مقالات ودراسات
الناقد المسرحي حيدر الشطري يكتب: التوظيف البيداغوجي في عروض مسرح الدمى “عرض مسرحية انا وامي”
مقاربات نقدية للدورة السادسة من مهرجان بلد الصمود الدولي بالعراق 2020
المسرح نيوز ـ مقالات ودراسات | القاهرة
ـ
حيدر الشطري
غالبا ما يسعى مقدمو عروض مسرح الدمى الموجهة للأطفال الى الاجتهاد في تقديم عروضهم التي يراعون فيها الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية للطفل ليحققوا بذلك مستوى عال من التلقي لدى الاطفال ومد جسورا من التواصل بين ( الباث والمستقبِل ) وبالتالي الوصول الى عرض مبسط لطروحات النص واهدافه وغاياته الثقافية وايصال المفاهيم والافكار للطفل وفق معاييره المعرفية ومعتقداته التي يعتقد بها.
ونتيجة للظرف الاستثنائي الذي يمر به العالم في تعرضه للوباء وبعدما كانت عروض مسرح الدمى تقدم في الشوارع والميادين والحدائق وعدم امكانية ذلك لاشتراطات الوضع الطارئ الذي تعيشه الانسانية , لذلك سعى مقدمو عرض الدمى ( انا وامي ) الى تقديمه وفق توظيف فني مسرحي من داخل البيت باعتبار ان ذلك وسيلة جديدة لطرح تعليمي ذو دلالات قيمية وإنسانية عليا.
ولعدم امكانية تقديم مسرح الدمى والعرائس في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية وعرض دروسه التعليمية لذلك تحولت صالة البيت الى قاعة لتلك العروض وبالتالي يشاهدها الاطفال عبر وسائل الاتصال الحديثة لتكون متاحة لمشاهدتها من قبل الجميع.
وقد سعى عرض مسرحية ( انا وامي ) الى تبني معالجات فنية بسيطة كان الغرض الرئيسي منها تعليم الطفل وتوجيهه نحو
خبرات حياتية ومهارات جديدة لم يكن يعرفها سابقاً.
وتبين ذلك من خلال كون الدمى في هذا العرض شخصيات انسانية هي ( الام والابن ) حيث تتحول الام الى لعب دور المعلم الذي يوجه التلميذ نحو السلوك الذي يجب ان يسلكه في تعامله اليومي مع الاشياء بما يتفق مع تفكيره ومداركه .
وقد عمل العرض على تأكيد ذلك وتكريس قيمة التعلم لتحقيق الهدف الاسمى والوصول الى الغايات النبيلة التي حرص العرض على تقديمها وان تكون هي فكرته الوحيدة دون ان يذهب بعيداً في طريقة عرضه او اللجوء الى التعقيد في طرح رسالة العرض عبر تأسيس مكانية مشهده المسرحي والاشتغال على بيئة قريبة ( البيت) من الطفل بل هي بيئته وهي عوالمه التي يعيشها .
وبذلك سلك العرض اقصر الطرق في توصيل افكاره , فالمسرح الذي يخاطب الطفل يسعى دوما لإخباره عن أمر مهمّ ربما يكون غائبا عنه او لا يعرفه ، او فكرة تستهويه ، أو حكمة يود سماعها، أو موضوع يريد أن يقنعه بمدى أهميّته في هذه الحياة.
وقد وفق العرض بذلك رغم قصر مدة تقديمه بما حرص على توفيره من خبرات تعليمية كانت الطفل احوج الى معرفتها وتعلمها فقد تحدّث عن ضرورة الابتعاد عن الطعام الذي لا يوفر مادة غذائية مفيدة ( الشيبس, الشوكولاته ) وتوجيه نظره الى مواد اخرى ( الزيتون , الزعتر, واللبن , البيض) والتي تكون اكثر جدوى في بناء جسم سليم ومعافى .
وقد ركز العرض الى اسناد طرحه هذا بالاعتماد على مقولات معروفة وحكم بليغة وكذلك على آيات قرآنية ( والتين والزيتون ) لتكريس عملية اقناع الطفل بوجوب تناوله للطعام الاكثر فائدة له وان محاولة ترسيخ ذلك تعني المساهمة في بناء طفل يساعد في بناء مجتمع متماسك وقوي ومتين.
وهكذا كان العرض درساً تعليمياً بقالب تمثيلي لكي يبقى عالقا في ذهن الطفل فالدروس التي تقدم بطريقة التمثيل والحركة واستعمال اكثر من حاسة في تلقيها تكون أكثر رسوخاً في ذهنه.
لذلك كان مسرح الدمى وسيبقى ضمن دائرة اهتمام الطفل وتعلّقه به ، هذا المسرح الذي ينمّي قدراته الذهنية والحركية والوجدانية والحسيّة وحتى الجمالية.
وقد كان لاختيار شخصية الام في هذا العرض له دلالاته المعرفية والتأثيرية , فالأم هي المعلم الاول للطفل وهي اول من يستمع الى نصائحها وتوجيهاتها وهي من تقوم بلفت نظره وشد انتباهه وتحريك مخيّلته وتصحيح السلوكيات الخاطئة بما يتوافق أولاً مع حالته النفسية ومدى استعداده والمرحلة العمرية له.
فقد استطاعت الام في هذا العرض تصحيح الأفكار الخاطئة التي كان يقوم بها ابنها ومن ثم زرع نزعة البحث عن الصواب في داخله باستخدامها لطريقة التثقيف وإيصال القيم الفاضلة وتعزيز الاخلاق النبيلة في سلوك ابنها والذي هو بالتالي سلوك الاطفال الاخرين والذين هم عبارة عن ورقة بيضاء يمكنها بسهولة الكتابة عليها كل ما ترغب فيه وفق دراية ووعي مدروس ومحسوب .
كان كل ذلك من خلال تقديم مشهد تمثيلي يدلّ على ابتكار مناخات ثقافية جديدة تنطلق من البيت ( المسرح ) لتحدث تغييرات في داخله وخارجه في نمط حياة وسلوكيات ألابن ، هذه التغيّرات تركت بصماتها واضحة عليه، ولمسنا ذلك من خلال يقينه في تبني عادات جديدة ومفيدة.