الناقد الكبير أحمد هاشم يكتب عن: عروض شرق الدلتا المسرحية.. وإيثار النصوص الأجنبية!
المسرح نيوز ـ القاهرة| أحمد هاشم
ـ
إقتصر إنتاج العروض المسرحية فىإقليم شرق الدلتا هذا العام على أربعة عشر عرضا مسرحيافقط، وهوالإقليم الضام لأربع محافظات (الشرقية، كفر الشيخ، دمياط، والدقهلية)، وقد جاءت العروض كلها بنصوص مسرحية أجنبية!! بإستثنىاء عرض واحد فقط هو “مأساة مهرج ملك” فى قصر ثقافة “قلين بكفر الشيخ” تأليف الشاعر “أحمد سامى خاطر”، وهذا المشهد المسرحى لهذا العام فى هذا الإقليم بوضعيته تلك ـهو ليس فريدا فى ذلك بين الأقاليم الأخرى، وإن إختلفت النسبة قليلا هنا أوهناك ـ يضع أمامنا مجموعة من القرائن الدلالية التى لايجب أن تمر دون إستقراء، وإستجلاء
أولها : تراجع النص المسرحى المصرى، والعربى فى مقابل النصوص الأجنبية ( 1 الى13)، ويعكس ذلك حقيقتين
1ـ تراجع النص المصرى، والعربى فى مقابل النص الأجنبى إنما يعكس بوضوحعدم معرفة كافية من مخرجى الثقافة الجماهيرية بالنصوص العربية، مضافا إلى ذلك عدم وجود نصوص عربية كبرى ـ فى العقدين الأخيرين على الأقل ـ تثير الملكة الإبداعية لدى هؤلاء المخرجين، أوتتشابك مع قضاياهم وهمومهم المؤرقة لهم كمخرجين مبدعين.
2ـ تراجع النصوص المسرحية المصرية فى مقابل النصوص الأجنبية لا يعنى أنجفت قرائح الكاتب المسرحى، حيث دور النشر المصرية على سبيل المثال تخرج علينا بعدد لا بأس به من النصوص المسرحية، إلا أنها لم تعد نصوصا كبرى بالمعنى الأدبى، وافتقدت الصلة التى كاننت تربطها بذلك المعنى الذى تجلى فى نصوص مسرح الستينات، وما تلاها فى السبعينات (يسرى الجندى، محمد أبو العلا السلامونى) على سبيل المثال لا الحصر، وغيرهما، وانتهت مع بعض نصوص “بهيج إسماعيل”،وكذلك بعض نصوص “لينين الرملى”. وإن كان الأخير ترتبط كثير من نصوصه بصلات لأصول نصوص أجنبية!،
أما ماتلى ذلك من كتابات للعديد من الكتاب قد إنتحت منحى آخر من حيث قيمتها الأدبية، بالإضافة ـ وهذا هو الأهم ـ فقد جاءت ثائرة فى تقنياتها على ما سبقها من كتابات، وحلت الصور البصرية محل الصور البلاغية، كما اقتربت من أسلوب الكتابة السينمائية والتليفزيونية، حيث أصبحت مخاطبة العين تحتل مكانة لا تقل عن مخاطبة الأذن (معظم أعمال إبراهيم الحسينى، سامح عثمان، يوسف مسلم، بكرى عبد الحميد، شاذلى فرح)، وحتى كتابات “سعيد حجاج، وأحمد البنا” لم تبتعد عن تلك السمات رغم كونهما شاعرين، حيث أصبحت تلك التقنية فى الكتابة صبغة عصر،
ومعظم مخرجو الثقافة الجماهيرية لم يتخلص بعد من تلك الثقافة الشائعة حول مسرح الثقافة الجماهيرية، والتى تعود مرجعيتها فى حقيقة الأمر إلى جيل الوسط من هؤلاء المخرجين، إذ لابد للعرض أن يجمع بين الأغنية الشعبية، الرقصة، الربابة، التنورة، إلى غير ذلك من (تماحيك) بعناصر الفرجة الشعبية غير المبررة بنائيا أو جماليا، مما جعلهم فى مأزق لدى ذيوع تلك الكتابات الجديدة، والمجددة، (بالرغم من كل مالها ، وكل ما عليها أيضا) ، ولم يكن أمام هؤلاء المخرجون ـ الجادين منهم على الأقل ـ إلا اللجوء إلى النصوص الأجنبية التى إنتشرت بل إكتسحت موسم ذلك العام على النحو الذى ذكرناه، وإن لم ينف ذلك ـ أيضا ـ الحقيقة التى أشرنا إليها وهى إنتفاء وجود النصوص المسرحية الكبرى بالمفهوم المشار إليه، أوربما إنتهاء عصرها . ونستطيع أن نضيف إلى ذلك رغبة راسمى خريطة الموسم ـ وهذا مما يحسب لهم ـ بالإدارة العامة للمسرح فى الإنفلات والخلاص من إحدى السمات التى إصطبغ بها مسرح الأقاليم، بإنكفائه على مجموعة من النصوص ظل المخرجون أسرى لها، يلوكونها، ويجترونها لعقود حتى باتت (راكور) فى عروض فرق الثقافة الجماهيرية لسنوات طويلة.
ثانيا : تشابكات الواقع والفعل الثورى
1ـ عروض محافظة الشرقية
فى قصر ثقافة الزقازيق كان عرض “روميو وجولييت” للإنجليزى “شكسبير” فى رؤية معاصرة قدمها المخرج “وفيق محمود” متوشحا ببعض الثورية التى تمسك بها الشابان فى وجهالكراهية الموروثة بين العائلتين ويعلنان موقفهما الذى يضطر الآباء للتسليم به، ويدعونهما ليشكلا حياتهما الجديدة وفقا لما يريانه بعد أن يتغلب حبهما على الكراهية الموروثة تلك.
وفى العرض الثانى بالمحافظة “محكمة العدل فى بلخ” بقصر ثقافة “فاقوس” تأليف الكاتب الإيرانى “بهرام بيضانى”، الذى يقدم لأول مرة فى المسرح المصرى، إعداد وإخراج “محمد صابر”، وتتمحور تيمته الرئيسية حول ثورة شعب “بلخ” على ظلم النظام الحاكم (كبير الشرطة، مقدم البلاد، وقاضى القضاة) وينجح الشعب فى إزاحة ذلك النظام الفاسد عن السلطة بعد فضح ممارساته، وإنقاذ الفتاة “نورهان” الطامع فيها كل من القاضى، وكبير الشرطة، وإخراج المساجين المحبوسين ظلما من محبسهم.
2ـ محافظة دمياط
عرض “البؤساء” عن الرواية الشهيرة التى كتبها “فيكتور هوجو”، وأعدها الدكتور “سمير سرحان” كعمل موسيقى غنائى (ميوزيكال) وأخرجها لقومية “دمياط” المخضرم “رشدى إبراهيم” الذى أقحم عليها ( ولهذا مقام آخر) الفعل الثورى الذى غير واقع الفقراء…… بينما جاء العرض الأخر بدمياط، فى قصر ثقافة “كفر سعد” وهو “الأرض الحمراء” للكاتب الأسبانى “ألفونسو ساسترى” إخراج ” البورسعيدى “طارق حسن”، وفيه ينتفض عمال المنجم ضد صاحبه حين يصدر أمر الطرد لزميلهم العامل “بدرو” من مسكنه الإدارىمع وصوله سن التقاعد، وينجحون فى تغيير واقعهم ليصيغوا واقعا عمليا آخر، بعد أن تولوا شئون إدارة المنجم رغم مساندة السلطات الأمتية لصاحب المنجم.
3ـ محافظة كفر الشيخ
شملت المحافظة أربعة عروض هى “عطيل يعود” فى قصر ثقافة” فوة” تأليف “نيقوس كازندزاس” إعداد، وإخراج “محمود نجيب”، وبعيدا عن رداءة هذا العمل إجمالا، إلا أن بطل المسرحية الداخلية (إذ كان العرض مسرح داخل مسرح) يثور على المؤلف (الداخلى) لشعوره بأنه (المؤلف) يمزج بين شخصية الممثل، وشخصيته الحقيقية فى الحياة، وفى قصر ثقافة “قلين” يقدم المخرج “محمد على إبراهيم” مسرحية “مأساة مهرج ملك” للمؤلف الشاعر “أحمد سامى خاطر” ـ وهو النص العربى الوحيد بالإقليم!!!! ـ وفيه يثور الشعب بل وبعض العاملين بالحاشية على الملك الجاثم على صدورهم كل عمره، ويسعى لتوريث العرش لإبنه، وينجحون فى الخلاص من الإثنين معا،
وفى قصر ثقافة “بيلا” يقدم المخرج المتميز “حسن عباس” العرض المسرحى “المحبرة” للكاتب “كارلوس مونييث” ولا يخل العرض من الملامح الثورية ـ حتى وإن كانت ثورة سلبية يلقى بها البطل “كروك” فى وجه واقعه، ووجه الإنسانية جمعاء حين يقرر الخلاص من واقعه هذا المليئ بالظلم والنفاق والخيانة (حتى من زوجته) والمفعم بكل أنواع الفساد إلى الدرجة التى يفقد معها القدرة على التعايش فيه، فيضع جسده تحت عجلات القطار.
4 ـ محافظة الدقهلية
يثور النساء على إنفراد الرجال دونهن بسلطة تشريع القوانين، وعدم السماح لهنبالتمثيل فى البرلمان، وينجحن فى الإستيلاء عليه ويتولين هن شؤونه بعد طردهن للرجال منه، ذلك فى عرض “برلمان الستات” الذى قدمته فرقة “فلاحين المنصورة” عن نص الكاتب الإغريقى “أريستوفانيس” من إخراج “السيد الدميرى”، وفى عرض “سمك عسير الهضم” لقصر ثقافة”سماد طلخا” تأليف “مانويل جاليتش” إخراج “محمد عبد المحسن” بعد كل الظلم الذى يعانيه الشعب من الفساد الناتج عن تحالف السلطة ورأس المال، وإسيطرتهما على الإعلام، وإستخدامه لصالحهما فى توجيه القطيع بالتدليس، ونشر الباطل من الحقائق، لصالح السلطة ورموزها المتحالفة لنهب الشعب، وإبعاده عن المشاركة فى تقرير مصيره، حتى ينجح فى فضحهم، وكشف فضائحهم السياسية، والأخلاقية‘ ولا يتأتى ذلك دون ثورة على من يتعاملون معهم كالقطيع.
وتقدم فرقة قومية الدقهلية عرض “دايرة التباشير” إعداد الدكتور “طارق عمار” عن “دائرة الطباشير القوقازية” تأليف “بريخت” إخراج “سيد فجل” وتتمأسس تيمة العرض على الثورة العارمة التى يخوضهاشعب الدوقية، والدوقيات المجاورة ضد ذلك النظام المالك للأرض بمن عليها من عباد، على الرغم من كونه نظام هش لا يملك حتى القدرة على الدفاع عن نفسه‘ حين يثور عليع الشعب بعد تفشى الظلم والفساد، ليصبح الشعب عقب ثورته مالكا لموارد أرضه، كما يقوم بمحاكمة رموز نظام الحكم السابق، وإن لم يتخلى النظام الجديد من بعض فساد يتمثل فى تحالفه مع بعض منفلول النظام السابق، لاسيما بعض كبار العسكر مع رئيس المحكمة.
وفى قصر ثقافة “السنبلاوين” لا يجد “النساجون” مناصأ من الثورة على صاحب مصنع النسيج المستغل لهم، ومحاسبتهم بما لا يتساوى مع مايبذلونه من جهد، وإنتاج وفير، ولا تتوقف الثورة عليه فقط بل على معاونيه بما فيهم السلطة الأمنية المتحالفة معه،حديدية القبضة، الباطشة لكل متذمر، دون أن تجد أية غضاضة فى إطلاق نيرانها القاتلة على الجميع، “النساجون” إعداد وإخراج المجتهد “أحمد الدسوقى”.
ومما لا شك فيه أن تواتر الفعل الثورى فى تلك العروض قد جاء محض صدفة، إلا أنه يعكس بجلاء أنها تيمة مؤرقة لصناع المسرح حال كونه مرآة تعكس النبض الحى للمجتمع، ويعبر عن حالة المخاض التى يعيشها ذلك المجتمع إثر وطأة كل المتغيرات التى يعيشها، وقد وجد هؤلاء الفنانون فى أعمالهم المسرحية متنفسا يعبرون فيها عما يجيش ليس بصدورهم فقط بل عن حالة القلق، والتوتر المخاضية التى يعيشها غالبية الشعب المصرى الراغب فى تجاوز المنحنى التاريخى التى يعيشها بكل ضبابيتها التائه فيها أية ملامح محددة لمستقبل قريب يرنوا الكل تجاهها