الناقد د. محمد سيف يكتب لـ “المسرح نيوز” من باريس عن مسرحية.. “أخذ الكلام” بين السرد.. والفعل البصري

المسرح نيوز ـ باريس |محمد سيف

ـ

 

ما هو العرض؟ ما هو السرد؟ لماذا يعتبر العرض والسرد متعارضان تمامًا؟ ما هي آثارهما؟ هل لان السرد يهيمن على القصة، في حين أن العرض يحتاج دائما إلى أداء؟ وهل أن عرض مسرحية “اخذ الكلام” كان خاليا من هذا لأخير؟ والجواب، هو أنالأمر ليس كذلك تماما، في حقيقة الأمر، طالما كان هناك، أداء، وسرد وأفعال بصرية. ولان النص اعتمد في كليته على سرد أحداث شخصية في عقد الخمسين، تمتهن الصحافة كوظيفة، كان لابد من معالجة مسرحية موازية، تضع شريط استرجاعات هذه الشخصية ومفردات جرارات ذكرياتها، في سياق أدائي مختلف تتداخل فيه عناصر جمالية متنوعة،تعتمد على اللعب، وعلى تشظي السرد وتحويله إلى أفعال، صور، إيقاع، ديكور، اكسسوارات، وسينوغرافيا، تنحت المجال الحكائي للنص بصريا، وتؤثث فضاء اللعب المسرحي بطريقة تليق بنص جميل، وغزير بأحداث آنية، تاريخية، سياسية وشخصية، كتب بأسلوب سلسل شعري،عميقوبسيط في آن واحد، لا يمنح نفسه بسهولة؛ كتب على هيئة لوحات وكل لوحة تحمل عنوانا يستوقف المشاهد، القارئ، والمستمع. لم تخضع هذه العناوين، لمنطق تسلسل الخطاب أو الحدث الواحد وإنما إلىأحداث، تداخلتفيها فترات زمنيةمتباعدة أحيانا بعشرة سنوات وأخرى بأقلبقليل، ولكن هذا التماسف الزمني، لم يؤثر على وحدة وبناء النص وتناسقه وإنما بالعكس عزز من قوته، متعته، تنوعه، عنصر تشويقه، ومنح المخرج والممثلة، فسحة من التأمل الجمالي الخاصبالحياة وفي لغة المسرح نفسها.

د. محمد سيف
د. محمد سيف

 

في الحياة، هناك من يتحدث من أجل ألا يقول شيئًا، وأولئك الذين لا يريدون الإصغاء إلى أي شيء، وأولئك الذين يلفتون الانتباه، بمجرد ما يفتحون أفواههم. وشخصية “عصام اليوسفي” تنتمي إلى النوع الثالث من البشر.هل لأن لديها شيء غير عادي لتقوله؟ إنها هنا، أمامنا فوق الخشبة، ربما خائفة قليلا، وهذا مشروع لأن هناك صراحة في حضورها وإخلاص في خجلها. سوف تحدثنا عن حالها وأحوالها،من خلال” ألبوم صور العائلة المركون في زواياذاكرتها،كما لو أنها تطمئن نفسها على نفسها بنفسها.

هي: “أنا أعود إلى المنزل الذي ولدت فيه، حيث نشأت، لا نبش ذكرياتي المدفونة بين أغطية الأسرة ومصاريع النوافذ، ربما سيساعدني ذلك على رؤية حياتي بوضوح “(مسرحية أخذ الكلام، ص 15).

إذن نحن أمام خطاب مسرحي تتمظهر فيه صور شتى، مادية محسوسة، وخيالية مجردة، ومع ذلك يظل فضاء المنزل الذي يدور فيه وعليه الحدث، واقعا محتملا يتكون من جزئياتحقيقية،تتشكل شيئا فشيئا،في سياق سردي، يتخذ في هذا النص، أشكالا لا حصر لها،من خلال الجمال اللغوي والخيال الجمالي، واللغة البصرية المستعملة من قبل المخرج “محمود الشاهدي”.

المنظر داخلي، حيث الأثاث المغطى بأغطية بيضاء…هذه هي الطريقة التي يبدأ بها المؤلف “عصام اليوسفي” سلسلة كاملة من الطقوسالحياتية، داخل المنزل، والأماكن التي سوف تستحضر من خلاله، وداخل الجسد أيضا، لإعادة خلق الخارج ربما.في هذا النص/العرض، ارتبط المكان بالزمان وبالعكس، بشكل وثيق،باعتمادهما على بعضهما البعض،وتفاعلهما وتبادلهما التأثير والتأثر. فبدى المكان بحكم طبيعته زماني، والزمان بحكم طبيعته مكاني، ويصعب أن يوجد الواحد من دون الأخر. انصهرا في أسيجة الذاكرة المليئة بالأحداث،فأصبحافضاءات لأحياءالحزن، الحنين والفرح، وكذلك الخيبة.

في عمل عصام اليوسفي،تقع الشخصية المحوريةتحت تأثير” الزمكان”، ويتجلى حضورهاذين الأخيرينبكل تجلياتهما وتفاصيلهما،من خلال سردها للأحداث، التي لجأت فيهاإلى أحاسيس أروقة الذاكرة، وصورها التي صارت بعيدة عنها. كما لو أنها جاءت لتحتمي بها، أو تجمعها وتنظمها وفق تصور ناضج، وواع مختلف، أوربما لكي تنظر اليها من خلال التماسف الذي خلقه الزمن، لا سيما أنها تركت منزل العائلة، في عمر الثلاثين وها هيتعود اليه بعد عشرين سنة تقريبا؛ أو ربما أيضا جاءت لتختبر ذاكرتها الحقيقية، التي لا أحد يستطيع الإفلات منها.وهكذا بات الزمكان،بالنسبة لها بمثابة ممارسة إنسانية مرتبطة بأحداث وأشخاص كانت تعيش معهم،لم يبق منهم اليوم سوى أطيافهم، أصواتهم، وبعض الصور والأثاث؛ مرتبطا بالتاريخ الشخصي لها وبتاريخ البلد الذي ترعرعت به وعاشت أحداثه المتغيرة؛ مرتبطة أيضا بالمشاعر والمواقف والانفعالات والتفاصيل الصغيرة والكبيرة المعلنة والخفية، الواقعية منها والمتخيلة.

  • العرض

لكي ندخل في اللعبة المسرحية التي رسم خطوطها الدراماتورج عصام اليوسفي، من خلال تصويره لألبوم صور العائلة والأحداث التاريخية التي عاشتها بطلته، من ستينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات، لجأ المخرج “محمود الشاهدي”، إلى تقنية ” المابينغ “، التي أسقطها أو زاوجها منذ الوهلة الأولى للعرض بسينوغرافيا ” طارق الربح” التي كانت عبارة عن كرسي وطاولةمصنوعان من الخشب، ميكرفونان على جانبي فضاء اللعب، وصورة معلقة على خلفية المسرح التي كانت عبارة عن شاشة بيضاء، متواصلة دون انقطاع، مع شاشة سفليةتغطي مساحة محدودة من الخشبة، لحصر اللعب وتكثيفه، هذا بالإضافة إلى شاشتين على جانبي الشاشة الكبيرة في خلفية المسرح، ولكن أقل ارتفاعا، متصلتان هما أيضا بشاشتين أرضيتان ولكن، أقل صغرا، بحيث أوحى لنا هذا الرسم الخرائطي للمكان، بمنزل، وصالة استقبال، وأبواب غرف جانبية. كان الغرض من هذه الشاشات البيضاء، تمكين تقنية “فيديو المابينغ” المستعملة من قبل المخرج،في تطبيق ورسم العديد من المناخات، وجعل أي سطح من سطوحها يكون له حضورابارزا، كما لو انه حقيقي واقعي: مادة، ملابس، ديكور، معمار هندسي داخلي، وإلى أخره … وهذه كانت واحدة من نقاط قوة العرض وقدرته على تحويل وتطوير الفضاء بأقل ما يمكن من الخدمات اللوجستية دون تغيير هيكلها.لقد خلق المخرج منذ المشهد الأول خلفية للعرض القت بنا مباشرة في الأحشاء الداخلية للمنزل. بحيث بمجرد ما تصل الممثلة “الهام الوليدي” مكان الحدث، وتقوم بفتح باب المنزل، لتدخل، تتغير الإضاءة ويتحول العالم الافتراضي إلى فضاء داخلي لمنزل مهجور وليس خشبة مسرح. إذن، المخرج ” محمود الشاهدي” يراهن في عمله هذا، على الوهم البصري، وعلى العصا السحرية للمسرح، في تجاوز إشكاليات السرد في المسرح،وتحويله من سردي لغوي إلى سرد بصري مرافق،يحدد من خلاله مكان اللعب ومناخاته التاريخية المتعددة.إنه خلق سينوغرافيا خاصة بالأحداث، جعلتنا نطل على الكثير من التفاصيل التي لم تكن مجسدة بالضرورة من قبل مفردات الديكور.

وهكذا، تواصلت بداية النص، وبداية العرض مع أداء الهام الوليدي، بشكل متوازي، ثم تقاطعت والتقت في تصوير نوع من الجاذبية والمتعة الفرجوية،من خلال خلق نوع من المحادثة الفنية المتناغمة، لم يكن فيها رابح أو خاسر، بقدر ما أنتجت عملا متصافيا مع طبيعتهوأسلوبه. لا سيما أن ما كان يقوله المؤلف على لسان حال الشخصية، نراه أحيانا يتزامن مع الصور والأفلامالمقتطعة من الأرشيف، وصوت المغنية أم كلثوم،فبدى العرض والسرد واللعب متشابكين بطريقة منسجمة معقدة ومن العبث التفريق بينهم.

 

 

تصل شخصية مسرحية “أخذ الكلام”، إلى منزل العائلة، لكي تبوح بما يعتمل في النفس من مشاعر وأفكار،وحنين؛لتصف حياتها بلغة رسم حركة الكلام وتلونه، الذي صورلنا إحباطاتها وتطلعاتها في الحياة؛ تبدأ بالحديث عن طفولتها، عن ماضي أيامها؛ لتنقلنا من مشهد لأخر لأمكنة داخلية، خارجية ومواضيع شتى من خلال رؤى موضوعية، ذاتية، وتأملية، تلقي الضوء علىاختلاففلسفة أمها وأبيهافي الحياة، ومع ذلك: بقيت بضعة أشهر بعد وفاة والدي، واختها الصغيرة “إيمان” التي كانت تتمنى أن تكون ممثلة ومغنية أوبرا. في هذا المقطع من البوح، تجلس الممثلة أمام ميكرفون في وسط أعلى المسرح، لا نرى منها سوى وجهها ويدها المنعكسان على الشاشة الخلفية الكبيرة وهي تمسح المكياج عن وجهها، كما لو أنها في غرفة مكياج لمسرح، وهنا إشارة واضحة إلى رغبة أختهاالتي كانت تريد أن تكون ممثلة، وفي نفس الوقت، إشارة لنوع من التعرية والكشف عن تفاصيل اجتماعية حميمة، لا تليق إلا بلغة المسرح ونبلها. لا سيما أن أختها ” إيمان” كانت مترددة بين الغناء الأوبرالي والتمثيل، وفي النهاية تختار التمثيل، وهذا امر ليس بالسهل.وعندما يتقدم لخطبتها أحد شباب الحي الذي أصبح شرطيا برتبة كبيرة، تتردد وتقاوم، بحجة:” انه رجل سلطة وسوف يخلط بين الأمكنةوالأزمان، ونقل عمله كرجل سلطة إلى المنزل”، فتظل تسألنفسها أسئلة مسرحية: ” هل يستطيع الحب أن يكون اعمى إلى الدرجة التي يجعل من شرطي يتزوج من ممثلة؟”. وفي النهاية لا يتم الزواج، فتشعر”إيمان” بنوع من الندم، لعدم زواجها به،ولكن بعد فوات الآوان، مثلما تشعر بخيبة أمل من الفن أيضا، الذي تفوح منه رائحة كريهة بسبب الفنانين ونظرتهم الضيقة للفنانات خاصة.ثم تنتقل إلى أخيها “مهدي”الذي أصبح أقل رومانسية وباتت أفكاره راديكالية عن الحب والنساء، وهنا تتخلى الشخصية عن وسائطية الشاشة الكبيرة، وتقوم بتوجيه كلامها إلى الجمهور مباشرة لتنقل، انطباعات أخيها “مهدي” وفلسفته عن النساء،في اللوحة التي عنونها المؤلف “الحب بدون حب”:” إن نساء اليوم فارغات الرؤوس ويردن ملئها بأي شيء، إنهن ثرثارت، انتهازيات، متغيرات، مريبات، وغيورات”.في هذه اللوحة،تحدثنا الشخصية المحورية،عنالفرق بين الحب والزواج، ومفهومهما من وجهات نظر مختلفة لشباب وشابات محكومين بالخجل والكبرياء والشك والمفاهيم غير الواقعية أيضا، التي تكشفضمنيا عنرغابتهم في أن يكونوا في قلب الآخر والشك في الحصول على مكان فيه، وهذا بحد ذاته ما يذكرها “بكمال” الذي كان بالنسبة لها مشروعا عاطفيا، بددته السياسة والسجن واغترابه عن البلد واحتشامه المبالغ به.

وهكذا تتضاعف الأسئلة والذكريات والأبعاد في فم البطلة، لتعطينالمحة موجزة عن العصر الذي كانت تعيش فيه، باقتضاب وكثافة كافية لتمنحناصورةعنه، دون إسهاب أو اصطناع، وبأسلوب لا يخلو من الفكاهةوخفة الدم أحيانا، كما في لوحة “صديقتي وانقطاع الطمث”.

 

إن الحدودفي هذا العرض، بين الفنون وخصوصيتها، لا وجود لها تقريبا، أنها تؤثر وتتأثر ببعضها، من خلال تبني المخرج لبعض الوسائل اللازمة لتوليد خيال مضاعف بطرق مختلفة، وإدخال جماليات، وعلاقات مكانية أخرى، ربما من اجل زعزعة التماسك السردي للنص أو لتعزيزه مسرحيا. وهذا ما طغى بشكل واضح على رؤيتهوعمق نظرته الإخراجية التي نظمت القصة بكلمات موسيقية بسيطة، واضحة، وعادلة، جعلت موضوعها بكل تفاصيلها الكثيرة والمتنوعة، يكون في متناول الجميع بقول كل ما هو محتمل، مرة من خلالالإيحاء، كما في المشهد الذي تتحدثفيه البطلة عن أبيها وأمها واختلافهما الأبدي، وأرجحتهاللكرسي الخشبي، مرة نحو اليساروأخرى نحو اليمين للإشارة إلى كل واحد منهما واختلافه، دون اللجوء إلى انتحال أي شخصية من الشخصيات، أو تغير نبرات صوتها، أو حتى الانحياز لواحد منهما. وبهذه الطريقة حافظ المخرج، على طبيعة المسرحةالسردية والبوح الحكائي المباشر، كما في المسرح الملحمي البريشتي، ولكن دون الإغراق بالضرورة في تقنيات هذا الأخير: في شرح الأحداث والتعليق عليها، وجعل شخصية السارد، شخصية مركزية مهمتها التكثيف والتفكيك وتشكيل وعي المتلقي. وأخرى من خلال استعانته بالفيديو والأرشيف، لإعطاء كل فترة بعدها وظرفها التاريخي، وخاصة في مشهد عرض المقابلة التلفزيونية مع الملك حسن الثاني وحديثه عن الاستفتاء الذي حصل في المغرب عام 1962، أثناء توتر الخلاف بين الأم والأب بسبب شراء الأب شاحنة لنقل الرياضيين بدلا من شراء البيت، فتضطر الزوجةإلى مغادرة المنزل احتجاجا على تصرف زوجها اللامسوؤل، ولكن بمجرد ما يبيع السيارة ويوقع عقد شراء البيت وكذلك تأثير الظرف السياسي في البلد (انقلاب الصخيرات)[2]، تعود الزوجة إلى البيت. نشاهد في هذه اللحظات من السرد، عرضالصور من الأرشيف تشير إلى هذه الفترة، وإلى المسيرة النضالية للشخصية المحورية، التي تتفاجأ ليلة امتحان الباكلوريا ذات يوم برؤية الدبابات لأول مرة في حياتها، من خلف نافذة البيت، وإشارة إلى الخلافات العائلية في أروقة البيت المغربي نفسه، من خلال منتجة استعارية متوازية للتاريخ العام للبلد والتاريخ الشخصي للشخصيات، التي تحاول بكل براءة طرح أسئلة على الجنود الذين كانوا يعتلون مدرعاتهم وهم متجهمي الوجوه. وبدلا من طرح الأسئلة كلاميا، تقوم الممثلة بتوجيه الميكرفون نحو الشاشة الخلفية البيضاء، لتجعلها تنطق نيابة عنها بسلسلة من الأسئلة من خلال فعل الكتابة:

لماذا تعتقدون أن الناس يخرجون للتظاهر في الشوارع؟؛ هل تفعلون كل ما يأمركم به قادتكم دونتفكير؟ هل سبق لكم أن خضتم الحرب من قبل؟ هل قمتم بقتل أشخاص؟ هل تحبون عملكم، ألا تحلمون بعمل أخر؟ وكم ليلة تقضونها مع زوجاتكم في الشهر؟ أسئلة تواجه بالصمت، والتعنيف ترغم الطلبة على التراجع أمام غول السلطة،وهم ينشدون أناشيد ثورية، ولكن “كمال” يظل في مقدمتهم وهو يتلقى الضربات! وهنا يأخذ الصمت حيزا أدائيا بليغا أكثر من الصوت والصورة، ويصبح لغة خاصة ممتلئة ومباشرة في آن واحد، تواجه صمت الجمهور واستسلامه.

بعد هذا المشهد المليء بالحزن والاضطهاد والخيبة، ينقلنا المخرجمن خلال تصوير أغنية شعبية للمغنية المغربية “نجاة عتابو”إلى ساحة “جامع الفناء”،تمهيدا لما ستقصه علينا الصحفية من حدث حول ذلك الحكواتي العجوزالذي يدعو الجمهور، بعد انتهائه من أداء فقرته، للتسبيح والصلاة من أجل شفاء الملك المريض … “وبعد بضع ساعات على فعله هذا، وجد نفسه في السجن”. وعندما تحاول الصحفية أن تقوم بفعل شيء ما من اجل إطلاق سراحه، بتوصية من أمها، تواجه برفض مدير التحرير القاطع.ومع ذلك، تصر على القيام بربورتاج صحفي حول ما حدث.

أسئلة ومواضيع شتىعن جدوى عمل الصحافة والصحفيين في البلد،لا يمكن تناولها بالتفاصيل؛ أسئلة ومواضيع تلقي بنامباشرة في ازدواجية الحياة العملية، الاجتماعية والسياسية في بلداننا العربية، التي تقبل الكثير من الأشياء من حيث المبدأ ولكنها ترفضها من حيث التطبيق، بحجج واهية غير معقولة، لا تتماشى بالضرورة مع لغة العصر وتطلعاته الديمقراطية.

كيف نقلت هذه الشخصية قصتها الخاصة على خشبة المسرح، وسط هذا الكم الهائل من جرارات الذاكرة ؟كيف قامت بتفسيرها وأدائها دون مشقة أو انزعاج أو افتعال؟أسئلة كثيرة يمكن أن تتضاعف في هذا المجال، استطاعت الممثلة” الهام الوليدي”، أن تجيب عليها بكل تلقائية، من خلال لعبها،ودفاعهاعن النص والعرض، ومحاكاتها لشخصيتها، فهي لم تكن ممثلة تقليدية ولم تلجأ في أسلوب أدائها إلى تقنيات التمثيل المقننة. لقد فضلت الاعتماد على إنسانيتها، على أحاسيسها الصادقة التي لا يمكن أن تخدع أو تظلل أحد. وهذا بحد ذاته ما ساعد على تمرير العمل إلى الجهة الثانية من الصالة بكل نجاح واسترخاء، وعفوية وصراحة، يصعب تحقيقها في عروض الممثل الواحد.

 

إن أداء “الهام الوليدي” كان يعرف كيف يعبر عن الجمل، ولكن هذه الأخيرة لا توجد بمفردها، وإنما هناك أيضا انحرافاتها. كما لو أن الجمل الجميلة، في بعض الحيان، لا تنفع إلا للفت الانتباه. لا سيما أن في نص وعرض “اخذ الكلام” كانت هناك إمكانية للتنقل بين الكلمات، والمشي بين الجمل،وتخيل الصفحات. هذا ما كانت تقوم به في حقيقة الأمر ” الهام الوليدي”، في لعبها التلقائي مع وعلى الكلمات من اجل تكذيب اللعب. ويبدو أنها الوحيدة القادرة على نقل أسرار “عصام اليوسفي” التي تسكنها وتخترقها. لهذا لم تعد هناك حدود محسوسة بينها كإنسانة وكممثلة.

 

هوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]– أخذ الكلام “ Prise de parole»، مسرحية كتبت ولعبة باللغة الفرنسية، على مسرح القصبة في مهرجان طنجة المشهدية، وفي Ciné 13 Théâtre, ، في باريس.

[2]– انقلاب الصخيرات أو انقلاب 1971 هي محاولة انقلاب فاشلة تمت بمدينة الصخيراتبالمغربفي القصرالملكي ، تزعمها بعض الجنرالاتالعسكريينالمغاربةوبالأخص الكولونيلأمحمد أعبابوقائد مدرسة أهرمومو العسكريةوالجنرالمحمد المدبوح، لاغتيالملكالمغربالملك الحسن الثانيفي يوم 10 يوليو1971المصادف لذكرى عيد ميلاده ال42.وكانت هذه أول محاولة انقلابضمن العديد من الانقلابات التي ينجو منها ملكالبلاد الحسن الثانيإبان عهده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock