مقالات ودراسات

الناقد مجدي الحمزاوي يكتب: “فوتو كوبي سوريا” عرض جيد بدون تجريب


مجدي الحمزاوي

كاتب وناقد مسرحي مصري

ـ

 تقديم..

هذا المقال كتبه الكاتب والناقد المسرحي المصري مجدي الحمزاوي عن أحد العروض المسرحية السورية، و موقع “المسرح نيوز” إذ ينشره هنا إيمانا بالمسئولية التي يجب أن نحملها جميعا على عاتقنا وهى المساهمة في عودة المسرح السوري فلمصر بل وكافة الساحات المسرحية العربية، كما يشكر الموقع الكاتب والناقد مجدي الحمزاوي على مبادرته الرائعة.

المقال:

 إذا كان الزمن في تعريف من تعريفاته هو الفترة المنقضية بين حركة وأخرى ؛ فعلي هذا الأمر فأن السكون أو اللا حركة من الممكن أن يعتبرا دليلا على عدم مرور الزمن على هذه البقعة التي يكتنفها الجمود، فلا شيء يتغير أو تتغير صورته أو مكانه وليس هناك جديد يأتي ، كما أن لا شيء يزول ؛ فكل شيء على مكانه، وتصبح الدقائق والأيام والأسابيع والسنوات هي صورة طبق الأصل( فوتو كوبي) من بعضها ؛ والتغيير الوحيد الذي من الممكن أن يحدث أو الحركة المتوقعة هي حركة للخلف  ؛ أي أن الزمن نفسه يعود للوراء نتيجة هذه الحركة، أو طريقا نحو الموت بالنسبة لمن يحيا في هذا المكان نتيجة الشيخوخة وانقضاء العمر فيما لا طائل منه أو جدوى. ولكن في نفس الوقت فإن هناك بعض المستفيدين من حالة الجمود هذه متمثلا في قلة لا تراها أو للدقة فهي قلة ليس لها تعاملها مع سواد الشعب القاطن في هذا المكان ؛ أي بتعبير أكثر دقة فإن هذه القلة لها زمنها الخاص المنفصل عن الزمن الذي أجبروا الآخرين على المعيشة في دائرتة المغلقة التي توصل كل خطوة فيها إلى نفس خطوة البداية .

 كان هذا هو المضمون العام للعرض الذي قدم ضمن إطار فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثانية والعشرين والذي عقد مؤخرا بالقاهرة ، من إنتاج المسرح القومي بسوريا وكان باسم فوتو كوبي . نص العرض هو إعداد عن نص ( الطابعان والآلة) لموري شيزجال. لعل أبرز ما في العرض هو هذا الإعداد الذي دخل على النص الأصلي وخرج به من العمومية والتشابك مع بعض أصداء الواقع الغربي  ، إلى خصوصية الأقطار العربية خاصة تلك الدول الغير نفطية التي مازالت تعاني حالة من حالات الفقر ؛ فلولا اللهجة الشامية التي قدم بها العرض لشعرت بأنك  أمام عرضا مصريا خالصا وأيضا على هذا سيكون الحال لو تم العرض في أي دولة عربية غير التي ذكرناها من قبل ، وحسنا فعل المخرج / ماهر صليبي _ الذي هو القاسم المشترك الأعظم في العرض فقد شارك في الإعداد وقام بالتمثيل بالإضافة إلى الإخراج _ حينما لم يقصر هذا الإعداد على نفسه ولكنه استعان بمعد آخر هو / أنا عكاش ؛ حتى يكون نص العرض متوافقا مع نفسه ومع الرسالة التي يريد أن يوصلها وأيضا مع جمهوره المستهدف، وربما كان المعد الثاني أكثر حنكة ودراية بهذا الأمر وألا بماذا يفسر وجوده أساسا لو كان المخرج / المعد على تمكن تام بعمل الدراماتورج ؟ العرض يبدأ بإضاءة فلاشية أو مؤثر بصري لبرق أو عاصفة ومن خلال هذه الإضاءة نلمح وجه هان لرجل وامرأة خاف النافذة التي تتوسط المكان ، ثم مع نفس المؤثر الإضائي نلمح وجه عامل يقوم بتنظيف المكان أمام النافذة أيضا ولكن هذه المرة من الداخل ؛ وعندما يبدأ العرض وقبل أن تصل إلى نهايته تعرف أن هذه المقدمة ليس لها داعي أساسا  ، وربما كانت صفة المشاركة التجريبية هي التي ما دفعت لهذه البداية ، التي تبعها استخدام لآلة الدخان مع الإضاءة الخافتة بشكل لأوحي بالحالة الضبابية أو الخروج بك إلى رحاب الماضوية أو الأسطورية / مع أن العرض يعتمد على الواقعية اعتمادا شبه تام سواء من ناحية المضمون أو الصورة والأداء .

  ولكن بعد ذلك يسير العرض المسرحي في انسيابية ، ومابين هذه الفتاة الحالمة بالزواج وبالخروج من أسر الحالة المادية الضيقة وأيضا الحالة الأسرية والمجتمعية غير السوية فرغم أنها تحب والدتها ؛ وأكد العرض على هذا الحب والارتباط أكثر من مرة ، إلا أن هذه الأم دائما ما تفضل الابن لمجرد أنه ذكر، وتغفر له كل شي بل حتى تراه عبقريا لو أدى أي أمر من الأمور العادية ، وهذا الشاب الذي يأتي للعمل معها في المكتب الذي تعمل به ؛ طابعا على الآلة الكاتبة هو الآخر؛ ولكنه مطحون بين زواج أقدم عليه وطموحه في إكمال تعليمه والحصول على شهادة في الحقوق حتى يرتقي السلم المادي لا الاجتماعي ؛ ولا يلقى أي معاونة حتى من الأهل ، وهذا المدير الذي لا نراه وإنما نسمع رنين جرسه فقط ؛وهذا العامل الأخرس الذي يقوم بتنظيف المكان ، يسير العرض مستعرضا الحالات الإنسانية المختلفة لبطلي العرض ؛ خاصة حالتي الحلم والإحباط ؛ هذا الإحباط الذي يأتي سريعا ولا يسمح لهما حتى بفرصة التمتع بهذا الحلم والعيش فيه لو حتى على سبيل التوهم   لدقائق معدودة ، ثم حالة المقارنة الدائمة بين الحالة التي يعيشان فيها وهذا الذي يقبع في مكتبه سواء كان المدير أو خال الشاب المحامي الكبير المشهور الذي لا يمد يد العون لابنة أخته . يخرج العرض من أول الأمر من محاولة تحجيم المعنى   والدلالة إلى الحالة الأرحب التي ذكرناها سابقا وهي حالة معظم  مواطني الدول العربية ، فمن أول العرض هذا المذياع الموضوع على رف في أسفل يسار المسرح وليس الغرض منه هو تطريب أو التسرية عن العاملين ؛ ولكن من خلال هذه المحاولة أي للتطريب أو التسرية نعرف الكثير ؛ فزمن العرض قد بدأ بعد هزيمة يونيو 67 مباشرة كما قالت نشرة الأخبار في هذا الوقت ؛ وانتهى الآن في هذه الأيام التي نعيشها أيضا كما قالت نشرات الأخبار وبعض الأنباء عن حالة التردي التي تعيشها المجتمعات العربية في كافة المجالات / حركة العودة للخلف ؛ تلك الحالة التي يتزامن معها التغير في صورة بطلي العرض من الشباب إلى الكهولة ثم الشيخوخة ، ثم بين الفينة والأخرى يذكر بحالة الدخل الفردي في دول الخليج والنفط ؛ ودن أن ينطق العرض بكلمة في هذا الموضوع إلا أنه قد نافش يشكل مستفيض الحالة التي عليها العلاقات بين الدول العربية من خلال هذا التباين في الدخل بل والعمل على بقاء الوضع على ما هو عليه . أيضا العرض   في عجالة لم تأخذ وقتها  الكافي من التأكيد قد رد على بعض من ينتقدون الحالة التي عليها بطلا العرض من الإحباط المتكرر وبأنه كان عليهما الوقوف في وجه من وراء الأبواب ومحاولة التغيير بأنفسهما ؛ وجاء هذا الرد من خلال هذا الأخرس الذي ينظف المكان حيث كان هناك تصريح بأن ما حدث له هو نتيجة لمحاولاته التمرد على هذا الأمر ، وعلى هذا القياس أن كانت حالة بطلي العرض هي المعادل لكل الراضين الراضخين الأملين في التغيير الذي يأتي بالوعود ؛ ففي نفس الوقت فإن حالة ( أبو عبده) الأخرس هي المعادل أيضا لكل من حاول أن يطالب بمرور الزمن أو التغيير ،وبمرور الأحداق والتعرف على ظروف الآخر تنشأ العلاقة الإنسانية بين بطلي العرض  ؛ حيث يكون السجن/مكان العمل الذي يوجد به من يسمعك ويتفهمك أكثر رحابة من السجن  الآخر / المنزل  ؛ مع أن قاطني السجن هما الراعيين الأساسيين للسجانين / المدراء/ الزوجة غير المتفهمة/ الأخ الذي لا فضل له إلا كونه ولدا .

وكما قلنا ينتهي العرض في الزمن الآني  دبت الشيخوخة في الشخصيات وبدلت آلتا الطباعة بجهازي كمبيوتر ؛ ولكن في نفس الوقت فإن  المكان    قد أصبح أكثر ضيقا ؛ ومازالت الآنسة تحلم بحلم  بالزواج/ التحرر من المنزل والعادات؛ والرجل لم يأخذ درجته الجامعية بعد/ التحرر من العوز المادي.

العرض استمر أكثر من ساعة وربع  تقريبا ومع هذا لم توجد لحظة ملل واحدة برغم أن العرض كله كما قلنا يقوم على شخصين فقط ؛ وكان هذا نتيجة للإعداد كما ذكرنا ؛ هذا الإعداد الجيد  والذي وضع شيئا من الكوميديا  في النص برغم دلالته السوداء؛ انطلاقا من أن شر البلية ما يضحك ؛ وقد كان موفقا في هذا الأمر . هذا بجانب الأداء التمثيلي المتمكن وخاصة من القديرة يارا صبري؛ فهي متمكنة من كل أدواتها ولم تخرج عن الصورة المرسومة للشخصية ولو لثانية واحدة ؛ وطوعت إمكانياتها الطبيعية والصوتية بشكل تام ؛وأيضا فهي قد دللت على أنها ذات صوتي شجي رائع لا يقل دفئا وعمقا عن كبار المطربين الجيدين .

كما أن نعمان جود الذي قان بتصميم الديكور لم يتفلسف كثيرا ، فالمطلوب منه تصور مكان للعمل بسيطا يسمح للمخرج أن يحرك الممثلين فيه بشكل انسيابي دون تعقيد وقد كان ؛ إلا أن مكان التليفون في أسفل يمين المسرح ؛ ومكان المذياع في أسفل يسار المسرح نعتقد انه شابهما بعضا من عدم التوفيق ؛ صحيح أن التليفون كان ضروريا لنعرف منه علاقة  بطلي العرض بالعالم خارج مكان العمل خصوصا الأسرة والأقارب ؛ وأيضا المذياع الدال على الزمن خارج نطاق الحدث ، إلا أن وضعهما بهذه الصورة يوحي بأن المتحكم في المكان هو من وضع أو وافق على وجودهما وهذا لا يتسق مع الواقع المفترض في مثل هذه الأحداث أن يكون الوقت كله للعمل وألا يشغل العاملين شيء عنه ؛ ولو كان هناك تفكير في وسيلة تؤدي نفس الوظيفة دون أن تضفي طابع الرحمة أو الإنسانية على من وراء الأبواب ربما كان أفضل  وأيضا تصميم الديكور بالشكل الذي يسمج في وقت ما أن يطوى للداخل بحيث يختصر المساحة الواقع فيها الحدث ؛ كما كان في  نهاية العرض كان شيئا أشيه بالمدرسي  ومفضوح الغرض منه من اللحظة الأولى   ، أيضا اتسقت الإضاءة التي صممها بسام حميدي مع العرض ومدرسته الجمالية واستخدم الإضاءة الملونة في القليل فقط من الأحيان حينما كانت الحالة النفسية تستدعي هذا خاصة حينما يكون شخصا وحيدا على خشبة المسرح ؛ ولكن في بقية العرض اعتمد تقريبا على الإضاءة الصريحة بدرجة تكاد تكون واحدة لأنه لا زمن يمر تقريبا في هذا المكان  ويبدو تقريبا ان الإضاءة الفلاشية التي كانت في بداية العرض كانت بناء على طلب المخرج. وعلى نفس الدرجة كانت موسيقى شفيع بدر الدين التي كانت بسيطة بساطة العرض.

وفي النهاية فأننا أمام عرض جيد؛ لأنه اعتمد على نص عرض جيد ومخرج له موقف من واقعه العام والخاص ؛وأداء تمثيلي أكثر من جيد يشترك فيه كل من وقف على خشبة المسرح وهم يارا صبري وماهر صليبي ومنصور نصر . عرض جيد نعم ولكنه افتقد تماما أي ملمح من ملامح التجريب ؛ ومع أني أرى أن هذا أمرا لا يعيبه كعرض مسرحي وإنما كان العيب لو انساق وراء هذه الدعوى التجريبية في نص لا يتحمل هذه الدعوى كما فعل في مقدمة العرض وحسنا فعل المخرج عندما نسي هذا الأمر وقصره على البداية فقط ؛ وإن كانت بداية ليس لها داع بصورتها التي قدمت عليه.

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock