الناقد المسرحي “محمد الروبي” يكتب: “مشهد” … مسرحنا صديقى الشاب … فلتكذب ولكن بصدق محمد الروبى
محمد الروبي
كاتب وناقد مسرحي
مصر
ـ
“كذب مساوى .. ولا صدق مفرّط ” … حكمة شعبية بليغة ، أظن لو أنها كانت قد وصلت إلى أرسطو لفرح بها فرحا كبيرا ، ولكتبها بحروف من ذهب كمقدمة لكتابه ” فن الشعر ” الذى تعلمنا منه قوانين الفنون الدرامية . فهكذا هى الدراما ببساطة ” كذب متساو ” فى مقابل صدق الواقع . فأن تكون كاتبا دراميا بارعا ، عليك أن تكون كاذبا بارعا ، كاذبا بصدق!
عزيزى الكاتب الشاب ،هل تصدمك هذه الحقيقة البسيطة ؟ هل يؤلمك كثيرا أن تكون كاذبا ؟ … لا يا صديقى فالكذب الفنى غير مؤثّم ، بل على العكس هو مبجل . وإن كنت ما تزال مصدوما ، فأعلم أن ( الصدق الفنى ) ما هو إلا إنعكاس لمزيد من كذبك .
والآن هل ستهدأ قليلا إن إستبدلنا وصف ( الكذب) بوصف آخر ؟ … هل نسميه ( خيالا ) مثلا ؟ … فليكن ، ولكن سيظل الأمر مرهونا بإن كان هذا ال (خيال ) متساو أم مبعثرا . ذلك هو الشرط الذى يعجز البعض عن تحقيقه فيلجأون إلى الإدعاء بأنهم ( يكتبون الصدق .. يكتبون الواقع ) . هؤلاء يا صديقى هم الكذبة الحقيقيون . ولعلك سمعت رد بعضهم حين يواجهون بمن يقول لهم : ما هذا الهراء الذى تكتبون ؟ فينظرون بتعال، ثم يتساءلون بتعالم : ( أليس هذا ما يحدث فى الواقع ؟ أليس هذا ما يقوله الناس فى الشارع ؟ أليس .. أليس …. ).! قل لهم نعم قد يحدث فى الواقع ، ويحدث كثيرا. فالواقع تحكمه المصادفة ، أما الفن فيحكمه قانون آخر .. قانون ( الكذب المتساوى .. الكذب المرتب .. الكذب الممنطق ) .. وهذه قدرة لا يملكها إلا القليل ، لا يملكها إلا من منحه الخالق موهبة كاملة ، أما أنتم فأنصاف ، ونصف الموهوب هو الكارثة الكاملة … وما أكثرها كوارثنا .
لماذا أقول لك ذلك الآن ؟ .. لأن الأمر فاق الحد ، وامتلأت الساحة بالمستسهلين .. وهو ما يجعلنى قلقا عليك ، أن تظن أن ذلك هو المسرح ، أو أن تيأس من محاولاتك واجتهاداتك ، وتسارع بإخراج خبزك قبل أن ينضج ، لتحجز لنفسك مكانا فى طابور المستسهلين ، بائعى النيىء والفج . لا تكتب إلا ما تحس ، ولا تكشف عن كتابتك إلا بعد الإطمئنان عليها ، وابحث عمن يصدقك إسأله وعاود الكتابة مرة ومرة ومرات حتى ترضى ، انت أولا .
و فى خضم محاولاتك لا تكف عن السؤال : ” لماذا أكتب .. ماذا سأضيف .. ” ..وأحلم بأن تكون إضافة لقائمة الكبار ، وإلا فلتكف .
صديقى الشاب لا تفعل كما المستسهلين ، أولئك الذين يبررون خطاياهم بأنها تجارب جديدة ، فالجديد لن يأتيك إلا بعد استيعاب من سبقوك ، فإن أردت أن تكون كاتبا جيدا عليك أن تكون أولاً قارئا جيدا . وإذ لم تجد جديدا تقوله فكف .. كف .. كف .
والآن .. هل صعبت عليك الأمر ؟ .. إذن إنسى ما قلته لك .. و.. اكتب .