الناقد محمد الروبي يكتب: التحكيم..بين التجنى والتناقض!
المسرح نيوز ـ القاهرة | محمد الروبي
*ناقد مسرحي مصري
ـ
في جريدة مسرحنا في عددها الأخير كتب الناقد الكبير محمد الروبي مقالا عن نتائج الدورة الأخيرة من المهرجان القومي للمسرح .. ولأهميته.. ننشره في موقع “المسرح نيوز”
.جدل كبير دار حول نتائج المهرجان القومى للمسرح، وخاصة نتيجة حجب جائزة أفضل نص. ووصل الجدل إلى حد التراشق على مواقع التواصل الاجتماعى بألفاظ هى أبعد ما تكون عن حوار بين مسرحيين وعن المسرح.
بل لاحظت من خلال متابعتى لهذا الجدل – وقد شاركت فيه بما يمليه علىّ ضميرى المسرحى والمهنى – أن البعض اخترع مقولة وألصقها بالكاتب محمد أبو العلا السلامونى، رئيس لجنة التحكيم وقارئ البيان الختامى مفادها أن التأليف المسرحى المصرى مات منذ سنوات طويلة!.
وللحق ( ولكم أن تراجعوا البيان الذى نعيد نشره فى هذا العدد ) أن الرجل لم يقل هذا صراحة ولم يأت هذا المعنى فى أى سياق من حديثه ولو تلميحا . ودعونى هنا أقتبس نصاً من بيانه لنتأمله سوياَ :
“.. بينما لدينا ماهو أفضل فى تراثنا المسرحى ولدى شباب المؤلفين الجدد الذين تمتلئ المكتبات والمسابقات بمؤلفاتهم التى لا يلتفت إليها أحد.”
وأعتقد ان هذه الجملة واضحة وضوحاَ ينفى عن الرجل تلك التهمة التى تكاثرت على صفحات التواصل الاجتماعى وتعامل معها البعض ممن لم يحضر حفل الختام ولم يسمع الرجل ولم يقرأ البيان باعتبارها حقيقة بنى عليها وزايد بها وكبرت على يديه ككرة الثلج.
بل إن النص المقتبس جاء تعقيباَ وتالياَ لنص أسبق أشار فيه الرجل إلى ملاحظته، ومن ثم ملاحظة لجنة التحكيم، عن النصوص المقدمة فى العروض التى شاهدوها . والنص يقول:
“..لاحظت لجنة التحكيم الضعف الشديد والفقر المدقع فى ظاهرة التأليف المسرحى المصرى والاستهانة به تحت مصطلحات تستخدم فى غير محلها، وما إلى ذلك من تعديات على حقوق المؤلف وقوانيين الملكية الفكرية المعترف بها دولياَ”
إذن ومرة أخرى لم يقل البيان تصريحاَ أو حتى تلميحاَ أن “المسرح المصرى يفتقد إلى المؤلف منذ الثمانينيات” كما إدعى البعض على مواقع التواصل الاجتماعى. فكان علينا ألا نترك لكرة الزيف أن تتضخم أكثر من ذلك.
ومع ذلك ورغم كل ما سبق، وامتدادا للسياق الموضوعى نفسه الذى دفعنا لتوضيح هذا الأمر، لابد لى أيضا أن أشير إلى التناقض الذى أرى أن لجنة التحكيم قد وقعت فيه. وهو التناقض الذى يخص مسطرة القياس التى اعتمدتها اللجنة فى الحكم على العروض ومن ثم حجبها لجائزة التأليف .
ويكمن هذا التناقض برأيى فى كيف للجنه ترى أن : “.. النص المسرحى هو عقل العملية المسرحية ..” وأنه : “ ليس وسيلة للعرض كما يظن البعض، بل هو الهدف الذى يسعى العرض إلى تحقيقه”؟ وترى أيضاً أن كافة العروض أصابها مرض طغيان جماليات ومفردات العرض على معانى النص وأهدافه، بل ربما الإطاحة به وتمزيقه شر ممزق ..”…. و فى الوقت نفسه تمنح عرضاَ مسرحياَ جائزة أفضل عرض ومن ثم جائزة أفضل مخرج وجوائز أخرى عديدة ولا تمنحه فى الوقت نفسه جائزة أفضل نص ؟!
فعلى أى أساس كان العرض هو الأفضل، بينما نصه الذى هو يفترض _ حسب تعبير بيان اللجنه _ “عقل العملية المسرحية”،هو نص ضعيف؟!
هنا تحديداَ – وليس حجب الجائزة – يكمن اختلافى مع نتائج اللجنة، فالحجب مشروع، بشرط أن يكون وفق مسطرة قياس موحدة.
أما الأمر الأخر الذى أثار لدىّ الدهشة، فيخص جائزة الإعداد عن نص غير مسرحى، التى أهدتها اللجنة إلى الكاتب محمد أمين عبد الصمد عن نصه “لامبو”.
فمن خلال قرأتى للنص ( لم أشاهد العرض ) أجزم أنه تأليف صرف،وإن إعتمد أو استوحى فكرة قصيدة الأبنودى الشهيرة “الخواجة لامبو مات فى أسبانيا. فأن تستوحى فكرة من قصيدة ولاتنكر كاتبها، لايلقى بك أبداَ فى خانة الإعداد. فبناء هذا النص ورسم شخصياته وتصاعد أحداثه يضعه فى خانه التأليف لا الإعداد . ولنا فى التاريخ القريب والبعيد أمثلة ذات دلالة .
مرة أخرى أقول إن الاعتماد على فكرة- أبدعها أخر- فى بناء نص مسرحى مختلف اختلافاَ بيناً فى مسار الحدث، وفى رسم الشخصيات الأساسية للمسرحية، وفى صياغة حوار درامى يؤكد الفكرة ويتقدم بالحدث،لا يلقى بصاحبه أبداً فى خانة الإعداد.
وربما كان هذا الخلط الذى تسبب فى تغييب آخرين عن جائزة الإعداد هو ما ساهم فى اشتعال الغضب الذى استغله اخرون لأسباب غير فنية على الإطلاق.
لكن، وبعيدا عن أهداف مشعلى الحرائق، أقول وبضمير مستريح أن هذا الجدل فى حد ذاته هو إضافة للمهرجان وللحركة المسرحية المصرية، فما أجمل أن نضع كل قضايانا على مائدة البحث والنقاش، منطلقين من احترام بعضنا البعض من أجل الوصول بمسرحنا ومن ثم مجتمعنا لما نتمناه لهما و……….. و للحديث بقية .