مقالات ودراسات

الناقد محمد بهجت يكتب: ظل الحمار..وظلال النجاح السابق!


محمد بهجت*

ناقد مسرحي مصري

ـ

 
يعطى النجاح الفنى عادة دفعة معنوية، وطاقة إيجابية لتحقيق المزيد من النجاح، لكنه فى بعض الأحيان يصبح عائقا يقيد المبدع ويجبره على المقارنة، وتقليد نفسه.. ولعل هذا ما حدث مع المخرج الفنان محمد جبر بعد نجاح مسرحيته «1980 وانت طالع»، التى عرضت لأكثر من عام، ونالت استحسان قطاعات كبيرة من الشباب، وكانت معظم لياليها كاملة العدد.

ولتلك المسرحية ظروف خاصة، فهى تعبر عن إحباط جيل ما دون سن الخامسة والثلاثين الذى لا يجد فرصة عمل أو تقدير من الأكبر سنا، أو فرصة فى المجال العام، ويشعر، برغم أنه من مواليد 1980 وانت طالع، بأنه قد أصابته أمراض الشيخوخة، ويأس الكهول والعجائز، وكانت الكوميديا السياسية الصارخة هى سمة ذلك العرض، وهو ما حاول محمد جبر استنساخه، أو على الأقل تقليده فى شكل اسكتشات قصيرة فى مسرحيته الجديدة «ظل الحمار» التى تعرض على المسرح العائم لفرقة الشباب، لكن طبيعة نص «ظل الحمار» لفريدريش دورينمات تختلف كثيرا عن الشكل الآخر، ولا تقبل أن تتحول إلى مجموعة لوحات مستقلة، بعضها غنائى وبعضها تمثيلي.

فالعرض الأول للمؤلف الشاب محمود جمال مبنى على فكرة المشاهد القصيرة التى يبدو أنها ليست مترابطة، ثم نكتشف الرابط الرفيع شيئا فشيئا من خلال معاناة ذلك الجيل، أما «ظل الحمار» فهو بناء درامى أشبه بالكرة التى تسقط من منحدر، وكلما تحركت حملت معها تفاصيل جديدة، وزاد حجمها حتى تصبح قنبلة من السخرية تعرض للمشاهد كيف تنمو الكراهية بسرعة عجيبة، وكيف يتحول خلاف تافه إلى قضية يموت فى سبيلها العشرات، وتحرق المدن، والخلاف بدأ بين طبيب أسنان استأجر حمارا ليزور أحد مرضاه، وتعب فى الطريق فجلس يحتمى من حرارة الشمس بظل الحمار، وأحس صاحب الحمار بأن الرجل ينتفع من الجلوس فى الظل دون مقابل، فأراد أن يتذاكى ويطلب المزيد من الأجر لقاء الجلوس فى ظل الحمار، ويرفض الطبيب المثقف، على اعتبار أن ظل الحمار لا ينفصل عن الحمار الذى استأجره، ويستمر الخلاف فى تصاعد كوميدى شديد الذكاء حتى تصبح حربا أهلية، وصراعا دينيا لا علاقة له على الإطلاق بالخلاف الأصلي.

ولعل الخطأ الوحيد للمخرج الموهوب محمد جبر هو البحث عن المزيد من الضحك على حساب النص العالمي، فأدى ذلك إلى بعض التطويل فى المشاهد، لكنه نجح بالتأكيد فى تقديم عرض ممتع ربما مع بعض الاختصار وشد الترهلات الدرامية يزداد نجاحا وجاذبية، كما نجح فى اكتشاف ملحن موهوب هو أحمد نبيل، الذى حازت أغانية تجاوب المشاهدين بدرجة كبيرة، كما قدم مجموعة من الممثلين الواعدين، ومنهم محمود طنطاوي، وميشيل ميلاد، وإسلام علي، ولبنى مجدي، ونانسى نبيل، وأحمد الجوهري، وسلمى صلاح،ووضح أيضا مجهود الفنان أسامة رءوف مدير المسرح فى تطوير الأداء الإداري، وإن كانت أجهزة الصوت والإضاءة مازالت بحاجة لمزيد من الاعتناء حتى يتألق مسرح الشباب وينال القدر الذى يستحقه من إقبال الجماهير.

ــــــــــــــ

الأهرام


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock