الناقد والأكاديمي د. هشام زين الدين يكتب عن الممثل اللبناني حسن علاء الدين.. الشهير بـ “شوشو” .. عبقرية الارتجال والموت حباً بالمسرح.

د. هشام زين الدين 
كاتب وناقد وأكاديمي مسرحي
لبنان
ـ

تلبية لطلب الأصدقاء المسرحيين والنقاد في العالم العربي للتعرف على شخصية الممثل اللبناني المتميز حسن علاء الدين المشهور باسم “شوشو” أعيد نشر هذا المقال في موقع “المسرح نيوز” حول شخصيته لكي يتسنى للجميع الإطلاع عليه وذلك بمناسبة ذكرى غيابه التي تصادف في 2 تشرين الثاني.

شوشو عبقرية الارتجال والموت حباً بالمسرح.
في 2 تشرين الثاني تصادف ذكرى غياب الممثل الكوميدي الفذ حسن علاء الدين (شوشو)، الذي عاش شغوفاً بالمسرح وانطفأ في عمر الشباب واشتهر بحبه وعشقه لفن الخشبة، حتى يصح القول أنه مات من شغفه بها، أي كلام يمكن أن يقال فيه اليوم؟ وهل يجوز الحديث عن مسرح لبناني من دون التوقف طويلاً أمام إضافاته النادرة؟ هنا مقال يلقي الضوء على دوره وخصوصيته النادرة في تاريخنا المسرحي الحديث.

ربما تحتوي الصورة على: شخص واحد

“شوشو” هو لقب الممثل الكوميدي اللبناني حسن علاء الدين (1939-1975) الذي ولد في بيروت، وبدأ بالتمثيل على المسرح في سن مبكرة، ففي الرابعة عشرة من عمره عام 1953 قام ببطولة مسرحية “عنتر بالجندية” على مسرح الخلية السعودية في بيروت، ثم تابع ممارسة هوايته خفية عن أهله في “مسرح فاروق” الذي اشتهر آنذاك بتقديم الحفلات الطربية والتمثيليات الكوميدية حيث كان يقدم الاسكتشات وعرف وقتها بتمثيله شخصية “مبروك”.
عمل شوشو في البنك السعودي الأهلي منذ 1958، واستمر على هامش عمله في تقديم اسكتشاته الكوميدية في الحفلات والمناسبات وهاجسه الدائم لفت أنظار كبار الفنانين الى موهبته، وكان له ما أراد عندما شاهد الفنان محمد شامل إحدى تمثيلياته علىلا المسرح فأعجب بموهبته وقدراته التمثيلية، مما خوله دخول الوسط الفني في الإذاعة اللبنانية حيث كان يعمل محمد شامل ومحمد كريم اللذان كتبا له بعض الأدوار التمثيلية الإذاعية فانطلق إذاعياً ولاقى النجاح الجماهيري خصوصاً في برنامج “يا مدير” الذي كتبه محمد شامل للاذاعة ثم نقله الى التلفزيون مع شخصية شوشو الكوميدية التي ابتكرها شامل نفسه.
تعرف الجمهور اللبناني على موهبة شوشو الكوميدية وخلال سبعة أعوام تبلورت شخصيته الفنية فأصبحت معروفة معروفة في الأوساط الشعبية،

خلال هذه الفترة تزوج شوشو فاطمة شامل ابنة الفنان محمد شامل ممّا أثّر إيجاباً في مسيرته الفنية.
مسرح شوشو
في عام 1965 وبعد النجاح الشعبي تلفزيونيا وإذاعياً قرر شوشو إستكمال نجاحه بعودته إلى خشبة المسرح، فأسس مع نزار قباني “المسرح الوطني” الذي تمّ افتتاحه في 11/11/ 1965 وكان أول وآخر مسرح يومي في تاريخ المسرح اللبناني، وعلق على افتتاح هذا المسرح الكاتب المسرحي اللبناني الكبير جورج شحادة قائلاً “إن ولادة هذا المسرح هي حدث حضاري، في لبنان مسرح دائم”.
افتتح المسرح بمسرحية “شوشو بك في صوفر” التي اقتبسها نزار ميقاتي عن الكاتب المسرحي لابيش، لكن تسمية المسرح الوطني سرعان ما تغيرت لتصبح “مسرح شوشو” الذي عاش عشر سنوات (1965-1975) قدم خلالها سبعاً وعشرين مسرحية بينها إثنتان لل

أطفال، أما المسرحيات التي عرضت فكانت في غالبيتها مقتبسة عن لابيش وفيدو وموليير وغالدوني وسكارلاتي وبريخت وغرهم من كتّاب

المسرح العالمي، لكن ذلك لا يعني أن الجمهور كان يشاهد على الخشبة مسرحيات هؤلاء الكتاب كما هي معروفة عالمياً لأنه لم يكن يتبقى من المسرحية الا الاحداث التي تربط قصتها، وكان الاقتباس يتم عادة ليس بهدف طرح الموضوع أو الفكرة التي تحويها المسرحية إنما بهدف إيجاد مبرر قصصي أو نصي لصعود شوشو على الخشبة، حتى الشخصيات المقتبسة أو ادوارها المكتوبة في النصوص كانت بدورها عناصر مساعدة لإبراز شخصية واحدة وأساسية هي شخصية شوشو، ل

ذا فمن الصعب القول غن مسرح شوشو اعتمد نصوص الريبيرتوار العالمي، لان هذه النصوص كانت دائماً غائبة فيما الحاضر فيها شخصية البطل الكوميدية الوحيدة. وهذه خصوصية يتميّز بها مسرح شوشو بصرف النظر عن إيجابيتها أم سلبيتها ولهذا السبب لأا أحد يذكر موضوعات أو طروحات مسرحيات شوشو بينما يذكر الجميع حركات شوشو وكلماته وصوره.
يشبّه البعض شخصية شوشو المسرحية بشارلي شابلن، فالإثنان أدّيا طوال حياتهما شخصية ثابتة، وهناك بعض الصفات المشتركة بينهما في الشكل من حيث وقوفهما على قدم واحدة والاتكاء على العصا واللعب بها وفي هذا شيء من الحقيقة، إلا أن هذه الحركات لم تكن أكثر من عوامل تزيينية شكلية للشخصية، فالتأثر والتأثير في مجالات الفنون عموماً أمر طبيعي، لكن تشبيه شوشو بشابلن غير دقيق من ناحية مضمون الشخصيتين حيث أن شابلن أدى طوال حياته دور الإنسان الصغير الذليل، الطيب القلب، البسيط،

فيما لعب شوشو أدواراً تختلف عن هذا المضمون فهو الخادم المحتال والذكي وصاحب المقالب والجندي الشجاع، لذلك نجده أقرب إلى أبطال موليير أو تروفالدينو أو ارليلكان منه إلى شارلي شابلن، إضافة إلى ذلك التشابه في بعض مضمون الشخصية أو بعض ملامح

شكلها بين شوشو وغيره لا يعني إطلاقاً أن شوشو كان يقلّد هذه الشخصيات التي قد تلتقي فيما بينها في بعض الصفات حيث نجد أن في شخصية شابلن شيئ من أبطال موليير وفي أبطال موليير شيئ من كوميديا ديلارتيه فيما تحتفظ كل شخصية بخصوصيتها ورونقها وصورتها وحضورها على الخشبة والتي تبقى دائماً مرتبطة بالظروف الاجتماعية والتاريخية والفنية التي خلقت الشخصية نفسها إن على المسرح أو في خيالات الجمهور الذي يشاهدها. لذا فإن محاولة تشبيه شوشو بالشخصيات الكوميدية المشهورة عالمياً وعن خطاً تقلّل من قيمة هذه الشخصية وتفرّدها، وتهدف غالباً إلى تقريب صورة هذا الممثل الكوميدي من خيالات القراء والباحثين، وبدون شك لو أن ظروف التطور الثقافي في منطقتنا العربية كانت على غير ما هي عليه، لدخل شوشو تاريخ المسرح العالمي كشخصية كوميدية عالمية.
عبقرية الارتجال
اعتمد شوشو في

مسرحه على الارتجال وكان دائماً يخرج على النص ليدخل في مجال الجاذبية الحميمة المتبادلة بينه وبين الجمهور، فالارتجال لديه هو الميزة الأساسية والقاعدة التي نشأ عليها مسرحه، أما مادة هذا الارتجال فمتنوعة ومتجددة دائماً، عبارة من النص المقتبس، حركة من الممثل الآخر على الخشبة أو تعليق من المشاهدين في الصالة، أخبار جريدة الأمس، حدث سياسي أو اجتماعي معين، طرفة أو نكتة ترد في بال شوشو فجأة. وفي كل الحالات كان يجد طريق العودة إلى موضوع المسرحية منتقلاً من حال الارتجال التي غالباً ما كانت تخرج عن الموضوع لتعود اليه بسخرية هازلة تجعل المشاهد يشعر وكأن الفعل المرتجل هو جزء من المسرحية نفسها، وفي هذا ولا شك موهبة كبيرة وعبقرية تمثيلية نادرة كان يتمتع بها شوشو.
قدّم شوشو مسرحياته بهدف الإضحاك كما أكد شخصياً أكثر من مرة، وراهن مسرحه على الحضور الشعبي الدائم، ولم هاجسه ثقافياً أو تعليمياً أو تحريضياً، فقد كان يقدم للمشاهد ما يضحكه فقط، ولهذا السبب حمل عليه آنذاك بعض النقاد والمسرحيين الجادّين بحجة أن مسرحع غير ملتزم قضايا الناس ولا يهاجم السلطة، بل يلعب على الكلام الذي يهزأ بمشكلات الناس من دون تشريحها والغوص فيها، أي أنه كان يتعامل مع المشكلة من الخارج، يهزأ بها ظاهرياً ولا يحرّض من أجل الثورة عليها. واتهم أيضاً بمسايرته النظام والطبقة البرجوازية ومصالحهما، نظراً إلى أن موضوعات مسرحياته كانت في غالبها مقتبسة من نصوص المسرح البرجوازي العالمي والفرنسي خصوصاً، لكن هذه الاتهامات تبدو اليوم وبعد وضوح بعض الرؤية كأنها لم تنطلق من أسس موضوعية في النقد، لانها وضعت المتهم شوشو في إطار الرؤية الشخصية والموقف السياسي لمطلق التهمة نفسها، أ

ي أن هذه الاتهامات حاولت تجريد شوشو من حرية اختيار الشكل الفني أو طريقة التعبير أو حتى الالتزام السياسي أو الحزبي أو الايديولوجي، وكان مسرحه يهدف إلى استقطاب الجمهور ومن الطبيعي أن يكون له كامل الحق في ذلك، خصوصاً أن عملية تقييم التجارب المسرحية كان يجب أن تترك للوقت والتاريخ الذين أثبتا بطلان هذه الاتهامات بعد مرور الزمن، بدليل أن شوشو وتجربته المسرحية تمكنا من الاستمرار بنجاح وبقيا في ذاكرة الناس والمسرح حتى يومنا هذا. فالمسرح هو جزء من الحياة ولا ينفصل عنها وكما الحياة متنوعة المسرح متنوع، ومن ضمن هذا التنوع في حياتنا المسرحية اللبنانية كان وجود مسرح شوشو كجزء من الحركة المسرحية كما المسرح البريشتي عند جلال خوري آنذاك والمسرح الاجتماعي النقدي عند روجيه عساف ونضال الأشقر في “المحترف” والمسرح الموسيقي الرحباني والمسرح التجريبي عند الثنائي ملتقى، وغيرهم من المسرحيين.
تخضع الأحكام والقناعات لمبدأ التغيير والتبديل، وبعد مرور فترة من الزمن على النهضة المسرحية اللبنانية في الستينيات تجلت حقائق كثيرة لم تكن واضحة آنذاك وخصوصاً فيما يتعلق بقضية الجمهور وتفضيله المسرح الشعبي والموسيقي والكوميدي على المسرح الآخر المسمى جاداً أو ثقافياً، بغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء هذا التفضيل، فنحن إن حاولنا تقييم مسرح م

نير ابو دبس من وجهة نظر “شوشوية” أو مسرح أنطوان ملتقى من وجهة نظر رحبانية أو العكس فسوف لن نصل إلى نتيجة لأننا في الأساس ننطلق من قواعد تقييم خاطئة، فلكل مسرح مكانه ورؤيته وأهدافه واستقلاليته.
لقد تمكن مسرح شوشومن تخطي الانتقاد والتهجم وأثبت وجوده في صلب الحركة المسرحية اللبنانية وكان أحد أهم ركائز نهضتها في الستينيات من القرن المنصرم ويمكن استخلاص بعض الاضافات التي أضافها مسرح شوشو الى الحركة المسرحية اللبنانية بالآتي:
1- كان مسرح شوشو اليومي أول مسرح في تاريخ لبنان الثقافي استطاع الاستمرار في تقديم المسرحيات يومياً من دون انقطاع لمدة عشرة أعوام.
2- تعويد الناس على الدخول الى المسرح مما أسهم في تكوين الجمهور المسرحي فاستفادت الحركة المسرحية ككل وليس مسرح شوشو ف

حسب. فقبل العام 1965 كانت الحركة المسرحية مقتصرة على فرقة منير ابو دبس وفرقة ملتقى وبعض المسرحيات المتفرقة والقليلة، بمعنى آخر لم يكن الجمهور المسرحي قد تكوّن بعد، لأن القلة من المشاهدين التي كانت تشاهد المسرح الجاد بقيت قليلة العدد، ولم يتحول الناس جمهوراً مسرحياً في المعنى الحقيقي للكلمة الا بعد افتتاح مسرح شوشو مما أدى بشكل تدريجي الى إدخال المسرح في اهتمامات الناس، أو على الأقل لفت انتباههم إلى وجود المسرح.
3- أما الاضافة الكبيرة الى الحركة المسرحية فهي شوشو نفسه، هذه الشخصية الكوميدية التي تميزت بخصوصية وموهبة نادرة اعطت المسرح اللبناني الكثير وترسخت في الذاكرة والتاريخ كأحد أبرز انجازات المسرح اللبناني والعربي.
الدكتور هشام زين الدين (مؤلف ومخرج وباحث مسرحي – لبنان)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock