مقالات ودراسات

الناقد صميم حسب الله يكتب عن العرض العراقي ” مكاشفات” – : تمثلات السلطة بين دراماتورجيا النص .. وسيناريو العرض!


صميم حسب الله

مسرحي وناقد عراقي

ـ

المقدمة :
تنتمي السلطة إلى تلك المفاهيم التي رافقت العقل البشري منذ تأسيسه الأول وإلى رغباته في بسط الهيمنة على الآخر مستفيداً من قدرته على فرض القوة ، الأمر الذي تحولت معه السلطة إلى فعل مستمر ومتجدد تتفاعل الجماعات الإنسانية معه ، وتسهم في إعادة إنتاجه داخل البنية الإجتماعية ، الامر الذي أسهم بدوره في إنتاج متماثلات سلطوية إكتسبت من شخصيات التأريخ حضوراً وأسلوباً في إخضاع الشعوب على إختلاف عاداتها وتقاليدها ، مستفيدة من توافرها على مسميات مختلفة تتكئ بعضها على مبدأ القوة المادية المباشرة ، ويرتبط بعضها الآخر على ماهو مستتر داخل المتن الديني الذي أفاد منه رجال السلطة في إخضاع المجتمع تحت ذريعة التعاليم السماوية .
وقد شكلت تلك الثنائيات التي تتكئ السلطة عليها علاقة جدلية أفاد فن المسرح منها على مستويات عدّة ، منها ما أرتبط بتأسيس البنية النصية التي تشكلت عبر تدوين نصوص مسرحية (عالمية وعربية وعراقية) إكتسبت بعضها خصوصية التعبير عن السلطة، إذ تأتي في طليعتها شخصية (كلكامش) الباحث عن الخلود ، وشخصيات المسرح الإغريقي المشاكسة لسلطة القدر ، وشخصيات شكسبير الدموية ، وشخصية كاليجولا عند ألبير كامو ، وغيرها .. بوصفها شخصيات إرتبطت بالمتن التأريخي ، ولم يكن المسرح العراقي بمعزل عن التعاطي مع تلك الشخصيات سواء عن طريق الإعتماد على ماتوافر في المسرح العالمي ، أو مايتوافر في التراث العربي الحافل بالشخوص السلطوية و الدموية ،

وتأتي تجربة الفنان الراحل (قاسم محمد) تأليفاً وإخراجاً وإعداداً في طليعة التجارب المسرحية التي نهلت من التراث العربي نصوصاً درامية وعروضاً مسرحية أسهمت في تكوين خصوصيته المسرحية التي شكلت حضوراً عراقياً وعربياً ، ولاسيما في إشتغاله على مايتوافر في التراث العربي الإسلامي من شخوص وأحداث درامية أفاد في تحويلها إلى المسرح والتعبير عن القضايا الراهنة التي تأتي في طليعتها هيمنة السلطة على المجتمع وإغراقه بالحروب الدموية من أجل تحقيق غايات تسلطية ، وقد إعتمد في ذلك على المتن التراثي سعياً وراء الخلاص من سلطة الرقيب التي كانت تسيطر على الحقل الثقافي ، وما مسرحيته الأخيرة ( مكاشفات ) التي عمل على إعدادها بالإعتماد على المزاوجة بين مسرحية (مكاشفات عائشة بنت طلحة ) للأديب (خالد محيي الدين البرادعي ) ومقاطع من مسرحية( أبن جلا ) للكاتب المسرحي (محمود تيمور) ، إلا دليل على مشروعه المستمر في إعادة إنتاج التراث العربي وجرجرة شخوصه التي شكل حضورها إمتداداً معرفياً متمركزاً في بنية العقل العربي ذو النزعة التسلطية ، وقد إختار التعاطي مع شخصية (الحجاج بن يوسف الثقفي) الذي يعد من الشخوص المثيرة للجدل في التأريخ الإسلامي ، لإحتكامه على مبدأ القوة في بسط السلطة والسيطرة على المجتمع .
قدمت مسرحية (مكاشفات)(-;—;—–;—) على قاعة المسرح الوطني في بغداد ، سيناريو وإخراج ( غانم حميد) تمثيل 🙁 د. شذى سالم ) و ( د. ميمون الخالدي) و (فاضل عباس)و سينوغرافيا (علي محمود السوداني).

ثنائية النص الدراماتورجي وسيناريو العرض:
اختلفت التوصيفات المعرفية في تحديد مفهوم الإعداد المسرحي للنص، ويعود ذلك إلى ان فكرة الإعداد ظلت مرتبطة بتحويل البنى السردية والشعرية المنضوية تحت مسميات (الشعر والرواية والقصة القصيرة ) إلى الحقل المسرحي عن طريق إختزال الاحداث السردية وتحويلها إلى أفعال درامية فضلاً عن تضمينها للصراع الدرامي بين شخوصها ، من جهة اخرى فإن عملية تكييف النص المسرحي لمقترحات الرؤية الإخراجية بات يدخل في إشتغالات الإعداد، لاسيما مايرتبط منها بإنتاج نص درامي مغاير عن النص الأصلي ، ويأتي إشتغال الفنان الراحل (قاسم محمد) في تلك الحدود ، إذ يدخل (الإعداد) للنص المسرحي في وظيفة الإشتغال (الدراماتورجي) الذي إعتمده (قاسم محمد) في تكييفه للنصوص ، الامر الذي أسهم على نحو فاعل في إنتاج نص مغاير عن النصوص التي شكلت مرجعياته الدرامية ، فضلا عن أن (قاسم محمد) إعتمد في صياغته للنص المعّد على تدوين لغة درامية إمتلكت خصوصية شعرية أسهمت على نحو فاعل في التعبير عن شخصيات المسرحية التي إرتبط كل منها بمرجعيات معرفية في التراث العربي الإسلامي ، فضلا عن إعتماده على إنتاج صراع متباين داخل المتن النصي، بمعنى أن (النص المعّد) لم يركن إلى تأسيس صراع تقليدي متوارث عن النصوص، بل راح يتفاعل مع الشخصيات في إنتاج صراع على مستويات مختلفة منها ما يعود إلى صراع غير متكافئ القوى بين ( الجلاد/ الحجاج) و (الضحية/ عائشة) ،إذ بدا واضحاً أن (الحجاج) إعتمد على مايمتلك من سلطة في السيطرة على المجتمع ، وقد تكشف ذلك على نحو واضح في مقولاته التي شكلت ذاكرة جمعية تم عن طريقها التعبير عن السلطة القمعية ، عبر مقولاته التسلطية: ( إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها .. وإني لصاحبها) ، وفي مستوى آخر للصراع إختار (قاسم محمد) التأكيد على صراع (الذكر/ القوة) ، (الأنثى / الضعف) ، وهي إشارة دالة إلى العقل الذكوري الذي هيمن على السلطة داخل البنية الإجتماعي العربية ، إلا أنه لم يركن إلى الصراع الأحادي الذي تم إنتاجه عبر السلطة الذكورية فحسب، بل عمل على تأسيس (القوة الناعمة) التي إحتكمت إليها شخصية (عائشة) في مواضع مختلفة من المتن النصي والتي تمكنت فيها من ترويض (السلطة الذكورية) داخل العقل العربي المتمثل بالحجاج ، وبذلك فإن ( قاسم محمد ) إستطاع إنتاج نص درامي ينهل من التراث العربي وشخصياته الجدلية ويسهم في التعبير عن الحجاج وسلطته الحاضرة في كل زمان ومكان.
إلا ان صياغة المخرج للنص الدرامي تحت مسمى ( سيناريو العرض) لم تكن منسجمة مع المنطلقات الفكرية العميقة التي كشف عنها نص (مكاشفات) ، وقد يبدو ذلك للوهلة الاولى جرأة ومغايرة من المخرج ، إلا ان (سيناريو العرض) جاء على نحو متواضع ، إبتداءاً من تهشيم النسق النصي الذي إعتمد (قاسم محمد ) في تأسيسه على شخصيتي (الحجاج، عائشة) بوصفهما بؤرتي صراع ، إلا أن المخرج توجه إلى إضافة شخصية (مجهولة الهوية والمعنى) تحت مسمى (خادم العرض) في محاولة لخلق مشاكسة درامية أسهمت على نحو فاعل في إنتاج فجوة درامية أطاحت بالمتن النصي ، وذلك عن طريق إعتمادها على اللهجة المحلية التي كان لها دور فاعل في تهشيم البنية النصية ، وقد بدا واضحاً أن المخرج إختار الركون إلى اللهجة المحلية في محاولة للتعبير عن مقترحات إخراجية إرتبطت بالمنطلقات الأساسية للمسرح البريختي عن طريق (قفشات لفظية)، إلا أن ذلك لم يكن بمعزل عن الملفوظ النصي الهجين الذي إقتحم بنية النص وأسهم على نحو واضح في الإطاحة بالشخصيات الدرامية ومرجعياتها التاريخية في محاولة فقيرة للتعبير عن إنحطاط السلطة عن طريق تفاعلها مع الملفوظ الهجين ومغادرتها للملفوظ النصي، ولم يقتصر ذلك على شخصية (الحجاج) حسب ، بل إنعكس بدوره على شخصية (عائشة) التي طالها الإنهيار اللفظي لتكون منسجمة مع مقترحات (سيناريو العرض) ، الامر الذي إنتفى معه الصراع الدرامي بمستوياته التي بدت حاضرة في المتن النصي الذي تأسس إبتداءاً على وفق قراءة دراماتورجية أسهمت في إنتاج نص محايث لما توافر في النصوص السابقة .

ثنائية الرؤية الأخراجية والفوضى الإخراجية:
بدا واضحاً أن المخرج إختار في تأسيس الرؤية الإخراجية الركون إلى بعض المقترحات النصية التي إنقسم فيها فضاء العرض إلى قسمين ، إرتبط احدهما بفضاء (السلطة / الجلاد/ الحجاج) ، والآخر يكشف عن فضاء (المرأة / الضحية / عائشة) ، وهي ثنائية كان ينتظر من المخرج التعاطي معها والعمل على تفعيلها من اجل بناء مرتكزاته الإخراجية التي تتوافق مع المقترحات التي سطرها في (سيناريو العرض)، وبدا المخرج قادراً على ذلك عن طريق التكوين الأساسي في فضاء السلطة والمتمثل بالمنبر الذي إختار المخرج أن يعتمده للتعبير عن دلالة مزدوجة المعنى تحيل إلى الزواج الأبدي بين السلطة الدينية والسلطة القمعية ، الأمر الذي جعله مقترحاً إخراجياً معبراً على نحو واضح عن الهيمنة التي تسيطر على المجتمع عبر العصور، إلا أن تلك الإلتماعة الإخراجية لم توظف على نحو فاعل ، بل إن المخرج عمل على إستهلاكها عبر تكرارات لم تكن منتجة ، فضلا عن أن المخرج لم يعمد إلى تغيير الألوان البيضاء التي إرتبطت بـ (المنبر / السلطة) الأمر الذي جعله مكاناً محايداً ، لتتلاشى معه تلك الفرضية التي تم الكشف عنها، من جهة اخرى فإن المخرج وقع في مغالطة أخراجية أسهمت في إنتاج الفوضى البصرية التي تمثلت في توحيد فضاء (الحجاج) وفضاء (عائشة) عن طريق إغراق المسرح بـ (القطن الأبيض) ، الأمر الذي إنتفى معه البناء الدرامي لشخصية (الحجاج) وما يحتكم عليه من سطوة وقوة تستتر تحت مقولات لفظية ظل يبوح بها شاهراً سيفه : ( لألحونهم لحو العصى حتى يستقيموا) ، بل على العكس من ذلك ظل الفضاء بارداً خاوياً من المعنى الذي يمكن أن ينتج عبر دلالات لونية لم يعمد المخرج إلى تفعيلها ، بل على العكس من ذلك راح يعمد إلى تأكيدها عن طريق اعتماد الألوان البيضاء في أزياء شخصية (عائشة) في المشاهد الأولى متناسياً ملفوظها النصي الذي جاء تعبيراً عن حزنها على مقتل زوجها الذي أطاح به سيف (الحجاج) ، ويأتي توظيف التقنيات الحديثة (الداتاشو)، ولاسيما صور الحروف العربية التي أسهمت في إنتاج وحدة دلالية منسجمة مع الملفوظ النصي الشعري في إشارة واحدة إلى التراث العربي الإسلامي واللغة المتعالية التي إتسمت بها لغة الشعر العربي ، إلا أن إعتماد المخرج على (الداتاشو) في مواضع اخرى وبمضامين صورية مختلفة كشف عن فوضى اخراجية أراد المخرج عن طريقها التعبير عن حضور (الحلاج) في كل زمان ومكان ، كما في مشاهد (الأهوار، و الشناشيل) التي لم يكن العرض يحتاج إلى تشخيصها للتعبير عن حضور السلطة القمعية في مختلف الازمنة ، ولم تقتصر الفوضى الأخراجية على مشاهد (الداتاشو)، بل في مشاهد إخراجية متنوعة ظل المتلقي عاجزاً عن توصيفها في العرض ، نذكر منها توظيف المخرج لرقصة ( الدبكة) التي يتم تداولها في المناطق الغربية من العراق ، فضلا عن توظيفه للأغاني الشعبية، لاسيما اغنية (هيج أنتي حلوة )، ومشهد الأغاني الريفية التي تم إستهلاكها في المسرح التجاري، وقد بدا واضحاً من تلك المداخلات المشهدية أن المخرج أراد التعبير عن فكرة السلطة القمعية وثقافتها المهيمنة على المجتمع ، إلا أنه لم يتمكن من إنقاذ الرؤية الإخراجية من الفوضى التي إجتاحت فضاء العرض المسرحي .

ثنائية الأداء المسرحي والاداء اللفظي :
تعلمنا أبجديات الأداء المسرحي ان الممثل المسرحي يحتكم على منظومتين إحداهما سمعية يتم فيها التعبير عن الملفوظ النصي ، والاخرى حركية وفيها يتم التعبير عن السلوك الحركي للممثل، وبدا واضحاً ان الممثلين في مسرحية (مكاشفات) أفادوا على نحو خاص من الاداء الصوتي، فضلا عن قدراتهم العالية في التفاعل مع الملفوظات الشعبية التي أقتحمت النص الشعري وأسهمت على نحو اساس في الإطاحة بالمنظومة الادائية ، إذ بدا واضحا أن الممثل الفنان (ميمون الخالدي) كان يتفاعل مع لغة النص الشعرية على نحو كبير لدرجة ان لغة النص جرجرته من الاداء المسرحي إلى الاداء الإذاعي في مواضع مختلفة ، فضلا عن انه لم يكن قادراً على التعاطي مع الإكسسوارات التي تمثل جانباً رئيساً من شخصية (الحجاج) التي جسدها ، ولا سيما السيف والعمامة وهي مفردات بدا واضحاً ان اهتمامه بهما يحتكم على معنى دلالي فالسيف علامة دالة على قطع الرؤوس التي أينعت ، اما العمامة فهي تعبير عن السلطة الدينية التي يتخفى خلفها وهو يعتلي المنبر، وهي ثنائية علامية دالة إلا ان الممثل لم يعمد إلى تفعيلها، بل على العكس بدت عبئاً ثقيلاً على الممثل يسعى للخلاص منها، من جهة أخرى فإن المقترحات اللفظية التي جاءت للتعبير عن ملحمية الاداء المسرحي والتي إفترض المخرج أن (نسيان الحوار ، وإسقاط الإكسسوار وبعثرته في فضاء العرض والبحث عنه في محاولة لبناء علاقة مع الجمهور، وإضاءة القاعة تعبيراً عن التفاعل مع المتلقي ، وتحول شخصية عائشة عن طريق تدخين السجائر وإستعمال الحجاج لأسلحة حديثة .. وغيرها ) بدت تقنيات فقيرة وبالية غادرها المسرح العالمي وعفا عليها الزمن، وإستهلكها المسرح العراقي في ثمانينيات القرن الماضي، كما ان الركون إلى الملفوظ الشعبي دفع بالممثل إلى التفاعل مع الجمهور والسعي إلى إثارة مشاعره بكلمات تمتلك خصوصيتها عند المتلقي العراقي كما في كلمات (يا عمي) وغيرها .
ولم يكن أداء الفنانة (شذى سالم) التي جسدت شخصية (عائشة بنت طلحة) بمعزل عن التمسك بالملفوظ النصي على الرغم من محاولاتها في إثارة المتلقي عن طريق الصرخات تعبيراً عن فاجعتها ، إلا ان التحولات التي بدت مقحمة على سلوكها أسهمت في الاطاحة بالشخصية ، ولاسيما مشهد (التدخين) الذي بدا دخيلاً على الشخصية على نحو كبير ، فضلا عن المشهد الذي تزاوج فيه بين فعل (اللطم) والرقصة الغجرية الشهيرة (هزة الشعر) ، ولم تكشف الممثلة في أدائها في مواضع مختلفة عن تلك المرأة المفجوعة بمقتل زوجها ، بل على العكس فإن الاداء التمثيلي كشف عن سلوك مضمر جاء تعبيراً عن رغبة جامحة للشخصية في التقرب من احضان السلطة من دون ان يتعرف المتلقي على النزعة الحقيقية للشخصية التي ظلت غامضة حتى المشهد الأخير الذي لم يكن منسجماً هو الأخر ضمن سلسلة من التحولات في الزي المسرحي والإبقاء على طريقة الاداء النمطي للشخصيات ، فضلا عن ان المخرج أسهم في إنتاج فجوات ادائية أسهمت في القضاء على شذرات الإيقاع المسرحي التي تناثرت في فضاء العرض ، نذكر منها المشاهد التي تم تسجيلها بأصوات الممثلين والتي كشفت عن ضعف في معالجة الزمن الدرامي ، كما أن إعتماد المخرج على ترك الفضاء المسرحي خالياً من الممثلين، بينما المتلقي يستمع إلى حواراتهم وهم خارج الخشبة في رحلة تغيير الأزياء التي أسهمت في تعزيز قناعة المتلقي في موت الإيقاع المسرحي، كما أن مقترحات الرؤية الاخراجية التي تأسس عليها العرض (القطن الأبيض) قد أسهمت على نحو واضح في إعاقة حركة الممثلين حتى بدا أنهم يعتمدون سلوكاً تعبيراً في الإنتقال من موضع إلى أخر في حين أنهم كانوا يصارعون القطن من اجل الحصول على نسق حركي ينسجم مع الشخصيات التي جسّدوها، كما أن إقحام شخصية (خادم العرض) التي جسّدها الممثل الفنان (فاضل عباس) على النص بدا واضحاً ، إذ ان توافر العرض على هذه الشخصية وتحديداً تحت مسمى (خادم العرض) يعطي تعبيراً واضحاً ودالاً إلى أن ممثلي العرض كانت بهم حاجة إلى ممثل مساعد يكون متحركاً داخل الفضاء ، وهو ما قام به الممثل (فاضل عباس) على نحو واضح ، اما على مستوى البنية المشهدية أو الرؤية الإخراجية أو المقترح النصي فإن العرض لم تكن به حاجة إلى شخصية مقحمة على بنيته الفكرية والجمالية .

ثنائية الإضاءة والازياء المسرحية:
يبدو أن المشتغلين بالحقل المسرحي مستمرين في التعاطي مع المصطلحات المسرحية على نحو كيفي من دون الركون إلى مرجعيات تلك المصطلحات وأسباب توظيفها في العرض المسرحي ، ذلك أن التأكيد على إختزال مصطلح السينوغرافيا بالإضاءة ومصممها يعد إختزالاً لمنظومة متكاملة ، فإذا كان العرض المسرحي (مكاشفات) يعتمد على وجود مصمم للأزياء (سيف العبيدي) ، فكرة الديكور (غانم حميد) ، منفذ الديكور (فراس جلال) ، الموسيقى وإعداد المؤثرات (كمال حسن) ، فهل ثمة ما يدعو إلى إعادة توصيف مصمم الإضاءة تحت مسمى (السينوغراف) ، من جهة أخرى فإن إضاءة الفنان (علي محمود السوداني) أسهمت على نحو واضح في إنتاج توصيفات بصرية متنوعة ساعدت في تحقيق الشكل البصري الذي بدا فاعلاً في مواضع عدة من العرض، لاسيما في المشاهد التي بدا فيها أن الإضاءة أحالت فضاء العرض إلى مرجل حراري يمكن أن ينفجر بسبب سلطة الحجاج، إلا انه بدا في مواضع أخرى مغايراً للرؤية الأخراجية التي بدت دخيلة على فضاء العرض كما في مشاهد (الأهوار ، والشناشيل).
فضلا عن أن المخرج أفاد على نحو واضح من التنويعات التي توافرت في الأزياء المسرحية ، إذ إرتبط بعضها بتحديد الشكل الأيقوني للشخصيات (الحجاج، عائشة) بحسب مرجعياتها التأريخية ، إلا أن المخرج لم يسعى إلى الكشف عن المعنى الدلالي الذي يمكن أن ينتج من الازياء ،إذ إقتصر إهتمامه على الشكل الخارجي للأزياء من دون تفعيل منظومتها العلامية التي كان يمكن لها أن تساعد في إنتاج علامات دالة تعبر عن الشخصيات ، الأمر الذي أسهم في الكشف عن أحد أمراض الزّي المسرحي ، بحسب (رولان بارت) في إشارة إلى التكلف والبهرجة اللونية التي بدت حاضرة في أزياء (المكاشفات) الغائبة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock