَّضُ للتهميش والإذلال فيما هو قضية الكون المركزية.

 

محفوظ في مسرحه يقود صراع الوعي الإنساني (الآني) مع وجوده التاريخي, هناك مُتسلِّط واحدٌ وضحايا كُثُرٌ يتمُّ تسليعُهم وكأنَّهم مُلكية خاصة لهذا المتسلِّط المُتسلبط كما في مسرحية “حفلة على الخازوق” حيث السلطان يجور على العباد, يُروِّعُهم بواسطة مساعديه, فيسلبون ويقتلون الناس كأنَّهم (أقنان) يشتغلون عندهم, كل هذا ولا علمَ للحاكم بما يفعله سدنته بالجماهير.

 

محفوظ؛ وبسخرية حاول أن يعدِّل الاستجابات الغريزية العدوانية للحاشية جسد الدولة بكبح اندفاعاتها, لكنَّه المسار التراجيدي للصراع الأزلي بين الخير والشر؛ فالخير يتعرَّض للعقاب على أيادي أعوان الشر الذين يبدون عُصابيين وهم يحطمون كل ما هو مُتمدِّن للعودة إلى ما هو متوحش, فنصير أمام مشاهد في غاية السوريالية والفاشية. المسرح عند محفوظ عبد الرحمن كما عند سعد الله ونوس وهما ينهلان من التاريخ ومن حكايات الليالي الألف وفوقها ليلة, هو سعي منهما لتحقيق شفاء الناس من الاستبداد, ذلك بتفجير وعيهم بمآسيهم وبما وصلوا إليه من انحطاط, فنعيش صراعات من الخرافات والغيبيات التي تؤسطر المستبد كونه خليفة الإله في الأرض, فلا نعيش ك (بشر) في حانة أو ماخور. محفوظ عبد الرحمن عمل في مسرحياته على تعميق الشعور بإنسانيتنا, فنحن لسنا قطعان غنم, وإذا نجونا من الموت فلا تكون الحياة مصدراً لعذابٍ لا يُطاق.

 

الشارقة الثقافية عدد شهر 11 تشؤين الثاني 2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock