مقالات ودراسات

الناقد محمد الروبي يستكمل حديثه عن السرقات الابداعية.. ويكتب: الفارق بين اللص والمبدع


مشهد
الفارق بين اللص والمبدع
محمد الروبى

هذا المقال للناقد الكبير محمد الروبي رئيس تحرير جريدة مسرحنا والمنشور في العدد رقم 499 من المقالات الهامة التي تتحدث عن السرقة المشروعة.. نعم المشروعة من وجهة نظر مرتكبيها .. إنها ليست فقط سرقة الأفكار بل المقالات والنصوص والأفكار أيضا!

نص المقال:

استكمالا لما سبق وأن طرحناه فى المشهد السابق تحت عنوان «حين يقول اللص: لست وحدى».. نواصل فى هذا المشهد لنؤكد أن هناك فارقا كبيرا بين من يؤسس إبداعه على إبداع سابق، يشير إليه بفخر، وبين من يسطو على إبداع الآخرين ومحتمياً بادعاءات تقول إن تاريخ الإبداع شهد أعمالا بنيت على العصب الأساسى لأعمال سابقة، نعم إن تاريخ الإبداع يذكر أن هناك من أسس عمله على أفكار آخرين، وتقبلها النقاد والجمهور، لكن هذا المدعى ينسى أو يتناسى أن من يلجأ إلى هذا «الاقتباس» لا ينزع عن المبدع الأصيل حق ذكره.
وبعيدا عن أمثلة عالمية كثيرة قد تمتد فى الماضى إلى المسرح اليونانى، ومن بعده الشكسبيرى ثم البريختى و.. و..سنذكرك عزيزى القارئ بعمل مصرى شاهدته وتشاهده مراراً وتستمتع به فى كل مرة تشاهده فيها.
وهو فيلم «آه من حواء» الذى كتب له السيناريو والحوار محمد أبويوسف، وأخرجه فطين عبدالوهاب ولعب بطولته رشدى أباظة ولبنى عبدالعزيز وحسين رياض.. وآخرون.
والفيلم كما لابد تذكر عزيزى القارئ يدور حول الفتاة «الشرسة» التى تكره الرجال ورفضت جميع من تقدموا إليها للزواج، وتقابل مصادفة الطبيب البيطرى الذى جاء ليعالج حيوانات مزرعة عائلتها، وهو الرجل الذى سينجح فى «ترويضها» لتعود إلى طبيعتها الأنثوية، ويتزوجها بعد أن نشأ بينهما حب كان يظنانه ونظنه معهما أنه مستحيل.
هذه الفكرة البسيطة، والتى نجح السيناريو ومن بعده الإخراج فى تحويلها إلى عمل فنى بقى كل هذه السنوات، وما زال قادرا على البقاء والخلود وربما إلى ما لا نهاية، هى الفكرة ذاتها التى تقوم عليها مسرحية شكسبير «ترويض النمرة».. لكن وللحق جاءت المعالجة المصرية على يد أبويوسف ومن بعده فطين عبدالوهاب متقنة إلى حد أنه يصعب اكتشاف الأصل الشكسيبرى على أشد المتخصصين دقة، ولو لا ما أشار إليه مبدعو العمل، وبخط واضح فى مقدمته «عن ترويض النمرة لوليم شكسبير» لما فطن أحد إلى الأصل.. إذن لماذا فعلا ذلك؟
.. لماذا لم يعتبرا ما فعلاه إبداعاً خالصاً لهما رغم ما تميز به من مصرية خالصة فى الأجواء والأسماء والشخوص والحوار؟!
لماذا أصر المبدعان أن يذكرا، دون أدنى شعور بالدونية أن عملهما الراقى هذا هو عن الأصل الشكسبيرى؟!
الإجابة عزيزى القارئ بسيطة للغاية، وهى «لأنهما مبدعان.. لا سارقان»، ولأنهما لا يعانيان من شعور بالنقص أصاب ويصيب آخرين.وفى مجال المسرح العربى ستجد أمثلة أكثر، نذكر منها مثالاً واحداً، وهو فارس المسرح العربى كرم مطاوع، والذى كان شهيراً بجداله مع مؤلفى عروضه، والذى وصل إلى حد العراك والتقاضى مع الكاتب يوسف إدريس مؤلف مسرحية «الفرافير».. ولنسأل أنفسنا ولنسأل المتبجحين علينا: لماذا لم يدعِ كرم مطاوع أنه أعاد كتابة «الفرافير»، وسماها كما يسمونها هم «كتابة على الكتابة»؟! الإجابة أيضا بسيطة عزيزى القارئ.. وهى «لأن كرم مطاوع كان مبدعاً لا يعانى شعوراً بالنقص، ويعرف قدر نفسه كمخرج، ويعى طبيعة هذا العمل وحدوده، على الرغم من أنه هو نفسه صاحب مقولة «المخرج هو مؤلف العرض».. نعم يا سادة.. مؤلف العرض.. لا مؤلف النص.
ويبقى السؤال: لماذا نطرح هذه الأمور الآن وبكل هذا الإلحاح؟! لعل ما ستقرأه عزيزى القارئ أسفل هذا المقال تحت عنوان «اعتذار لجنة النصوص» بعض من الإجابة.. ونعدك عزيزى القارئ بأننا سنواصل سعينا من أجل إعادة الاعتبار لمفهوم الإبداع.. ومفهوم النقد.. الذى هو فى أحد أهم أدواره.. حماية للإبداع.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock