وجوه مسرحية

حصريا.. الناقد والمؤرخ سمير حنفي محمود يكتب عن: الصورة المغلوطة للمرأة فى الدراما المصرية.. سيّما المسرح!


المسرح نيوز ـ القاهرة | سمير حنفي محمد*

ناقد ومؤرخ مصري

ـ

            المراة محيرة كالعاده .. تبدو لغزاً مستعصياً، وربما قاتلاً، وقد يتسبب عند محاولة حل ألغازه إلى الجنون، والدخول فى هليز اللوغاريتمات العقلى، وهذا تحذير لكل من قرر قراءة هذا المقال، لأن القارئ سيجد نفسه أمام تناقضات عجيبة محيرة، خاصتاً إذا ما خضنا فى دهاليز الدراما، عندئذ سنجد الأمور أكثر تعقيداً، وتناقضاً عجيباً غير معتادة، بطريقة يحتار معها أكثر علماء النفس والأجتماع، وكل علوم الدنيا على حل ألغازها، اللهم ما قد حذرت، اللهم فأشهد.   

صورة الست أمينة: قبل أن نتعرض لقضية المراءة فى المسرح المصرى .. لا بد أن نتعرض للشخصية الشهيرة التى انطبعت فى الأذهان لصورة المرأة فى السينما المصرية  أحدى الشخصيات المحيرة التى تبعث على الذهول، وذلك من خلال شخصية الست أمينه زوجة سى السيد، المقصود به السيد أحمد عبد الجواد، لقد أستطاعت الست أمينة أن تطبع صورة راسخة للمرأة المصرية، ولكنها فى الحقيقة صورة ظاهرية فقط، دون الخوض فى الأعماق، والتفسيرات والتحليلات، التى أحذر أنها ربما ستأتى بصورة عكسية، لكل من أغرم بشخصية الست أمينة،  تلك الصورة التى  لم كانت مثالاً للرضوخ السلبى للمرأة عبر العصور، سيبدو الأمر منافياً للواقع الذى عايشه معظم المشاهدين، وبعض النقاد الذين أنساقوا خلف الصورة الخارجية للشخصية، دون الغور فى أعماقها، أو طبيعتها، وأنا مستعد للرهان أن الست أمينة التى صورها نجيب محفوظ فى ثلاثيته، أو حتى التى أستحضرتها السينما المصرية من بين صفحات نجيب محفوظ، الست أمينة فى أعتقادى هى أقوى، وأذكى أمراة تم تصويرها داخل الأطار الواقعى، ومن وجهة نظرى أيضاً أن السيد أحمد عبد الجواد ليس مجرد الشخصية السكيرة العربيدة كما أنطبعت فى أذهان الملايين.

خداع الست أمينة: الست أمينة التى يعتقد الجميع أنها هى السيدة الخاضعه الخانعة، خدعت بطيبتها السيد عبد الجواد، والجماهير، وبنشطاء تحررر المرأة، التى رأوا فيها صورة متخلفة المرأة المصرية، التى لا حول لها ولا قوة، بينما فى حقيقة الأمر هى التى تحرك سى السيد، فى كل أفعاله وتحركاته، وهى التى تحرك، وبذكاء شديد كل الأحداث هى التى تحرك المنزل وتتخذ كل القرارات الهامة، وغير الهامة أيضاً .. بصريح العبارة الست أمينة هى المرأة الوحيدة التى أستطاعت أن تجعل سى السيد يلبس العمة، ربما يتعجب الكثيرون من هذا الرأى .. مهلاً .. لنتحاور .. الست أمينه الغلبانه الخاضعة، ماذا يحدث على سبيل المثال عندما يتقدم عريس لأحدى بناتها وهى لا تريده، أنها أذكى من أن تصرح  لسى السيد الديكتاتور برأيها، وهى تعلم ديكتاتوريته، وعناده الغبى، ورغبته بالأحساس برجولته، فماذا تفعل الست أمينه، أنها تذهب بكل لطافه لسى السيد لتقول له

– أمانه عليك يا سى السيد ما تزعل منى .. فى خبر عايزه أقولهولك لجل الأمانه

– فى أيه يا أمينه

ثم تتحدث بلجلجة مصطنعه، تتحدى بها كل الدراسات الأجتماعية، والنفسية:

– قال أيه .. جارتنا أم زينب قال عايزه تاخد بنتنا الكبيره لأبنها .. سايق عليك النبى ياسى السيد ما تزعل .. أنا عارفه أنه واد متعب وعصبى .. وبيرجع كل يوم البيت فى أنصاص الليالى .. عارفه ز. عارفه يا سى السيد .. بس يعنى أنا ح أفهم أحسن منك .. جايز أنت ليك رأى تانى .. ها ,, تحب أأقولهم أيه يا سى السيد.

وسى السيد بالطبع بحكم عمله المتواصل لا يعرف أم زينب ولا أبنها … ولكن كيف .. لابد أن يكون هو العليم بكل بواطن الأمور .. والست أمينة تدرك هذا، لهذا لقنته الأجابة فى برشامة ظريفة،  وهنا يشحذ سى السيد همته وينطق بصوت جاهورى ليعلن بديكتاتورية ينم عن فحولته المزعومه  ” الجوازه دى لا يمكن تتم أبداً” بينما تنطق الست أمينه فى سرها وهى تقول ” لبستك العمه يا سيد”

وفى المقابل عندما يكون هناك عريس ترتاح له .. ماذا تقول

– أما أنا يا سى السيد عندى ليك خبر حيفرح قلبك

– خير يا أمينه ؟

– الست جارتنا كلمتنى عشان تاخد بنتنا الكبيره لأبنها .. واد قيمه ومنظر وسيما  .. صوته ما يطلعش .. حاجه تفرح يا سى السيد .. بس جايز أنت ليك رأى تانى .. أأقولها أيه يا سى السيد

وهنا يقول سى السيد بطيبة مصطنعه، وهو معتقد أنه هو صاحب القرار “وماله خليه يجى يقابلنى .. وربنا يسهل” .. وأيضاً تنطق الست أمينه فى سرها وهى تقول ” شربتها يا سيد”

الست أمينه هى التى تزوج أبنائها وحتى ياسين أبن زوجها من زوجته القديمه، أنها فى حقيقة الأمر هى المهيمن على أمور المنزل، هى التى تصدر القرار الحقيقى بالجواز، أو الطلاق، أو العلاقات الأقتصادية فى المنزل، حتى عندما يغضب عليها السيد عبد الجواد ينصاع لأمر أمراة أخرى وهى أمه ليعيدها بكل خنوع، هذه المقدمه كان لا بد منها لأظهار التناقض فى شخصية المراة، بين حقيقتها التى ننكرها نحن المجتمع الذكورى، ونوهم أنفسنا بعكسها، فعذراً لكل من يعتقد أو يريد أن يعتقد، عكس هذا، وعذراً لمن يمجد سى السيد، أو يتمنى أن يكون فى صورة له.

ظهور المرأة فى المسرح المصرى:  ننتقل للمسرح لنجد العجب العجاب أولاً فى دور المراءة فى المسرح المصرى، سنجد طلاسم تستعصى على الفهم، حتى من علماء علم الأجتماع، أو علم الذرة وتفكيك الجزئيات، وعند الحديث عن المسرح المصرى، لا نستطيع أن نفصل تاريخ المسرح المصرى، بمعزل عن ظهوره فى لبنان وسوريا، فالتاريخ الفنى فى البلدان العربية الثلاثة، تاريخ مرتبط، فنياً ووجدانياً، وقضية المراة فى المسرح المصرى خير دليل على هذا.

لغز مارون النقاش: بداية الطلاسم المحيرة تبدأ من عمنا مارون النقاش ( 1817 – 1855 )، رائد المسرح العربى الذى ولد بمنزله فى صيدا فى لبنان عام 1847 ، إلا أن أصوات التعصب الدينى أرتفعت لتلاحقه وتناشده أن يعود لأحضان الكنيسة ويترك تلك الخطيئة التى أدخلها فى ساحة منزله، لم يجد مارون النقاش بد من الرضوخ رغم مالاقته تجربة من نجاح، ورواج، فأغلق مسرحه، وأوصى بتحويله إلى كنيسة، تكفيراً عن أخطائه، وهو ما حدث بالفعل، بتحويل المسرح إلى الكنيسة المارونية، ولكن شقيقه نقولا أكمل المسيرة من بعدة لعدة سنوات .. وعندما أراد سليم خليل النقاش، أبن شقيقه أكمال مسيرة عمه مارون النقاش لقى صعوبات عديدة تتمثل معظمها فى الأتجاهات الدينية المتعصبة، فنصحه الأقربون أليه بالهجرة إلى مصر وبالفعل، هاجر سليم النقاش إلى الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة ليكون من أوائل الرواد الذين ساهموا فى أنشاء المسرح المصرى.

لغز أحمد أبو خليل القبانى: وعلى الجانب الآخر وفى سوريا، ارتفعت الأصوات ضد أحمد أبو خليل القباني رائد المسرح الغنائى فى العالم العربى تطالب سلطان البلاد بالتصدى لهذا الأفاق – على حد قولهم، الذى قدم بدعة، أختلطت فيها النساء بالرجال، وتقمسوا أدوار الحب، ولم يجد أحمد أبو خليل القبانى بداً من الهجرة بمسرحه إلى الإسكندرية ومنها إلى القاهرة، وشهدت أعماله أقبلاً وتشجيعاً حتى شيد له مسرح خاص بالعتبة قريباً من المسرح القومى، ويصبح أحمد أبو خليل القبانى رائد المسرح الغنائي في العالم العربي.

لغز ظهور المرأة على خشبة المسرح المصرى: المراد هنا أن المجتمعات العربية التى رفضت وجود المسرح على أرضها، هى نفسها المجتمعات التى أفرزت ممثلات الجيل الأول فى مسيرة المسرح، فمنذ بدايات المسرح المصرى عام 1870 كان ظهور النساء على خشبة المسرح الدرامى مقصوراً على الفنانات اللبنانيات والسوريات من أنصار الديانة اليهودية أمثال ماري صوفان و ابريز استاتي و ميليا ديان و استر شكاح و غيرهن  ووقفت أول ممثلة غير يهودية علي المسرح، وهي القبطية مريم سماط، وأقتصر ظهور المرآ ة المسلمة على التخت الشرقى ، ولم يسمح المجتمع المصرى بظهور ممثلة مصرية واحدة ، حتى عام 1914 عندما ظهرت منيرة المهدية، رغم أمن المجتمع المصرى، هو الذى أحتضن فن المسرح، ونمى على أرضه، بعد أن رفضه أبناء الشام، ؟؟؟ هذا المجتمع الذى أستضاف هؤلاء المغضوب عليهم من بلاد الشام وأحتضنهن، رفض وجود ممثلة من داخله فى أى فرقة مسرحية، حتى كانت بعض الفرق كانت تجعل الصبيان يقومون بأدوار النساء، لغز جديد يستعصى على الفهم، حتى على علماء علم الأجتماع.

لغز منيرة المهدية: كانت أول أشارة لمصرية تظهر على خشبة المسرح، فى أعلان رواية شهداء الغرام لفرقة سلامة حجازى، حيثُ أعلن عن ظهور الست توحيدة، “لتطرب الحضور بين الفصول” فى 22 أكتوبر نأتى بعد ذلك لظهور أول ممثلة مصرية فى عام 1914، وهى زكية حسن الشهيرة بمنيرة المهدية، ظهرت أول ممثلة مصرية على خشبة المسرح الدرامى وهى زكية حسن الشهيرة بمنيرة المهدية، فى 25 أغسطس عام 1915، فقد نشرت جريدة لأخبار ان تياترو برنتانيا سيحتفل “هذه الليلة” بدخول المغنية الشهيرة منيرة المهدية عالم التمثيل،

 قلنا فرجت، وظهرت أول ممثلة مصرية ستقوم بأدوار النساء فوق خشبة المسرح المصرى، وهى ممثلة متدفقة القوة والحيوية والأنوثة، الست منيرة المهدية، وعلى رأى يوسف وهبى يالا الهول، ظهرت الست منيرة المهدية، ذات الأنوثة والحيوية والطاقة المتدفقة، بجانب صوتها الشجى، لكن؟؟ يالا العجب.. ظهرت منيرة المهدية، أول ممثلة مصرية، لتقدم أدوار الرجال، أى والله منيرة المهدية كانت تقدم أدوار الرجال، وكأن الساحة المسرحية كانت ناقصه رجاله.

ظهر بعد ذلك عدداً من الممثلات المصريات أمثال عقيلة راتب، ودولت أبيض، وميمى شكيب

وأفرز معهد الفنون المسرحية فى ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين عدداً من نجمات المسرح المصرى مثل سميحة أيوب, وسناء جميل, و نعيمة وصفى، وغيرهن.

رواد تحرير المرأة: المهم تدفق على المسرح بعد ذلك عدد من رائدات المسرح المصرى أمثال دولت أبيض، وعقيلة راتب، وأمينه رزق، لكن الغريب عندما نعود لقضايا تحرير المرأة، نجد أن روادها هم رفاعة الطهطاوى، وقاسم أمين، وكانت من أبرز مطالبهم رفع الحجاب، وحق المرأة فى العلم، وتعديل قوانين الزواج والطلاق، أى أن مطالبهم كانت تصب فى الجانب الأجتماعى للمرأة، وضرورة أعتبارها جزء لا يتجزأ من المجتمع، وعنصر فعال فى البناء والفكر، وفى الفترة من عام 1919 إلى عام 1952 ظهر عدد من رجال الفكر، المطالبين، بالتحرر من بعض الأفكار التقليدية، وتبنى أفكار الحضارة الغربية، ومن ضمنها تحرير المرأة، وأعتبارها مشاركاً فى الثقافة والتعليم، بل وحقها فى العمل، ومن هؤلاء المفكرين، سلامة موسى، وأسماعيل مظهر، وحسين فوزى، أعتقد أنكم لاحظتم أن كل الأسماء التى ذكرتها كانوا كلهم من الرجال؟؟؟ أين المرأة من هذا الأمر، لا أقول أن الأمر كان محصوراً على الرجال.

لغز هدى شعراوى: لكن المرأة الوحيدة التى خاضت فى هذا الأمر، الأمر كانت هدى شعراوى، وليتها ما فعلت، لأنها وقعت فى تناقض عجيب، مع الفنانه فاطمه سرى، عند أول أمتحان لمبتدئها فى تحرير المرأة عندما أرتبطت فاطمه سرى بأبنها وأنجبت منه طفلة، فكانت حرباً عشواء بين فاطمة سرى، وبين هدى شعراوى، أنتهى الأمر بأنتصار الممثلة والمغنية المسرحية، فاطمة سرى، وأعتراف هدى شعراوى بحفيدتها، بعد سنوات ىعديدة من المحاكم، وقد أستوحى مصطفى أمين هذا الصراع، فى فيلم فاطمة لأم كلثوم، أى أن المرأة الأبرز التى تبنت قضية المرأة، هدمت كل أفكارها، ومطالبها، مع أول أحتكاك طبيعى مع الواقع.

قضايا المرأة فى المسرح النسوى: ولكى لا نتهم بأختلاق تناقض فى قضايا المرأة، تعالوا نتناقش مع الأفكار الأنثوية فى التعامل مع قضايا المرأة، فالرجال كانوا يتحدث عن التحرر العقلى، التحرر الأجتماعى، والعلمى، والثقافى، فى حريته فى التعليم والعمل، حريتها فى أختيار شريك عمرها، والغريب أن القضايا التى ناقشها المسرح الأنثوى، أنكمش عن كل هذه الأفكار والمطالبات الأساسية، وأنزوى ليناقش قضايا خاصة، كى لا تعبر فى أغلب الأحيان عن رأى كاتبة العمل، وسأتعرض فى مقال منفصل عن الأدب الأنثوى وقضايا المرأة.

ظهور قضية المرأة مرة أخرى فى القرن الحادى والعشرين: كان يمكن للأمر أن يمضى بلا متناقضات، ولكن لا تنسى أننا فى مصر، ففى موسم 2007/ 2008 عادت قضية ظهور المراة على المسرح تظهر من جديد، من خلال ماسمى وقتها بالمسرح الأسلامى، وكل ما أضافه هذا المسرح، هو عدم ظهور المرأة على خشبة المسرح، وقد أستعاض المخرج عن عدم ظهور المراة، بعروض الفيديو ، ومن حسن الحظ أن هذا الأتجاه مات فى مهده.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock