الناقد الفلسطيني تحسين يقين يكتب: انطلاق مهرجان المسرح المدرسي الفلسطيني: رافعة جمالية وطنية
بالصور.. مهرجان الفرح المدرسي.. مهرجان التعبير الراقي جماليا وإنسانيا.. الأمل!
المسرح نيوز ـ فلسطين | مقالات ودراسات
ـ
تحسين يقين
ناقد فلسطيني
انطلق مهرجان الفرح المدرسي..
مهرجان التعبير الراقي جماليا وإنسانيا..
الأمل!
نعم، على مدار 5 سنوات في فلسطين، عام يتلو آخر، تراكم الجهد والإبداع، كانوا-وكن طلبة ومعلمين/ات يحتاجون لفرصة ممارسة الإبداع، واكتشاف ذواتهم عبر المسرح: أبو الفنون وأكبر مدرسة بشرية عرفها الإنسان.
لقد كانت العروض قطفا لثمار رحلة التعلم عبر الممارسة والتدريب، بتشجيع وإشراف وزارة التربية والتعليم ممثلة بالإدارة العامة للأنشطة، وبخاصة قسم المسرح.
لقد فوجئنا بما نما من إبداع في العديد من العناصر المسرحية، والأهم هو محبة المسرح، ونرجو فعلا زيادة الاهتمام والعناية بالمسرح المدرسي، لما له من دور داخل المدرسة في التكوين الثقافي والإنساني، وهو رديف الابداع التربوي. وخارج المدرسة في الحياة والمجتمع والكون.
في حديث مع دكتور سامح مهران مؤسس ومدير مهرجان المسرح التجريبي في مصر، والذي تمت إضافة مفردة المعاصر حديثا لاسم المهرجان، في دورة اليوبيل الفضي، ناقشنا مسألة دور المسرح في التنمية الفكرية والسياسية، ووافق على ما ظننته انه عندما تم تأسيس المهرجان قبل 32 عاما، كان ذلك الهدف الفكري التنويري ودمقرطة الحكم في وعي المؤسسين، حيث كانوا شبابا. وقد رافقه في رحلة الارتقاء بالمسرح كل من عصام السيد وفهمي الخولي. تذكرت أنني كنت طالبا سنة أولى في مصر مع الدورة الأولى حيث واظبت على المشاركة طول سنوات الدراسة.
المسرح أبو الفنون بدون منازع، ودوره لا يمكن تجاوزه إن أردنا، وطريقه يبدأ من البدء..
لماذا المسرح والمسرح المدرسي؟
لأن المسرح من خلال الحوار والتحليل قادر على المساهمة في تنمية التفكير لدى الناشئة؛ فهو يحقق لقيم الحرية والعدالة والمساواة؛ فالمشاهدة الواعية تخلق التفكير، وهو أي التفكير مفتاح التنمية الفكرية والسياسية والاجتماعية.
لا بد من تهيئة الأطفال من خلال المسرح المدرسي، والشباب في المسرح الجامعي، فمن خلال الفن نحقق عدة أهداف فنية وإنسانية واجتماعية-فكرية-سياسية ووطنية.
ولعل البدء بالمدرسة والبيت سيظل الأكثر أهمية، وصولا لخلق جيل جديد، وأيضا التقاط المواهب فنيا وفكريا.
إذن يشكل المسرح المدرسي رافعة ليس لبناء المسرح في بلادنا، بل هو رافعة فكرية هامة، من روافع الارتقاء بالمجتمع على طريق التنوير والتحرر.
قبل عدة سنوات، بدأ المسرح المدرسي يتمأسس عربيا وفلسطينيا معا، من خلال رعاية الهيئة العربية للمسرح، حيث كانت فلسطين حاضرة أيضا في بناء الخطة الاستراتيجية للمسرح المدرسي العربي.
وفيما بعد، تطورت عروض المسرح المدرسي في المدارس، برعاية إدارة الأنشطة الثقافي في وزارة التربية والتعليم، حيث أمكننا من خلال المشاركة في تحكيم المسابقة الخاصة بها، الاطلاع على إبداعات الطلبة والمعلمين/ات، وأمطننا ملاحظة الاتجاهات الموضوعية الناقدة اجتماعيا وثقافيا، في الوقت الذي تطورت أدوات المبدعين من معلمين مشرفين وطلبة، في مختلف عناصر العمل المسرحي، حيث نزعم اننا امام انطلاقة هامة لإعادة بناء المسرح. وهو فوق ذلك يساهم في بناء جمهور رائع للمسرح الجاد، وهذا يعني بناء الإنسان.
سرور وإبداع وتفكير وتعلم، وتفكير ناقد فعلا بدأ يأخذ مساره عبر العروض أكثر من الأساليب التقليدية السائدة، فبالرغم ما تطور منها آخر عقدين، إلا أن هناك حاجة ماسة فعلا لتشجيع التفكير النقدي-الناقد بالتزام حقيقي نحو المحيط والمجتمع.
لقد تجمعت عدة ملاحظات وتعمقت وصار هناك ضرورة للتقييم دعما لهذا التطور الفعلي في مجال المسرح المدرسي، وهو مرتبط أيضا بطريقة التفكير وكتابة النصوص، ومن هذه الملاحظات، إن هناك ضرورة الاطلاع ومشاهدة الأعمال المسرحية، وقراءة المسرحيات حسب المراحل العمرية. والتفرقة بين المسرح والدراما التربوية، والتعاون البناء بين المدارس المشاركة، بحيث يمكن عمل مسرحية مثلا يشترك فيها مواهب من مدارس مختلفة ذكورا وإناثا.
ومن هنا، ينبغي الانطلاق من الصق الفني وعدم التكلف، والإصغاء الى شعور الطلبة وتفكيرهم هم/وهن، حيث يقوم الكبار بالتوجيه والعناية بدون تدخل يفسد هموم واهتمامات ومواهب وإبداعات الأطفال أنفسهم، حتى لا يتحول المسرح إلى وعظ وإرشاد يكرس الفكر النمطي.
لا بد من الوعي على ان المسرح في المدرسة والحياة هو وسيلة معرفية وفكرية ووطنية وقومية بشرط ألا تدخل في نطاق التلقين!
لقد تطور اتجاه الطلبة (العروض) الى الخروج من البكائيات، بحيث لم تعد البكائية هي السائدة، وإن ما زالت، ففي الحياة الفلسطينية مواضيع وأحداث أخرى، كما أن سياقات حياة الأطفال أنفسهم أحرى بأن يتم كتابتها منهم، حيث كنا نود لو نرى سياقات حياة الطلبة أنفسهم. فمثلا كنا نتوقع مثلا وجود وسائل التواصل وتكنولوجيا المعلومات أكثر عمقا وحضورا.
لقد أنجزت الهيئة العربية للمسرح في النصف الأول لهذا مشروع «إستراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي»، الذي أقر من قبل ممثلي وزارات التربية والتعليم في ثمانية عشر بلدا عربيّا، والذي يحتوي على خطة عمل إستراتيجية للسنوات العشر القادمة، إضافة إلى دليل عام للنشاط المسرحي لكافة المراحل من مرحلة ما قبل المدرسة إلى المرحلة الثانوية.
وهناك أهمية لإعادة الاطلاع على استراتيجية المسرح العربي، لأنها تتجلى عند التنفيذ وطنيا (قطريا) وقوميا، متفاعلة معا، في التعبير عن قضايا كل مكان ضمن مكان الوطن العربي الكبير، تنطلق من أروقة المدارس، لتبذر بذور التأمل والتفكير؛ فالمسرح المدرسي هو تجل لكل هذا التفاعل الإبداعي!
إنه إنجاز مهمّ، للمستقبل الثقافي والفني والفكري والسياسي العربي، لما يملك في ثناياه وخطوطه العريضة، من طموح تكوين الفكر الاجتماعي المتنور القائم على العقل، لدى الطلبة العرب في المدارس، كي نعيد مسيرة التنوير إلى مجراها، بهدف تحقيق ما لم نحققه من قبل.
ففي ظل استهداف الإنسان العربي صغيرا وكبيرا، فإن العقل هو الضمانة، لحماية الأمة العربية أفرادا وشعوبا من الشعبوية والنزق والعنصرية والتطرف والغلو. ومن وسائل ذلك الفنون وعلى رأسها أبو الفنون المسرح.
المسرح المدرسي منظومة مسرحية، لا ينفصل عن كل ما له علاقة بالمسرح والفنون،
فالطلبة المشاركون ومعلموهم ومعلماتهم بحاجة للتدريب المستمر معا وبشكل منفصل، كل على حدة، من خلال إشراك المسرحيين في التدريب، والبقاء على تواصل حتى تقديم العروض ومشاهدتها وتحكيمها. كذلك إيجاد آلية لتبادل الخبرات؛ فما زال الطلبة في العروض بحاجة للتدريب في الحركة والصوت؛ فالمبلغة في الأداء تضعف العرض وتجعله متكلفا.
وجميل أن يواكب تطور المسرح المدرسي، تطور التربية والتعليم.. لذلك فإننا نتذكر اليوم تربويين وفنانين مذكرة التفاهم بين الهيئة العربية للمسرح (A.T.I) والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، لتنسيق التعاون بين الطرفين في سبيل خدمة المسرح العربي عامة والمدرسي خاصة، باتجاه تحديث التربية والمجتمع.
في العاشر من تشرين الأول هذا العام للعام الخامس على التوالي أحيا الطلبة وأسرة التربية العربية «اليوم العربي للمسرح المدرسي»، حيث نعيش الآن بالاقتراب من الربيع قطف ثمار ما تم بذله في الإدارات الخاصة بالمسرح المدرسي عبر عروض مهرجانات المسرح المدرسي العربي، وفلسطين في الصف الأول من هذا الجهد.
وإننا لنرجو أيضا المشاركة والحضور في مهرجان المسرح المدرسي العربي، يشاهد فيه التربويون والفنانون العرب أطفال العرب وهم يعبرون على خشبة المسرح عن أنفسهم وقضاياهم وقضايا أوطانهم وأمتهم والإنسانية، حتى لكأنهم يمنحون الكبار أفكارا ومشاعر، وطاقة للعمل، للنهوض بالنصوص المسرحية، والتي ستكون نهوضا بالفكر العربي، أهم مقدمة ضرورية للنهضة.
إننا الآن نشهد بدايات فاعلة دور المسرح المدرسي الفلسطيني في التنوير والتنمية الفكرية والسياسية..
وتبقى المدرسة المكان الاستراتيجي والعملي لتأسيس الوعي والجمال.
- تكونت لجنة التحكيم الوطنية لمهرجان المسرح الوطني من كل من الفنان رياض صوالحة مسؤول المسرح في وزارة التربية، والكاتب والقاص زياد خداش والناقد المسرحي تحسين يقين
Ytahseen2001@yahoo.com