مقالات ودراسات

 الناقد “سيار تمر صديق” يكتب: رقصة الظلال.. عندما تتداهم أطياف الخديعة رؤية تحليلية لمسرحية (المرجوحة)


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

 الناقد د. سيار تمر صديق

 

 

 

رقصة الظلال  عندما تتداهم أطياف الخديعة

رؤية تحليلية لمسرحية ( المرجوحة )

تاليف واخراج : د. محمد صبري

عمل قدم من قبل قسم المسرح –  كلية الفنون الجميلة –  جامعة دهوك

ضمن فعاليات مهرجانها الاول

الناقد / سيار تمر صديق

دهوك – اقليم كوردستان

16/5/2024

في طرحه لاهمية الصورة كمثير للذاكرة  الحسية البصرية ومحفز ومحرك للعقل يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس “الصورة خير من ألف كلمة” ومن هذه المقولة بدأ مخرجو المسرح الحديث والمعاصر في وضعهم الصورة موضع الكلمة، فالصورة لغة رغم انها تحتاج إلى شفرات وأبجديات لتقرأ،  إلا انها فرضت نفسها لغة عالمية  نحتاج لأن نتقنها كما نتقن اللغة المنطوقة، فللصورة أهمية كبيرة في نقل العالم الموضوعي بشكل كلي اختصاراً وإيجازاً، وتكثيفه في عدد قليل من الوحدات البصرية

 

ما يميز المسرح هو قدرته اللامتناهية على استيعاب وهضم  مختلف التطورات الحياتية، ومن ثم ابرازها عبر عناصر العرض، وخصوصا فيما يتعلق بالتقنيات المرئية، والتي جعلت من الصورة، التي تأتلف اساسا من رؤية المخرج ونص المؤلف وحركة الممثل والديكور وازياء الشخوص والماكياج والاضاءة والموسيقى والاكسسوارات، والاداة التعبيرية الاساس في لغة المسرح في الوقت الراهن، الامر الذي ادى الى اختزال الحوارات الادبية في العرض، والتعبير عن هذه الحوارات بواسطة الصورة التي تختزل في احيان مئات الصفحات في مشهد واحد يجيء في اقل من دقيقة؛ مما ادى الى اقصاء دور الكلمة في المشهد المسرحي، ليس على الصعيد المحلي بل وحتى العالمي ايضا.

 

والمواكب لحركة المسرح الحديث في العالم، وفي سياق التعبير عن محمولاته ومضامين رسائله، يكتشف مقدار التراجع الكبير الذي اصاب دور الكلمة، وبذات الوقت مقدار التقدم الخاص بالحركة والصورة، بحيث اصبحت لغة الاعمال المسرحية تمزج بين المسرح والموسيقى والسينما، بل وتهتم بدرجة اكبر بمشهدية الصور او السينغرافيا عموما، ولقد تداخلت الحدود بين الرسم والتصوير والمسرح، فاصبحت المسرحيات اقرب الى اللوحات الفنية الحديثة التي تمزج بين السرسالية والتعبيرية والتجريدية، بحيث غدا المسرح لا يركز على الخطاب والمعنى، بل على ما تخلقه الصور المرئية من حالة شعورية يتلقاها الانسان.

 

إن السمة التي يتشكل منها العرض المسرحي الراهن بشتى نصوصه، سواء نص العرض أم النص المكتوب السابق للعرض وآليات مسرحته وانتقاله من حيز-  خطاب – لقارئ إلى حيز خطاب لمتلقي يعتمد الحواس : السمع – بصرية وفق آليات تلقي -تشارك مع مجموع متلقين ربما تختلف مرجعياتهم المعرفية ويحدث التصادم الفكري والمعرفي سواء في الاتفاق أو في اللا اتفاق ، فان سمة العروض الراهنة غير مهادنة ولا تنقل الراهن ببراءة ، بل هي تشكل إدانات لهذا الواقع وتحاول تشكيله وفق وعي ثقافي، فروعة الحياة ناتج عن روعة الثقافة فيها،

 

ولأن الكلمة لم تعد منذ زمن هي الوسيلة الوحيدة المعبرة إذا ما عرفنا أن دروس اللسانيات والبنيوية بكل أشكالها ( سوسير، لاكان ،التوسير ، شتراوس ، رولان بارت ، وغيرهم ) ثم مابعد البنيوية (دريدا ) وقبلها ظاهراتية (هوسرل ، باشلار) قد فتحت الباب على مصراعيه لتأشير لغات حياتية متعددة، ما أدى إلى تفعيلات لغوية غير قادرة كما اللغة الملفوظة نفسها، وهو بدوره وبكون المسرح الذي من عادته التأثير والتأثر قد استقطب استثماريا كل تلك الرؤى والطروحات لا الحداثية ، بل ما بعد الحداثية  فحسب، ليتمترس خلفها أنواع من أشكال عروض مسرحية (الجسد ، الكيروغراف، الرقص الدرامي ، التشكيل المسرحي)

 

وفي هذا الصدد ايضا انشغل المسرحي العراقي فاضل السوداني بالتنظير لهذا النوع من المسرح، في عدد من مقالاته التي نشرها في صحف ومواقع إلكترونية، كمقاله المنشور في موقع الحوار المتمدن بعنوان: دلالات الصورة في المسرح البصري . . رؤيا تطبيقية، والذي فصل فيه مفهومه للمسرح البصري، وفيه يؤيد ما ذهب إليه الدكتور فاضل الجاف في مقالته في صحيفة القدس العربي عن مواصفات المسرح البصري، وهو الذي يتسم ب طغيان الشكل على المضمون والقيام بتجزئة النص والابتعاد عن تسلسل الأحداث، بمعنى عدم اعتماد السببية والنتيجة في التحليل .

 

أما الزمان والمكان فهما دائماً غير محددين ولهما سلطة الأحلام، والعرض المسرحي يكون متعدد الأصوات . إضافة إلى التزام عدم الاتصال المباشر بين ما يحدث في الفضاء على خشبة المسرح والجمهور . أو بين الشخصيات ذاتها، لهذا السبب فإنها تبدو مشلولة الفعل، وكأن كل واحد منها منغمر بعالمه الخاص الذي يشكل جوهر وجوده ، وتلعب المؤثرات البصرية دوراً أساسياً، إضافة إلى أن الشرطية والاختزال تميز الحركة والصورة في العرض ، فمسرح اليوم لا يظهر كالمسرح الارسطي الذي يخلق نوعا من الايهام او الخوف او الشفقة لدى المتلقي؛ او نقل ومحاكاة التعابير والانفعالات الموجودة في الحياة كما في المسرح الواقعي، فمع ان  مسرح البصري ينحدر من عائلة الدراما، الا ان اصوله العميقة تكمن في ثلاثة جذور غير درامية بالمعنى المسرحي وهي:

 

( الشعر، والتشكيل، والسينما) التي تعطي للصورة حيويتها وصيرورتها، والمسرح البصري  في الاخير يهدف الى خلق فضاء خاص للعرض المسرحي، ينقله من مجرد تجسيد للنص، الى اعادة خلقه من جديد، داخل رؤيا تتشابك فيها الفنون التشكيلية مع المسرح.

مفهوم التأويل: –

ان النتيجة الحتمية في صناعة اي خطاب هي ايصال رسالة وفكرة او مجموعة افكار، وبالتالي انتاج معنى تعددية للمعاني، ويبقى نص الخطاب مهما  كان نوعه متأرجح بين التفسير والتأويل، والتأويل في أدق معانيه” هو تحديد المعاني اللغوية في العمل الادبي من خلال التحليل ( الهيرمنيوطيقيا) اي عملية تفسير العمل  الفني – الادبي  وهو مصطلح استخدم للاشارة الى نظام من الممارسات التفسيرية الضمنية.

وتطبيق هذا المفهوم على هذا العمل نرى انه عندما تحاول الابحار في التجريب بحثا عن المكبوت وايجاد حلم الابداع في هذا العرض عبر تغيير نمطية العرض وعلاقة الشخصيات مع بقية العناصر وفق رؤية بصرية تعكس نتاج منظومة اشتغال العرض عبر تشكيل الرؤى والافكار داخل بنية العرض ككل، نجد ان التعبير عن الفعل المسرحي قد الزمنا الى قبول الى استبعاد الحوارات السردية المكررة وتحويلها الى لغة بصرية ملموسة، وهذا المفهوم فعل الكلمة وتحويلها الى صورة داخل فضاء العرض المسرحي، اعتمادا على نظريات الاتصال الحديثة والتي اكدت على عدم تاثير الحوار داخل عملية الاتصال ما بين عناصر العرض المسرحي، ومنها التعبير الجسدي والبصري واستعراض الحركة لتنتج بالتالي لغة صورية،

 

وهذا ما تبناه المخرج في هذا العمل وبحرفيه مستغلا كل ادواته الملموسة وغير الملموسة في صنع  فضاء قابل للتأويل ومفتوح من كل جوانبه الزمانية والمكانية والفكرية وحتة منح مساهمة مفتوحة للممثل في اخراج كل مكنوناته الذاتية وتفعيل كل ادواته المتوفرة المرئية وغير المرئية، او خلق ادوات جديدة حسب الحالة المعاشه في المشهد،

 

وهذا ما اكدته  الكثير من الدراسات والعروض والتيارات والتجارب المسرحية الأوربية على تحقيق الجانب البصري كلغة جديدة في الإخراج المسرحي، بدءا من تجارب جوردن كريج وراينهاردت، ومايرهولد وادلف آبيا ومخرجي مسرح الطليعة الفرنسيين وانتهاء بتجارب بيتر بروك وجوزيف شاينا وروبرت ولسن وليباج وكانتور وبينا باوش ويوجين باربا واريان منوشكين والياباني تاداشي سوزوكي وكل ما يرتبط بتجارب مسرح الصورة الأوربي , و العالمية.

ولا شك أن جسد الممثل بوصفه ظاهرة بصرية، يمكن معرفة لغته كونها وسيطا للاتصال من خلال استخدام الرموز الإيحائية التي تسعى إلى بناء فهم مشترك خاضع لثقافة المشاهد وخبرته المكتسبة من الواقع بهدف اكتشاف المعنى ودلالته ، وإن هيئة الممثل كمظهر مادي خارجي متمثلة بجسده هي شكل قائم بحد ذاته يرتبط بدلالة شخصيته،

 

وإذا ما تم إضافة علاقة أخرى ضمن أشكال جديدة فإن هذه الشخصية تكون ذات دلالة اجتماعية أو فكرية وبالتالي ” تتكون الدلالة عندما يجتمع جزءان أو اكثر مع بعضهما لصنع نسق مرئي، وهنا لا يمكن تجاوز مساحة اشتغال الممثل،كونه يشكل محصلة كل الفضاءات الأخرى للعرض المسرحي” وعليه يلتزم الممثل بتحديد مناط التعبير مجسدا لأبعاد الدور نفسه (جسديا – اجتماعيا – نفسيا)، بمعنى حرصه على تفعيل المنهج العلمي في إبراز فاعلية الصفات الخارجية بما يتواءم مع الصفات الداخلية للشخصية أثناء أدائه التمثيلي أو مشخصا له (بأداء يقف عند الصفات الخارجية الاجتماعية للشخصية، حالة رسمها رسما نمطيا، غير مكتمل الأبعاد، وبخاصة البعد النفسي) حالة إتباع منهج التغريب الملحمي

 مسرحية ( المرجوحة):

العمل من انتاج قسم المسرح- كلية الفنون الجميلة – جامعة دهوك، وهو من تاليف واخراج (د. محمد صبري)، وتمثل مجموعة من طلبة القسم، (سهام مصطفى احمد، فاطمة مصلح ثيرو، نجوى مصلح ثيرو، هيَلين عبدالله صالح، ريَزان حسن عبدالله) وشارك في التمثيل اساتذة القسم وهم (فخرالدين طه نبي، قدري شيرو).وعرض بتاريخ 14/5/2024 على قاعة مسرح معهد الفنون الجميلة – دهوك.

العمل كاسلوب : اعتمد المخرج كما عاهدناه على استخدام اللغة شبه اللفظية في ايصال المعاني والصوت، مستعينا بالمنهج السيمولوجي في خلق انطباعات مرئية مصاحبة بالاداء الصوتي، وخلق انطباعات حسية تصورية لدى المتلقي. متجاوزا بذلك كل من المكان والزمان، والفكرة احيانا وذلك بخلق مجموعة أفكار ضمنية داخل الفكرة الاساسية مما يدفع المتلقي بالبحث اكثر عن روابط ومدخلات يمكنه من خلالها الدخول في جوهر الفكرة وذلك عن طريق شخصياتها المضطربة نفسيا وبنائيا والقابلة على كل التفسيرات منهجيا.

 

العمل من حيث التركيبة : هو تجميع لمجموعة اعمال مسرحية عالمية مثلا:( مسرحية الملك لير – ماكبث  وشطحات من رومانسية روميو وجوليت – وانتقامية هاملت  – وخيانة كريولانس …. والخ )، تم تركيبها في لوحات متفردة من حيث خصوصيتها الفكرية والفنية والبنيوية بكل مفرداتها وعناصرها، ومتجمعة في ذات الوقت من حيث  علم الدلالة والاشارات والدوال اللغوية البصرية والرمزية او ما يسمى ( بالسيميائية)، بشكل عام، السيميائية المسرحية توفر إطارًا  لفهم كيفية تكوين المعاني والرموز في العروض المسرحية وكيفية تأثيرها على تجربة المشاهدين وتفاعلهم مع العرض وتتطلب هذه النوعية من الاعمال  المقاربة السيميوطيقية في التعامل مع العرض المسرحي والدرامي أثناء عمليتي : التفكيك والتركيب البنيويين ، والانطلاق من مجموعة من النصوص المتداخلة والمتراكبة داخل العرض الميزانسيني، والتي يمكن حصرها في نص المؤلف، ونص الممثل، ونص المخرج، ونص السينوغراف، فهذا يتطلب من السيميوطيقي الإلمام بمجموعة من العلوم والمعارف والفنون والصور، وذلك للاستهداء بها أثناء عملية التشريح والتحليل، كمعرفة تقنيات السينما والموسيقى والأدب والتشكيل والرقص والنحت، والإلمام أيضا بتقنيات الإضاءة والسينوغرافيا ودراسة المنظور…ولكن نحن في عملنا هذا سوف نركز فقط على مقاربة الصورة المسرحية أو ما يسمى (أيضا بالصورة الدرامية ).

 

في المسرح بصورة عامة وفي مثل هذه الاعمال تحديدا لا يندرج استعمال الألوان تحت الاستعمالات العشوائية فهناك أهمية لكل لون بمفرده، وهنا تلعب الألوان دورًا محوريًا في اكساب العمل الفني عمقا فكريا وجماليا اكثر، هذا ما يؤكد الوظائف شديدة الأهمية التي تؤديها الألوان خلال الحياة اليومية، وفي هذا العرض خشبة المسرح كانت مكسوة باللون الرمادي( الرصاصي)، وفي رايي ان اختيار اللون كان موفقا لما يتضمنه العمل ككل من وحدات فكرية وتناقضات جلية في طرحها، ومطروحة ضمن حقبات زمنية لامحدودة، فاللون وما يحتويه من تفسيرات نفسية بين الجانب السلبي والايجابي منها، كونه لون الحيادية، والحزن والاكتئاب والتردد والانطواء،

 

وأحيانا لون النفوذ والقوة والسلطة والحكمة والدبلوماسية والجدية، واحيانا لون يرمز الى الافتقار الى العاطفة والى الامور غير المحسومة والعيش في الماضي، وكل تلك الحالات النفسية والتقلبات الذاتية كانت موجودة داخل شخصياتها، واحدث انعكاسا واضحا ومؤثرا، في البنية الثقافية والمجتمعية للون ، فعند الهندوس مثلا اللون الرمادي له اهمية وقدسية كبيرة. ولها مكانة خاصة في الثقافات النوردية.( ايسلندا، الدنمارك، النرويج، السويد، فنلندا) ، فهي تُعكس البيئة الطبيعية للدول النوردية، كما أنها تُعبر عن قيم مثل البساطة، والتوازن، والتناغم.

التعامل مع النص:  

يتعامل المخرج  بشكل عام مع النص المسرحي في ثلاث مراحل مختلفة.

 

أولا: وضع النص في مكانه عالية، اي يحتفظ بمقام النص ويجعله في الصدارة، ومعناه الخضوع للمؤلف، والخضوع للنص في العرض المسرحي.ثانيا: كف عن الدفاع عن فكرة عدم المساس بالنص، ونفى حرفية النص لصالح روح النص ، وتلا هذا الشئ ،حرية المخرج، حرية العقل المطلق، استبدلت سيادة النص المكتوب ، شيئا فشيئا. وتحول سلطة الكلمة الى سلطة الصورة. ثالثا: استبعاد النص، والتعويض عنه بالصراخ والالتواءات ، يفعل بالنص ما يحلو له، وافقده صفاته الرئيسة تدريجيا.

و من الضروري رصد مجموعة من الشفرات التي اعتمدها المخرج في عمله هذا وساعدنا في عملية القراءة وهي الاتي:-

1- الشفرات التفسيرية: وتتعلق بالقراءة والفهم للمضمون الفكري.

2- شفرات الحدث: وتتعلق بقراءة الاحداث وفهم القصص  التي تتضمنها.

3- الشفرات الثقافية : وتتعلق بقراءة المعلومات التي تشير الى ثقافة معينة باختلاف انواع النصوص.

4- الشفرات الضمنية: – تتعلق بالقراءة الذاتية لكل قارئ من خلال ما يشكله في ذهنه من مدلولات عبر فك الشفرات.

5- الشفرات الرمزية: – تعتمد على القراءة  للبنية في الاختلافات لانبثاق الدلالة عبر مبدأ التعارض الثنائي.

6- الشفرات الاجتماعية: – تتعلق في عملية القراءة المخصصة في شفرات اللغة المنطوقة/ شفرات اللغة الجسدية، شفرات السلوكية.

7- الشفرات النصية: – تتعلق في القراءة للشفرات العلمية، الشفرات الجمالية، الشفرات البلاغية، الشفرات الاسلوبية.

وهذا ما لاحظناه في هذا العمل من حيث التحليل العام نجد ان العمل يبدأ بمشهد ( الحلم) ومستعينا بعنصر اعتبره الثيمة الاساسية التي بنيت كل ما في العمل حول تلك الثيمة الا وهي ( المرجوحة)

 

والمرجوحة من حيث مضمونها الموظف في العمل ترمز الى مجموعة  دلالات ورموز اهمها وظفت كعرش للملوك والسلاطين والرؤساء وهي بالتاكيد غير ثابتة اي بمعنى غير حاميه لجالسها كجانب، والجانب الاخر نرى ان المرجوحة لها طابع طفولي وهذا لها طابعها المليء بالتناقضات التي ركبت من قبل المخرج  بهدف جعل المتلقي لا يتوقف عند نقطة واحدة ، بل ويدفعه  بالبدء في البحث عن مضمونات واشارات ورسائل  المشهد، وما لاحظته هو ان العمل حاول دفع المتلقي الى البحث عن تلك القوى الخفية التي تدير امور العالم خلف الكواليس ومستعينا برمزية شخصية المايسترو في ذلك وتوظيفها بشكل انسيابي بحيث يجعل العمل جزءا من الكل والكل يصبح جزءا من مسير تاريخية عاشها الانسان منذو الازل في صراع ازلي ، صراع البقاء والخيانة والقتل والتحايل، والانفلات الذاتي، والخوف والقلق والكره.

ومثلما اشرنا سابقا ان نوعية هذه الاعمال تتجاوز محدودية المكان والزمان، فان العمل كان موفقا في هذه النقطة من حيث توظيف الاحداث التي مرت بها البشرية من مأسي وحروب واوبئة ونزوح وكان الانسان فيها الاكثر ضررا ودفعا للثمن، حيث نرى في المشهد  الحتمية التي جعلت من البشرية تنحو نحو اللامفرية من المواجهة واحدى نتائج تلك المواجهة امر من الاخرى اما القتل او القتل ثانية، مستعينا في هذا المشهد بساحرات مكبث وغموضية  مصير اوديب مسقطا كل ذلك على مجهولية المصير البشري.

 

حيث نرى كل ذلك في مشهد الذي استعان المخرج فيه بجهاز الاسقاط او المسقاط (او ما يسمى بجهاز العرض البصري). حيث لخص في ثواني مسيرة الذات البشرية واستطاع الوصول الى المنطقة المجهولة من تلك الذات التي  تمتلئ بمعلومات لا يعرفها الفرد عن نفسه ولا يعرفها الآخرون عنه، ولكنها تظهر للعيان في مواقف يجد المرء نفسه محصورا بين رغبة البقاء ومصير الموت فيختار البقاء كيفما كان ومهما كان الثمن.

   انتزاع الانسانية، ام النزعة الانسانية:      

( برومثيوس)، الذي سرق النار من الالهة ليعطيها لبني البشر حبا بهم، وعوقب لتجرئه على سرقة نار الالهة عقابا ابديا، ولكن لم تنتزع النار وتسترد من البشر؛ ولم يعد الهدف في وقتنا الحاضر، حب الانسان، وانما ما ينهش الانسان، والانسان نفسه تكاد تهلكه صنائعه. فاذا كان الانسان الحديث الذي ولد مع فجر عصر النهضة، قد بلغ الذروة باعلان شعار الانسان المتفوق كسيد للطبيعة ومالك لها،

 

فتبين ان هذا الشعار ما هو الا مقولة خادعة حين اعلن (فوكو) ضمنيا موت الانسان بالكشف عن البنى والاليات والممارسات التي تتجاوز الوعي والعقل سواء في لغة خطاباته او في افعاله وممارساته، ومن جانبه كشف (فرويد) ذلك بان الانسان ليس سيد الكون وان ( الانا) ليس سيد نفسه، كما ان ارادتنا لا تتمتع بالسيادة لان جزءا كبيرا من نشاطنا الذهني يفلت من رقابة الوعي وتؤسس لنفسها على مبدئية اللاوعي،

 

وهذا ما أكده ( نيتشه) الذي أعلن عن تلاشي الافق الثقافي الذي اسس فيه الانسان دلالات وجوده منذ الفي سنة، فكان اعتقاد (نيتشه) انه بقدر ما كانت الثقافة الاخلاقية داخل المجتمع تعبيرا عن الضعف والاستكانه وكبتا لكل قوة داخل النفس، بقدر ما كانت ايضا أداة تحولت معها القيم الاجتماعية الى ثقافة يتم من خلالها تغير مجتمع من الكائنات الحية على المستوى الجيني عبر الاجيال من التربية الاصطفائية  لابراز بعض الصفات الوراثية، او لنقول الى ثقافة لتدجين الوحش البشري وتطويعه.

 

فالصيغة (ينبغي عليك) كرست اخلاق القطيع والخوف والاستكانة، لقد فطن رجال السياسة الى الوظيفة التدجينية اللاخلاق، لذلك استغلوا اخلاق الواجب لاجل ترسيخ هيمنتهم، تفوق الحكام ومكرهم من جهة، وسذاجة الشعوب وسطحيتهم من جهة اخرى حولت سياسة الفضيلة الى استبداد سياسي، والدولة الحديثة الى وحش مخيف يقتل ارادة الحياة داخل الفرد، وكانت النتيجة هذه المشاهد التي عرض بواسطة جهاز العرض، والتي استطاع المخرج ان يجمع فيها بين نتائج طروحات (فوكو، فرويد، نيتشه)،

فبدءا  بالمايسترو الذي يدير مصير البشرية  كوارث ومصائب بعضها من صنع الانسان واخرى ،قدرية خارج حدود البشر، وبمشهد  الصحراء وافق السماء الهادئة والمفتوحة إلى اللاعنوان يوحي باعصار قادم وعاصفة تهدد حياة البشر مصاحبة بموسيقى تغادر بك الى المجهول ، إلى هدوء ليل مدينة أرهقها القصف وزاد ليلها ظلمة، واناس يأنون من هول الضربات فكيفما جاءت لتضرب وتقتل، إلى جيوش لا اعلم تجر خيبتها ام نصرها هو نفسه لا يعلم إلا انه مجبر على التنفيذ ،

 

فيظهر مشهد يوضح حجم نتاج العقل البشري للالة المدمرة وتفننه وتسابقه في صنع ادوات القتل حيث انقاض مدينة دمرتها الحروب لا نفس فيها وهدم للحظة كل ما بناه الانسان من اعوام خلت، ولأن المايسترو هو من يدير لعبة الحياة فيظر لنا الجانب الاخر من العالم اناس خارجون عن دائرة المفعول بهم الى اناس وقل قد يكونون هم الفاعلين والمخططين لكل انواع الدمار حيث مدينة عامرة وابنية ورقص وملذات الحياة متوفرة بشكل واضح،

 

كل هذا كان سببه الانسان، وما زاد عبء البشر في هذه الحياة ما لحق به من كوارث و اوبئة طبيعية كمشهد الاجساد على ناصية الشوارع جراء وباء كورونا ، وما قد سيحدث لنا مستقبلا من مضاعفات الثقب الاسود وانبعاث الغازات السامة، رغم اني قلت انها كوراث و اوبئة طبيعية الا انه كان للانسان يد في حدوثها، ولشعوره بالذنب يظهر مشهد الشباك انسان عاري كانه يغتسل منذنوبه تحت الماء، الا ان ملامحة ونظرته وضحكته يوحي للمتلقي ان الانسان سيصبح اعنف وان صراع البقاء سيتوسع اكثر  وتبقى مقولة البقاء للاقوى هي السائدة.

 

فالمشاهد التي تم التحول فيها من مشهدلاخر ظهر اتجاهين متناقضين وهما ( كانط و فوكو) ، فما دعى اليه ( كانط) حين قال في فلسفته هناك كونية العقل البشري وحدوده في الوقت نفسه، والحدود التي يرسمها كانط في مجال المعرفة حتى يعمم مفاهيم العقل العملي، ويدرك الإنسان قيمة الواجب الأخلاقي، وقيمة الإرادة المشرعة للفعل الأخلاقي، الإنسان حسب كانط قادر على صناعة الحياة المشتركة وإرساء السلام العالمي،

 

وتفعيل مقتضيات القانون الذاتي والوضعي معا. اما (فوكو) الذي  ألغى النزعة الإنسانية، واعتبرها من الأوهام التي رسخها التاريخ، ويكشف عن تلك الجروح التي أصابت الذات الانسانية بفعل آليات التأويل للمعرفة، ويقع إدراك الإنسان لدى (فوكو)  منذ الوهلة الأولى ككائن تابع. إنّ الإنسان مرتبط بأنساق تفكير وهو في ذات الوقت مكبّل في نظام الخطاب وخاضع لإجراءات السلطة. وهذا يجعل رؤية فوكو للإنسان تختلف كثيرا عن النظرة الوجودية  مثلا، التي يكتشف فيها الإنسان ذاته كحرية عبر القلق. فالانسان لا يملك، عند فوكو، أصله في حدّ ذاته.

 

ويؤكد على ان النزعة الإنسانية هي أثقل ميراث انحدر إلينا من القرن التاسع عشر، وقد حان الأوان للتخلص منه، ومهمتنا الراهنة هي العمل على التحرر نهائيا من هذه النزعة، فمن الواضح أن ميشيل فوكو لم يكن فيلسوفا نسقيا على الطريقة الديكارتية بل فيلسوفا يغرد خارج النسق المغلق، ويعيد الاعتبار للجسد والمنسي والمهمش، ويحاول الكشف عن الأجزاء الصغرى بناء على أداة مهمة وهي الاركيولوجيا، يعني الحفر في التاريخ وفي أشكال الخطاب والحقيقة التي نالت نصيبا من النبذ،  واهذا العمل المسرحي  اجاد في خلق تلك الجدلية المعرفية والنفسية والاجتماعية في صور ومشاهد ولدت من الذات الانسانية لتصب في الذات الانسانية مرة اخرى.

 

والعمل استعان بحقبات تاريخية مرت بها البشرية ككل ومتجاوزا بذلك الحدود المكانية، حيث الترانيم غير المفهوم للديانات البدائية، وتعاويذ لعرافات وهمهمات قبائل بدائية عاشت في بقاع الارض واصوات الطبيعية التي احتوت كل ما سبق والتحول المفاجئ من وثنيات متعاقبة ومختلفة المصدر تبحث عن القوى الخفية وتسعى الى الفهم لمقتضيات الوجود، والخلق، والتوحيد الى ديانات سماوية استعان البشر بها لانهاء ازماته التي بات الانسان نفسه مصدرا لخلقها ولاسباب لا يعرفها الا من افتعلها.

 الشخصيات والصراع:

في هذه المسرحية نرى ان المخرج سعى الى عمل توليفة نفسية متعددة المنابع من حيث بنائه للشخصيات، فالملاحظ ان الشخصيات  ما هي الا تفكيك لنموذج متقلب المزاج والنفسية ومليء بالاضطرابات والحالات النفسية التي تظهر بشدة حينا وتهدأ احيانا، فذكاء المخرج  واضح هنا في الكيفية التي مهد لبناء الحالة النفسية للشخصيات مستفيدا من عدة مدارس نفسية حسب رايي منها مثلا المدرسة السلوكية باعتبار السلوك الظاهر هو ما يوحي لنا بالصورة المخفية الذاتية والكامنة في الشخصيات، واحيانا معتمد على نظرية ( والتر ميشيل – التاخير في الارضاء) ،

 

وأحيانا على  ديناميكية ( هاري ستاك سوليفان)، والشي المشترك تقريبا في هذه النماذج هو الجانب البيئي الاجتماعي الى حد ما واستطاع المخرج ان يوظف ذلك بشكل جيد من خلال تاثير البيئة الاجتماعية في تكوين البنية النفسية والعقلية والاجتماعية والفكرية للشخصيات.

اولا / المدرسة السلوكية :

فالشخصيّة وفقًا للمدرسة السلوكيّة ( في علم النفس) هي نِتاج البيئة التي ينشأ فيها الفرد، إذ إنّه يكتسبُ سلوكياته واستجاباته من خلال تفاعله مع محيطه والخبرة المكتسبة من تجاربه السّابقة، وليس للعقل الواعي أو لعمليّاتِه الذهنيّة الذاتيّة دورٌ في تحديدِ سلوكِه أو تشكيله؛ حيث رفضت المدرسة السلوكيّة فكرة وجود دور لوعي الإنسان في تكوين شخصيّته، تلك الفكرة التي تبنّتها المدرستان الوظائفيّة والبنيويّة، كما رفضت فكرة فرويد التي تربط بين العمليّات الداخليّة اللاشعوريّة وتأثيرها على سلوك الشخصيّة.

وهذا ما لاحظناه في السلوك المندفع حينا من قبل الشخصيات متاثرا بمثيرات الموقف المادي او النفسي او الانفعالي واقدامهم على ردود افعال خارجة عن سيطرة الوعي الانساني، كمشاهد القتل والرفض المطلق للاخر والتهميش …..الخ، والمخرج كان موفقا هنا في خلق توليفة فنية ونفسية واجتماعية، ضمن دائرة الاضداد، ومن ذلك كله خلق نموذجا متعدد المسارات كبناء، ومحدودة الخيارات للخروج من المأزق الذاتي الا‘ني الخاص بالمشهد، وهذا ما دفع بالمتلقي ان يعيش نفس حالة الترقب والقلق والتوتر الذي يعيشه الممثلين على خشبة المسرح.

ثانيا / والتر ميشيل / علم النفس الشخصية وعلم النفس الاجتماعي.

والتر ميشيل يشتهر ميشيل بأبحاثه في مجال علم النفس الشخصية وعلم السلوك. أحد أبرز الإسهامات التي قدمها هو نظرية التأخير في الإرضاء. وفقًا لوالتر ميشيل، الشخصية هي نتاج لتفاعل بين العوامل الداخلية والخارجية، وتشمل عدة جوانب أساسية:

  1. الواقع المعايش والبيئة: ميشيل يشير إلى أن السلوك البشري يتأثر بشكل كبير بالظروف الخارجية والبيئة التي يعيش فيها الفرد. على سبيل المثال، يمكن أن تؤثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على تشكيل الشخصية وسلوك الفرد.
  2. العوامل الداخلية والمعرفية: يركز ميشيل أيضًا على العوامل الداخلية التي تؤثر على الشخصية، مثل الاعتقادات والقيم والمعتقدات الشخصية. كما يُشير إلى دور العمليات المعرفية، مثل التفكير والذاكرة والتعلم، في تشكيل سلوك الفرد وشخصيته.
  3. الاستجابة للمحفزات: يعتبر ميشيل أن الشخصية تتطور من خلال استجابة الفرد للمحفزات الخارجية والداخلية. على سبيل المثال، كيف يتفاعل الفرد مع التحديات والمواقف المختلفة التي يمكن أن تؤثر على تطور شخصيته.
  4. التنبؤ بالسلوك: يعتقد ميشيل أنه من خلال فهم عوامل معينة من الشخصية والبيئة، يمكن للباحثين والمهنيين في مجال علم النفس التنبؤ بالسلوك المستقبلي للفرد إلى حد ما.

 

بشكل عام، يرفض والتر الفكرة القائلة إنّ للناس سمات شخصيّة ثابتة، لا تتغيّر مع مرور الوقت، أو حتى بمواجهة مواقف وخبرات جديدة، ويرى أنّ سلوك الفرد يمكن أن يتغيّر من موقفٍ إلى آخر،  وقد يكون السلوك ثابتًا في حال كانت المواقف متشابهة، كما يضع في اعتباره أنّ للفرد تقديرًا معيَّنًا للموقف الذي يواجهه وللتصرف الذي ينبغي عليه القيام به حينها، فهو يستخدم عمليّاته المعرفيّة لتفسير الموقف ثمّ تحديد السّلوك المُناسب.

ثالثا / هاري سوليفان / وقد نصت نظريته المعروفة عن العلاقة المتبادلة في العلاج النفسي على أن الشخصية هي سلوك الشخص في التفاعل مع الآخرين. نظرية العلاقات الشخصية المتبادلة ل سوليفان نظرية نفسية تركز على العلاقات الاجتماعية  وتاثيرها على النمو الشخصي والصحة النفسية

مفاهيم اساسية في النظرية:

  1. العلاقة الشخصية المتبادلة: أن فهم الطبيعة البشرية للشخصية من خلال استيعاب وفهم سلوك الفرد من خلال علاقاته وتفاعله مع الآخرين من حوله

2-     القلق والتوتر: يرى سوليفان ان التوتر يقوم بدور بارز في تكوين الشخصية، والناس دائما يكافحون لخفض التوتر والقلق الناشئ عن مصدرين أساسيين هما:الحاجات البيولوجية. ·  عدم الأمان الاجتماعي

.3- العلاقات الاجتماعية المبكرة: لقد اهتم سوليفان بشكل رئيسي بالعلاقة بين الرضيع ووالدته

  1. – التواصل: اكد سوليفان على اهمية التواصل بين الافراد كعامل فعال ومهم جدا في التفاعل ، واعتقد ان التواصل والاتصال له اهمية ايضا في المقابلة الشخصية العلاجية فالمخاطبة والحديث مهم جدا بين الناس وبين الفرد وذاته

5- الانتباه: لقد وضع سوليفان لهذا العامل حوافز عديدة وهو مفهوم له تاريخ طويل في علم النفس ، وتم توظيفه بشكل متعدد في وجهات النظر النفسية، وهو من القلائل الذين اعطوا الانتباه اهمية واولوية في مفاهيمه حول السلوك

مفهوم الشخصية في النظرية:

هناك ثلاث عمليات اساسية واضحة تظهر في تفاعلات الافراد، وتم الاستفادة من هذه العمليات في المسرحية من قبل المخرج بشكل جيد واستطاع توظيفها بشكل سلس ملائم للحالة المراد الوصول اليها، منها

. الدينامية: ويقصد بها سوليفان الانماط السلوكية المتكررة في حدوثها، تلك التي قد تصبح عادة عند الفرد في ممارستها في حياته اليومية، وتتكون الديناميات عند الافراد من خلال تفاعل بعضهم مع بعض، وكلما زادت خبرات الفرد وتجاربه وتعامله زادت الديناميات لديه.

  1. تطور الاشخاص: ويقصد بذلك ما يحمله الفرد عن نفسه او عن الاخرين وهي الصورة الذهنية التي يكونها الفرد عن شخص ما بالتجربة فاذا كانت الصورة الذهنية ايجابية جيدة او سلبية سيئة فان نوعا من النمطية تظهر لدى الفرد في التصور وذلك مثل النمطية السائدة او التحيز.
  2. انماط الخبرة: ركز سوليفان على ثلاث انماط من الخبرة والتجارب (الادراك الفطري، التواصل الناقص، التواصل اللغوي).

ونرى في مشاهد عدة ما يحدث بين الفتيات، فنراهن حينا عرافات، وحينا ساحرات، واحيانا اخرى اخوات، واكثر الاحيان نراهن في صراع قوي من اجل السلطة والمال والبقاء ففيهن من ترمز الى البراءة المفرطة كتلك التي تدخل وتحمل طفلها الرضيع وملامحه لشيخ مسن كانه يبلغنا الطفل يولد وهو محمل بهموم لا حدود لها، وفيهن من ترمز الى من تحمل في ذاتها صفة الخيانة واللعب على اكثر من جبهة ووجه، واخرى نراها تخرج لنا من الباب الوسطية التي تخفي خلفها طموحاتلا حدود لها في كسب السلطة والمستقبل،

 

والشي الملفت هنا ان الطفل الشيخ ينتقل من امرأة الى اخرى عبر تسلسل زمني ممتد عبر حقب متتالية كل واحدة منهن تاخذ الطفل الشيخ ذريعة كي تبين نفسها المرأة الصادقة والام الحنونة احيانا والسلطة الوفية لرعاياها ويبقى الطفل بينهن ادات و وسيلة للوصول الى مبتغاهن، حيث نرى غموضية المشاهد تتوالى وتكثر فيها الرموز والدلالات التي تم توظيفها بشكل تحمل اكثر من مغزى مثلا نرجع للطفل الشيخ ومبدأ التعايش والاضداد الذي استعان به المخرج من مسرح ( بيتر بروك)، حيث وكاننا لا نعيش حدثا مسرحيا فحسب، بل وكانها الحياة بكل تفاصيلها المتناقضة والمتعايشة كجزئية ضمن منظومة شاملة في العمل وطرح الرؤية الاتية للاحداث الناتجة من جراء تلك التناقضات سواء داخل الممثل نفسه او داخل المشهد ككل،

 

وايضا في معالجاته لبعض الحالات المتناقضة نراه لجأ الى قسوة ( ارتو)  في بعض حلوله كاستخدامه لمؤشرات روحية ، لها معان محددة تصب المتلقي بالايماء، ولكن في قسوة يستحيل التعبير عنها في لغة منطقية قابلة للمناقشة و اختراقه الحياة من وجهة نظر جديدة كل الجدة : خسوف الانسان .. تصوير النهاية السوداء التي الت اليها حال المجتمع الانساني .. كذلك عدم انعكاس تلك الحقيقة او انعكاسها على المجتمع ، كما لو انه يريد نفسه في المرآة حسب نظرية الاخلاقيين ، ولا يجوز ايضا ان يدخل للمجتمع مدخلا اخلاقيا او سياسيا. وخير دليل على لك استعانة المخرج باسلوب الحلم، وهو ما اعتمده ( ارتو) كاسلوب في الوصول الى الاهداف المرجوه .

واخيرا وفي مشهد الصحفي الذي يبحث عن الحقيقة وفي الاسباب التي الت اليها الاحداث، يفاجئنا المخرج بحالة اخرى من التناقض والاضداد والصعوبة التي ييلزمنا كمتفرجين والصحفي ان نقف موقف الصمت احيانا واحيانا اخرى موقف المخاطرة الخاسرة، حيث يتفاجئ الصحفي انه يبحث عن الحقيقة في حقل مليء بالالغام التي ما ان داس قدمه احداها تكون حياته ثمنا لتلك الحقيقة التي بحث عنها. وكان الالهة التي تركت النار المسروقة من قبل برومثيوس لعنة تلاحق البشرية جراء فعل لم يقدم عليه ولكنه اتقنها بعد ذلك.

ــــــــــــــــــ

  1. ارتو، انتونان (1983)، المسرح وقرينه، ترجمة سامية اسعد، دار النهضة العربية، القاهرة. .
  2. اسعد، سامية (1985) مفهوم المكان في العرض المسرحي المعاصر. مجلة عالم الفكر، العدد 4 يناير. فبراير. مارس (الكويت). .
  3. ألين ستون، جورج سافونا (1991)، المسرح والعلامات، ترجمة سباعي السيد، مهرجان القاهرة الدوري للمسرح التجريبي، وزارة الثقافة، القاهرة. .
  4. ايكو، امبرتو،(2008)، سيميائيات الأنساق البصيرة، ترجمة محمد التهامي، مراجعة، سعيد بنكراد،دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1.
  5. باربا (1981)، مسيرة المعاكسين، انثروبولوجيا المسرح. ترجمة قاسم البياتي، دار الكنوز الأدبية، الطبعة الأولى، لبنان. .
  6. حمادة ، إبراهيم (1997)، التقنية في المسرح – اللغات المسرحية غير الكلامية، مكتبة الأنجلو، (د.ت).
  7. خضير، عواد علي، (1989)، التحليل السيميائي للعرض المسرحي الحديث، رسالة ماجستير،(غير منشورة)، جامعة بغداد، كلية الفنون الجملية.
  8. سلام، ابوالحسن (1999) التعبير في فن الممثل، قسم المسرح، الاسكندرية. .
  9. صمودي، مصطفى،(2000)، قراءات مسرحية، ( منشورات اتحاد الكتاب العرب).
  10. عباس ، فيصل ،(2005)، الفرويدية ونقد الحضارة المعاصرة،دار المنهل اللبناني.
  11. القصب، صلاح (1990) ما وراء الصورة، الإشارة الأولى لصورة الذاكرة، مجلة الأقلام، العدد الثاني (بغداد.
  12. الكسندر، دين (1975)، أسس الإخراج المسرحي، ترجمة سعدية غنيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة. 1

12- يوسف احمد، (2005)، الدلالات المفتوحة مقارنة سيميائية في فلسفة العلامة، ( دار العربية للعلوم، المركز الثقافي العربي )،ج1، المغرب.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock