مقالات ودراسات

الناقد باسم صادق يكتب عن: ” مسرح التليفزيون من محمد صبحى إلى أشرف عبدالباقى”


باسم صادق*

ناقد مسرحي وإعلامي مصري

ـ

أربعة أنواع من السهرات المسرحية ظهرت خلال هذا العام بشكل جاذب للجمهور، ولنجوم لديهم رصيد كبير فى قلوب المشاهدين على اختلاف فئاتهم.. بدأها أشرف عبدالباقى باستئناف عروض فرقته بعد أن صار اسمها “مسرح مصر” بسبب خلافات إنتاجية مع الشركة المنتجة لعروض “تياترو مصر”.

وفيها واصل عبدالباقى ونادر صلاح الدين فكرتهما القائمة على كوميديا “الفودفيل” أو الهزلية فى تناول أفكار اجتماعية بعينها والاعتماد على الارتجال فى تشكيل مضمون العرض المسرحى، وذلك من خلال سهرة مسرحية مكونة من عرضين مدة الواحد منها لا تتجاوز الساعة..

سمحت تلك التجربة بظهور عدد كبير من المواهب التى تعرف عليها الجمهور فى الأعوام السابقة، واستطاع أن يثبت موهبته إلى حد كبير ويشكل قاعدة كبيرة من المعجبين، فبعد أن كان على ربيع هو صاحب الرصيد الأكبر من المعجبين فى المواسم السابقة بسبب تلقائيته، وملامحه الشعبية القريبة من وجدان البسطاء، بات واضحا هذا الموسم ان هناك أكثر من موهبة لديها القدرة على تجسيد شخصيات متنوعة وإضفاء الملمح الشعبى عليها بكثير من الإتقان، ولعل أكثرهم لفتا للأنظار فى هذه التجربة كل من مصطفى خاطر، حمدى الميرغنى، حامد السيد، وعمر متولى، فلدى كل منهم بصمة تميزه عن الآخرين، فخاطر صاحب لديه القدرة على تقمص شخصيات العجائز والمساكين والبُلهاء بحرفية عالية، بينما يملك حامد السيد القدرة على التنقل بين الغناء والتمثيل ببراعة تسمح له بأن يخدم كل منهما الآخر عبر نبرات صوته متعدد الطبقات، فى حين يستغل الميرغنى ملامحه الشعبية وتلقائيته فى إضفاء روح المرح على أى مشهد يظهر فيه، أما عمر متولى، فقد استطاع ان يغير من جلده تماما ويطور من أدائه بعد أن احترف أدوار الشاب ثقيل الظل فى الدراما التليفزيونية، ليتجه نحو الكوميديا بلا تكلف او فذلكة.

التجربة الثانية تمثلت فى عروض تياترو مصر والتى لم تجد الصدى اللازم لها -كما كان يتوقع صناعها- حتى الآن، وأظن أن السبب فى ذلك واضح جدا وهو محاولة استنساخ نجاح عروض تياترو مصر الأولى التى كان بطلها اشرف عبدالباقى، فلجأوا إلى نجم الكوميديا بيومى فؤاد والمجتهد أحمد فتحى والفنان محمد لطفى الذى لم يتمكن من إثبات ذاته على المسرح حتى الآن، بالإضافة إلى الاستعانة بعدد من الشباب مثل أحمد عبدالهادى وأحمد والى، وغيرهم.. ولعل اسوأ ما فى هذه التجربة أنها لم تبدأ بهدف محدد لها منذ البداية، وإنما كان الهدف تكرار تجربة عبد الباقى بأى شكل، فكانت النتيجة انسحاب المخرج محمد الصغير بعد عدة عروض، ثم اسناد المسئولية للمخرج المتميز إسلام إمام، والذى أتصور أنه مازال يتحسس بوصلة التجربة حتى الآن لأنها فى الأساس تفتقد وجود “النص” باعتباره ملاذها الوحيد من الفشل.

ومع الشهور الثلاثة الأخيرة من العام تطورت فكرة السهرات المسرحية فصارت جزءا من برامج اجتماعية لاثنين من مشاهير الفن والإعلام فى مصر، وأتصور أنهما يمثلان تطورا لفكرة برنامج “المسرحية” الذى قدمه المخرج القدير عصام السيد العام الماضى باعتباره بداية لفكرة معرفة رأى المشاهدين فيما يدور من أحداث وتناول تلك الأحداث مسرحيا بشكل آنى وفورى على المسرح.. أما البرنامج الأول فهو “بيت العائلة” للإعلامية القديرة نجوى إبراهيم، وفيه راهنت على طاقات الشباب، باعتبارها هى أصلا تمثل طاقة حيوية شديدة الإيجابية، لذلك اجتهد أبطال فرقة “1980 وانت طالع” فى تقديم اسكتشات مسرحية سريعة ومكثفة لسلبيات حياتية نعانيها كل يوم مثل طغيان التكنولوجيا على حميمية العلاقات الإنسانية، عقوق الوالدين، وغيرها.. والأهم فى هذه العروض أنها تمثل صورة حية لفكرة تآلف فريق العمل، فصناع تلك العروض هم المؤلف الشاب محمود جمال والمخرج محمد جبر وأبطال مسرحية “1980 وانت طالع” الذى نال عدة جوائز فى مهرجانات متعددة، واستطاع ابطاله أن يصلوا لدرجة من التفاهم تؤهلهم لصنع عمل مسرحى متماسك فى وقت قليل، وإن كنت أخشى عليهم من عنصر الوقت الذى قد يدمر أى تجربة ناجحة تحت تهديد عنصر الإنتاج، وضرورة ظهور العرض بأى شكل فى الوقت المحدد.

أما التجربة الأخيرة فهى لجوكر المسرح المصرى محمد صبحى، فى برنامج “مفيش مشكلة خالص” والذى واجه أيضا عدة انتقادات بسبب الخطابية المباشرة فى تناول سلبيات المجتمع وعرضها، بالإضافة إلى اجترار شخصياته التى قدمها فى مسرحياته السابقة مثل “عم ايوب” بلا أى ابتكار، وهو ما أصاب الكثيرين بخيبة الأمل فى صبحى باعتباره صاحب كاريزما طاغية بين عشاق المسرح، وفى رأيى أن صبحى سعى عامدا إلى فكرة الخطاب المباشر نحو الجمهور إيمانا منه بأن سلوكيات المجتمع قد وصلت إلى درجة من التدنى التى لا تصلح معها المواربة، أو التدليل، لذلك أظن أنه اختار إطار أو “فورمات” لبرنامجه يجمع فقرات بعضها يخاطب من خلاله جمهوره فى الصالة ويتفاعل معهم، والآخر يعرض لهم اسكتش هزلى سريع عن تاثير بعض السلبيات على المجتمع مثل عرضه “الحبونوس” الذى تناول فيه فكرة الشائعات فى مجتمع الريف مع ديكورات جذابة وسينوغرافيا موظفة أحسن توظيف.. ثم فقرة غنائية أو شعرية لفنان شاب أظن أنه يحتاج لاعادة النظر فيها لأنها أضعف ما فى البرنامج، مثلما أظن أنه مع الوقت يحتاج إعادة النظر فى فكرة الاستعانة بشخصياته القديمة لأنها تمثل إقحاما على موضوع الحلقات.. نحن بحاجة إذن لمزيد من الابتكار من رجل شكل جزءا مهما من تاريخ المسرح المصرى.

ـــــــــــــ

الأهرام


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock