مقالات ودراسات

حصريا.. الناقد مجدي الحمزاوي يكتب لـ “المسرح نيوز”عن: البؤساء والمسكوت عنه في المسرح المصري


مجدي الحمزاوي

 كاتب وناقد مسرحي مصري

ـ

منذ أن قدم الدكتور سمير سرحان في أواخر القرن الماضي ، ترجمته لنص ألان بوليل الغنائي ( البؤساء) ؛ المأخوذ عن نص فيكتور هوجو الشهير . توالى تقديم هذا النص مسرحيا في غالية مسارح مصر باختلاف أنماط أنتاجها ونوعية مقدميها . ولكن بناء على إغفال اسم كاتب النص الغنائي والمترجم . بما يوحي ان المؤلف ؛كما تم في بعض المعالجات . أو المعد كما تم في معالجات أخرى . قد اعتمد في الأساس على نص هوجو . ثم بعد ذلك أعاد الصياعة أو التحويل  للمسرح. والحقيقة أن الأمر ليس هكذا . فكل المعالجات اعتمدت على نفس المشاهد التي ترجمها سرحان بنفس الترتيب ونفس الشخصيات . حتى من كتبوا على نصوصهم بأنها تأليفا . اكتفوا فقط بتغغير الأسماء تقريبا . ولكنهم ساروا على نفس تهج الذي انتهجه بوليل .

من عرض البؤساء بالمنصورة
من عرض البؤساء بالمنصورة

طبعا لي موقف ممن وصموا انتاجهم بالتأليف . أما من وصفوا  انتاجهم بالإعداد . فأعتقد انهم فعلوا هذا لأسباب عديدة . منها ان كلمة الإعداد لا يمكن أن تكون وصفا صحيحا لو قالوا انهم اعتمدوا على نص بويل الغنائي . لذا رطنوا للإيحاء بأنهم أعدوا عن هوجو مباشرة  . وهذا غير صحيح . ومايؤكد قولي هو عقد أي مقارنة بسيطة بين ما اتحدث عنه وكتاباتهم . ثم يكون السؤال الثاني كيف يستقيم هذا التشابه الفج بين المعالجات المفترض انها مختلفة عن بعضها نتيجة تغير شخصية المعد؟ وكيف سمحوا لأنفسهم بإغفال اسم المترجم والمعد الأصلي؟

من عرض البؤساء بالمنصورة 1
من عرض البؤساء بالمنصورة 1

وقد قدمت فرقة بيت ثقافة طلخا المسرحية عرضا للبؤساء  . ولكن تحت مسمى إعداد مسرحي وأشعار أسامة نور الدين . ولكن نص العرض اعتمد على نفس بناء بوليل وشخصياته وتفسيراته . نفس التراتبية ؛ بداية بمشهد السجن . ثم مشهد الكنيسة . ثم مشهد المصنع . ثم مشهد البار … الخ . وفي الغالب نفس الحوار تقريبا حتى لو استعين بمفردات غير موجودة بالنص الأصلي ؛ ولكنها مفردات لمعنى واحد في المجمل . صحيح ان كتابة نور الدين للأغاني في النص . قد وضعت في أحيان قليلة وجهة نظر له غير منطبقة مع البناء الأصلي.  ولكن الأشعار أو الأغاني لم تكن بقصد كتابة بنيان غنائي . بل هي بعض أغنيات تتخلل المشاهد ؛ كما يحدث تقريبا في معظم العروض المسرحية بصرف النظر عن وظيفة تلك الأغنيات. سواء زانت جزؤا مكملا للنص ولو حذفت لآختل البناء . او جاءت لتزيد التأكيد على حالة ما . وبحذفها ينعدم التأكيد مع بقاء الحالة . او مجرد حليات وظيفتها بعث بعضا من حركة وكسر الرتابة أو بدون وظيفة أساسا . وفي الحقيقة لم تكن أغاني نور الدين من الصنف الأخير.

من عرض البؤساء بالمنصورة 1
من عرض البؤساء بالمنصورة 2

وحينما تصدى المخرج محمد فتحي لها النص . تعامل معه كما هو . بنفس فكر هوجو وبوليل من بعده . فهو يقدم الحالة الفرنسية فيما قبل الثورة . ولكنه حاول أن يركز على العدالة الواجبة . وأن هناك فارقا بين روح القانون وتطبيقه . وكيف أن بطل العرض الذي سجن لسنوات عديدة نتيجة سرقته لرغيف من الخبز ؛ ليطعم ابنة أخيه المريضة الجائعة . وبدلا من أن يحاكم المجتمع كله . خاصة الذين يستولون على أكثر من حقوقهم نتيجة وضع قائم وقانون يسجن من سرق رغيفا . ولا ينظر لحاجات الانسان الضرورية . كما كانت هناك إشارات للأمراض المجتمعية الأخرى . وكيف يظلم البؤساء من هو منهم . نتيجة الطمع والأمراض المجتمعية . وتجلي هذا حينما ظلم العمال فانتين زميلتهم   سواء بسوء الظن أو التسبب في طردها. نتيجة اختلافها عنهم . وجمالها الذي يستوجب الطمع  ..ولكنه لم يركز على هذه النقطة كثيرا وانما جات عرضا . وسار العرض كما هو معروف . وأعتقد أنه لو كان تعامل مع هذه النقطة جيدا بمعاونة أسامة نور الدين . لكان هناك تقديما مختلفا للبؤساء ؛ جديدا وجيدا.

من عرض البؤساء بالمنصورة3
من عرض البؤساء بالمنصورة3

عن نفسي فقد شاهدت العرض وهو يقدم على مسرح أم كلثوم بمدينة المنصورة . وكانت لجنة التقييم قد شاهدت العرض في قاعة نادي صغير بمدينة طلخا . وأعتقد انه كان هناك فارقا في عملية التلقي نتيجة تغير الأمكنة . فمن الواضح انه كانت هناك حالة من الحميمية بين الجمهور والعرض في المكان الصغير . كما أعتقد ايضا ان المكان الصغير لم يسمح بوضع كل مفردات ديكور محمود نبيه . حيث أن نبيه اكتفى فقط بمحاولة تصوير الأمكنة على صورتها الواقعية . لذا كان هناك الكثير من قطع الديكور المتعيرة التي تدخل وتخرج وجميعها في المعظم لم تكن له وظيفة إلا ماذكرنا . والكثير منها كان من الممكن الاستغناء عنه . خاصة حينما تتشابك الأحداث مع بعضها ويؤدي هذا لذاك . ومحاولة سرعة نقل المشاهد التي حاولها المخرج وخلق مشاهد متتابعة . قد وقف امام تحقيقها ضرورة تغيير قطع الديكور في الكثير من الأحيان .

من عرض البؤساء بالمنورة 4
من عرض البؤساء بالمنصورة 4

أما الشيء الذي قدمه محمد فتحيويستجق عليه التقدير . فيتمثل بمحاولة خلق كيان جديد لفرقة سماد طلخا . وقد ساعدته ظروف الفرقة القومية على هذا . فقد استعان ببعض من أعضاء الفرقة القومية بجانب العديد من الشباب الذين دفعهم . وكانوا على قدر كبير من المسئولية ولو احسنوا العناية بأنفسهم لأصبح لهم شأنا في حركة المسرح المصري عامة .

أعضاء الفرقة القومية الذين تعاونوا مع محمد فتحي او استعان هو بهم . كانوا بديع وديع/جان فالجان ؛ الذي تعامل مع الدور بطريقته الكلاسيكية المعروفة والضغط على مخارج حروفه بصورة كبيرة والاعتناء التام بصحيح نطق الفصحى . وإذا كان الكثيرون سيرون أن هذه الطريقة منعت الحس والاسترسال الطبيعي. لكن في نفس الوقت ستجد ان هذا الأداء قد خلق نوعا من الحوارية على مستوى الايقاع للكلمات . ومنع الكثيرين من الاندفاع في نطق الكلمات ؛ عدوا وراء سخونة الاياتقاه المفهومة بصورة غير سليم ومنح من أمامه الفرصة كي يخرج حسه لا صوته. ويحي الأتربي/جافير رجل القانون الذي جاء ادائه بصورة المزهو بنفسه وعلى مستوى الايقاع الصوتي كان وسطا بين بديع والاخرون . ولو كانت هناك دراسة في التناغم الصوتي للمجموعة لوضحت ضرورة هذا النوع من الأداء بجانب الأداء السابق. ثم  نجوي ابراهيم/مدان زنارديه ؛ مدحت منير/ زنارديه . فقد كونا ثنائيا متفهما واعيا بطبيعة الشخصية وطريقة تعاملها مع الآخرين وأنفسهم, وخلقا حوا من الكوميديا الناتجة عن طبيعة الشخصية والموقف . وكانا مثالا للمستغل الصغير . وتجلت قدرتهما في الانتقال الفجائي من الحالة الكوميدية لحالة التراجيدي والحس الانساني حينما فجعا بمقتل ابنتهما الوحيدة . وأعتقد أنهما كونا معا ثنائيا يجب الالتفات اليه والبحث عن نصوص تستوعب هذه الطاقة التي اعلنوا عنها ولكنها لم تقدم بصورة كافية نتيجة طبيعة أدوارهما,

من عرض البؤساء بالمنصورة 5
من عرض البؤساء بالمنصورة 5

في الجانب الآخر كانت هناك محموعة من الشباب الواعد حيث كانت نوارن سالم/ فانتين/ كوزيت ؛ حيث انها تملك القبول من الجمهور ؛ ووجهها  له القدرة على التلون طبقا للحالة والإحساس . وكان من الواضح ان اختلاف الحركة على مسرح أم كلثوم عن القاعة له تأثيره في خطواتها على المسرح . منا يلزمها بعض التدريبات الصويتة لتؤدي بصوت ونبرة الشخصية لا بصوتها ونبرتها هي.

ثم خالد محمود/ ماريوس وهو شاب جميل واعد يملك حضورا طاغيا ولا ينقصه إلا قليلا من الخبرة وهو ابن الثامن عشر تقريبا . وباختصار هو مشروع ممثل كبير يجب الالتفات اليه والحفاظ عليه من نفسه أولا.ثم  روان حسام/ أبونين . وهي تملك الموهبة والرسوخ على خشبة المسرح . كما تملك القدرة على تلعبير بوجهها . بقي فقط ان نبرة صوتها لم تتناسب مع طبيعة الدور وتقلباته . وأعتقد انها لم تتلقى التمرين الكافي للتعبير عن الحالات المختلفة للشخصية.

مع هؤلاء كانت هناك مجموعة ساعدت على ابراز أدوار من أشرت اليهم سابقا نتيجة صدقهم ومحاولتهم عدم الخروج من الحالة الكلية للعرض مهما كانت أدوارهم صغيرة وهم طه سالم ؛ إسلام صالح؛ أحمد حلمي؛ فاطمة عماد؛ فاطمة حسين؛ ياسمين؛فاتن جمعة ؛ إسراء عبد الله؛ جينا محسن؛ سهام محمد ؛ أحمد ضاحي.

من عرض البؤساء بالمنصورة6
من عرض البؤساء بالمنصورة6

وأخيرا نرجو من السادة الكتاب عنه التعرض لنص أجنبي عدم إغفال اسم المترجم والمؤلف أو المعد الأصلي ان وجد وعدم الاعتماد على جهل المتلقيين بالأمر. كما أن محمد فتحي بهذا العرض قدم شكلا وقواما جديدا لفرقة سماد طلخا المسرحية وهو اسهام كبير يفوق في نظري الحالة التقييمية للعرض  سواء اعجبت به أم لا . فهو قدم فرقة من الممكن أن تستمر لعقود لو أحسن الحفاظ عليها وعدم عودة الطيور المهاجرة من القومية ؛ ولو لبعض الوقت او محاولة سد الفجوة لو عادوا

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock