مقالات ودراسات

من تجارب المسرح الجزائري.. عمر ثانٍ للملاحم الثورية في الجزائر


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

كتب: كمال الشيرازي
الجزائر

أثمرت فيوضات ستينية الاستقلال في الجزائر، ما لا يقلّ عن سبعة أعمال ملحمية كبرى، في مُنجز يشي بعمر ثانٍ لهذا اللون الفني الثوري الممتدّ إلى عشرينات القرن الماضي، عبر أعمال “محمد رضا منصالي” (1889 – 1943) الذي أسّس جمعية التمثيل العربي، وقدّم ملحمة “في سبيل الوطن”، مروراً بـ “الجثة المطوقة”، “نجمة”، “أبناء القصبة”، “دم الأحرار” وغيرها.
أخذ احتفال الجزائر بالذكرى الـ 60 لعيدها الوطني، شكلاً ملحمياً أبرز أصالة الحضور الجزائـري ضدّ احتلال فرنسي سعى لوأد الآخر وتغييبه، ما جعل الإعلان عن وجود المسرح إياه حقيقة ليست أقل من الإعلان عن الوجود الجزائري في حد ذاته.
وبأوبرا الجزائر، كانت الجماهير على موعد مع ملحمة “ألا فاشهدوا” (90 دقيقة) لمخرجها أحمد رزاق، وقام العرض على حكي مغاير لتاريخ الجزائر، حيث أتى تصميم لوحات العرض بشكل مبتكر، انبنى على عصرنة أغانٍ من التراث وممازجتها بأخرى حديثة، مع إعادة توزيع عصري للموروث الغنائي المحلي وفق الطبوع الجديدة.
وعبر 18 مشهداً، قدّم 230 مؤدياً بينهم 90 راقص باليه، سلسلة لوحات روت تاريخ الجزائر منذ عهد الملك الأمازيغي ماسينيسا، وصولاً إلى بربروس وعروج والأمير عبد القادر والثائرة لالّة فاطمة نسومر وسائر عظماء البلاد.
الملحمة كتب نصها “صادق بخوش” وصمّم أزيائها “البوخاري حبّال”، وطرحت مستوى من الجودة الفنية والإبهار البصري، حيث جرى تأثيثها بديكور ضخم ضمّ ترسانة من الهياكل والبواخر المتحركة والأكسسوارات، وجرت الاستعانة بشاشة عملاقة عُرض عليها أرشيف الجزائر، وصور رموزها وروائعها الطبيعية والحضارية والثقافية في توليفة نسجتها أوركسترا من المخرجين والسينوغرافيين والموزّعين الموسيقيين.
رؤى “الخالدون”
طرحت ملحمة “الخالدون” رؤية متجددة لتاريخ الجزائر وحاضرة قسنطينة بالخصوص منذ أزيد من 2500 سنة قبل الميلاد، وعادت الملحمة إلى المسار الثوري لوطن “رفض دائماً الخضوع للأطماع، ونجح في كل الظروف في انتزاع حريته واستقلاله”، وأشار كاتبها “سعيد بولمرقة” إلى سعيه لتعريف الأجيال الصاعدة بعبقرية وقوة الأجداد.
وفي 45 لوحة، خاضت الملحمة في تفاصيل الحروب البونيقية، وما انتاب مرحلتي ماسينيسا ويوغرطة اللذين دافعا على شرف وطنهما، قبل أن تنتقل إلى الفتوحات الإسلامية على يد عقبة بن نافع وأبو المهاجر دينار، والتعايش بين الأمازيغ والمسلمين على الأرض النوميدية العتيقة.
وتناولت الملحمة أيضاً الفترة العثمانية بالجزائر، وما تخللها من غزو القراصنة الإسبان، ثم حقبة الاحتلال الفرنسي، والمقاومات من الأمير عبد القادر والمقراني والحداد ومختار آغ أمود، كما تمّ إبراز بسالة ومقاومات حرائر الجزائر من خلال شخصيتي الشقيقتين مريم وفضيلة سعدان، إضافة إلى مريم بوعتورة اللائي ضحين بحياتهن فداء للوطن.
ولم تغفل ملحمة “الخالدون” التنويه بتأثير جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والعلاّمة عبد الحميد بن باديس وتضحيات محمد بوراس مؤسس الكشافة الإسلامية الجزائرية، والشهيد البطل العربي بن مهيدي، والأحداث الجسام التي شهدتها الجزائر في آخر منعرج قبل إشعال شرارة ثورة التحرير الكبرى (1954 – 1962).
وكشفت الملحمة (100 دقيقة) عن مواهب شباب تفننوا في تقمص الأدوار، وفضح آلة التعذيب الذي مورس ضدّ الجزائريين، في عمل أخرجه “كريم بودشيش” وصمّمه كوريغرافياً “مراد بوبرد”.
رسائل “ثمن الحرية” و”رحلة ثائر” و”حنين”
زاوج العمل الأوبيرالي “ثمن الحرية” للجمعية المسرحية “أشبال عين البنيان”، بين المسرح والغناء في تجسيده أحداث هامة ميّزت تاريخ الجزائر وكفاح الشعب الجزائري من أجل استعادة سيادته.
وفي عرض استغرق 55 دقيقة بقصر الثقافة مفدي زكرياء في أعالي العاصمة الجزائرية، قدّم سبعة ممثلين صوراً من معاناة الجزائريين خلال فترة الاحتلال الفرنسي، عبر مقاطع موسيقية وأغانٍ ثورية، وجرى توظيف نص اشترك في كتابته كل من حسين نذير ومصطفى علوان والراحل حسين طايلب.
وركّز “مصطفى علوان” الذي شارك أيضاً في التمثيل والإخراج، على المرحلة بين عامي 1945 و1962، تبعًا لما شهدته السنوات السبعة عشرة المذكورة، من أحداث مفصلية في التاريخ الجزائري الحديث، ووسط شلال من الوثائق الأرشيفية المبثوثة في الخلفية، تحرّك الممثلون السبعة على ركح مجرّد من الديكور، وضاجٍ بالصور المتحركة المصحوبة بالمؤثرات الخاصة.
وعلى المنوال ذاته، نسج الفنان “سيد أحمد قارة” في أوبيرات “رحلة ثائر في تاريخ الجزائر”، عن نص “مراد ملياني”، وموسيقى “أمحمد بوغالية”، والعرض الفني الاستعراضي “حنين وذاكرة لتاريخ مجيد وعهد جديد” عن نص وإخراج “جمال  عبيدي”.
الشهيد “مختار باجي” ينبعث
قدّم مسرح عنابة الجهوي وجمعية الشهاب للفنون، عرضاً شرفياً ملحمياً عرّف بمسار البطل الشهيد “مختار باجي” (1919 – 1954)، وعلى مدار 80 دقيقة، استحضرت الملحمة قيم الروح الوطنية الثورية التي كانت تغذي إيمان جيل الثوّار بحتمية الكفاح المسلح والتضحية من أجل التحرير الوطني.
وعلى وقع الزغاريد والرقصات الشعبية، صمّم الفنان “جمال حمودة” ملحمة “مختار باجي”، وأسبغ عليها طابعاً احتفالياً أجّجه 30 ممثلاً، وأبرزت الملحمة دور الشهيد مختار باجي، عضو مجموعة الـ 22 التاريخية التي فجّرت الثورة الجزائرية الكبرى، وجرى التنويه إلى أنّ مختار باجي كان مسؤولاً على إطلاقها بالجهة الشرقية في التنظيم والتجنيد ونشر الروح الوطنية والتشبث بوحدة الوطن والإيمان باستقلال الجزائر وسيادتها على كامل ترابها.
وتضمّنت الملحمة مشاهد روت جوانب من حياة الشهيد وقدراته وحنكته القيادية ودوره في نشر الروح الوطنية والتحضير للكفاح المسلح، لتختتم بلوحة استشهاد “الباجي” بعد 19 يوما من عمر الثورة.
بالتزامن، تعاطت ملحمة “ريح الشمال” لمخرجها “فؤاد روايسية” وملحّنها “حسان بوسيف”، مع تاريخ الجزائر وذاكرة أبطال المنطقة الشرقية على الحدود الجزائرية التونسية، وجرى تقديم جوانب من المعارك التي دارت بجبال بني صالح وعين الكرمة والقالة وأم الطبول وبوحجار.
وحرص العمل على تخليد بطولات كبار الثوار في المنطقة، أمثال الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، عمارة بوقلاز، نوار بن محفوظ وعبد الرحمان بن سالم، في ملحمة جسدها كوكبة من الفنانين المخضرمين والصاعدين، على غرار: جمال بوناب، أمين بلقاضي، حسينة نقاب، سمية بوناب، مراد خمري، رضا داودي، يسرى منار، عمار سليمي، فوزي بلطيف وغيرهم.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock