حصريا ننشر.. “صف خامس ابتدائي” مسرحية للأطفال للكاتب العراقي “علي الزيدي”

"للفئة العمرية 8 : 15 سنة

المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل

ـ

 

 

          مسرحية للأطفال

( للفئة العمرية  8  الى  15 سنة )

 

صف خامس ابتدائي

 

 

 

 

 

تأليف

علي عبد النبي الزيدي

 

 

 

 

 

 

 

 

( تحذير )

 

إنهم نفسُ الأطفالِ الذين كُنّا نكتبُ لهم من قبل الكثير من النصوص المسرحية والقصص البريئةً عن الأميرةِ النائمة، وملك الغابة الطيب، والكنغر الحكيم، والثعلب الماكر، وأليس في بلاد العجائب والوحش واللغز، ووو…! وهم نفسُ الأطفالِ (الآن) يعيشون قصصاً واقعيةً مروّعةً ليس فيها سوى حكاياتِ الرصاصِ ودوي المدافع وبراميل المتفجرات التي ترميها الطائرات على بيوتِهم ومدارسِهم ويحسبونها ببراءتِهم طائرات ورقية.

يا إلهي.. ماذا يمكنُ أن نكتبَ لأطفالنا الآن من قصصٍ وحكايات…؟!

(المؤلف)

 

الشخصيات

-مصطفى

-حياة

-ناظم

-أحمد

-عمر

-ستار

-علي

-مخلد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 (الدرس الأول)

 

المكان : نقرأ قطعة صغيرة معلقة في أعلى الباب لصف دراسي (الخامس الابتدائي).. يبدو جميلاً من الداخل، جدرانه فيها الكثير من الرسومات الخاصة بالأطفال رُسمت بشكل مدهش، نرى العديد من المقاعد الدراسية في داخله وضِعت بشكل منظّم، سبورةٌ معلقة على الحائط لم يكتب عليها أي شيء، نافذةٌ تطلّ على ساحةِ المدرسة عليها ستارة جميلة، بابٌ رئيسي…

-التلاميذ.. عُمر كُلّ واحدٍ منهم أحد عشر عاماً عدا (عمر) عمره 12 عاماً، سندعوهم بـ (حياة، مصطفى، ستار، مخلد، أحمد، عمر، ناظم، علي…)

-نرى التلاميذ يضعون (كيكة عيد ميلاد) متوسطة الحجم على أحد المقاعد الدراسية،  وحولها مجموعة من الشموع، البالونات تزين المكان بشكل جميل، شرائط ملونة، نشرات ضوئية…

-تقف (حياة) أمام السبورة بعد أن ينتهي الجميع من أعماله.

 

حياة: أشعرُ أن اليومَ سيكون أجمل يومٍ في هذه السنة.

ناظم: وأنا سعيدٌ جدا هذا اليوم.

مخلد: كُلنا سُعداء.

ستار: (للتلاميذ) هل جلبتم الهدايا معكم…؟

(جميع التلاميذ يخرجون هداياهم من الحقائب المدرسية ويرفعونها عاليا وهم يصيحون بفرح وضحك…)

عمر: (يرفع الهدية) أجملُ هدايا لأحلى معلمة في العالم…

مخلد: لقد وضعتُ هديتها البارحة تحت وسادتي ونمت.

(يضحكون جميعا…)

عمر: سنجعل معلمتنا أزهار تفرح كثيراً هذا الصباح.

علي: لم يبق إلاّ القليل من الوقت وتأتي المعلمة.

ناظم:  (لـ علي) سنسمعُ جرس المدرسةِ يا علي ونعرف بقدومِها.

علي: فعلا.. نسيتُ جرس المدرسة.

عمر: أنا تمرّنتُ البارحة على أغنيةٍ سأغنيها اليوم لمعلمتنا.

حياة: وماذا ستغني يا عمر؟

عمر: أغنية جميلة.

مخلد: دعنا نسمعها منك.

عمر: بكل سرور…

(يقف بالقرب من السبورة، يبدأ بالغناء بأنشودة مقتبسة من كتاب القراءة  للصف الخامس الابتدائي…)

مُعلمتي         مُعلمتي

بأخلاقٍ         تودِّبني

وفي درسٍ      تهذّبني

 الى الخيراتِ    تُرشدني

مُعلمتي         مُعلمتي 

 

ناظم: إنها أغنيةٌ جميلةٌ أغنيّها دائماً.

مصطفى: سنغنِّيها معاً عندما تأتي المعلمة.

عمر: سيكون ذلك أجمل.

علي: وتفرح معلمتنا كثيراً.

حياة: (تقف بالقرب من السبورة) هيا يا أصدقائي.. علينا الآن أن نتمرّنَ على أغنيةِ عيد الميلاد قبل أن تأتي معلمتنا أزهار…

مصطفى: (لـ حياة) لا وقت عندنا سيدقّ الجرس.

حياة: لابدّ من التمرين يا مصطفى.

مخلد: تمرينٌ سريعٌ واحدٌ يكفي.

حياة: نعم يكفينا.

عمر: (بفرح) كم أحب المفاجآت.

ناظم: وسنقول لمعلمتنا جميعاً.. عيد ميلاد سعيد يا أحلى معلمة في هذا العالم.

أحمد: وأنا اليوم عصراً سأصنع طائرة ورقية واكتبُ عليها اسم معلمتنا، وأجعلها تطير عاليا في السماء.

حياة: وسأراقب طائرتك من سطح بيتنا يا أحمد.

علي: والآن.. سأطفئ الأضواء… (يقوم بإطفاء مصابيح الإضاءة الخاصة بالصف الدراسي، يخيم الظلام…)

ستار: (يصيح) انتظروا…

مصطفى: ما بك يا ستار؟

ستار: أخاف من الظلمة.

حياة: الظلمةُ من أجلِ إشعالِ الشموع يا مخلد.

ستار: (يصيح بهم) أضيئوا المصابيح بسرعة…

مصطفى: لنفعل ذلك…

(يقومون بإشعال الشموع التي وضعوها حول كيكة الميلاد…)

مخلد: (بخوف) لقد قرأتُ هذه القصة سابقاً.

ستار: اسكت يا مخلد ودعنا نحفظ الأغنية…

ناظم: (لـ مخلد) أما أنا فأبي يقصُّ عليَّ أحلى القصص في الليل.

مصطفى: اتركونا من القصص الآن.

حياة:   هيا لنغنِّ بصوتٍ واحد…

-يبدأون بالغناء بصوتٍ واحدٍ أغنية عيد الميلاد المعروفة، وفي منتصفِ الأغنية مباشرة نسمع أصوات أزيز رصاص وانفجارات بعيدة ومتقطّعة، يتوقف جميع التلاميذ عن الأغنية مباشرة، يحاولون النظر من النافذة باستغراب ولكنهم لا يرونَ شيئاً، صوت الانفجارات وأزيز الرصاص يقترب منهم أكثر فأكثر، يدبّ الخوف بين الجميع.

-يتركون النافذة وهم في حالةِ خوف، يتجمّعون كتلة واحدة داخل الصف بعد أن يشتد أزيز الرصاص.

-حياة تقف بخوف وارتباك أمام كيكة عيد الميلاد…

-أصوات أزيز الرصاص وانفجارات تبدو قريبة من المدرسة، بحركة سريعة ينبطحون بالقرب من المقاعد، نسمع انفجاراً قوياً جداً يهزُّ الصف الدراسي، الغبارُ يملأ المكان بشكلٍ واضح، ويشتد معه صراخ التلاميذ.

-نرى أن سقف الغرفة قد سقط فأغلق الباب والنافذة، ولم يبق سوى فسحة صغيرة يحتمي بها التلاميذ، أحدهم يبحث عن الآخر من شدّة التراب المتساقط من سقف الغرفة والذي أحدث غباراً كثيفاً، صراخ وأنين التلاميذ نسمعه بوضوح، يهدأون قليلا، ثم ينهضون الواحد بعد الآخر وهم في حالة رعب وارتباك والغبار يُغطي وجوههم.

-بعض الشموع ما زالت تضيء المكان…

مصطفى: هل أنتم بخير؟

علي: (ينظر للجميع) كلنا بخير…

ستار: (مرعوباً) ماذا حدث؟

ناظم: ما كان هذا الصوت المرعب؟

مخلد: أكادُ اختنقُ من الغبار.

أحمد: أعتقدهُ انفجاراً هدّم مدرستنا!

علي:  انفجار؟

حياة: (بخوف) مدرستُنا؟!

مصطفى: ومعلمتنا أزهار أين هي الآن؟

ستار: ومن يدري؟

مخلد: (بخوف أكثر) إنَّها القصةُ التي قرأتها!

ستار: (يصرخ بمخلد) دعنا من قصصك يا مخلد…

علي: (يصرخ) أسمعُ صوت طائرة.

أحمد: طائرةٌ ورقيةٌ تقصد؟

علي: وهل الورقية تطلق هذا الصوتُ المخيف؟

أحمد: لا.. الورقية بلا صوت.

مصطفى: وأين نحن الآن؟

علي: لا ندري…

ناظم: نحن ما زلنا في صفنا الخامس ابتدائي.. ما بكم؟

عمر: ماذا حدث لصفِّنا الدراسي؟

مخلد: لا نعلم…

ستار: (يصغي بخوف) فعلاً.. إنها طائرة، طالما سمعنا هذا الصوت…

عمر: يُخيفنا باستمرار.

ناظم: أبي يقول.. إن الطائرات التي تحلّق فوق سمائِنا لا تحمل ركّاباً.

أحمد: وماذا تحمل؟

ناظم: صواريخ…

حياة: صواريخ؟!

علي: كنتُ أسمع صوتها وهي تسقط على البيوتِ البعيدة.

مصطفى: (يصيح بهم) دعونا نخرج من الصف بسرعة.

عمر: وكيف نخرج؟ ألا ترى سقف الغرفة أغلقَ الباب والنافذة؟

حياة: (بخوف) وكيف سنخرج؟

ناظم: دعونا نصرخ لكي ينقذوننا.

ستار: لا أحد سيسمعنا الآن!

ناظم: كأننا نعيش في إحدى قصص أبي الغريبة والعجيبة…

مخلد: قلت لكم بأنني قد قرأت هذه القصة من قبل!

ستار: مخلد.. اسكت الله يخليك.

عمر: لن يسمعونا…

علي: الناسُ يهربون عندما يسمعون صوت الطائرات.

مصطفى: لأنهم يعرفون ماذا تحمل.

مخلد: أهلنا سيأتون لكونهِم يعلمون بأننا في المدرسة.

أحمد: وكيف يمكن لطائرتي الورقية أن تحلقَ في السماءِ مع هذه الطائرات المُخيفة؟!

عمر: لن تحلّق يا أحمد.

مصطفى: (يصيح بها) ماذا نفعل الآن؟

ستار:  لا ندري…

حياة: ولكن اليوم هو عيدُ ميلادِ معلمتِنا أزهار.

علي: ألا ترين ما حدثَ لنا يا حياة؟

حياة: كان يُفترض يا علي أن تتأخرَ الطائرة قليلاً حتى نُكمل عيد ميلادها!

علي: وكيف تتأخر؟

حياة: لا أعرف…

مخلد: (يصيح بهم) علينا أن نفعلَ شيئا.

ناظم: سننتظر الى أن يأتوا لإنقاذنا.

ستار: لا تتكلموا بصوتٍ عالٍ حتى لا يسقط بقايا السقف على رؤوسِنا.

علي: إذا لم يقع الآن سيقع علينا بعد قليل.

حياة: (لـ علي) لا تقل ذلك يا علي.. أرجوك.

مصطفى: لا تقلقي حياة.. سيخرجوننا من هنا.

مخلد: هل تصدقون بأنني قرأتُ هذه القصة من قبل؟

عمر: اسكت مخلد.. لقد شبعنا من قصصِكَ.

(يتوقف أزيز الرصاص والانفجارات وصوت الطائرة، يهدأ الجميع، يحاول التلاميذ عدا حياة إيجاد منفذ للخروج من الغرفة، ولكنهم يفشلون، سقفُ الغرفةِ قريب من رؤوسهم، التراب مستمر بالتساقط عليهم، يتوقفون وهم في حالة تعب…)

حياة: لماذا توقفتم؟

ستار: لا فائدة يا حياة.

ناظم: من الصعبِ الخروج من هنا!

مصطفى: المهمُّ قد توقّفَ الرصاص والانفجارات يا أصدقائي.

مخلد: حتى الهدوء.. مخيف!

ناظم: الهدوء يعني أن الناسَ لن تأتي لإنقاذِنا؟

مصطفى: لا يا ناظم.. سيأتون حتماً.

ستار: وماذا سنفعل عندما تنطفئ الشموع ويحلّ الظلام؟

حياة: لدينا الكثير منها.

ناظم: (يصغي) يبدو أن الطائرة قد ذهبت بعيداً.

مصطفى: ستعود مرة أخرى وأخرى وأخرى…

حياة: لا بد أن نخرجَ من هنا بسرعة.

ستار: وكيف نخرج؟

حياة: لا أعرف.

عمر: السقفُ أغلقَ الباب والنافذة.

أحمد: كان عليَّ أن أدرسَ في مدرسةٍ غير هذه.

مصطفى: الطائراتُ تعرف كُلّ المدارس جيداً يا أحمد!

ناظم: كان أبي يقصُّ لي أجملُ القصصِ في الليل عن ملكِ الغابةِ الطيب، والكنغرِ الحكيم، والثعلبِ الماكر وأليس في بلاد العجائب وبساط الريح والوحش واللغز والكثير الكثير…

عمر: لم أكن أنام إلاّ على قصصِ أمي الحلوة.. حتى أنني حفظتها كلها.

مخلد: لا أعرف لماذا كلما قرأت قصة عشتُها بعد ذلك!

ستار: (لـ مخلد) قصصُ الأطفالِ هي قصصُنا.

مخلد: ربما…

مصطفى: سنتحوّل الى قصّةٍ جديدةٍ يا أصدقائي كما يبدو.

ستار: ولكنها مخيفة.

مصطفى: نعم.. هي مخيفةٌ ولكننا أبطالها وسننجح بالخروج.

حياة: وهل نكتفي بالانتظار؟

ناظم: سينقذوننا حتماً يا حياة.

حياة: وكيف ينقذوننا يا ناظم ونحن تحت السقف؟

عمر: سيأتي أبي الآن ليُخرجني ونكمل هذه السنة وننجح كلنا.

حياة: وأبي أيضا.

مخلد: أبي سيأتي مسرعاً.. أنا واثقٌ من ذلك.

مصطفى: سننجح يا أصدقائي…

ستار: ولكنكم كما تعرفون.. لقد مات أبي في الحرب فمن يأتي لإنقاذي؟!

ناظم: (لـ ستار) لا تقلق يا صديقي.. سنخرج معاً.

حياة: (بخوف) أريدُ الخروج من هنا حالاً.

مصطفى: (للجميع) إما أن نخرجَ معاً من هنا أو نموت سوية.

حياة: لا تقل نموت يا مصطفى.. أرجوك.

مصطفى: سنعيش يا حياة (بحزم) ولكن علينا أن نواجهَ ما سيحدث لنا مهما حدث.

أحمد: أضمُّ صوتي لصوتِ مصطفى.

مخلد:  وأنا أيضا.

ستار: وأنا أيضا…

(جميع التلاميذ يرفعون أيديهم ويقولون (وأنا أيضا…) بعدها مباشرة نسمع أصوات كثيرة تأتي من خارج الصف الدراسي، الأصوات لا نستطيع أن نفهم شيئا منها، صراخ وصياح، ولكن صوت (امرأة) يبرز من بين تلك الأصوات…)

 

صوت المرأة  : (صارخة) يبووووووي..ابني، أين ابني؟ أين أنت…؟

(التلاميذ ينتبهون للأصوات، ويصغون باستغراب لصياح المرأة بشكل خاص والذي بدأ يبرز بشكل واضح من بين كل الأصوات الأخرى…)

مخلد   : هذا صوتُ أمي.

ستار : (يصغي لصراخ المرأة) لالا مخلد.. هذا صوتُ أمي وليس أمك؟

مخلد  : أنا أعرفُ صوت أمي جيداً.

ستار  : وأنا أعرفُ صوتها جيداً.

أحمد : صدقوني.. هذا صياح أمي، هي هكذا تصرخ كلما سمعت خبراً حزيناً! (يقلد صراخ أمه) يبووووووي…

(التلاميذ يضحكون على طريقة أحمد بالصراخ)

حياة   : وأمي…

(يتوقفون عن الضحك)

مصطفى: (لـ حياة) ما بها أمك؟

حياة: هكذا تصرخ أيضا (تقلد صراخ أمها)

(يضحكون…)

مصطفى: (يصغي للصوت) ولماذا لا تكون أمي؟ هل يختلف صراخ أمي عن أمهاتِكم؟ (يضحك بصوتٍ عال) أمي حتى وهي نائمة تصيح يبوووووي…

علي:  قد تكون أمي.

ناظم: أستطيع أن أعرفَ صوت أمي من بين مئاتِ الأمهات.

ستار: (يصرخ بهم) قلتُ لكم هذه أمي.

عمر: هي أمي تصرخ هكذا منذ أن جئتُ لهذه الدنيا.

مخلد:  كُلُّ النساءِ في شارعِنا يصرخنَ هكذا.

أحمد: لو كانت أمي على قيدِ الحياة لقلتُ بأنه صوتها.

(نسمع صراخ المرأة يقترب أكثر وبشكل أكثر وضوحا)

مصطفى: كم أكره هذا الصراخ.

عمر: (يصيح) أمي.. ما زلتُ حياً أخرجيني من هنا.

ناظم: (يصيح) انقذونا…

حياة: (تنادي) أمي.. أخرجيني من هذا المكان.

علي: (ينادي بصوت عال) أمي.. سيقع السقف علينا، أخرجونا بسرعة…

أحمد:  إنها لا تسمعكم!

مصطفى: يقال من تسمعهُ يسمعك.

مخلد: ولكننا تحت السقفِ والترابِ كما ترى.

ستار: والصياحُ في الخارجِ لا يهدأ كما تسمع.

عمر: وهل يتركوننا نموت؟

حياة: لا .. أرجوكَ يا عمر، لا تقل ذلك.

ناظم: سيخرجوننا أبناء شارعنا من هنا.

حياة:  من أجلِ أن نُكملَ عيد الميلاد.

مصطفى:  حياة.. ألا ترين كيكة عيد الميلادِ امتلأت بالتراب؟

حياة: سننظفُها، أو نشتري غيرها…

(يرتفع صراخ المرأة أكثر، يجتمع التلاميذ كتلة واحدة ويبدأون بالصراخ بأصوات متداخلة)

التلاميذ : أمي، نسمعك، نحن هنا، هل تسمعيننا؟ أنا ستار، أنا ناظم يا أمي، أنا حياة، أنا أحمد، أنا مصطفى… هل تسمعيننا…؟

(يتوقف صوت المرأة ومعه تتوقف أصوات التلاميذ معها، يهدأون، ويعودون لجلوسهم بشكل عشوائي على الأرض مع شعور بالتعب واليأس…)

ناظم: خرجتُ من البيت هذا الصباح سعيداً.

عمر: ولم تكتمل سعادتنا.

ناظم: كانت آخر قصةٍ سمعتها البارحة من أبي

مخلد: عن ماذا كانت تحكي؟

ناظم: عن الوحش الذي يهدد المدينة…

مخلد: الوحش؟

ناظم: سأقصها عليكم فيما بعد.

ستار: الطائرات هي الوحش يا ناظم!

ناظم: نعم.. هي الوحش.

مخلد: من كان منا يعلمُ ماذا سيحدث له اليوم وهو يخرجُ من بيته!

مصطفى: نهضتُ مبكراً ليسَ على عادتي وخرجتُ من البيتِ مسرعاً باتجاهِ المدرسة.

علي: كنا نعتقدُ بأنه سيكون يوماً مميزاً.

ستار: (لـ أحمد) أحمد.. أمك ميتة، لماذا كنت تنادي معنا قبل قليل؟

أحمد:  قلت ربما تسمعني!

حياة: تسمعك؟!

مصطفى: إنها تسمعك فعلا… (يغير الموضوع…) إذا أحدكم يشعر بالجوع.. عندي الكثير من الجكليت في حقيبتي.

مخلد: وعندنا كيكة عيد الميلاد أيضا.

حياة: لا.. إنها من أجل معلمتنا أزهار.

مصطفى: الكيكة لا تنفع.. كلها تراب.

مخلد: (يشير للكيكة) فعلا.. كلها تراب…

مصطفى: (يخرج من الحقيبة جكلية واحدة) أنا لا أعطي الجكليت مجاناً.

ناظم: لا نملك نقوداً.

مصطفى: (يضحك) لم أقصد النقود، فأنتم تعرفون بعض ألعابي المفضلة، والآن.. من يستطع أن يقولَ ولخمسِ مراتٍ بشكلٍ سريع: “خيط حرير على حائط خليل” أعطيه جكليته واحدة.

-مخلد يحاول أن يقولها ويُخطئ، يضحك الجميع على طريقة كلامه.

-ستار يرددها بصعوبة وأيضا يُخطئ هو الآخر، يضحك الجميع.

-ستار يرددها سريعا ولكنه يُخطئ، يضحك الجميع.

-حياة تردد بخجل ولكنها تُخطيء أيضا.. يضحك الجميع.

-أحمد يرددها خمس مرات بشكل صحيح، مصطفى يعطيه جكليته واحدة.

مصطفى: أحمد قالها بشكل صحيح…

-عمر يرددها ويُخطئ أيضا، يدبُّ الضحك في المكان بشكل صاخب.

– يقطع الضحك المتواصل ضربات قوية على السقف الكونكريتي، يتساقط التراب أكثر على التلاميذ…

مخلد: ما هذه الضربات على السقف؟

علي: سيقع فوقنا.

حياة: لماذا يضربونَه هكذا؟

ستار: إنهم يحاولونَ رفع السقفِ عنّا.

مخلد: لقد شاهدتُ ذلك كثيراً في نشراتِ الأخبار.

ناظم: ورأيتهم كيف يُخرجونَ الأطفال من تحتِ الأنقاض.

حياة: أمي تقول.. الأطفالُ يحميهُم الله وتحرسَهُم الملائكة.

مصطفى: (يحاول تغيير الموضوع) سنعيشُ ونتعلمُ وننجحُ يا أصدقائي ونعيد بناء هذا الصف من جديد…

أحمد: (يصغي…) هل تسمعون ما أسمع من أصوات؟

عمر: (يصيح بفرح) سنخرج، سيخرجوننا حتما، سنخرج من هنا…

ناظم: (يصيح وهو يرقص فرحاً) لقد سَمِعوا أصواتنا وجاءوا لإنقاذِنا.

مصطفى: سنخرج، لا تقلقوا…

مخلد: أنا قرأتُ هذه القصة من قبل، وأعرفُ نهايتها جيداً.

ستار: اسكت مخلد.. ودعنا من قصصِكَ المخيفة.

(يشتد الضرب أكثر على سقفِ الغرفة، ومعه نسمع أصوات رجال ونساء تختلط معا، ينزل الكثير من الترابِ من جهاتِ عدة في الغرفة، جميع التلاميذ يجمدون في مكانهم بترقب)

علي: بدأت الضربات تشتد…

ناظم: (بخوف) الترابُ ينزل علينا!

حياة: يجبُ أن يتوقفوا عن الضرب.

عمر: إذا توقفوا.. هذا يعني بأننا لن نخرج.

مخلد: ولكن من الممكنِ أن يقعَ السقف علينا هكذا.

مصطفى: افهموا يا أصدقائي.. إما أن نخرجَ أو يقعَ علينا.. لا حلٌ آخر.

علي: أنا خائف.

حياة: وأنا أكثرُ خوفاً.

عمر: كلنا خائفون.. ولكن علينا أن نكونَ أقوياء.

ناظم: نعم.. لابدَّ أن نكونَ أقوياء.

مصطفى: ونواجهُ ما سيحدث لنا.

ستار: اتفقنا…

التلاميذ: (معاً) اتفقنا…

ستار: المهمُّ أن الشموعَ ما زالت تُضيء المكان.

حياة: أتعلمونَ شيئاً؟

مصطفى: ماذا؟

حياة: كأنّي أسمع صوت معلمتنا أزهار!

مخلد: صوتها؟ متى سمعته؟

حياة: أسمعها في كُلِّ لحظةٍ، أشعرُ بأنها موجودةٌ معنا في هذا الصف.

ناظم: كنتُ أريدُ أن أقولَ هذا الشيء وخفتُ أن لا تصدقونني.

ستار: لأننا نحبُها.. نشعرُ بوجودِها هنا.

عمر: وهي تحبُنا أيضا.

حياة: قلتُ لا يمكن أن تتخلى عنّا.

علي: لا أتمنى أن تكونَ معنا الآن.

أحمد: لماذا؟

علي: لأنها ستتألم من أجلنا.

حياة: أينما تكون ستُعطينا القوة.. لذلك أتخيّلها هنا معنا.

مصطفى: أسمعها مثل كُلِّ صباحٍ تقول لنا عندما تدخل للصف.. صباحُ الورودِ يا ورود.

مخلد: صباحُ الأمسِ قالت.. صباح الياسمين.

ستار: المهم أن هناك ورداً في تحيتِها لنا.

حياة: ما رأيكم عندما نخرج من هنا.. نذهب جميعا لبيتِها ونحتفل بعيدِ ميلادِها؟

مصطفى: فكرةٌ ممتازة.

علي: ولكن الصواريخ التي سقطت على مدرستِنا قد تكون…

مصطفى: (يقاطعه) أسكت علي.. ما زال الجميع أحياء، وستُبني المدرسة من جديد ونكمل فيها تعليمنا وننجح.

ستار: (يصغي) الضربات ما زالت مستمرة على السقف.

ناظم: تأخروا كثيراً…

مخلد: لقد قرأت هذه القصّة وأعرف ماذا سيحدث…

ستار: (لـ مخلد) أسكت مخلد ودعنا نفكر ماذا نفعل.

(مصطفى يكسر حالة الترقب مع استمرار الضرب على السقف، يأخذ جكلية من الحقيبة، يرفعها للجميع…)

مصطفى : هذه جكليته.. اعطيها لمن يقول خمس مرات وبسرعة “كمشت خشمي خمس كمشات”

(يجرب الجميع بشكل سريع، ولكنهم يفشلون وسط ضحك متواصل…)

مصطفى: سأقول غيرها… “خميس خش للبستان حش خوش رأس خس”

(يجرب جميع التلاميذ الواحد بعد الآخر كلمات مصطفى ولكنهم يفشلون، يضحكون على أنفسهم، أحمد الوحيد من بينهم ينجح بقول الجملة الأخيرة بشكل صحيح ويأخذ الجكليته)

-يتوقفون عن الضحك مباشرة بعد سماعهم صوت رجل ينادي بصوتٍ عال.

الصوت: يا أولاد.. هل يسمعني أحدكم؟ أأنتم داخل الصف؟ هل تسمعوني…؟

-جميع التلاميذ ينتبهون ويصغون للصوت وهو يكرر جملته الأولى.

ستار:  هذا صوتُ أبي.

مصطفى: ما بك ستار؟ ألم يمت والدك في الحرب؟!

ستار: أعرفُ ذلك.. ولكنه يشبه صوت أبي تماماً!

مصطفى: تتخيل فقط!

مخلد:  ويشبهُ صوت أبي.

حياة: وصوتُ أبي أيضاً…

ناظم: لا أعرفُ أين سمعت هذا الصوت من قبل؟

مصطفى: اسكتوا ودعونا نسمع…

(يصغي التلاميذ جميعهم للصوت)

الصوت: هل من أحدٍ هنا يسمعني؟ يا أولاد يا تلاميذ.. هل أنتم أحياء…؟

(التلاميذ يضربون سقف الغرفة بأيديهم، يسقط الكثير من التراب عليهم فيغطّيهم، يصيحون بأصوات عاليه ومتداخلة وسط الغبار)

التلاميذ: (معا بصخب) نعم نسمعك، نحن هنا، بابا، بابا.. ما زلنا أحياء، هل تسمعنا…؟

(يهدأون قليلاً، يصغون للصوت ولكنه توقف عن المناداة…)

 

ستار: توقف الصوت.. ماذا يعني هذا؟

ناظم: ربما ذهبَ ليُخبر الناس عنا…

مخلد: نعم.. قد يكون سَمِعنا فعلاً.

حياة: (لـ مخلد) قل.. سَمِعنا فعلاً.

مخلد: (مؤكداً) سَمِعنا فعلاً وذهبَ ليُخبر أهلنا…

علي: سينقذوننا قبل أن يقعَ السقفُ على رؤوسِنا.

ستار: اطمئنوا.. سنعيش يا أصدقائي وسننجح من الصفِ الخامسِ للسادس الابتدائي…

حياة: لقد نسينا.. اليوم عندنا واجب دراسي بدرسِ القراءة.

مصطفى: كلنا قرأنا في البيت جيداً…

 

 

 

 

(الدرس الثاني)

 

المكان: نفسه في الدرس الأول…

-(نرى أحمد بيده مجموعة من الأوراق التي أخذها من دفتر الرسم، يبدأ بالعمل على كل ورقة وجعل منها طائرة صغيرة، وعندما ينتهي يوزّع هذه الطائرات الورقية التي تشبه العصافير الى كل واحد منهم…)

أحمد: خذوا طائراتكم الورقية…

حياة: وكيف ستطير هنا؟

مخلد: ستطير يا حياة ونطير معها.

أحمد: أنا أفضلُ من يعمل الطائرات الورقية في مدينتنا كلها.

مصطفى: ومن لا يعرف ذلك.

حياة: كنتُ أشاهدُ طائرتك الورقية من فوقِ سطحِ بيتِنا وهي تحلقُ بعيداً في السماء.

عمر: لا أحد يعرف كيف تطير طائراته الورقية هكذا.

ناظم: ولا يقبل أن يقولَ عن هذا السرّ.

مخلد: لذلك هو يفوز دائما بأعلى الارتفاعات.

أحمد: والآن دعونا نتسابق ونطيّر هذه الطائرات الصغيرة داخل هذا الصف.

مصطفى: لنفعل ذلك ونقضي بعض الوقت هنا.

أحمد: هيا لنبدأ…

-(يبدأ الجميع برمي طائرته الورقية في فضاء الصف الدراسي، ولكنها لا تطير بعيداً، ترتطم بالسقف وتقع وسط ضحكات التلاميذ التي تتعالى شيئاً فشيئاً…)

ستار: أنا أفضلكم…

ناظم: طائرتي هي الأفضل.

حياة: أنا طائرتي لا تطير.

علي: سأجعلها تطير عالياً عندما أخرج من هنا.

مصطفى: طائرتي.. كلما تحاول الطيران تضرب بالسقف.

عمر: وأنا أيضا…

أحمد: أعدكم بأنني سأصنع لكم أفضل الطائرات الورقية وأعلّمكم كيف تصنعونها أيضا.. المهم أن نخرج من هنا.

مصطفى: سنخرجُ حتما.

مخلد: لقد قرأتُ هذه القصة المخيفة أكثر مرة…!

ناظم: أبي في كُلِّ قصصهِ يجعلني أشعرُ بأنني البطل.

حياة: وأنت الآن يا ناظم تُعطينا الأمل.

ناظم: يقول.. يجبُ أن تواجهَ الشر بالخيرِ فتنتصر عليه.

مخلد: إحكِ لنا قصّة من قصصِ أبيك.

ناظم: سأحكي لكم قصة الوحش التي قصّها لي البارحة…

عمر: نتشوق لسماعِها.

ناظم: ما رأيُكم أن نمثلَ هذه القصة؟

علي: نمثلها؟

مصطفى: فكرةٌ رائعة…

ناظم: وأنا سأوزِّع عليكم الأدوار.

حياة: وعندما نخرج من هنا سنقدم هذه المسرحية في مدرستنا.

التلاميذ: (معاً) لنبدأ…

(يبدأ ناظم بتوزيع الأدوار على التلاميذ، ويجعلهم يقفون في زوايا متعددة في المكان، من الممكن أن نراهم يُخرجون من حقائبهم المدرسية بعض الملابس المناسبة لشخصياتهم الجديدة، أو هكذا نتخيل أنهم يفعلون ذلك…)

-سعيد فوق بساط الريح.. يطير عاليا، ينظر الى الأرض…

سعيد:  هيا يا صديقي أسرع يا بساط الريح، دعنا نرى العالم، إنه أجمل بكثير من فوق، ما أروعه، وما أجمل السماء والغيوم التي تحيطه به من كُلِّ جانب (ينظر الى بستان كبير، ويسمع أصوات مرعبة تخرج منه) ما هذه الأصوات الغريبة التي تخرج من ذلك البستان؟ أرى أطفالا يتراكضون بخوف في كُلِّ الاتجاهات، ما بهم؟ دعنا يا بساط الريح ننزل هنا، ربما يحتاج الأطفال الى مساعدتنا… (ينزل بساط الريح بـ سعيد حيث البستان، يتفحص المكان، يبدو موحشاً رغم وجود بعض الأشجار، يقترب من طفل1) ما بك؟ لماذا أنت خائف؟

طفل1  :   ألا  ترى؟

سعيد   :   (ينظر) لا أرى شيئا.

طفل1  :   (بخوف) الوحش.. هناك…

سعيد   :   (يضحك) وحش؟ وهل هذا زمن الوحوش؟

طفل1  :   نعم.. انه موجود هناك في تلك الزاوية.

سعيد   :    وماذا يريد منكم؟

طفل1  :   لقد استولى على أغلب بساتين هذه القرية!

سعيد   :   كيف سمحتم له أن يستولى على بساتينكم؟

طفل1  :   لأننا لم نستطع أن نحلَّ اللغز.

سعيد   :    اللغز؟

طفل1 :    يشترط علينا إما أن نحلَّ اللغز أو يستولي على بساتيِننا الواحد بعد الآخر.

سعيد  :    ولماذا لم تجيبوا على لغزِه؟

طفل1 :  لأننا لا نعرف الحل، لا نعرف سوى أن نعمل في بساتيننا، لا نقرأ ولا نكتب…

سعيد  :    لا تقرأون ولا تكتبون.. ولا تعلمون أن العلمَ نور؟

طفل1 :   نور؟ ماذا تعني بأنه نور؟

سعيد  :  العلم هو الذي ينير حياتكم ويفتح لكم الأبواب كلها ويُجيبكم على ألغاز الوحش.

( نسمع صوت الوحش من بعيد )

طفل1  :   ساعدنا أرجوك ، الوحش قادم …

(تأتي مجموعة من الأطفال بملابس رثة، تقف بخوف أمام سعيد)

طفلة2  :   (لطفل1) لماذا تقف هنا ؟ ألا تسمع صوت الوحش؟

طفل1  :   (وهو ينظر لسعيد) أسمعه ولكنني…

طفل3  :   (يقاطعه) هيا دعنا نهرب لا وقت عدنا .

سعيد   :   انتظروا يا أصدقائي.. لا تهربوا، علينا أن نواجه الوحش.

طفل4  :   من هذا؟  هل يعرفه أحدكم؟

مجموعة الأطفال:  (معا)  لا.. لا نعرفه…

سعيد   :    أنا صديقكم سعيد، لا تخافوا ، جئت لكم من مدينةٍ بعيدة، صعدت على بساط الريح للبحث عن عشبة السعادة…

طفل3  :  بساط الريح؟

طفلة2  :   ماذا يقصد؟

طفل5  :   عشبة السعادة، وهل هناك سعادة والوحش يطاردنا كل يوم؟

سعيد   :    نعم.. هناك سعادة، عندما تواجهون الوحش تحققون السعادة.

طفل1  :   وكيف نواجه الوحش؟

سعيد   :    أن تتعلموا وتقولوا لآبائكم نريد أن نتعلم.

طفلة2  :    والبساتين من يعمل فيها إذا ذهبنا للتعلم؟

سعيد   :    البساتين يعمل فيها الكبار.. وعندما تكبرون ستعملون فيها بدلاً من آبائكم.

طفل3 :    وهل أنت في مدرسة؟

سعيد  :     نعم.. بالتأكيد.

طفل4 :    صِف لنا المدرسة، كيف تكون؟

سعيد  :    بناية واسعة، فيها صفوف كثيرة وحديقة كبيرة وجميلة، معلمون ومعلمات وتلاميذ، نقرأ ونكتب يوميا ، ونلعب أيضا…

طفل5  :   وتلعبون أيضا.

سعيد   :    نعم.. نلعب عندما نُنهي دروسنا.

طفل1 :   ما أجمل ذلك.

طفلة2  :   ولكن الوحش يطاردنا يا سعيد.

سعيد   :    عندما نتسلح بالعلمِ لا تستطيع وحوش الدنيا كلها التغلب علينا!

طفل3 :    إنك صديق جميل.

سعيد   :    وأنت أجمل.

طفل4  :    وهل ستنتصر على الوحش؟

سعيد   :   كلنا معا.. سننتصرُ على الوحش.

طفل5  :   كيف ننتصر عليه وهو وحشٌ كبيرٌ ومخيف؟

طفل1  :   لقد دمرَ حياتنا.. لم نعد سُعداء أبداً بسببهِ.

طفلة2  :   الحزنُ في كل بيت.

طفل3  :   لقد استولى على أرضِنا.

طفل4  :   أين نجد السعادة يا سعيد.

سعيد   :   إنها موجودة في كل مكان، عليكم أولا أن تنادوا على الوحش.. ليأتِ الى هنا.

طفل1 :    سيقتلنا.

طفلة2 :    يلتهمنا الواحد بعد.

طفل3 :   يفتك بنا.

طفل4 :   أنا خائفٌ جدا.

طفل5 :   سيكون معنا سعيد.. لا تخافوا.

سعيد  :   قفوا ورائي.. ودعوني أواجه الوحش…

طفل1 :  إنك شجاع.

طفلة2  :  وبطل…

سعيد   :   هيا نادوا على الوحش…

مجموعة الأطفال : (معا) اخرج أيها الوحش، تعال الى هنا، أيها الوحش…

الوحش  : (يظهر لهم) من يجرؤ على مناداتي؟

مجموعة الأطفال : (معا) نحن نناديك ونتحدّاك…

الوحش  :  (يضحك) تتحدونني؟ سأقضي عليكم دفعة واحدة، فأنا الوحش…

سعيد    :   وأنا أتحداك أيضا.

الوحش  :   تتحدّاني أيّها الفتى الصغير؟ ما أغرب ذلك.

سعيد    :   نعم أتحداك، هيا.. قل ما هي ألغازك؟

الوحش :   وعندما لا تجيب عليها سأستولي على هذا البستان وستعمل عندي دون أجرٍ لسنواتٍ طويلة.

طفل1  :   لا توافق يا سعيد.

طفلة2  :   إياك أن توافق.

طفل3  :   لن تستطيع أن تجيب على سؤاله.

الوحش :   ماذا قلت أيها الفتى؟

سعيد   :   (يصرخ به) موافق.. أنا موافق ولكن بشرط.

الوحش :   وما هو شرطك؟

سعيد   :   عندما أجيبك على ألغازك ترحل عن هذه المدينة الى الأبد.

الوحش :   نعم موافق.. سأرحل عنها.

سعيد   :    وأنا أيضا موافق.

الوحش :   تبدو بطلا أيها الفتى، ولا تخاف مني؟

سعيد   :   أنا جئت أبحث عن تلك المدينة التي تنبت فيها عشبة السعادة، لستُ بطلاً ولكنني تعلمت أن أواجه الأشياء مهما كانت.

الوحش :  (يضحك) ليست هناك سعادة في هذا العالم ما دمتُ موجوداً، اسمع أيها الفتى.. ستعمل عندي طوال عمرك، وسأستولي على بستان جديد.

سعيد   :   أنت لست سوىٍ وحشٍ بائسٍ تستغل جهل الناس.

الوحش :  نعم.. بجهلهم انتصر عليهم.

سعيد   :   لن يدوم الجهل.

الوحش:   سأجعلك خادماً لي.

سعيد   :  هيا.. أنا مستعدٌ للإجابةِ على ألغازِك.

الوحش: هكذا إذن.. الأول يقول: ما هو الشيء الذي يخترق الزجاج ولا يكسره؟

سعيد: الضوء.

الوحش: الإجابةُ صحيحة.. وما هو الشيء الذي كلما طال قصر؟

سعيد: العمر.

الوحش: الإجابةُ صحيحة.. وما هو الشيء الذي تراه ولا يراك؟

سعيد: الظل.

الوحش: الإجابة صحيحة، أما اللغز الأخير.. من هو الذي يمشى في الصباح على أربع وفي الظهر على أثنين وفى المساء على ثلاث؟

طفل4 :   (بخوف) هذه هي النهاية.

طفل5  :  (يصيح) أهرب يا سعيد.

طفل1  :  لن يرحمك هذا الوحش.. أهرب…

طفلة2  :  أنا خائفةٌ جدا.

طفل3  :  ما هذه الورطة.

طفل4  :  دعنا نهرب يا سعيد.

سعيد   :  بل سأبقى وأجيب الوحش على سؤاله.

الوحش :  (يضحك) هيا.. ما هي الإجابة أيها الفتى؟

سعيد: الإجابة أيها الوحش.. إنه الإنسان، في البداية طفلاً يحبو ثم شاباً يافعاً على قدميه ثم يهرم فيمشى على عصا مع قدميه.

الوحش: (يشعر بالألم في كل جسمه، ينهار ويقع أرضاً) آه آه آه.. لقد انتصرت أيها الفتى، وأجبت الإجابة الصحيحة.

مجموعة الأطفال: (معا بفرح عارم) هي.. هي.. هي…

سعيد  :  لا يمكن للجهل أن يدوم.. فالعلم نور.

مجموعة الأطفال:  (معا) نعم.. العلم نور…

الوحش :  سأنتصر عليكم يوما ما.

سعيد  :   لن تنتصر عليهم بعد الآن.. بعد أن عرفوا أن العلمَ أقوى من الأشرار.

الوحش :  ما أقسى الهزيمة..  ما أقساها…

سعيد  :  والآن أيها الوحش.. عليك أن تغادر هذه المدينة وتعيد البساتين الى أهلها وتطلق سراح الأطفال الذين تحتجزهم عندك.

الوحش  : سأفعل ذلك.. لقد انتصرت عليّ أيها الصغير.. ولكننا سنلتقي يوما ما وأهزمك (يتألم أكثر) أنا راحلٌ عن المدينة الآن.. آه آه آه… (ينصرف مسرعا)

(مجموعة الأطفال يلتفون حول سعيد بفرح…)

سعيد  : (للأطفال) لقد عرفت الآن أن عشبة السعادة موجودة بيننا.. إنها العلم الذي نهزمُ به الظلام، وما علينا سوى أن نواجه الشر وننتصر عليه حتى نجدها، هذا درسٌ بليغٌ لي قبل أن يكونَ درساً لكم…

(يغنون بفرح كبير ويشاركهم سعيد الغناء)

الجهلُ ظلام         والعلمُ نور

تتفتحُ الأزهار    وينتشرُ السرور

العلم نور

تُغردُ البلابل ..  تحلّقُ الطيور

الكُلُّ في سلامٍ  .. والعيشُ في حبور

فالجهلُ ظلام ..  والعلمُ نور

ما أجمل البستان ..  ما أجمل الطيور  ..

تطير في أمان ..  لا وحش لا شرور

فالعلم نور

(يتوقفون عن الغناء وأداء أدوارهم، يخلعون ملابس شخصياتهم، يضحكون فيما بينهم)

ناظم: لقد أديتم أدواركم على أحسنِ وجه.

مصطفى: وسنقدم هذه المسرحية عندما نخرج من هنا…

 

الدرس الثالث

 

المكان: نفسه في الدرس الأول…

-(حياة تقف أمام السبورة، تمسحها من الغبار، تكتب بعدها بالطباشير في الأعلى.. (درس القراءة) وفي زاوية السبورة تكتب الصف الخامس الابتدائي، ثم تأخذ بكتاب قراءة الصف الخامس الابتدائي، تقلّب صفحاته وتتوقف أمام إحدى المحفوظات أو الأناشيد تحاول أن تقرأ للتلاميذ، يصغون لها رغم التعب والإجهاد الواضح عليهم، قراءة حياة للمحفوظة تأخذ الأطفال لعالم آخر فيه السحر والجمال…)                                                       

 

حياة :                  إنّا قصدنا مرةً            في عصرِ يومٍ ضاحيةْ

نمشي على أقدامِنا          بين الجهاتِ الخاليةْ

-الأطفال يتجمّعون على شكل كتلة أمام حياة وهم يصغون باهتمام كبير.

-حياة مستمرة بالقراءة .

حياة :                  فإذا الحقولُ جميلةٌ          تُروى بماءِ الساقيــــةْ

والناسُ في أنحائِها           تَسقي وتزرعُ راضيةْ

والبطُ يلعبُ سابحاً          فوقَ المياهِ الجاريـــــةْ

فيها الحياةُ جميلةٌ           فيها المعيشةُ صافيــــةْ

 

(تتوقف حياة عن ترديد الأنشودة أو المحفوظة من كتاب القراءة، يجلس التلاميذ أرضاً على شكل دائرة، يبدو أن التعب قد أنهكَ قواهم…)

عمر: أنا جائع يا أصدقائي…

أحمد: كلنا جائعون.

مصطفى: (يرفع الحقيبة) لا تخافوا.. الحقيبة فيها الكثير من الجكليت، ومن يقول لخمس مرات بشكل سريع ” سدينا شط السيد والسيد ما سد شطنا” أعطيه جكليته واحدة.

(جميع الأطفال يجربون ويقولونها بشكل خاطئ، يضحكون بصوتٍ عالٍ على كل واحد يخطأ، عدا حياة تقولها بشكل صحيح، مصطفى يعطيها جكليته)

مصطفى: فقط حياة قالتها بشكل صحيح…

ناظم: حياة تفوز دائما.

حياة: وأنت دائماً تغار من فوزي يا ناظم.

ناظم: لا أغار.. ولكن أتمنى أن أفوز مثلك.

حياة: ستفوز عندما تجتهد في دروسك.

ناظم: سأجتهد.. أعدك بذلك.

حياة: اتفقنا…

مصطفى: (مصطفى يخرج جكليته من الحقيبة ويلوح بها لهم) من يقول لخمس مرات بشكل سريع “أرنبنا بمنور أنور وأرنب أنور بمنورنا” وله جكليته واحدة.

-(جميع الأطفال يجربون أيضا بشكل سريع ويخطئون ، يمتلئ المكان بالضحك بشكل كبير ، ستار يقولها بشكل صحيح ، مصطفى يعطيه جكليته .. وسط موجة من الضحك تملأ الصف الدراسي…)

-(يتوقف الجميع عن الضحك، يدب الصمت تماما، الأصوات خارج المكان تتوقف هي الأخرى، مخلد يضع أذنه على سقف الغرفة القريب منه)

مخلد: ذهبوا.. الجميع كما يبدو ذهبوا…

مصطفى: لالا.. ربما جاء الليل يا مخلد وذهبوا، وسيعودون صباحا بالتأكيد.

عمر: سيعودون.. أعرفهم جيداً، سيعودون من أجل أولادهم.

أحمد: ومن قال لكم بأننا في الليل الآن؟!

ناظم: لا ندري…

علي: وقد نكون في النهار والسقف سـ …

مصطفى: (يقاطعه) دع السقف يا علي ولا تتكلم عنه.

علي: كنت أريد أن أقول يا مصطفى إن السقف…

مصطفى: (يقاطعه) أرجوك يا علي، لا تقل شيئا فأنت تُخيف الجميع.

علي: آسف، أعتذر…

حياة: أنا واثقةٌ بأنهم سيأتون فجراً أو صباحاً.. لابدَّ أن يأتوا من أجلنا…

مخلد: ولماذا لا يكون الآن صباحاً أو عصراً مثلاً؟

ناظم: لم نعد نعرف الوقت.

حياة: ربما قالوا لا أحد تحت سقف هذا الصف الدراسي وذهبوا…

علي: أنا قلت كذلك أيضاً.

ستار: ولكننا في مدرسة والجميع يعرف أننا كنّا في صفوفها.

مصطفى: ستأتي المساعدة لإنقاذنا (يصرخ بهم) قلت لكم سنخرج من هنا…

 

 

(الدرس الرابع)

 

المكان: نفسه في الدرس الأول…

-نسمع العديد من الضربات على السقف، التلاميذ يصغون باهتمام لهذه الضربات وينظرون لبعضهم الآخر بشيء من الترقب والأمل.

مصطفى: أصدقائي.. إذا فتحوا لنا فتحة صغيرة في السقف من سيخرج أولاً؟

حياة: سنخرج كلنا.

مصطفى: الفتحة لا يخرج منها سوى واحد منا فقط.

ستار: أقترحُ أن تكونَ حياة هي أولُ الخارجين منّا.

حياة: ولماذا لا تكون أنت يا ستار؟ أو أي واحدٍ منكم.

ستار: لأنك صديقتنا الطيبة.

حياة: أنتم كلكم طيبون.

مخلد: أنا موافق على مقترح ستار.

ناظم: بالتأكيد كلنا موافقون.

مصطفى: ومن سيكون الثاني؟

علي: لا ندري.

أحمد: سندفع أحدنا الآخر لكي يخرج بسرعة.

مصطفى: لالا.. ستكون فوضى، ويجب أن نخرجَ بانتظامٍ وهدوء.

مخلد: وماذا تقترحون؟

ناظم: أقترح أن نجري قرعة لأسمائنا.

حياة: قرعة؟

مصطفى: فكرةٌ ممتازة.. وحياة لن تكون في القرعة.

ستار: هذه اللعبة فيها ترقب.

أحمد: وتشويق.

مخلد: لنلعبها يا أصدقائي…

مصطفى: حياة ستكتب الأسماء على الأوراق الصغيرة وهي من ستسحبها أيضاً.

التلاميذ: (معاً) موافقون…

(تقوم حياة بكتابة الأسماء على أوراق صغيرة وتخلطها مع بعض، وتقوم بسحب أولى الأوراق…)

حياة: (تفتح الورقة) الاسم هو .. عمر من سيخرج ثانياً (التلاميذ يصفقون لعمر بفرح، حياة تفتح الورقة الثانية) الاسم هو .. ستار. (التلاميذ يصفقون لستار تصفيقاً صاخباً وستار ينحني لهم، حياة تسحب الورقة الثالثة) الاسم الثالث هو.. ناظم. (التلاميذ يصفقون لناظم وهو يبادلهم التصفيق، حياة تسحب الورقة الرابعة) الاسم الرابع هو.. مصطفى. (يصفق الجميع لمصطفى، حياة تسحب الورقة الخامسة) الاسم الخامس هو.. علي. (يصفق الجميع لعلي، وتسحب حياة الورقة السادسة) الاسم السادس هو.. مخلد. (يصفق الجميع لمخلد) الورقة الأخيرة أكيد ستكون لأحمد…

ستار: (لـ أحمد) يمكنك أن تخرج قبلي يا أحمد بدلا عني.

أحمد: لا يا صديقي.. نحن قبلنا بالقرعة جميعاً.

حياة: (لـ أحمد) خذ مكاني لا يهم أن أكون الأخيرة.

ناظم: حياة دائما بطلة هذا الصف.

حياة: (تضحك) نعم البطلة.

أحمد: شكرا حياة.. خروجُ أيِّ واحدٍ منّا يعني خروجنا جميعاً.

مصطفى: أنا أيضاً.. يمكنك أن تكون بدلاً عني يا أحمد.

ناظم: وأنا أيضا.

مخلد: وأنا أيضا.

عمر: وأنا أيضا.

علي: وأنا…

أحمد: شكراً لكم أصدقائي.. أشعر الآن بأنكم إخوتي حقاً، وسننجح للصف السادس ابتدائي وسنكون معاً أيضاً…

التلاميذ: (معا) سننجح.

مصطفى: نعم نحن فعلا أخوة وكأننا من عائلة واحدة.

-حياة تنزوي قليلا عن التلاميذ، تفتح كتاب القراءة، تردد الأنشودة أو المحفوظة مرات عديدة.. تحاول حفظها.

حياة:                 إنّا قصــــدنا مرةً         في عصرِ يومٍ ضاحيةْ

نمشي على أقدامِنا        بين الجهاتٍ الخاليــــةْ

(تظل حياة مستمرة بحفظ النشيد أو المحفوظة بصوت منخفض، التلاميذ يخرجون الهدايا من حقائبهم المدرسية والتي جلبوها لعيد ميلاد معلمتهم، كل واحد منهم يضعها أمامه بحزن واضح…)

مخلد: كنتُ أريدُ أن أقولَ لمعلمتنا أزهار.. هذه هديتي لك لأنني أحبكِ.

مصطفى: انظروا لهذه العلبة، فيها هديتي.. كان يمكنُ أن تكونَ مفاجأة لها.

ناظم: لأسبوع كامل أجمعُ مصروفي اليومي من أجلِ أن أشتري لها هدية.. ولكنها لم تأخذها الى الآن.

عمر: أعتقدُ بأن هديتي ستكون أجمل الهدايا.

حياة: كل الهدايا جميلة يا عمر.. وسنعطيها لمعلمتنا وتفرح بها.

أحمد: لساعاتٍ وأنا أبحثُ عن هديةٍ مناسبةٍ لها.. كنت سعيداً وأتخيّل نفسي كيف أقدم هذه الهدية لها…

علي: كنتُ أفكر ماذا أقول لها عندما أقدم لها هذه الهدية.

ستار: أنا واثقٌ بأنني سأعطيها هديتي وأغنّي لها أغنية عيد الميلاد.

حياة: دعونا نتدرب على أغنية عيد الميلاد مرة أخرى…

(التلاميذ يغنون أغنية عيد الميلاد وهم في حالة انهاك، بعدها مباشرة يتمددون على أرض الصف الدراسي بشكل عشوائي، متعبون، يحاولون أن يناموا.. سرعان ما ينتبهون لصوت قارئ القرآن وهو يقرأ بمكبرة صوت، ينهضون الواحد بعد الآخر باستغراب واضح…)

ستار: أليس هذا صوت قارئ القرآن في شارعنا؟

ناظم: نعم.. إنه هو.

علي: فعلا.. كنا كلما سمعناه يقرأ بهذه الطريقة يعني أن أحدهم مات.

مصطفى: تُرى عزاءُ من؟

أحمد: من الذي مات؟

حياة: مات؟!

علي: ماذا يعني هذا؟

مخلد: لا يعني شيئا.

مصطفى: (يضحك بقوة) قد يكون هذا العزاء من أجلنا.

أحمد: هل تعتقد بأننا موتى تحت هذا السقف؟

ستار: هم من يعتقدون ذلك وليس نحن.

عمر: ربما يأسوا من البحث عنا وقالوا بأننا.. متنا!

علي: ولكن السقف لم يقع علينا بعد.

حياة: أرجوكم توقفوا عن هذا الكلام المخيف.

مخلد: (يصرخ بهم) ما بكم؟ نحن أحياء، والله أحياء، انظروا (يشير لهم) أنا أتنفس وقلبي ينبض، تعالوا اسمعوا نبضات قلبي…

ستار: هل يعقل بأننا أمواتٌ ولا نعلم؟

مصطفى: كيف ونحن مازلنا نتكلم؟

عمر: سنكون طيوراً من طيور الجنة.

ناظم: (يضحك) هذه أول مرةٍ تحدث.. ينصبوا العزاء على أحياء.

مصطفى: (يشاركه الضحك) الله يرحمنا…

-يضحك جميع التلاميذ بشكل هستيري على أنفسهم، مصطفى يتمدد على الأرض وهو يقلد كأنه ميت فعلا، التلاميذ يجلسون حوله، يبكون عليه بكاءً مفتعلا وكأنهم في لعبة، بعدها يرفعونه بأيديهم مثل تابوت…

-تقطع حياة ضحكات التلاميذ وهي تصرخ بهم:

حياة: توقفوا.. هل نسيتم عندنا اليوم واجب بدرس القراءة ويجب علينا أن نقرأ جيدا؟

مصطفى: لا تقلقي حياة.. كلنا قرأنا البارحة في بيوتنا.

ستار: كعادتنا نقرأ من أجل النجاح.

ناظم: سننجح بعد أن نخرج من هنا.

عمر: ونكمل عيد الميلاد…

مخلد: لقد قرأتُ هذه القصة من قبل.. هل أكملها لكم…

ستار: اتركنا من قصصك يا مخلد.

مصطفى: القصص تتشابه ولكن لا يعني بأنها ستكون نفس القصة التي قرأتها.

(حياة تنظر لمصطفى، تهدأ، تقلب بكتاب القراءة، تقرأ في صفحة جديدة، تتحدث وكأنها تروي قصة من كتاب القراءة للصف الخامس الابتدائي وهي تحاول الحفظ، جميع التلاميذ يصغون لـ (حياة) وهي تردد القصة من الكتاب بشكل هادئ وجميل)

حياة:  “العصافيرُ الصغيرةُ في العشِّ. العشُّ فوقَ الشجرةِ. طارت الأم، ثم عادت للصغارِ بالطعام.  أحبّتِ العصافيرُ أن تطيرَ، وتُساعدَ أمها. نظرت من العشِّ وخافت، فالشجرةُ عاليةٌ. قالت الأمُ للعصافيرِ:

لا تخافوا، واعملوا مثلي. تشجعتِ الصغارُ، واستعانت بأمِّها، وطارت في الفضاءِ. فَرِحتِ العصافيرُ بالطيرانِ، وصارت كالكبارِ، تغدو في الصباحِ، لتعودَ بالطعامِ.”

(جميع التلاميذ يغفون على صوت حياة، تنظر لهم وتتوقف، تغلق كتاب القراءة وتنزوي في المكان لتغفو هي الأخرى…)

 

 

(الدرس الخامس)

 

-نرى المعلمة إزهار تدخل الى الصف الدراسي، هكذا يتخيّل التلاميذ، ويبدو نظيفاً وجميلا وليس عليه أي آثار للتهديم، البالونات وأشرطة الزينة تملأ المكان، الشموع مشتعلة، والكيكة وضعت في الوسط…

المعلمة: صباح الورود يا ورود.

التلاميذ: (معا) وصباح الورود على معلمتنا العزيزة.

المعلمة: ما هذه الكيكة والشموع والبالونات وأشرطة الزينة.. لــمَ كل هذا؟

حياة: إنها من أجلك.

المعلمة: من أجلي؟

التلاميذ: (معا) عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنت بخير معلمتنا الطيبة…

المعلمة: وكيف عرفتم بيوم ميلادي؟

حياة: سألنا مديرة المدرسة وقالت لنا.

المعلمة: إنها مفاجأةٌ سارةٌ فعلاً.. شكرا لكم أحبائي.

ناظم: لأننا نحبك.

المعلمة: وأنا أحبُكم أكثر…

أحمد: هذا شيءٌ قليلٌ جداً أمام اهتمامك بنا منذ سنوات.

المعلمة: أنتم تستحقون كل الاهتمامِ يا أولادي التلاميذ.

مصطفى: والآن.. دعونا نطفئ الشموع…

(يبدأون بالغناء بأغنية عيد الميلاد بشكل منسق وجميل، وسط ضحكات المعلمة، وبعدها مباشرة يطفئون الشموع… لحظتها ينهض جميع التلاميذ من النوم وهم يرددون أغنية عيد الميلاد، ينتبهون لأنفسهم، يتوقفون يجلسون الواحد بعد الآخر على أرضية الصف…)

ستار: لماذا هذه الظلمة؟

مصطفى: انطفأت الشموع.

ناظم: (ينظر في المكان باستغراب) ماذا حدث؟ لقد كانت هنا!

أحمد: نعم.. كانت هنا.

مخلد: معلمتنا.. كانت هنا وكنا نغني لها…

مصطفى: يبدو أننا كنا نحلم نفس الحلم.

حياة: نفس الحلم؟ قالت لنا صباح الورود يا ورود…

عمر: رأيتها وسمعتها.. لقد كانت تقف هنا (يشير الى مكان وقوفها)

أحمد: حلمٌ جميلٌ ليتهُ لم يتوقف.

ستار: غنّينا لها، وأطفأنا الشموع وضحِكنا هنا (يصيح) اشعلوا الشموع يا أصدقائي.

حياة: لنشعلها…

عمر: (بخوف) انطفأت أم…

حياة: (تقاطعه، تحاول البحث) عندنا الكثير من الشموع.. سأجدها هنا.

ستار: بسرعة.. الظلمة تخيفني جداً.

مخلد: إنها ثلاثون شمعة من أجل معلمتنا.

علي: وكيف عرفت عمرها؟

مخلد: المديرة قالت لنا ذلك.

مصطفى: لأننا خجلنا أن نسألها.

حياة: (تجد الشموع، تصيح بفرح) وجدتُ الشموع…

(يبدأ مصطفى بإشعال الشموع، تضيء المكان، أحدهم يرى الآخر)

ستار: (بفرح) ما أجمل الضوء…

عمر: ماذا حدث لنا؟

ناظم: لم يحدث أي شيء.

علي: وما معنى هذا الحلم؟

مصطفى: (ينظر لـ علي) سيتحقق يا علي…

حياة: لابدَّ أن يتحقق.

مخلد: (يضع يده على بطنه) أنا أشعرُ بالجوع.

ناظم: وماذا يمكن أن نأكل الآن؟

ستار: لا شيء…

عمر: دعونا ننظف كيكة عيد ميلاد معلمتنا ونأكلها.

علي: ولكنها…

حياة: (تقاطعه) أنا موافقة.. لأنني جائعة أيضا.

أحمد: عليها الكثير من التراب.

مصطفى: ستكون أطيب…

(يضحك جميع التلاميذ ويبدأون بتنظيف الكيكة من التراب الذي علِق بها، وبعدها تُعطي حياة لكل واحد منهم جزء منها، يأكلون بنهم ويشربون علب العصائر…)

مصطفى: والآن.. دعونا نقضي بقية الوقت بلعبتنا المفضلة.

ستار: أية لعبة منها؟

مصطفى: ما رأيكم أن نلعبَ لعبة الأمنيات؟

حياة: أمنيات؟ هنا؟

علي: تحت السقف؟

عمر: هي نفس الأمنيات يا مصطفى.. لم تتغير.

مخلد: كنا دائما نلعبها.. نتمنى في وضع أفضل من هذا.

مصطفى: تظل الأمنيات جميلة مهما كانت الظروف.

حياة: صح.. تظل الأمنيات جميلة.

مصطفى: لنبدأ بـ أحمد.. ما هي أمنيتك؟

أحمد: أتمنى الآن أن أكون في البيت، وجالس وراء مائدة طويلة من الطعام.

مصطفى: أحمد يتمنى طعاماً.. وأنت يا مخلد ماذا تتمنى؟

مخلد: أمنيتي الآن.. أن أغتسل وأنام على فراشي لساعات…

حياة: أمنيتي.. أن أنجح هذه السنة بتفوق.

ستار: أمنيتي.. عندما أخرج من هنا، أقف وسط شارعنا وأبدأ بالرقص فرحاً…

عمر: أمنيتي.. أن أرى أمي وأسألها ماذا فعلت بغيابي.

ناظم: أمنيتي.. أن نشتري كيكة عيد ميلاد جديدة لمعلمتنا.. ونكمل احتفالنا بعد أن نخرج من هنا.

علي: أمنيتي أن أكونَ قوياً جداً.. وأحمل هذا السقف اللعين وأرميه بعيداً عنا.

مصطفى: أما أنا.. أمنيتي (يصمت…) لا أملك الآن أية أمنية للأسف.

أحمد: في كل مرة كنت تقول أمنيتك يا مصطفى.

مصطفى: أمنياتي مؤجلة يا أحمد.

ستار: سنلعب هذه اللعبة عندما نخرج من هنا…

مصطفى: عندما نخرج سأقول لكم أمنيتي.

حياة: أنا متعبة وجائعة.

ناظم: كلنا…

عمر: قطعة الكيكة الصغيرة لم تشبعنا.

مخلد: لم نأكل منذ.. لا أعرف منذ متى.

ستار: ربما منذ يوم أو يومين!

(التلاميذ تبدو عليهم حالات التعب واضحة…)

مصطفى: (يردد بإرهاق واضح) عندي آخر جكليته.. من يستطيع أن يقول لخمس مرات سريعة وسأعطيها له ” خميس خمش خشم حبش وحبش خمش خشم خميس”

-(يحاول جميع الأطفال قول هذه الجملة، يُخطئون، ويضحكون بضحكات متعبة، الجوع والعطش بدا واضحاً على حركاتهم ووجوههم، يستمرون بمحاولاتهم ترديد الجملة بشكل صحيح، تبدأ الأصوات بالانخفاض تدريجيا، يضحكون بتعب أكثر، يستمرون بترديد هذه الجملة الأخيرة بشكل مضحك…

 

 

(الدرس السادس)

المكان: نفسه في الدرس الأول…

-التلاميذ الثمانية في حالة تعب وإرهاق واضحين عليهم، ينهض مصطفى من مكانه، يبدأ بإعطاء كل تلميذ ورقة…

مصطفى: أريدُ كُلّ واحدٍ منكم أن يكتبَ رسالة.

ستار: ولمن نوجّه رسائلنا؟

مصطفى: هذا الأمر متروك لكم أصدقائي.

حياة: ماذا يعني هذا؟

علي: يعني…

مصطفى: (يقاطعه) لا يعني شيئا يا علي.. نريد أن نقضي الوقت بالكتابة.

عمر: أشعر بالتعب ولا أستطيع الكتابة.

مخلد: سنحاول كلنا…

علي: سيقرأون رسائلنا بعد أن…

مصطفى: (يقاطعه) علي، أرجوك…

ستار: هيا دعونا نكتب أصدقائي التلاميذ…

(يبدأ الجميع بالكتابة في أوراقهم رغم الإرهاق الواضح عليهم…)

مخلد: (يقرأ بصوت متعب) الى من يقرأ هذه الرسالة، أنا اسمي مخلد تلميذ في الصف الخامس ابتدائي، كان يمكن أن لا أكون هنا، ولكن الأشرار أرادوني داخل هذا المكان وتحت سقف صفِّنا الدراسي، أرجوكم لا تكرروها مع غيرِنا من تلاميذ المدارس…!

ستار: (الإرهاق واضح عليه، يقرأ في الورقة بصعوبة) أنا اسمي ستار تلميذ في الصف الخامس ابتدائي وعمري أحد عشر عاما، أكتب لكم رسالتي ولا أدري هل ستعرفون قراءتها لأن خطّي يُقرأ بصعوبة (يضحك) اضحكوا، أنا أقول لكم اضحكوا فالحياة جميلة لا تستحق أن نضيّع الوقت فيها بالبكاء…!

حياة: (تقرأ في الورقة بصوت متعب) الى معلمتي الجميلة أزهار، أنا اسمي حياة.. أو كما تسمينني أنت “حياتو”.. كنتُ أتمنى أن نُكمل عيد ميلادك، ولكن لا أعرف ماذا حدث وجعلنا نتوقف عن الفرح، لا تحزني يا معلمتي.. أعدك بأننا سنقيم لك عيد ميلاد سعيد جديد وسيكون أجمل ما يكون…

عمر: (ينظر في ورقة، يحاول القراءة بصعوبة) أنا عمر.. الوحيد بين أصدقائي التلاميذ عمره 12 عاما لأنني تركت المدرسة في الأول ابتدائي (يضحك…) ولكنني قررتُ أن أنجحَ كُلّ سنةٍ بعدها، أكتبُ لكم الآن وأنا جائعٌ ولا أعرف ماذا طبخت لنا أمي اليوم على الغداء، يمكنكم أن تعرفوا ذلك منها، طعامها شهي لدرجة أشمه الآن من بعيد…

(يضحك التلاميذ بصعوبة على كلمات عمر…)

ناظم: (يقرأ في ورقته) أما أنا، فاسمي ناظم.. يعرفني أصدقائي جيداً في شارعنا، لأنني دائما أسجل الكثير من الأهداف في لعبة كرة القدم التي نلعبها عصراً، وأعدهم بأنني سأستمر بتسجيل الأهداف عندما أخرج من هنا ولم يعد يعنيني أن أفوز أم لا.. المهم أن يستمر لعبنا الى الأبد!

أحمد: (يقرأ في ورقته) أنا اسمي أحمد.. أفضلُ من يطيّر طائرته الورقية في شارعنا كله والشوارع المجاورة، أرجو منكم أن تضعوا هذه الرسالة في طائرتي الورقية واتركوها تطير بعيداً الى السماء، أمي تقول إن الله يحب الأطفال كثيراً، أنا واثقٌ بأنه سيقرأها ويضم الورقة الى قلبه لأنه يحبنا جميعا…

علي: (يقرأ في الورقة) أنا اسمي علي.. لا شيء يخيفني سوى هذا السقف الذي قد يقع علينا في أية لحظة ولا نملك القدرة على حمله، أتمنى عندما تقرأوا رسالتي أن تبنوا مستقبلاً كل المدارس دون سقوف، اجعلوا التلاميذ يشاهدون السماء الزرقاء وهم يقرأون في كتاب القراءة أناشيدهم البريئة…

مصطفى: (يقرأ في الورقة) أنا اسمي مصطفى.. منذ يوم أو يومين أعيش تحت سقف صفنا الدراسي، كنت أتمنى أن أجلبَ معي المزيد من حلوى الجكليت من أجلِ أصدقائي التلاميذ حتى لا يجوعوا وأظل ألعب معهم لمدة أطول بلعبتي المفضّلة، الآن لم يبق عندي منها شيئا فقد وزّعته كله عليهم، ومن يقرأ رسالتي هذه عليه أن يُخبر كل تلاميذ مدينتي أن يجلبوا معهم الكثير من حلوى الجكليت عندما يأتون الى المدارس…!

-حياة تقف بصعوبة بالقرب من السبورة، كلماتها لا تبدو مفهومة وهي تختلط مع أصوات التلاميذ المتعبة، شيئا فشيئا نسمع النشيد أو المحفوظة ترددها حياة مع التلاميذ عن ظهر قلب…

حياة والتلاميذ (معاً) إنّا قصدنا مرةً                في عصرِ يومٍ ضاحيةْ

نمشي على أقدامِنا              بين الجهاتِ الخاليــــةْ

فإذا الحقولُ جميلةٌ              تُروى بماءِ الساقيــــــةْ

والناسُ في أنحائِها              تَسقي وتزرعُ راضيــةْ

والبطُ يلعبُ سابحاً               فوقَ المياهِ الجاريـــــةْ

فيها الحياةُ جميلةٌ              فيها المعيشةُ صافيـــــــةْ

 

-يستمر التلاميذ بترديد النشيد أو المحفوظة مع حياة، نسمع أصوات ضربات من خارج الغرفة تبدو على سقف الغرفة وتختلط مع أصوات التلاميذ وهم يرددون المحفوظة، تبدأ أصواتهم تنخفض أكثر لتبرز أكثر أصوات الضرب على السقف ويعلو صياح الرجال…

-صوت التلاميذ وحياة يتلاشى تدريجيا ويختفي تماما.

-صوت ضرب السقف يعلو أكثر فأكثر …

-التلاميذ ممددون على الأرض بتعب وإرهاق واضحين.

-الشموع تظل تضيء المكان بشكل كامل وتنير الصف الدراسي…

 (انتهت)

 

كتب النص عام 2019

Aaali65zaidi@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock