الناقد سعد عزيز عبد الصاحب.. يقدم قراءة واعية وعميقة لعرض ستربتيز العراقي
-
بقلم: سعد عزيز عبد الصاحب
مسرحي عراقي
ـ
عندما عدت الى قاموس المورد للبناني (منير البعلبكي) وذلك لاكتشاف المعنى الدقيق للكلمة الانجليزية (striptease) وجدتها تعني التجرد ، التعري : خلع المراة ملابسها على المسرح امام الجمهور قطعة قطعة …. وعند ربط المعنى المعجمي للكلمة مع خطاب مسرحية (striptease) نص (مخلد راسم) واخراج (علاء قحطان) سنجد ان هناك جملة من التناصات والتعالقات والتعارضات ايضا بين المعاني في كلا المصدرين (المعجم) و(الخطاب) ، لاسيما وان العنوان كما يعبر البنيويون عتبة النص وتوطئة للدخول ، واختصار رمزي لثيمة العمل المسرحي… يشي مدلول العنوان بأننا سنكون امام عرض مسرحي تسكنه (الفضيحة) بوصفها عنصرا مهيمنا يكتسي به المضمون والشكل المبنى والمعنى على حد سواء ، طالما نحن امام تجرد وتعر مطلق كما يعبر العنوان ، فكل شئ مباح يغري التلقي بتوقعه منشدا اليه بطريقة العرض show واليات تمسرحية (تقديمية) وليس (ايهامية)،
فجاء المتن الحكائي منفتحا على (الاسرة) وعلاقاتها التي تختزل تاريخية المجتمع ، والتي دعى اليها (هيغل) في قراءته للميراث الدرامي الاغريقي ،بوصفها تجمعا صغيرا متاثرا بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بالمجتمعات ومعيارا لقياس هذه التغيرات ..جاءت (الاسرة) في المسرحية بأب وثلاث اولاد وبنت مرمزة ومعلمة بهامش ايديولوجي (سياسي) واضح تشي به الوان بعض الشخصيات (الاسود) و(الاحمر) في كناية للصراع (الديني)(العلماني)في القراءة الاخراجية المضمرة للمخرج (علاء قحطان)
وانتقال الصراع من حلبته الخارجية الى المائدة الداخلية المنزلية التي تمور عليها وتحاك المؤامرات والحيل والدسائس في ضوء موضوعة (موت الاب) الفرويدية والمستمدة من الدراما السوفوكليسية ، والتي قام عليها مبنى العرض بحبكته الاوديبية ، منفتحة على تخصيبات لاباء جدد يقومون مقام الاب /السلطة السابقة بلبوسات دينية وايديولوجية خرافية جاء بها غياب مفهوم الدولة العادلة .. فجاء قتل (الاب)(السلطة) من خلال نهب الدولة ومؤسساتها ، والاستسلام لارادة الاباء الخرافيين الذين انتجهم المجتمع المكبوت ، لقد اذكت القراءة الاخراجية للوقائع الانفتاح على معنى جديد ومغاير للمعنى الاوديبي بفقئ العينين.. الى فقئ عين واحدة لرؤية وجهة نظر ناقصة لا تسمع ولا ترى الا نفسها وليس الحقيقة كاملة بكليتها ، في قراءة سياسية واعية لحاظر السجال السياسي البراغماتي وغاياته في عراقنا …
ان هيكل المبنى المسرحي الذي تأسس في نص /عرض مسرحية (ستربتيز) يقوم على تكرارية لالبومات لنصوص سابقة خاصة على صعيد الحكاية ، تحاول جاهدة ان تحيط وتصور مجريات الاحداث السياسية والاجتماعية ومتغيراتها بعد عام 2003 بشكل عام شمولي بانورامي دون الاخذ بمقطع عرضي واحد على الاقل لهذا الزمن الواسع بتحولاته السسيوـ ثقافية المتسارعة وسبر اغواره لفضحه والكشف عن مضمراته .. ولا اجد ضيرا في ذلك فشكسبير يضغط حقب وسنوات مديدة في نصه المسرحي ولكن الاهم هو كيفية ادخال الزمن الواسع في حبكة محكمة البناء .
وعلى الرغم من كل الملاحظات اشر العرض بشجاعة بالغة للكثير من المشكلات والعلل الاجتماعية كمشكلة (الحرية) و(الارادة) ووجهة النظر الواحدة ، والراديكالية الدينية المتطرفة ، وقبول الاخر مهما كان توجهه الايديولوجي ولونه وجنسه ودينه …انها بحق علل ومشكلات عضوية حقيقية تغزو وتنخر جسد مجتمعنا وحواضن دافئة تفقس افكار الارهاب والتطرف والعنف.. جاءت سينوغرافيا (علي السوداني) في التعاطي مع الفضاء رشيقة غير مكتظة .. مكان خال..مكان للبوح والمكاشفة يتطابق مع دلالات العنوان وسيميائيته ، مكان للفرجة والعرض ..متطابقا مع العنوان بأيقونية هندسية ، حين انزل اعمدة العرض الفضية ، والستائر والتولات المخملية الشفافة، وكأننا امام عرض لا نهائي مستمر (فضائحي) يكشف ويعري المسكوت عنه والمضمر والمحتجب خلف استار المجتمع والسياسة ، والمتواري خلف اقنعة جميلة تنز قبحا ودما عبيطا ، في جدلية السلطة … فالسلطة تأكل ابنائها، الاب يلتهم ابناءه كالاله (كرونوس) لدى الاغريق ، كرسي السلطة مكان للتغوط في دلالة لافتة لمعنى السلطة في بلاد يتناهبها الصراع السياسي من اجل امتلاك مكان التغوط هذا .. ميزانسينات الحركة اخراجيا حادة ومتعارضة دوما ، لا لقاء الا لافتراق ، (الحكي) يؤخر الموت ، فالاب والبنت يسردان ارهاصاتهما كي يعيشا ، فالحكي هو الحياة والصمت يعني الموت ، كل صامت يؤخذ على حين غرة مغلفا بكيس الاعدام .. ولكن اه .. لو فقئت جميع الشخصيات اعينها في نهاية المسرحية احتجاجا ورفضا لرؤية حريق البلاد والعباد .. عذرا .. لم اكن مع استبدال زي الممثلة في العرض الثاني خضوعا ونزولا لرغبة المسؤول الرسمي …
كانت دلالة الانثى العارية في العرض الاول اكثر عمقا وتأثيرا ، وهي تجلس على عمود العرض .. تشي هذه الصورة بمعنى يجمع بين طياته الاف البنات العربيات اللواتي يبعن اجسادهن وكرامتهن قطعة قطعة على طرقات الجوع والعوز والامتهان .. على مراى من سياسيي الصدفة . احيي بشدة الممثلين جميعا لوثوقهم بان المسرحية لا تنتهي بنهاية العرض الاول فهي فضاء لا نهائي مفتوح على الحوار والاقتراح والاخذ والرد والهدم والبناء ، وصولا لصيغة مقبولة من الجميع ، اشد على يد المثلين احمد شرجي لوضوح صوته وثباته على الخشبة وضبطه لكاركتر الشخصية الصوتي والحركي وكذلك ياسر قاسم لحضوره الافت في اداءه لدور الابن الراديكالي ووسام عدنان في اداءه للابن الرومانسي العلماني ، وهند نزار لحركتها الرشيقة ووضوح جملها المنطوقة وصمتها المعبر واخيرا اخر العنقود في العائلة عامر نافع لسلاسة حضوره وفهمه لابعاد دوره وتبنيه مهما كان قصيرا .