الناقد محمد بهجت يكتب: “سيد الوقت”.. رسالة فى الوقت المناسب!

محمد بهجت

ـ 

يقول العارفون بالله: «ليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يقال قد حضر أهله.. وليس كل ما حضر أهله قد حضر أوانه» ولأهل التصوف تعبيرات تبدو فى ظاهرها غامضة وملغزة لكنها تنطوى على حكمة بليغة وعلى تجربة إنسانية وروحية عميقة تختلف بطبيعة الحال عن تجربة الشخص العادى ومن هنا يحدث سوء الفهم ويحكم الشخص العادى فى كثير من الأحيان بالخطأ على أهل التصوف
بل قد يرميهم بالكفر والزندقة وتباح دماؤهم مثلما حدث مع الكثيرين فى التاريخ الاسلامى ومنهم الفيلسوف السهروردى موضوع مسرحية سيد الوقت ـ والذى افتتن به عدد كبير من الناس وصار له أتباع ومريدون من بينهم ابن السلطان صلاح الدين الأيوبى حتى شعر مشايخ حلب بالغيرة والحسد على السهروردى الذى بتعبير العامة ـ سحب البساط من تحت أقدامهم ـ فعملوا على تسفيه آرائه والدعوة إلى تكفيره والحكم عليه بمخالفة الشرع والخروج عن ثوابت الدين ـ ونجحت خطتهم فأمر السلطان بوأد الفتنة والتخلص من السهروردى وحياة شهاب الدين السهروردى وموقفه الحاسم فى التمسك بمبادئه والتضحية بحياته من أجل ما يؤمن به من أفكار فضلا عن مقاومة اغراءات الدنيا ـ

كل هذا الثراء الدرامى ألهب حماس الشاعر الكبير فريد أبو سعدة ليقدم مسرحيته «ليلة السهروردى الأخيرة» والتى أعدها واختصر بعض أحداثها الفنان ناصر عبد المنعم ليقدمها فى عرض مكثف شديد الامتاع والجاذبية على مسرح الغد جمع بين التمثيل والغناء والأداء الحركى والصوفى المعروف برقص المولوية لتختلط الأفكار العميقة بالمتعة البصرية وتنسج معا عرضا مسرحيا مشوقا يحمل عنوان (سيد الوقت)

ويكتشف مجموعة مبهرة من المواهب الجديدة مثل وائل إبراهيم الذى قدم شخصية السهروردى وبدا فى ملامح المفكر الزاهد مصورا بتعبيرات وجهه ما يدور داخله من مشاعر وانفعالات وكذلك تامر نبيل فى شخصية الظاهر الغازى بالاضافة إلى المطرب الموهوب فارس والذى يمتلك امكانيات صوتية كبيرة تذكرنا بنجوم الماضى العظام ـ بالاضافة إلى نجم مسرح الغد معتز السويفى الذى جسد ـ شخصية كبير مشايخ حلب ليعبر بأقل الكلمات عن مشاعر الغضب والحقد والتربص..

كما تألقت سامية عاطف فى دور فتاة الليل التائبة والتى ترمز أيضا إلى الدنيا ومحاولة جذبها للعالم الزاهد ـ والتى تثبت فى كل عرض تقدمه أنها ممثلة مسرح من طراز رفيع.. تمتلك الحضور والقدرة على التنويع فى الأداء ومعايشة كل دور بصدق وبساطة. وقدمت نادية المليجى ديكور وأزياء تناسب طبيعة العرض وتضفى إليه مزيدا من التأثير والمعايشة وبقى أن نشير إلى تميز راقص المولوية شبراوى ورشا الوكيل فى الرقص التعبيرى ليصنع ناصر عبد المنعم من أدواته مجتمعة لوحة شعرية وتشكيلية ودرامية بالغة العذوبة والجمال. وليقدم أيضا فكرة تأتى فى الوقت المناسب لتقاوم الآراء المتطرفة والتسلط والقمع باسم الدين السمح.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الأهرام اليومي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock