نصوص

حصريا.. المسرح نيوز ينشر ” واو الثمانية ” .. أحدث نصوص الكاتب العربي الكبير “عبد  الفتاح رواس قلعه جي”


 المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص مسرحية

ـ

عبد  الفتاح رواس قلعه جي

 

واو الثمانية

 

مسرحية

 

الشخصيات

 

 

مجموعة الثلاثة وكلبهم

صالح

أيوب

سماح

الكلب بوبي

مجموعة الأربعة

كاكو

عقيلة

يونس

براء

….

كفاح : شخصية افتراضية

صوت الراديو والمذيع

 

 

        مغارة في جبل كانت معبداً أثرياً لآلهة الوقت، على جدرانها حفرت رسوم لملوك ومشاهد صيد ومعارك وسماء ونجوم وقمر وشمس رموزا للوقت.

نقش سيدة الينبوع في صدر وعمق المغارة وهي امرأة ترفع بكفيها إلى صدرها أناء يتدفق منه الماء.

وهنالك أيضاً كتابات بالهيروغليفية الحثية.

      هم سبعة، خمسة رجال وامرأتان، وثامنهم كلبهم رابض أمام باب المغارة، ثلاثة حضور رجلان وامرأة وأربعة غياب/حضور ثلاثة رجال وامرأة عبروا نفقاً داخل المغارة إلى المجهول، ولكنهم يأخذون مواقعهم في التخيل والتشخيص كجوقة حركية وراو على منصَّة عالية في صدر المسرح.

     ثمة ستارة شفافة يمثابة شاشة للعرض وراء منصَّة الجوقة تظهر عليها ظلالهم عندما يتم تشخيصهم للحالة أو الحدث، ويبقى الرابع أمامها راوية للحدث فإذا انتهى المشهد يعود الثلاثة إلى المنصَّة أمام الستارة، إنارتها خافتة جداً، وهم يـتخذون وضعيات متعددة  جلوساً أو وقوفاً في تكوينات جمالية، وكأنهم في سهرة من سهرات  مسرح السامر, ويبقون في وضعية التثبيت كأنهم تماثيل أو صور إلى أن يحين أداء دور أحدهم فيأخذ مكانه أمام الستارة كراوية لما جرى معه، ويختفي الآخرون خلفها للتشخيص الظلي الحركي لرواية الحدث، إنهم الغياب والحضور معاً.

التشخيص وراء الستارة يكون إيمائياً ـو من مسرح الصوامت، إلا من مرافقة بعض المؤثرات الموسيقية لضرورة التعبير.

    الكلب الرابض على باب المغارة جسد إنسان برأس كلب، أنيق جداً ييذته السوداء وربطة عنقه الحمراء ونظارات دخانية على عينيه.

      تتوزع في أنحاء المغارة صواعد ونوازل حجرية كلسية تشكلت مع مرور الأزمان من نقاط ماء تقطر من سقف المغارة، أما النفق فقد كان مجرى للماء كنهر داخلي تحت الأرض، يصب في البحر لكن مياهه الآن جفت.

الصواعد والنوازل بأشكالها وألوانها المتعددة تعطي منظراً مدهشاً يجتذب السائحين للزيارة، أو المطاردين للاختباء.

     
    المشهد الأول
     
    (في المغارة، مجموعة الثلاثة، صالح أمام فوهة النفق، أيوب يقرأ في كتاب، سماح تطوي بعض ملابسها وتضعها في صندوق من كرتون، الكلب رابض أمام باب المغارة.
صالح : هذا النفق بوابة الهجرة إلى الغرب.
أيوب : هذا النفق بوابة الموت.
سماح : هذا النفق مجرد مسيل ماء توقف عن الجريان ولا يؤدي إلى شيء سوى التشرد والضياع.
أيوب : (لصالح) اأما زلت تحلم بالهجرة.
صالح : وهل من خلاص آخر؟

المدينة لا نستطيع العودة إليها، نحن مطاردون، محكومون بجناية لا نعرفها ولم نفعلها.

سماح : محكمة سرية لا يُعرف لها قاض ولا مكان ولا جلسات محاكمة.
أيوب : حتى أنت.. !؟ وماذا كنت تعملين في المدينة؟
سماح : لا شيء، تخرجت مهندسة في الجامعة، خمس سنوات وأنا أبحث عن عمل حتى يئست وقررت الهجرة.
صالح : لا شك أنك كنت تعملين شيئاً آخر حتى حُكم عليك.
سماح : كنت مدوِّنة صحفية.
صالح : (ساخراً) آ..هااا.. وهذه من جرائم الإنترنيت.. تثبيط روح الأمة.. النيل من هيبة الدولة..الترويج للإشاعات ونشر معلومات غير صحيحة..كل شيء في المدينة وله قوانينه الجاهزة للمحاكمة.
سماح : لم أفعل شيئاً من هذا، كنت أمارس حريتي في اعتقادي، ثم إن موقعي مخصص للطبخ .. وجبات سريعة ووجبات أساسية، تجلب السعادة والمتعة للإنسان.
أيوب : (ساخراً) هذا في اعتقادك (صمت) آ..ها..وجدتها، طبخ أفكار أم طبخ طعام؟
سماح : طبخ طعام.
أيوب : وهذا وحده جريمة يعاقب عليها القانون، طبخ طعام فاخر كما كانت تعيشه المدينة سابقاً أيام الرفاه، والجوع يسود المدينة اليوم!؟
صالح : وهذا وحده تعريض وتثبيط ونيل من الإدارة الحكيمة المسؤولة.
سماح : صادروا الحاسب، حتى الموبايل أخذوه.
ايوب : سلامات يا راس. مليح نفدتِ براسك.
    (الكلب يدخل، ينحني محيياً في أدب مصطنع، يقدم رسالة لصالح، ينحني ويخرج)
صالح : (يفتح الرسالة ويقرأ)

الطقس في الخارج ضباب كثيف،ظلام شامل والرؤية صعبة.

برد شديد، خمسة تحت الصفر.

يستحسن عدم الخروج من الملجأ.

أيوب : أهذا إعلام أم تهديد؟
صالح : ماذا تقصد؟ هل تشك فيه؟
أيوب : أشك في كل شيء، لا بد من الشك حتى تصل اليقين.

من أين جاء هذا الكلب، أهو كلبك؟

صالح : كلا .. ليس كلبي.
أيوب : وأنت يا آنسة؟
سماح : كلا.. ليس كلبي.
أيوب : كبف جاء إذن؟
صالح : منذ أن كانت هنا  مجموعة الأربعة كاكو وبراء ويونس وعقيلة كان معهم، التقانا في الطريق إلى المغارة صدفة فرافقنا ووضع نفسه في خدمتنا. ومهما يكن فهو عين لنا يأتينا بالطعام وأخبار  المدينة.
أيوب : بل هو عين علينا، ينقل أخبارنا لهم، ما رأيكِ يا سماح؟
سماح : أعتقد أنه كلب شرس، يخفي شراسته تحت مظهر أنيق وسلوك وديع زائف.
أيوب : (ساخراً) بهذه الصفات يصلح أن يكون حاكم مدينة.
صالح : حسن، هل تريدون التخلص منه؟
أيوب : لا نستطيع، أرسلوه ليمنعنا من الخروج، ويجبرنا على المغادرة وركوب رحلة الموت.
صالح : تقصد الهجرة عن طريق النفق. تهجير قسري.
أيوب : تماماً، إنهم يريدون التخلص منا ومن غيرنا بشتى الوسائل لتخلو لهم المدينة هم وجماعتهم وعملاؤهم.
    (عتمة تهبط فجأة وتشتد، صالح يحاول أن ينظر عبر مدخل المغارة، أيوب يغلق الكتاب الذي يقرأ فيه، سماح تنهي جمع ملابسها وأشيائها وتغلق الصندوق الكرتوني).
أيوب، : هبط الليل فجأة ولم أعد أستطيع القراءة.
صالح : بل هو الضباب الكثيف، الرؤية منعدمة تماماً.
أيوب : لا فرق، إنه الظلام في الحالتين، وهذا موعد الغروب أيضاً.
سماح : الظلام  بداية الوجود ونهايته.
صالح : فيلسوفة وصحفية أيضاً، كيف يتحملك حاكم المدينة؟
أيوب : يوم آخر وانتظار جديد.. هذا ما لا ينتهي.
سماح : الصباح رباح

فلنمت ليلة أخرى ونستيقظ لصباح آخر نموت في مسائه من جديد.

صالح : عبث.. كل شيء عبث .. ولا معنى للحياة.
    (إظلام)
     
    المشهد الثاني
     
    (إضاءة خفيفة ، غبش الفحر وصباح آخر، مجموعة الثلاثة نائمون جلوساً وقد استند كل منهم إلى عمود صاعد.

الأربعة الغائبون الذين هاجروا يجلسون في العتمة على المنصَّة الخلفية أمام الستارة في وضعية التثبيت، منطقة نورها خافت جداً

 يدخل الكلب  ويجوس خلال المغارة، يفحص بعض محافظ النائمين، ينتبه أيوب فقد كان نصف نائم.

أيوب : ماذا تفعل يا بوبي؟
الكلب : (لا يتكلم وإنما يشير إلى أغطية قي الجانب ويتناول غطاء من صوف يغطي به سماحاً ويهم بتناول غطاء آخر).
أيوب : لا حاجة لذلك يا بوبي، من يشعر بالبرد يستطيع أن يغطي نفسه.

تستطيع أن تخرج مطمئناً.

    (الكلب يخرج. يعود أيوب إلى النوم، برهة صمت، شروق، يرتفع النور قليلاً، يرن الهاتف الجوال في جيب صالح ينتبه ويخرجه وينظر فيه، يستيقظ أيوب وسماح)
صالح : مين كاكو؟ ألف سلامة عليك، احكي لنا إيش صار معك؟
    (يهرع أيوب وسماح إلى جانب صالح ليستمعا، الكلب يتقدم خطوتين داخل المغارة ويختبئ وراء أحد الصواعد ويمد رأسه متنصتاً.

على الستارة الخلفية (الشاشة) مشهد ظلي أو فيلم قصير بالأبيض والأسود لمركب بحري بدائي قديم متهالك غاصٍّ بالركاب المهاجرين،

أمطار ويروق وصوت رعد.

أمام الستارة تحت بقعة ضوء كاكو يروي ما حدث

يتابع مخرج الفيلم أو العرض الظلي التجسيد الحركي لمشاهد يختارها حن الأحداث التي يرويها كاكو)

كاكو :     خرجت من النفق وركبت البحر باتجاه الغرب ، كان المركب بدائياً قديماً متداعياً لا يقاوم الأمواج ولا العواصف.

في البدء كان البحر هادئاً وفجأة هاج وماج، وهطلت أمطار غزيزة، واشتدت العاصفة، والركاب يبتهلون إلى الله، وأنا أردد يا خوديه* الطف بنا، والقبطان يصيح توزعوا على جوانب المركب.

(مشهد للمركب وسط العاصفة والأمواج)

ثم هدأ البحر ولاحت لنا جزيرة صغيرة، وقبل أن نتجه إلى الشاطئ راح يجمع الأجور, أحد الركاب أعطاه كل ما معه ولكن طالبه بكامل الأجر وأمسك ابنه الصغير وقال: سأرميه في البحر إن لم تكمل المبلغ، وهمَّ برميه.

(مشهد والقبطان يهددبرمي الطفل)

أبوب :  معقول!؟ العمى بعيونه شو حيوان.
كاكو : آغاتي هدول حيوانات فعلاً. (صمت)
صالح : أي.. وماذا حدث بعد ذلك؟
كاكو : صحت بالقبطان اترك الولد يا حيوان وتعال خذ مني كامل المبلغ، ونقدته باقي المبلغ، وبعد أن رمانا على الشاطئ قال: لقد وصلتم ثم غادرنا.
سماح :  وهل وصلتم فعلاً؟
كاكو : كلا.. فوجئنا بأنه غشَّنا، الجزيرة هواي* صغيرة وغير مأهولة، لا ماء فيها ولا حياة، وكدنا نموت من الجوع والعطش، واشتهيت على كلاص** من ماء دجلة أبلُّ به ريقي، وأشرفنا على الموت ونحن نلوح للسفن من بعيد وتذكرت قصة روبنسن كروزو، كانت دوريات خفر السواحل تمر عن بعد وتتجاهلنا غير عابئة يإنقاذنا، قمنا بإشعال النار في رؤوس الأشجار وعملنا حريقأ كبيراً فسارعت حوامات الإطفاء ودوريات خفر السواحل، وهكذا أجبرناهم على إنقاذنا.  وحملونا وأعادونا إلى حيث بدأنا رحلتنا.
أيوب : هذه حيلة الشيطان ما خطرت بباله.
صالح : وهكذا عدتم من حيث بدأتم.
سماح : يعني: تي تي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي.
كاكو : تماما.
صالح : وماذا فعلت بعد ذلك؟
كاكو : غيرت مساري وركبت طريق البر عبر حدود دول عدة ، ولقيت الأهوال وأنا أعبر الحدود وأنام في الغابات حتى وصلت.
سماح : ألف الحمد لله على السلامة.
صالح : والآن أين أنت الآن وما ذا تعمل؟
كاكو : أفدت من تجربتي فقررت أن أعمل دليلاً للمهاجربن عن طريق الهاتف النقال ونظام ال جي بي إس لقاء مبلغ نتفق عليه.
أيوب : (مازحا) الله لا يوفقك يا كاكو، يعني صرت مهرباً.
كاكو : (يضحك) مازال يا أيوب :”لسانك طويل بدّو مقص اسكيفاتي”.

نعم .. مهرب لكن شريف أستقبل زبائني، وأنيِّمهم على حسابي، ولا أتخلى عنهم حتى يصلوا.

أيوب : لاشك صرت غنياً من هذه الشغلة، ماذا تفعل بالفلوس التي تربحها.
كاكو : “أصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب” تعلم أنني أحب الحياة، كاس وطاس، وشوية حوريات طالعات من الجنة.
ايوب : عوايدك..” واللي بغيِّر عادتو بتقل سعادتو”
    (إظلام)
     
    المشهد الثالث
     
    (صالح وأيوب وسماح يتسلون بلعب الورق والكلب غير موجود)
صالح : (يرمي ورقة) عشرة الكوبة.
أيوب : هل تعلم بأن الكبة قلب أحمر رمز للكنيسة وطبقة رجال الدين؟
صالح : طيب والبستوني ماذا يمثل؟
أيوب : الستوني قلب أسود ويمثل طبقة الجيش والعسكر.
سماح : (ترمي ورقة) وهذا شايب السباتي ماذا يمثل؟
أيوب : السباتي يمثل طبقة المزارعين.
صالح : طيب العب.
أيوب : (يرمي ورقة) وهذا آس الدينارى هذا هو الجوكر .. ههه وإن شئت سمه آس الدولاري، هذا هو القاشوش الذي يمثل طبقة التجار..

(يجمع الورق)

لقد خسرتم وانتهت اللعبة.

    (الكلب بوبي يخرج من النفق)
صالح : آ..هاااا بوبي ماذا كنت تفعل داخل النفق؟
    (يخرج بوبي عظمة من جيبه ويريهم إياها)
أيوب : إذن كنت تبحث عن عظمة، ولكن هذه عظمة إنسان يبدو أنه مات داخل النفق، أتأكل لحم الإنسان يا بوبي كأسيادك ؟
سماح : بدأت أشعر بالخوف والقلق من هذا الكائن.
    (بوبي صامت يحدجهم بنظرة حادة طويلة ثم يخرج)
    (صمت)
صالح : هل نلعب دوراً آخر؟
أيوب : لم تعد لي شهية للعب. هذا الكلب عكّر مزاجي.
    (صمت، تدخل مجموعة الأربعة خلال العتمة والصمت وتأخذ مواقعها على المنصّة في منطقة الظل المعتمة)
سماح : هل تعرفان اسم هذه المغارة؟
أيوب : كلا ..تنتشر هنا مغاور عدة وهذه أكبرها، هذه تشبه مغارة قاديشا.
سماح : هل زرت مغارة قاديشا؟
أيوب : نعم.. مذهلة، صواعد ونوازل بأشكال متعددة، وهيئات مختلفة، كأنك في مملكة، هنا الملك وحوله الوزراء، وهناك الجنود، وأفراد الشعب يسجدون للملك المعبود… ومناظر كثيرة مدهشة.
صالح : لا أدري لماذا لا يوظفون هذه المغارة في السياحة ويتركونها مأوى للمهاجرين والهاربين من الجحيم، والخارجين على القانون.

(صمت)

سماح : كيف تشكلت هذه الصواعد والنوازل؟
أيوب : (يتناول الكتاب ويفتحه)

كنت أقرأ عنها في هذا الكتاب (يقرأ) الصواعد والنوازل تشكلت عبر آلاف السنين بفعل مياه الأمطار الحمضية الغنية بثاني أوكسيد الكربون، والتي تسبب ذوبان الصخور الكلسية ويصير هذا الماء محملاً بكربونات الكالسيوم عند تعرض الماء الراشح للهواء داخل المغارة.

ودراسة هذه الظاهرة تعرفنا بالمناخ القديم السائد قي هذه المنطقة منذ آلاف السنين.

صالح : يا باش مهندس ما حاجتك إلى الهجرة ومغادرة الوطن وأنت المهندس والمثقف المتعلم؟
أيوب : يا صديقي صالح، عندما تصبح غريباً في وطنك، ويمتلكه اللصوص والمقامرون وتجار الحروب، وتراه أمام عينيك يهوي في جحيم الفتن والحروب والفساد،
سماح : اخفض صوتك، سينقل هذا الكلب الجاسوس الحديث إلى الأمن.
أيوب : (يخفض صوته)  عندما ترى وطنَك يتردى في دمار اقتصادي شامل، وتتهاوى أمامك العملة وترتفع الأسعار في كل لحظة، ويعيش الناس تحت خط الفقر، ولا تجد ما يعيلك أنت وعائلتك فإنك ترى الهجرة واجبة ؛ فهذا ليس وطنك وإنما هو وطن فئة قليلة فاسدة تتحكم بالسوق والسلطان.
سماح : صدقت.
صالح : يبدو أن هذا البلاء عامٌ وصفةٌ ملازمة لهذه الأمة، والهجرة مستمرة نحو الغرب.
أيوب : كلا ليس عاماً، ربما هو غالب، هنالك شعوب تعيش في سلام.
صالح : خذ مثلاً يونس السوداني وزوجته عقيلة المغربية، لماذا يهاجران؟
أيوب : أوه.. ذكرتني بهما، منذ مدة طويلة لم يتصلا، وأنا قلق.
صالح : ربما نجحا في الوصول ونسيانا.
سماح : اتصل بهما يا أيوب، كان يونس صديقك.
أيوب : حاضر، سأتصل. (يتناول هاتفه ويحاول الاتصال) هاتفه مغلق أو ثمة أمر.
صالح : إنه لا يغلق هاتفه أبداً.
أيوب : يبدو أن هاتفه معطل. إنه لا يتجاوب مع الرنين.
سماح : اتصل بعقيلة زوجته.
أيوب : ليس من المناسب أن أتصل بها أنا، اتصلي أنت فهي صديقتك.
صالح : أاا.. صحيح، اتصلي أنت بها آنسة سماح.
    (سماح تخرج هاتفها وتحاول الاتصال)
سماح : عقيلة .. هاا.. إنها ترد صوت وصورة.

كيف حالكم يا عقيلة؟ طمنونا بالنا مشغول عليكم.

    (يقترب صالح وأيوب ليريا ويشاركان في المحادثة)
هقيلة : سافا با, مش مليح .
    (على المنصَّة يمين الستارة تبرز عقيلة تحت بقعة ضوء وتتابع الحوار.
    (على الستارة (الشاشة) مشهد ظلي أو فيلم قصير بالأبيض والأسود لعقيلة تقف في الغابة على طرف مستنقع، وثمة ريح وعاصفة وأمطار وظلام، وهي تسير يمنة ويسرة حائرة وتنفخ كفيها بفمها من البرد)
سماح : لا حول ولا قوة إلا بالله، أين أنت الآن؟
عفيلة : ما زلت في الغابة ، ما نّجمش* نعبر, محاصرة بالريح والبرد والعاصفة,

راني** أموت.

سماح : كفى الله الشر.
أيوب : والمهرب ألا يساعدك في العودة أو العبور.
عقيلة : المهرب تخلى عنا.
صالح : اسألها عن صديقك يونس.
أيوب : ويونس أين هو؟ إنه لا يرد على الهاتف.
    (عقيلة أمام الستارة وعلى الشاشة تبكي)
سماح : وحدي الله، كفاك بكاء، ماذا حل بزوجك يونس؟
عقيلة : يونس خاض في المستنقع أمامي ليؤمن لي أفضل طريق للعبور، الأرض رخوة، وفجأة غاص في هوّة في وحل المستنقع ولم يظهر.
    (على الشاشة يونس غائص في المستنقع ولا يظهر منه غير ذراعيه المرفوعتين)
أيوب : يعني مات؟
عقيلة : يونس بلعه الحوت.
صالح : لا اصدق ذلك.. خبر صاعق.
أيوب : كنت أتوقع ذلك، حوت الهجرة وحوت المستنقع وحيتان المدينة تبتلعنا الواحد بعد الآخر.
    (يتغير المنظر على الشاشة إلى روضة جميلة وارفة الظلال ، نسيم عليل، شدو طيور وبلابل، موسيقى ناعمة ويونس يسير في الروضة بسلام ويجمع طاقة من الزهور.

يبرز يونس على المنصَّة أمام الشاشة في الطرف الأيسر تحت بقعة ضوء

تختفي عقيلة من أمام الستارة

سماح تعيد الهاتف إلى المحفظة)

أيوب : (مندهشاً) يونس!
صالح : حقاً إنه يونس.. ألم يمت؟
سماح : كما رأيتما وسمعتما، زوجته أكدت موته غرقاً في المستنقع.
أيوب : يونس، حدثنا عما جرى معك؟
يونس : منذ أيام وأنا أحلم كل ليلة بأنني أغوص قي الماء الآسن والوحل في المستنقع ـ ثم يأتي حوت ضخم يبتلعني، وإذا أنا قي ظلمات ثلاث في جوف الحوت، وأنتظر بأن يلفظني على الشاطئ كما فعل حوت يوسف النبي، ولكن بلا جدوى.

كل ليلة أرى هذا الكابوس الجاثم على صدري حتى يضيق تنفسي، ثم أنتزع نفسي من مرقدي وأنتبه وأنهض يصعوبة مضعضع الجسم لأدرك أنه كان مجرد كابوس وحلم ثقيل، وأعود إلى الواقع لأرى نفسي في هذه الروضة الغناء سليماً معافى، خفيفا كما الريشة، فأحمد الله على سلامة الوصول.

أيوب : هل يغني هذا أنك لم تغرق في مياه المستنقع؟
يونس : قلت لك كان مجرد حلم، كنت نائماً ثم انتبهت ورُددت إلى الواقع الذي أنا فيه، وأنا الآن أجمع طاقة من الورود والزهور لحبيبتي عقيلة المغربية في انتظار وصولها أيضاً.
أيوب : اتق الله يا يونس، أنت ميت ولا تدرك أنك ميت ، وتتمنى لزوجتك أن تموت معك وتلحق بك!؟
يونس : ميت؟ ما معنى ميت؟ أنا أعيش واقعا محسوساً كشمس النهار، وأمارس جميع أعمالي التي أحب، والناس هنا طيبون، والحياة هانئة سعيدة، ولي منزل محترم، هنا لا برد قارس ولا حر لاهب، لا حدود ولا قيود، لا سجون ولا حروب، هنا تتدلى النجوم لتضيء ليلنا، وترتل السماء والجبال والرياض مزامير العشق لأرواحنا وأسماعنا. (صمت)

كل هذا يحدث لك بعد انتباهة خاطفة من نومك المثقل بالكوابيس.(صمت)

أتمنى لو تصلوا أنتم أيضاً لنشكل معاً قرية نموذجية بين هذه القرى المنتشرة على على خد الصباح البكر.

صالح : يونس منذ متى وأنت قي هذه الحالة؟
يونس : ما معنى متى؟
صالح : أقصد الزمن.
يونس : ما معنى الزمن؟
سماح : دعه يا صالح بيننا وبينه جدار من زجاج كتيم مفيَّم*، ولن تستطيع التفاهم معه بمصطلحاتنا.
أيوب : هذا كلام سليم، ويبقى السؤال. أيهما الحقيقة؟

(إظلام)

     
    المشهد الرابع
     
    (الثلاثة يتوزعون في جوانب المسرح تحت بقع ضوئية متناوبة أثاء الحديث، كل منهم منعزل يدير ظهره للآخر، والكلب في مدخل المغارة تحت بقعة ضوئية يستمع ويكتب، مما يوحي بأنه يكتب تقريراً أمنياً، كل فرد منهم يتحدث وكأنه يتابع حواراً مع شخص مجهول أو مع أحد رفيقيه  مما يفيد تكثيف الإحساس بالعزلة).
سماح : (سماح تحت بقعة ضوء تتزين وتتابع حديثاً)

نعم. أتزين ولماذا لا أتزين؟ (صمت)

يجب أن أصنع لنفسي الفرح ماداموا هم يصنعون لنا الشقاء.

لقد أغلقوا لي موقعي على النت، هل سمعتم بمدونة صحفية بلا نت، سجنوني شهرين وحققوا معي، طبخاتي في الموقع راحوا يفسرونها تفسيراً سياسياً. (تقلد صوت المحقق) أنت يا آنسة باسم طبخة القرنبيط تدعين إلي الثورة وقطع رأس رئيس الدولة، وباسم أكلة الكبة ودراويش الكبة المحشوة باللحم والمكسرات التي تشيه الصواريخ تدعين إلى تصنيع الصواريخ المحشوة بالمتفجرات  (صمت)

لا تسألني لماذا أتزين، أنا أتزين لأنسى هذا السخف في التأويل والتفسير، ولأصنع لنفسي الفرح. (صمت)

.    .    .

نعم يا سيدي أنا مخطوبة وأتزين لخطيبي الذي أنا ذاهبة إليه الآن.

أحببنا بعضنا بالتراسل على النت، ودعاني للسفر إليه فهو لا يستطيع المجيء لأن اسمه مسجل على الحدود بتهمة لا يعرفها ربما هي النيل من هيبة الدولة، أو الانتماء إلى حزب محظور، هو لا يعرف، وحاولت أن أعرف فلم أعرف. وإذا جاء سيقبضون عليه وسينام سنين في السجن بلا تحقيق وبلا تهمة معينة مجرد تقرير أمني، منهم من نام في السحن عشرين سنة (على فرد جنب)* ونسوه، لا يزور ولا يزار ولا يعلم أهله شيئاً عنه حتى يئسوا وحفروا لًه قبرا واستقبلوا المعزين،وعندما خرج لم يعرفه أحد، ومن يعرف إنساناً ذهب شاباً وعاد شيخاً عجوزاً.(صمت) ثم تسألني عن الوطن والمواطنة. هذا هو الوطن.

(صمت)

سأهاجر يا سيدي.. سأهاجر لأنني فتاة زادها الحب والحرية.

(صمت ثقيل)

.   .    .

    (أيوب في دائرة الضوء يتناول من محفظته كتاباً ويقرأ)
أيوب : اسمع يا ابن أم، وأمي وأمك حواء، اسمع وتفكر في قولي وأن أعظك صادقاً. (كأنه يخاطب نفسه) كان يجب أن يسميني أهلي لقمان الحكيم. (صمت، ويتابع القراءة)

لا تؤمن بشيء اسمه الوطن الدائم، هذا مجرد وهم وكذبة كبيرة، عليك أن تؤمن بالوطن المؤقت والذي لا تربطك به أية رابطة سوى المرور العابر إلى وطن آخر.

(صمت)

باسم التاريخ والوطن الدائم يرفع السيد الكبير شعارات الشهادة والتضحية، والجوع والصبر في الأزمات المفتعلة على فقدان كل مقومات الحياة الضرورية، وهو يقصد بكلمة الوطن نفسَه، فهو الوطن، والوطن هو، وسلالته الشهريارية العنينة المبرمجة هن قرب أو عن بعد من قبل المتحكمين بمصائر هذا العالم هي قدر هذه الأمة الأسود

(صمت)

جوِّع كلبك يتبعك، هذا هو شعار الوطن الدائم الذي هو السيد الكبير.

(صمت) 

تعلم يا ابن أم أن الوطن الحقيقي هو الاغتراب والتجدد وحيثما حللت تجد وطناً وأهلاً وخلاناً، وخذ عبرة من قول الشاعر الذي يؤكد بأن انتماءك اللاصق بوطن واحد الذي هو السيد الكبير هو القيد والسجن الأبدي الذي يبعدك عن طموحاتك في تحقيق سعادتك، وهذا ما يبلي ديباجتيك : الجسم والروح.

استمع إلى قول الشاعر:

وطول مقام المرء مُخلِق     لديباجتيه فاغترب تتجدد

(يغلق الكتاب ويعيده إلى محفظته)

حسن هذا الكلام يعجبني، وهو نهجي في الحياة

الوطن قيد

الزواج قيد

الأولاد قيد

الحب قيد

اخلع هذه القيود وارحل؛ فالحرية والسعادة في الاغتراب.

الاغتراب وطني وسعادتي

(صمت ثقيل)

.    .    .

    (بقعة ضوء على صالح وهو يكتب على اللابتوب ويستعرض الفصل الأخير من روايته، إنه يحاور يطلة روايته “كفاح”، وقي هذا المشهد يتحدث صالح بلسان شخصيته المسرحية الافتراضية وبنبرة صوتها) 
صالح : اسمعي يا كفاح، أنت بطلة روايتي هذه، سميتها باسمك”كفاح”، أنت شخصية افتراضية لا وجود لك في الواقع، وجودك محصور فقط في فضاء الرواية. لماذا تتمردين عليَّ وتصرين على أن تكتبي نقسك بنفسك؟ لقد سميتك في روايتي كفاحاً لتكوني نموذجاً في حب الوطن والتمسك بأرضه، والاعتزاز بتاريخه المجيد، والكقاح من أجله، انطلاقاً من هذه المقولة العظيمة “حب الوطن من الإيمان” وهذا ما حفظناه منذ الصغر.
كفاح : (بلسان صالح ونبرة كفاح)

عن أي وطن تتحدث يا سيدي؟ أنت تردد كلمات وشعارات براقة حفَّظوك إياها منذ الصغر فصارت لك قرآناً، وما هي سوى واحدة من أساليب السلطة في حكم الفرد والمجتمع بقوة الكلمة الطاغية الناعمة لتكون مبرراً في ممارسة القهر والظلم والاستبداد.

صالح : أنت بهذه الأفكار تهدمين كل ما بناه العالم عن مفهوم الوطن.
كفاح : في الأزمنة القديمة جداً لم يكن مفهوم الوطن موجوداً، الأرض ملك الجميع مثلما السماء، ثم نشأ مفهوم الوطن واختلط بمفهوم الملكية الخاصة، هذا وطني وهذا وطنك.

ومنذ أن ساد هذا المفهوم كانت السجون والنفي والقتل والتعذيب والتهجير القسري والحروب بين الأوطان، واستغل السيد الكبير هذا المفهوم ليجعل من نفسه ليس رمزا للوطن فحسب وإنما هو الوطن نفسه ليزداد هو وسلالته المعبودة تحكما في رقاب البشر وطغياناً.ً

من مفهوم تأليه الوطن وقداسته ولد تأليه الحاكم فرداً كان أم طائفة.

صالح : من أين تأتين بهذه الأفكار يا قطتي المدللة؟
كفاح : أووه.. أعجبتني هذه، قطتك المدللة.

هذه أفكارك أنت يا عزيزي، ولكنك تخشى أن تبوح بها. أنتم الأشخاص الواقعيون، المشبعون إلى حد التخمة بوهم الوطن والوطنية نشأتم على ثقافة الخوف، أما نحن الشخصيات الافتراضية فممَّ نخاف؟

صالح : أنت بهذه الأفكار تحرجينني يا عزيزتي، هل تعلمين أنني قدمت الرواية للنشر في هيئة الأدباء فرُفضت وطلبوا مني تعديلات جذرية لتكون كلها مديحاً بالوطن وسيده الكبير، ولا أدري كيف تسرب التقرير إلى أجهزة الأمن.
كفاح : وماذا طلب منك الأمن؟
صالح : طلبوا مني إحضار شخصيات رواياتي إلى دائرة الأمن القومي وبخاصة أنت، قلت لهم هذه شخصيات افتراضية خيالية وليست واقعية، فصرخ ضابط الأمن في وجهي: اخرس يا كلب، انقلع وأحضر شخصياتك اللعينة هذه للتحقيق، وبخاصة هذه الشرموطة كفاح .
كقاح : ثم جئت تحدثني عن الوطن والمواطنة!

يا معلمي، دع ذلك الوطن لهم فهذا ليس وطنك، أنت فيه غريب، وطنك يا عزيزي هو فضاء رواياتك، احمل وطنك هذا في هذا الحاسب وارحل عنهم وعن ذلك الوطن الزائف، وإياك أن تقع في وهم الوطن.

(صمت)

الوطن هو خدعتهم الكبرى.

(إظلام)

     
    المشهد الخامس
     
    (على المنصة ، المنطقة الظليلة، والإضاءة خفيفة جداً، مجموعة الشخصيات الأربع في تكوين جديد ووضعية التثبيت.

ينار القسم الأمامي من المسرح، مجموعة الشخصيات الثلاث حول راديو ترانزستر صغير وصالح يحاول تغذيته ببطاريات جديدة، بوبي خارج المغارة ويدير ظهره للمجموعة)

أيوب : كانت قكرة صائبة أنك أحضرت هذا الراديو معك,
سماح : لقد أصبحنا معزولين عن العالم.
أيوب : هه.. وكلب الحراسة، واو الثمانية، يزيد من  عزلتنا.
    (ينهي صالح وضع البطاريات ويدير زر الراديو)
صالح : لحظة، عثرت على إذاعة المدينة.
    (موسيقى حماسية ويسمع المقطع الأخير من نشيد وطني)
صوت الراديو : عش سالما يا وطني

يا وطن الصمود والفخار والجمال

قولوا معي ورددوا

يحيا الوطن

وسيد الوطن

(ضربة موسيقية عالية لختام النشيد)

صوت المذيع : كنتم مع نشيد وطن الصمود والتصدي والفخار.

هنا إذاعة المدينة. (موسيقى)

    (يعلو صوت جرافات من الخارج حتى يطغى على صوت الراديو، المجموعة تنصت في تحيّر وقلق)
صالح : سيد بوبي، ماذا يحدث في الخارج؟
أيوب : بوبي بيك.. استطلع لنا الخبر.
    (يدخل بوبي ويسلم صالحاً رسالة ويخرج بأدب مصطنع)
صالح : (يفتح الرسالة ويقرؤها)

وصلت الجرافات، إنها تجرف الأرض، وتزيل الأنقاض، وتقطع الأشجار.

ينصح بعدم الخروج حفاظا على الأمن والسلامة.

(صمت ثقيل وترقب، وصوت الجرافات يعلو ويقترب)

سماح : لماذا يفعلون ذلك؟
صالح : لا يريدون أية شجرة يختبئ تحتها .. هه.. أي إرهابي في عرفهم.
سماح : عذا إجرام، إنهم يقطعون أشجار الزيتون المعمرة، أكثرها عمره أكثر من ألف سنة
أيوب : سمعت أحدهم مرة يقول لسيدة: (ينبرة السيد) معلِّم.. أنا مستعد أول أحوِّ لك كل هذه الحقول إلى مزرعة بطاطا.
صالح : مدن بكاملها جرفوها وحولوها إلى مزرعة بطاطا.
سماح : سيصل التجريف إلى هذه المغارة ويردمونها.
أيوب : كأنهم يقولون على لسان بوبي عليكم أن ترحلوا عبر النفق.
صالح : تهجير قسري، لم يعد لنا أي خيار.
أيوب : (هازئاً) كل ذلك من أجل الوطن .. وطن الصمود والفخار.

(إظلام)

     
    المشهد السادس
     
    (المجموعتان الأمامية والخلفية في أماكنهما  السابقة.يرن هاتف صالح وينظر فيه
صالح : براء يتصل، أهلاً براء، كيف أحوالك، وماذا جرى معك؟
    (محموعة الأربعة تتجه إلى خلف الشاشة للتشخيص الظلي أو السينمائي بالأبيض والأسود لبعض الحالات التي يرويها براء حسب اختيارات المخرج لها، ويبقى براء أمام الشاشة كراوية للحدث)
يراء : قصتي يا رفاق لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر.
أيوب : هل ستسرد علينا حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة يا براء؟ احكي لنسمع.
    (على الشاشة مشهد لبراء يسير في النفق المظلم على غير هدى)
يراء : بعد أن خرجت من النفق المظلم سالماً لم أركب البحر وأهواله فأغرق في مياهه، تفاديت كل ذلك وركبت الطائرة معززاً مكرماً ، ونزلت منها فاستقبلني المهرب، وكان بيني وبين بلد المهجر قطع حدود دولة واحدة فقط بالتهريب.

قال لي المهرب: (بنبرة المهرب) الأمر بسيط، الليلة تكون قد وصلت إلى المهجر، وغداً تسلم نفسك، وتقدم أوراقك كلاجئ.

    (مشهد ظلي لبراء والمهرب يرحب به)
براء : قلت له: (بنبرة المهرب) هل أنت متأكد من ذلك؟ أختى وزوجها ينتظرانني هناك لأتعشى معهما وقد طبخت لي محاشي وكبة بلبنية.

قال: (بنبرة المهرب) متأكد مئة في المئة. لقد دفعت الرشوة للحراس ، سيكون عبورك آمنا، ومعك مجموعة، وأنا أتابعكم  على الـ جي بي إس، وستكون سيارة في انتظاركم لنقلكم إلى حدود بلد المهجر.

أيوب : إي.. وأين الأهوال التي لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر؟
سماح : دعه يكمل يا أيوب.
    (مشهد على الشاشة للحراس يحشرون براء في ثغرة الحاجز للعبور)
براء : فتح الحراس ثغرة في حاجز الأسلاك الشائكة وحاولت العبور فصعب عليّ، كانت ضيقة بالنسبة لصحتي، هددوني بالمسدسات وحشروني فيها حشراً، حتى عبرت وبقينا في الغابة نسير ونستطلع وصول السيارة، وكدت أتجمد من المطر والبرد. ثم اعترضتنا دورية عسكرية وأعادتنا إلى حيث كنا.
سماح : هههه..يعني تي تي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي.
براء : انشري هذا في مدونتك يا سماح.

(صمت)

عدة محاولات فاشلة وأنا في الغابة أنام على الأرض في الريح والبرد والمطر، حتى ظننت أني سأموت.

صلاح : أوجز يا براء .. أوجز، نريد أن نعرف كيف وصلت حتى نستفيد من تجربتك.
براء : شهر كامل ونحن في محاولات فاشلة، وفي المحاولة الأخيرة خرج علينا في الغابة ملثمون وهددونا بالسلاح وشلحونا* كل ما معنا من مال وموبايلات ووثائق حتى جوازات السفر والملابس وعدت إلى القاعدة وليس على بدني سوى القميص، وراح الناس في القاعدة يتصدقون علينا بالطعام واللباس.. ولما يئست تحولت إلى مهرب آخر.
صالح : لعل هذا أفضل لك.
براء : أرسلنا هذا المهرب عبر الغابات والمستنقعات وهو يتابعنا علـى الـ جي بي إس . اشترينا سلما طويلاً ومقصاً للأسلاك الشائكة، وصعدنا الحاجز وفتحنا ثغرة قي الأسلاك وكدت أسقط من أعلى السلم.
    (على الشاشة مشهد تسلق الحاجز)
    عبرنا المستنقعات وكدت أغوص فيها فلا أخرج، حتى دخلنا بلد المهجر، ثيابي مبللة وأقدامي لا أحس بها، ورا ئحتي كريهة.
صالح : طيب.. والآن؟
    (مشهد براء يتناول العشاء)
براء : الآن أنا في منزل أختي وزوجها أتناول عشائي كبة دراويش مع السمك بالفرن، تفضلوا تعشوا معي.
صلاح : الحمد لله على سلامتك.
أيوب وسماح : مبارك وصولك يا براء.
براء : بارك الله في عمركم

(إظلام)

     
    المشهد السابع
     
    (في الظلام يعلو صوت الجرافات وهي تقترب أكثر فأكثر، ثم يتوقف.

إضاءة

المسرح خال فقد عبرت مجموعة الثلاثة النفق مع أغراضهم.

يدخل الكلب بوبي حاملاً صورة كبيرة لكلب ضخم بثلاثة رؤوس، ويظهر منه الأكتاف والصدور والأيدي الست وهي تتلوى متشابكة ومنفصلة كما الأخطبوط. أما القسم السفلي فواحد ملتصق. إنها توائم ثلاثة ملتصقة.

1-             التوأم الأول في رأس كلب وقبعة ولباس ضابط أمن.

2-             التوأم الثاني في رأس كلب وبرنيطة ولباس سيناتور.

3-             التوأم الثالث في رأس كلب وباروكة ولباس قاض.

يضع الكلب بوبي الصورة في مدخل النفق، في عمق المسرح. يثبت شمعة كبيرة أمامها ويشعلها،  يتراجع القهقرى خطوات، ثم يسجد أمامها.

     

 

ستارة النهاية

 

 

 

حلب- سورية

4/1/2023

11/جمادى الآخر/ 1444

 

* يا رب :بالكردية

* صغيرة جداً

** كأس ماء

* لا أستطيع

** أراني، اظن ني

* يرى من في ورائه ولا يُرى، معروف في سيارات الأمن والمتنفذين.

* أي عشرين سنة مستمرة بلا انقطاع

* سلبونا


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock