حصريا.. أ.د. سيد علي اسماعيل يكتب عن بدايات السينما في مصر ..الحلقة الثانية:(دور المسرح في انتشار السينما)

المسرح نيوز ـ القاهرة| سينما وتليفزيون

ـ

 

بدايات السينما في مصر

الحلقة الثانية

(دور المسرح في انتشار السينما)

أ.د سيد علي إسماعيل

كلية الآداب جامعة حلوان

 

تناولنا في الحلقة الأولى، بداية المظاهر الفنية السينمائية في مصر، مثل: الفانوس السحري، والصور المتحركة، مع وصف لأول آلة سينمائية تعرض بعض الأشرطة في محل بمنطقة الأزبكية،

وهذا كله في أواخر القرن التاسع عشر. وفي هذه الحلقة، سنتتبع بدايات السينما في مصر في أوائل القرن العشرين من خلال الحديث عن دور المسرح في انتشار السينماتوغراف.

حلوان البداية

في أواخر القرن التاسع عشر، اهتم الخديوي توفيق بمدينة حلوان – جنوب القاهرة – لمناخها الجميل في الشتاء، فأصبحت مقراً له ولأعيان مصر في فصل الشتاء، فاستغل الأمر الخواجة سوارس فأنشاً فيها أول كازينو للترفيه والتمثيل؛ وأصبح هذا الكازينو، هو مقر سهرات الخديوي وأعيان البلاد.

وهذا الكازينو، شهد أول عروض الأشرطة السينمائية في الأيام الأولى من القرن العشرين، وهذا الأمر نقلته لنا جريدة (المقطم) يوم 4/1/1900، قائلة:

” ستعرض مساء غد وبعده أحسن مناظر عديدة سينيموتوجرافية بتياترو كازينو حلوان من الساعة 9 إلى الحادية عشرة. فنؤمل أن يكون الإقبال عليها عظيماً، على أن ما علمناه من اتقان هذا الفن،

الذي جاء مطابقاً لما سمعناه عن هذا الجوق الجديد، الذي قدم مصر منذ بضعة أيام. وسيبتدئ بهذه الألعاب يوم الثلاثاء القادم بتياترو سكاتنج رنج”.

وبعد أسبوعين، نشرت الجريدة نفسها، أخباراً تُعلن فيها أن الجوق مستمر في عرض المناظر السيماتوغرافية الجميلة في مسرح السكاتنج رنج كل مساء، وخصصت حفلة نهارية كل يوم خميس من الساعة الرابعة إلى السابعة للنساء والأطفال فقط. ومسرح السكاتنج رنج، كان في الأصل محلاً تجارياً تمتلكه مدام ونتر، ويقع في أول شارع باب الجنينة البحري لحديقة الأزبكية، أمام محل (سكاتنج رنج) لبيع العملات – محل صرافة – ولأن محل الصرافة كان الأشهر، اتخذ التياترو اسمه، وأصبح (تياترو السكاتنج رنج).

مسرح شارع عبد العزيز

لاحظ أغلب أصحاب المسارح الإقبال الجماهيري على هذا اللون الفني الجديد، ففكروا في استغلاله لجذب الجماهير لمشاهدة عروضهم المسرحية.

وتميز من بين هذه المسارح، مسرح شارع عبد العزيز، أو مسرح إسكندر فرح – الموجود أطلاله حتى الآن في شارع عبد العزيز بالعتبة في القاهرة – الذي ظل ثلاث سنوات متتاليه – من 1901 إلى 1903 – يعرض الأشرطة السينمائية في أيام أجازات المسرح الأسبوعية، أو قبل عرض المسرحيات، أو في فترات الاستراحة وتبديل الديكور بين فصول المسرحية. وكانت الأسماء المستخدمة في إعلانات الصحف، وبالأخص جريدة (المؤيد): مناظر السينماتوغراف، أو ألعاب سيماتوغرافية، أو صور متحركة.

وللأسف أن الصحف لم تذكر لنا – طوال هذه السنوات – أي وصف لهذه المناظر السينمائية، أو تحكي عن موضوعاتها، أو مضمونها .. إلخ. وفي يوم 6/10/1903، شذت عن القاعدة جريدة (المقطم)، ونشرت هذا الإعلان: ” يمثل جوق إسكندر فرح رواية (شهداء الغرام) هذا المساء،

وسيكون إيراد هذه الليلة لحضرة الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي، الذي سيقوم بأهم أدوارها. ويعقب التمثيل رواية سينماتوغرافية جديدة تدعى (على بابا الحطاب العجمي)”، وهذا أول اسم لأول فيلم يُعرض على مسرح إسكندر فرح! ومن الواضح أنه فيلم أجنبي صامت – على الرغم من قصته الشرقية – المستوحاة من القصص التراثية الشرقية المعروفة.

تقنية النور الكهربائي

وظلت المسارح المصرية تستخدم السينماتوغراف، بجانب الغناء والموسيقى؛ بوصفها فواصل فنية تُستخدم بين فصول العرض المسرحي. ومن الملاحظ أن السينماتوغراف كانت تُعرض بواسطة طاقة مستمدة من البطاريات أو المحولات أو ما شابه؛ لأن في عام 1907، بدأت السينماتوغراف تُعرض بتقنية النور الكهربائي!! ومن الواضح أن هذه التقنية لم تكن مستخدمة من قبل، وأول من أدخلها في مسرحه، كان الشيخ سلامة حجازي، والدليل على ذلك أنه كان ينص في إعلانات فرقته في الصحف على ذكر هذه التقنية.

 

ومثال على ذلك الإعلان الذي نشرته جريدة (المقطم) يوم 17/1/1907، وفيه قالت: ” يمثل هذا المساء جوق حضرة المطرب الشهير والممثل المبدع الشيخ سلامة حجازي رواية (تسبا) الشهيرة. ويتخلل الفصول الموسيقى الوترية في دار التمثيل العربي بشارع الباب البحري. ويعقب الرواية عرض صور متحركة (سينماتوغراف) على النور الكهربائي. وستكون هذه الليلة من أبهى الليالي، ويكون لحضرة مدير الجوق الدور الأهم. والأمل أن يكون الإقبال عليها عظيماً”.

ومن المحتمل أن تقنية النور الكهربائي – أو توفر النور الكهربائي – في مسرح الشيخ سلامة حجازي، لم تكن متوفرة في بقية المسارح الأخرى، مما شجع إحدى الشركات السينمائية في الاتفاق معه على إيجار مسرحه ساعتين قبل العرض المسرحي، كي تعرض مناظرها السينمائية. وقد أخبرتنا بذلك جريدة (الأخبار) في فبراير 1908، قائلة: ” اتفقت إحدى شركات السينماتوغراف مع حضرة الشيخ سلامة حجازي على عرض صورها في مرسح التمثيل العربي، كل ليلة من الساعة 6 إلى 8 مساء. وقد أثنى الذين حضروا الافتتاح على جمال المناظر ومغازيها الأدبية التي تروق العائلات”.

اللائحة الرسمية

في عام 1911 انتشرت المحلات السينمائية بصورة كبيرة، حيث أصدرت وزارة الداخلية (لائحة التياترات)، وقالت في ختام بنودها وموادها: ” تسرى أحكام هذه اللائحة مع أحكام لائحة المحلات العمومية ليس فقط على التياترات بل أيضاً على محلات لعب الخيول (السيرك)، ومحلات السينماتوغراف، وقهاوي الموسيقى وما أشبه من المحلات العمومية للفرجة والمشاهدة “.

وبدأت بالفعل الوزارة في تطبيق بنود هذه اللائحة، التي تساوي فيها بين السينماتوغراف والمسارح وغيرهما من محلات الموسيقى والفرجة! فقد قالت جريدة (الوطن) يوم 17/1/1912: ” بدأت الحكومة منذ أمس في تنفيذ أحكام لائحة التياترات الجديدة، فنبهت على جميع أصحاب المراسح وأماكن السينماتوغراف أن يضعوا كشوفاً يبينون فيها كل ما يشتمل عليه التياترو أو السينماتوغراف، وما إذا كان فيه كل جهاز كهربائي أم لا انفاذاً للمواد 1 و2 و16 و21 من اللائحة المذكورة. ثم استدعت أصحاب التياترات والسينماتوغراف إلى المحافظة، ونبهت عليهم بوجوب السير بموجب اللائحة، وأن يأخذ كل منهم التعليمات اللازمة من مأمور القسم التابع له إلى غير ذلك من المسائل الإدارية الخاصة باللائحة المذكورة السابق لنا نشرها في حينها”.

وإذا تتبعنا الأخبار المتعلقة بالسينماتوغراف – بعد صدور هذه اللائحة وتنفيذها – سنجد جريدة (مصر) في يناير 1913 تتحدث عن عروض تياترو السينماتوغراف الشرقي بالإسكندرية، وجريدة (الأفكار) في فبراير 1914 تتحدث عن عروض سينما أولمبيا – وهي في الأصل مسرح، وتحولت إلى سينما بعد وفاة إسكندر فرح – ويُعدّ عام 1914 عاماً فارقاً في تاريخ السينما في مصر – وربنا في العالم بأكمله – بسبب قيام الحرب العالمية الأولى، التي أنعشت صناعة السينما؛ لأن ما تم تصويره من لحظات لوقائع هذه الحرب، كانت تتصدر إعلانات السينما في العالم، وفي مصر أيضاً. ومن هذه الإعلانات، ما ذكرته جريدة (الأفكار) يوم 30/10/1914، قائلة: ” تقام حفلتان باهرتان في هذا المساء بتياترو فيوليت بشارع عماد الدين بالقرب من التلغراف المصري؛ حيث تعرض فيهما الآلة السينماتوغرافية أهم المواقع الحربية”.

دعاية مبتكرة

ابتكر أصحاب محال السينما تقليداً طريفاً في الإعلان عن الأفلام، تمثل في الإشارة إلى أن موضوع الفيلم المعروض في السينما، هو نفسه المسرحية الشهيرة، التي مثلتها فرقة كذا – من باب الدعاية – وهذا ما أخبرتنا به جريدة (المؤيد) يوم 7/2/1915، قائلة: ” (القضية المشهورة) محاكمة ضابط عظيم بالأشغال الشاقة المؤبدة، على أثر الحرب التي أعلنت عام 1746 بين أمتي الفرنسيس والبلجيك في عهد لويس الخامس عشر. فقد حوكم أحد الضباط بالأشغال الشاقة لأن ابنته شهدت خطأ بأنه قاتل لزوجته، فأخذت المحكمة بأقوالها؛ وذلك في أكبر غلطات القضاء. فذاق ذلك البريء من صنوف العذاب أشكالاً وألواناً. هذه الرواية الاجتماعية الأخلاقية التي مثلها جورج أبيض أفندي، تعرض بمناظرها المدهشة في قاعة سينما إيديال بشارع عابدين”.

وهذا الأمر تكرر مرة أخر في العام التالي، عندما نشرت جريدة (الوطن) يوم 5/1/1916، تحت عنوان (مونه سولي أبيض في دور أوديب)، قائلة: ” كانت رواية (أوديب الملك) الرواية الأولى التي افتتح بها جورج أفندي أبيض تمثيله في مصر في الأوبرا منذ ثلاث سنين.

ودور أوديب فيها من أدواره التي اشتهر بها، ولا أحد ينكر أنه يمثله تمثيلاً حسناً. على أن هذه الرواية نفسها ستمثل في تياترو سينماتوغراف عباس بالصور المتحركة، ويقوم بدور أوديب فيها الممثل المشهور (مونه سولي).

ولا شك في أن الذين سيحضرون هذه الرواية بالصور المتحركة، سيقارنون بين التمثيلين ويظهرون الفرق بينهما”.

أسماء الأفلام

وجدنا أسماء بعض الأفلام الأجنبية، التي كانت تعرض في بعض السينمات، مثل: فيلم (ابن نابليون)، الذي عرضته سينما شانتكلير بشبرا بالقاهرة لصالح جمعية شبرا القبطية في أبريل 1915. وفي أكتوبر من العام نفسه أعلنت جريدة (الأفكار) عن فيلمين جديدين سيعرضان في سينما إيديال بشارع عابدين.

 

وفي يناير 1916، قالت جريدة (المقطم): ” تقام حفلة خيرية مساء اليوم في سينما المنظر الجميل بالظاهر، فتعرض عدة روايات تراجيدية، وكوميديات هزلية، ومناظر حقيقية عن الحرب الأوربية”.

 

كما قالت جريدة (الوطن): ” ستقام حفلة خيرية نهارية (ماتينيه) بسينما المنظر الجميل بالظاهر يوم الخميس الموافق 22 فبراير الساعة السادسة مساء، يمثل فيها أعظم الروايات العصرية منها (أسرار نيويورك)”.

 

أحكام عسكرية

مع اشتداد الحرب العالمية الأولى، واشتراك إنجلترا فيها – أثناء استعمارها مصر – أصدرت أوامر عسكرية، نشرتها جريدة (البصير) في مارس 1916، تحت عنوان (إقفال محال الملاهي من الساعة الحادية عشر ونصف): ” صدر أمس الأمر الآتي: بالنسبة للإعلانين الصادرين من جناب الجنرال قائد الجيوش البريطانية بالقطر المصري في 21 يونيو سنة 1915 (المادة الثانية والثالثة) و19 نوفمبر 1915

 

فليكن معلوماً أنه بناء على أمر جناب قائد الجيوش بقسم الإسكندرية، تقفل جميع التياترات وقاعات الموسيقى وقهاوي الغناء والسينماتوغرافات، وكافة محال الملاهي بوجه عام في أنحاء قسم الإسكندرية في الساعة الحادية عشرة والنصف، ابتداء من يوم الاثنين الواقع في 27 الجاري. [توقيع] (متولي الشئون العسكرية وحكمدار البوليس بالإسكندرية الكولونيل هوبكستون)”.

وبعد انتهاء الحرب – تقريباً – عدلت الحكومة عن أوامرها بمنع السهر وتحديد موعد انتهائه، وأعلنت الصحف أن منع السهر كان لتوفير الإنارة والطاقة!! وفي ذلك قالت جريدة (وادى النيل) يوم 22/2/1919، تحت عنوان (إباحة السهر إلى منتصف الليل): ”

أصدرت وزارة الداخلية قراراً بتوقيع صاحب السعادة وكيلها جبر والي باشا هذا نصه: بالتنبيه لما تقرر من تخفيض الإنارة في القطر المصري؛ بناء على توصية لجنة الوقود اقتصاداً للفحم والوقود بالكيفية الموضحة بقرار مجلس الوزراء الصادر أول أغسطس 1917.

 

وقد أشارت اللجنة السابق ذكرها فيما ورد فيها لوزارة الداخلية بتاريخ 10 مارس الحاضر بإمكان الاستثناء الآن عن بعض القيود التي قررت لهذا الغرض وبناء على ذلك الرأي تقرر رفع القيود الآتي بيانها وهي:

1- إغلاق المطاعم والقهوات في الساعة العاشرة مساء. 2- إقفال السينماتوغراف والتياترات ومحلات الملاهي في الساعة الحادية عشرة مساء. 3- منع الأنوار في خارج أو في داخل المطاعم والقهوات، هذا مع الاستمرار في تنفيذ باقي القيود الموضحة في القرار المشار إليه”.

 

أسماء دور السينما

وختاماً لهذه الحلقة، نذكر أسماء جميع دور السينما، التي كانت تعمل في القاهرة والإسكندرية عام 1917، مع اسم مديرها، وعنوانها، ورقم تليفونها إن وجد – وذلك طبقاً لما جاء في دليل مصر عام 1917 – وهي: سينما (إيديال): ومديرها بروسبيري وشركاه، وتقع في شارع عابدين رقم 12، ت:3104.

 

سينما (المنظر الجميل): جورج مطران، شارع الظاهر رقم 48، ت:4169. سينما (أمبير): ف. تيشي، شارع عماد الدين بجوار الكورسال، ت:2901. سينما (أمريكان كوزموغراف): ج. ديبلويه، شارع عماد الدين بتياترو عباس سابقاً. سينما (أوبلسك): شارع عماد الدين ملك الخديوي. سينما (أولمبيا): جورج كرياكيدس، شارع عبد العزيز رقم 32.

سينما (بلاس): شارع الظاهر رقم 90، ت:3106. سينما (جلوب): ميدان حكيم. سينما (جيتيه): بسكال أفاديس، شارع عماد الدين بجوار الأمبير. سينما (خديوي): شارع حمام العوم رقم 7 عماد الدين، ت:3647.

سينما (راديوم): فرانسوه بوتيجلي: شارع عماد الدين حرف A، ت:4326. سينما (شبرا بلاس): كينجلو، شارع شبرا، ت:3119. سينما (كليبر): جوزيف عداه، شارع بولاق رقم 12.

 

أما السينمات بالإسكندرية، فهي: سينما (أمريكان كوزموجراف): ميشيل هيب، شارع الجنرال أرل رقم 3. سينما (إيريس): شارع باب شرقى (رشيد) رقم 13. سينما (شانتكلير): شارع صلاح الدين رقم 5. سينما (مودرن): شارع محطة مصر رقم 3.