مقالات ودراسات
حصريا .. العراقي د. جبّار خماط يكتب لـ “المسرح نيوز” : “الممثل.. وغدر التلقي”
المسرح نيوز ـ العراق | د. جبار خمّاط*
*مخرج وأكاديمي عراقي
ـ
الممثل علامة مهيمنة بين علامات العرض المسرحي، ينقل خطاب العرض المسرحي الى المتلقي ، بصريا وسمعيا وحركيا ، بمشاركة مجموعة من العلامات التي نراها ونسمعها ونتلمس وجودها على خشبة المسرح .
لكن ما يميز الحياة المسرحية على خشبة المسرح ، هو ذلك النمو المتناغم الي يولد في الهنا والان ، يكبر مرتديا ايقاعا على مقاسه ، تسر الناظر ، وتشعره بالفرح الجمالي الذي يوازيه فرح !!
الممثل يقف وحده او مع غيره ، على أرض الافتراض ، ثابت او مضطرب ، متوتر أو هادئ ، عاشق او معشوق ، يريد جزاءا وشكورا من الذين ينتظرهم ، يدخلون أرضه المحرمة قبل ساعة ، لانه حامل الاسرار الأكبر، على كاهله خطاب ثقيل المعنى، مثل عالم أطلس الكروي، المتنوع بمناخه وناسه وجباله وسهوله وصحاريه ، أمطاره وجدبه ، نجومه وقمره وشمسه ، كلها تحيطه في احوال وازمان ، يفترضها من كان معه ، شريكاً في الخلق والابداع .
الممثل ، راهب وشيطان وملاك وعالم ورياضي ، وفلاح وملك وصعلوك ، كلهم في حقائب خبراته التي تسافر في رحلة الأداء ، يريد أن تكون ممتعة وناجحة ، وإلاّ غاب عنه المريد أو المتفرج ، وبالتالي يكون وحيداً ومعزولاً ، تأكل راسه كوابيس الإحباط والفشل !
كان يقول لي : تخيل بعد شهور طويلة من الاعداد والجهد والمثابرة في البحث ، يبدا حفل العرض المسرحي ، سعادتي كبيرة بوجودهم معي ، يستمر الا د اء ببن طيات الوقت ، واذا بغدر التلقي ، يكشف عن نفسه بخبث ، تخيل ، اراه او اراه يخرج من القاعة قبل انتهاء العرض ، ثم يتبعه اخرون بتاثير عدوى غدر التلقي !!
هل تعرف ان سيدي العارف بالنفس البشرية ، انطوان تشحوف في نصه الدرامي (( طائر البحر )) يشخص لنا هذه الحالة على لسان احد شخصياته التي تقول : ياليتني معلقأ بمسمار على جدار ، ولا ارى او اسمع كلام او انشغال الجمهور عني !!
أين تكمن المشكلة ؟ في التوتر السلبي ما بين الممثل والمتلقي ، أم في منهج الاداء الذي يميل الى التعقيد ؟ أم في عدم استعداد المتلقي على الصبر في تواصله مع مجريات العرض ، حتى لو كان طويلا ، مثل بعض العروض المكسيكية والامريكية ؟ يظهر ان المشكلة تكمن في ضعف تطور الذوق الفني الذي يستقبل العروض المغايرة لتوقع المتلقي ، وخبرات تواصله معها ، وهذا يعني أمران ، أولهما وضع برنامج من العروض المستمرة ، تتواصل مع الجمهور ، في خطابات ومعالجات متنوعة ، مع نشر مدونات تثقيفية على تعزيز تقاليد مسرحية حول ثقافة التواصل مع العروض .
هذا من جهة ، ومن باب اخر ، ندخل الى العروض المسرحية وحامليها على خشبة المسرح من ممثلين وتقنيي السمع والبصر ، إذ ينبغي مراعاة البنية القيمية والثقافية للجمهور في زمان ومكان محددين، بغية التواصل الفعال معهم، وتحقيق اغراض ومقاصد العرض المسرحي الفكرية والجمالية .
نعم يا سيدي الممثل ، عليك بالتمرين والقراءة واستعداد كامل على تطوير قدراتك الأدائية ، التي تسمح بتفاعل الجمهور معك ، اذ حبل الاتصال بيدك ، والجمهور ينساب اليك ، إنسياب الضوء النقي نحو العين ، تعزز تواصله الحميمي بايقاع ادائك ، الذي قانون وجوده المغايرة ، وخطابه التميز ، وعنوانه الابداع .