نصوص

حصريا.. ننشر “ظهور شهريار” مونودراما للكاتب السوري الكبير عبد الفتاح رواس قلعه جي


المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

 

عبد الفتاح رواس قلعه جي

 

ظهور شهريا

 

مونودراما ثلاثية البعد

 

 

الشخصيات

 

شهروار  :  – في البعد الأول يشخص الأسماء التالية: إميني زاد، شهرزاد 20 الأم، دنيا زاد20

بختيار   :  – في البعد الثاني يشخص الأسماء التالية : دنيا زاد 20، شهروار

إميني زاد:  – في البعد الثالث وتشخص الأسماء التالية: شهروار، شهرزاد 20، امرأة عاملة، دنيا زاد20

 

-1-

الحفيد 21 

 

 

    (مكتب فخم مجهز بوسائل اتصال حديثة، تلفونات، شاشة حاسب.وعلى الطاولة ورّاقة ومصنف مفتوح للدراسة وسكين غريبة لقطع الورق، ومجسم لناقلة نفط، وآخر لطائرة مروحية، طبنجة (مسدس قديم)  معلقة على الجدار مع سيف وترس وخوذة قديمة، خارطة العالم للإدريسي.

 من السقف تتدلى رؤوس حيوانات مصادة وبينها ثلاثة رؤوس بشرية أقرب إلى الإنسان البدائي فهي مُحيَّرة بين الحيوانية والبشرية. لوحة كبيرة بالألوان لشهريار الحكاية مضطجعاً على أريكة وشهرزاد أمامه تجلس وتروي له حكاياتها.

شاشة عرض كبيرة في عمق المسرح)

شهروار : (شهروار ملك قيروان رقم 21، شاب جميل، متوسط الطول، يسبل غرة على جبينه، يلبس الجينز الضيق والقميص المفتوح، ويعلق سلسلة ذهبية في رقبته، إنه ملك عصري جداً وأقرب إلى البوهيمية في حركاته وشكله. وهو شخصية تحمل المتناقضات في داخلها، يدخل حاملاً التاج الذهبي لمؤسس العائلة الشهريارية، وهو يمسك بالجاكيت بإصبعه ويرميه وراء ظهره ليؤكد مظهره الشعبي البوهيمي والبعيد عن الرسميات)

نحن عائلة ورثنا الحكم كابراً عن كابر. منذ أيام جدي الأكبر شهريار ونحن نتوارث السلطة في هذه القرية المنسيِّ أهلُها قيروان، ونَرِث مع السلطة لعنةَ جدِّنا الأول الذي كان يقتل زوجاته صبيحة العرس، إلى أن جاءت شهرزاد وألْهَته عن فعل القتل الشريف بحكاياتها التافهة على مدى ألف ليلة وليلة، إلى أن شَفَته – كما يدعي بعضهم- من فعل القتل بأن كشفت له عن عقدة النقص التي فيه، و( يبتسم بسخرية) لعلها كانت دارسة لعلم النفس، ومعجبة بآراء إدلر، فقد كان شهريار الأول عنِّيناً، لا يستطيع معاشرة زوجاته، فهو يقتلهن في صبيحة العرس لئلا ينفضح سره.

نعم أنا ابن شهرزاد، أقصد أحدَ أحفادِها، ولكن مِن مَن..؟ لا أدري، فلعنة العِنَّة تلازمنا جميعاً نحن ملوكَ قيروان المحروسة، وأيا كان أبي فهذا أمر ليس بذي بال، ولأنهم ثقَّبوا أذنيَّ منذ صغري بحكايات المعارك والحروب وتقديمَ القرابين في ساحات الوغى، وخيانات النساء لأزواجهن فقد عدَلت عن تسمية نفسي بشهريار الحادي والعشرين، وهذا هو ترتيبي، إلى شهروار، وقد ناسبني ذلك ففي هذا اليوم ولدت، وفي هذا اليوم من مارس، مطلعِ الربيع، عادة ما يتوَّج الشهرياريون ملوكاً لقيروان.

مكتبي هذا أردت أن يكون معرضاً لتاريخنا نحن الشهرياريين منذ أن كنا نعيش على الصيد قديماً (مشيراً إلى رؤوس الحيوانات المعلقة) إلى أن صرنا نعيش على الصيد المعاصر (مشيرا إلى الجماجم الثلاث) وعلى النفط والغاز (ممسكاً بمجسم ناقلة النفط) واستثمار حقول الفوسفات والذهب والسيلكون وغيرها،  وبين هذا وذاك حروب هنا وهناك خضناها ولم نضن أبداً بالشهداء من شعوبنا، وكنا نمنحهم، وهذا ما كان يقترحه علينا وزراءنا،  صكوك العبور إلى الجنة ليضعوها في ميزانهم يوم القيامة ويدخلوها بلا حساب. نحن في هذا حريصون جداً على أمنهم وسعادتهم واجتيازهم بنجاح الصراط يوم الحساب. يقال إن الصراط الرهيب رفيع جداً كالشعرة المشدودة، ويحتاج العابر فوقه إلى أن يكون بهلوانا في الدنيا حتى يستطيع العبور عليه في الآخرة لئلا يسقط؛ فتحته وعن يمينه وشماله جهنم، وفي نهايته الجنة الفيحاء.

(يرن جرس الهاتف فيتناول المهتف ويتكلم)

نعم.. نعم.. أسمعكَ بختيار.. تقول: إن مجلس شورى قيروان قد أقر ذلك.. حسن..يرون أن الملك يجب أن يتزوج لينجب ولياً للعهد، وأنهم اقترحوا عليَّ الزواج من شهرزاد.. كلا..كلا.. لا أريد شهرزاد أخرى تخدرني بحكاياتها التافهة وهي تخونني، انقل ذلك إلى المجلس الموقر.. يجب أن نبدأ عهداً جديداً متطوراً ونجدد النسل..(صمت) وما لها “إميني زاد”؟ نعم هي عشيقتي.. أتزوجها ؟ هذا اقتراح وسطي منك؟ لا بأس، سأفكر في الأمر رغم أن فكرة الزواج لا تعجبني، ويجب أن أتفرغ لخدمة شعبي .. حسن ..أبلغ أعضاء المجلس ذلك.. قل لهم إن شهروار سيفكر في الأمر.

(تخبو أنوار المسرح)

    *   *   *
شهروار : (وهو يعلق صورة عشيقته “إميني زاد” على الجدار، يلتفت نحو الصالة)

قلت لها يا “إيميني زاد” الشعب ومجلس الشورى يريدون أن نتزوج. ضحكت وقالت: (محاكياً صوتها)

–       هههه، وهل أنت قادر على فعل الزواج.

–       أنا لا أتحدث عن هذا. الشعب ومجلس الشورى يريدون ولياً للعهد.

–       ولكنك غير قادر على إنجاب ولي للعهد، دعنا في العشق فقط وهذا يكفي.

–       لابد من تلبية رغباتهم وإلا سيخلعونني ..  عليك أن تدبري أمر ولي للعهد. لو أنني أستطيع أنا أن أحمل وألد ولياً للعهد لما كنت طلبت منك ذلك. خسارة ألاّ يكون للرجل رحم.

ضحكت إيميني للفكرة وهزت كتفيها غير مبالية، فاضطررت لأن أفاتح أمي شهرزاد العشرين -حسب ترتيبها في السلسلة الشهرزادية- كي تقنعها بذلك، كانت أمي حكيمة، وكانت هي الحاكمة الفعلية لقيروان حين كان أبي على قيد الحياة.

نظرت أمي إليَّ ملياً وقالت: (محاكياً صوتها)

–       دع هذا الأمر لي، وانتبه أنت إلى تصرفات وزيرك بختيار، فإن رجال الخفية عندي يؤكدون أنه في الوقت الذي يُظهر لك الود والإخلاص فإنه يتصل بأعدائك، إنه يا بني يريد أن يزيحك ويثب على الكرسي.

–       أعلم ذلك يا أمي، هذا غير خاف عليّ، إنه نسحة طبق الأصل عن الوزير شاور*.

(يعلق صورة دنيا زاد على الجدار)

في البداية اقترح عليَّ وزيري بختيار أن أتزوج دنيا زاد 20 فهي حفيدة دنيا زاد الأولى أخت شهريار مبتدعة الحكايات السخيفة، ولكني رفضت. لا شك أن دنيا زاد شابة جميلة وحلوة، وغير مؤمنة بحكايات أختها التافهة، ولكنها كانت مبرمجة، نعم، أنا متأكد، إنْ صَدَق حدسي، أنَّ بختيار برمج دنيا زاد للتجسس علي وتنفيذ مهمات في مؤامراته ضدي، وبخاصة وأنها عشيقته المفضلة.

ما عدا ذلك وأرجو أن أكون مخطئاً فإن دنيا زاد هي فتاة مرحة، دلوعة، تحب المزاح والسخرية من الآخرين، وكانت كلما التقت بي تقول ممازحة: (محاكياً صوتها)

–       هالو وَرْوَر، أما زلت ترفض أن تتزوجني؟ وهل عشيقتك الحولاء أميني أجمل مني؟

–       يا دنيا زاد، يا عزيزتي، أرجوك، احفظي هيبتي كملك ولا تناديني ” هالو وَرْوَر” اسمي شهريار ولقبي شهروار وليس ورور. ثم إن عشيقتى ليست حولاء، هذه حُولة الحسن يا عزيزتي.

–       آسفة عزيزي شهروار، كنت أدلِّلك، ولكن حقاً لماذا لا تتزوجني، أنا مثلك لا أومن بسخافات وحكايات ألف ليلة وليلة، أنا واقعية وصريحة ومخلصة. إن تزوجتني لن ألِد لك ولياً للعهد زنجياً أسود اللون كالغراب، فأنا لا أحب معاشرة العبيد السود ولا مضاجعتهم.

فعلاً هي صريحة إلى حد إثارة الفضائح المستورة! ولا أدري ما الذي جمعها مع هذا النَّغِل* بختيار الذي يظهر لي الإخلاص ويقود خفية المعارضة ضدي، ويراسل أعداء البلد ليرسلوا المرتزقة ويثيروا الفتن ويسيلوا الدماء في قيروان المحروسة، وما يزيدني غمّا أنني لا أستطيع إعفاءه من منصبه؛ فثمة توازنات خارجية مفروضة، وله أيضاً قبيلته التي تناصره وتحميه.

(يرن الهاتف المحمول فيتناوله من جيبه ويتكلم)

ألو.. بختيار.. ماذا تحمل من أخبار جديدة أيضاً؟ تقول إن مجلس الحكماء هذه المرة وباسم الشعب قرر إن لم أعلن زواجي خلال أسبوع فإنه سيصدر قراراً بتزويجي من دنيا زاد.. إذن..هو الزواج مرغماً!؟ (ساخراً) أعلم أنه لا دخل لك في هذا الأمر وأنك مجرد ناقل لإرادة المجلس.. حسن، سأعلن زواجي فوراً. (يغلق الهاتف)

(يفكر) ماذا يريد هذا الثعلب من زواجي بإيميني زاد؟ .. ها.. ليقول بعد ذلك: إن الملك فقد شرعيته بعد أن  رفع إلى العرش راقصة بغياً مثل سالوما*

عليك اللعنة يا بختيار.

(تخبو أنوار المسرح)

    *   *   *
شهروار : (يستعرض صوراً فوتوغرافية لمشاهد العرس ويفردها على الطاولة) أصبح لدي مجموعة من صور العرس تشكل إلبوما ممتازاً يمكن أن ندرجه في المناهج الدراسية، وهذا ما لم يفعله أحد من ملوك قيروان قبلي (يبدأ بجمع الصور ووضعها في الحافظة) لا بد من التحديث والتوثيق في جميع المجالات الحياتية والمعرفية، وستقرأ الأجيال القادمة أنه كان عرساً مطنطناً لا يشبهه إلا زواج قطر الندى* أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون و ذلك لما أحاط حفل زفافها من مظاهر الأبهة والعظمة، حين زوجها أبوها من الخليفة العباسي المعتضد بالله، وقد حمَّلت قافلة زفافها المتجهة من القاهرة إلى بغداد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت: أربعَ قطع وقبة من الذهب، أقراط معلقة فيها حبات الجواهر، دكة من الذهب لتضع العروس عليها قدميها الشريفتين، مائة هاون من الذهب يُدقُّ فيها العود والطيب، ألف مبخرة من الذهب، عدا عن مئات الصناديق المحتوية على الملابس، والأقراط، والسلاسل الذهبية، وفصوص الأحجار الكريمة. وقد أمر أبوها أن يبنى لها في كل منزلة من الطريق مابين القاهرة وبغداد قصراً لتستريح فيه من عناء السفر.

كان زفافاً أسطورياً يصل إلى حد الخرافة. هناك أعراس وزفافات كثيرة دخلت التاريخ لأسباب تتوقف عليها علاقات بين الدول، أو تغطية لهزائم متلاحقة، أو ديات لأرواح أُزهقت في الحروب والفتن، أو تغطية لمجاعات الشعب البائس.

لم يكن زفافي على إميني زاد بأقل من زواج قطر الندى، ولا زواج الأميرة الإيبلائية كيشدوت على ملك كيش، ولا زواج شابتو الأميرة الحلبية ابنة ياريم ليم ملك حلب/يمحاض على ملك ماري زمري ليم، فأنا أيضا سليل الأسرة الشهريارية وملك قيروان المحروسة. وشعبنا كريم معطاء حتى ولو عاش على الرغيف الأحدب والكعك الأعجف.

في حفل زفافي على إميني زاد تلقيت أفخر الهدايا من التجار والمسؤولين وملوك الدول البعيدة والقريبة، وصام الشعب ثلاثة أيام صوماً طوعياً ليوفر للزفاف ضريبة فرضها الشعب على نفسه باسم هدية الزفاف، ومُدت الموائد للجميع وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من ألوان الطعام، وشرب الناس وسكروا، وانعقدت حلقات الرقص في القصر الملكي وفي الشوارع. ورقصنا أنا وإيميني زاد حتى مطلع الفجر، وقد أَمَرتُ وزارة المخطوطات والوثائق بأن تصور هذا الزفاف الأسطوري ليكون مجداً ومفخرة للأجيال القادمة، ويحلو لي بين الحين والآخر أن أستعرض هذا الفيلم الوثائقي الثمين.

(يأخذ من درج الطاولة جهاز التحكم ليعرض على الشاشة مشاهد من العرس وبخاصة مشاهد خاصة من رقصه الماجن مع إيميني زاد وتنساب خلال العرض، وبخفوت موسيقى وأغنية زفة العروس وكأنها آتية من بعيد)  

الله عليكي يا عروسة شك الألماس

وباسم النبي محروسة من عيون الناس

الله عليكي

الله عليكي وعلى طولك ربي يصونك

الورد فتّح بخدودك يا زينة الناس

الله عليكي

شوفو العروس المجلية روح والنية

يا ربي جازه هنيّه زي الألماس

الله عليكي

(تظلم الشاشة وتخبو أنوار المسرح)

    *   *   *
شهروار : انقضت أيام العرس، وشغلتني الأحداث الجسيمة في المدينة وخارجها، وذات يوم جاءتني إيميني زاد مبشِّرة بأنها حامل ففرحت وكما لو أن هذا الأمر أنا صاحبه، فهذا يصرف الأقاويل والتآمر ضدي، غير أن إيميني أردفت قائلة: (محاكياً صوتها)

–       ألا أستحق على هذا الخبر جائزة منك؟ أريدك أن تحمل لي رأس بختيار على طبق من ذهب.

–       لماذا يا عزيزتي، تعلمين أنني لا أستطيع.

–       لأنه كلما رآني انحنى بسخرية، وحيّاني بخبث وقال: احتراماتي مليكتي سالوما، هل أنا بغي؟

–       معاذ الله، أنت أطهر من عليها، لا تغضبي، سأنصبك قدّيسة مع مطلع الربيع، وأصنع لك تمثالاً في ساحة قيروان، وهذا أفضل ردٍّ على هذا الفاسق.

لم يمض على هذا النبأ السعيد غير شهور، وأنا مشغول بمحاربة الأعداء والفساد، حتى بدأت أحس بوهن في مفاصلي، وتبلد في دماغي، واختلال في تصرفاتي وردات فعلي، كأن برنامجاً رئيساً في داخلي قد تلف، وعندما حضرت أمي شهرزاد الوفاة، وشكوت لها ذلك، قالت لي: (محاكياً صوتها)

–       ادن مني يا ولدي واسمعني جيداً قبل أن ألفظ أنفاسي الأخيرة.

فدنوت منها وقبلتها من جبينها، ومسحت دمعتين وهميتين من عينيَّ، فقالت: (محاكياً صوتها)

–       يا ولدي، اِعلمْ بأنكم أنتم ملوكَ قيروان، الشهرواريين العتاة، لستم سوى ظلال، أنتم كما قال الشاعر:

شخوص وأشباح تمر وتنقضي     سريعاً، وأشكال بغير وفاق

تجيء وتمضي تارة بعد تارة     وتفنى جميعاً، والمحرِّك باق

(إظلام)

 

 

-2-

                                             بختيار

 

 

    (المسرح خال إلا من طاولة صغيرة وعليها حاسب لابتوب، وبجانبه سماعة هدفون للأذنين للاتصال عبر اللابتوب، على الطاولة ثلاثة هواتف أرضية، وفي الخلف شاشة العرض.

الوزير بختيار يلعب الشطرنح، ويبدو أنه يلعب افتراضياً مع شريك آخر عبر النت والشات. تنعكس على الشاشة الكبيرة نقلات الشطرنج)

بختيار : (سماعة الهدفون على أذنيه يتحدث وكأنه يخاطب الشريك، يضحك بعد نقلة موفقة) كش ملك.. هههه اسمع يا صاحبي..(يضع سماعة الهدفون جانباً ويصبح الخطاب المخصوص عاماً)  عندما تتقن لعبة الشطرنج تتقن لعبة الحكم. تدفع بالبيادق أولاً، لا بأس أن تضحي بها، هاجم بالقلعة والفيل، الحصان للمهمات التي تحتاج إلى القفز فوق رؤوس الجميع، الوزير هو لولب الحركة وعليه أن يحافظ على نفسه، قد يسقط الشاه أما الوزير فلا.. شعاره: “كن آكلاً ولا تكن مأكولاً”.

(يغلق اللابتوب فتنطفئ شاشة العرض وينهض)

نحن عائلة ورثنا الحكم كابراً عن كابر. منذ أيام جدي الأكبر بختيار الأول الذي كان وزيراً لشهريار الأول سفاح النساء ونحن نتوارث الوزارة في هذه القرية المنكوب أهلُها قيروان، وقد ظَلَّ شهريار سادراً في إجرامه إلى أن تطوعت شهرزاد ابنة جدي الأكبر فتزوجته وراحت تقص عليه كل ليلة حكاية تعلِّق نهايتها إلى الليلة التالية حتى ألفِ ليلة وليلة، وهكذا روَّضت ذلك الحيوان الجامح فأنسنته، وهذَّبت طباعه. ومنذ ذلك الوقت ومهمتنا نحن الوزراءَ البختياريين المعارضةُ وترويض الملوك.

تلك الحكايات في غاية الروعة والأهمية، مختارة ومتقنة في موضوعاتها وحبكتها حتى صارت تراثاً عالمياً. هذه التي يقول عنها اليوم شهروار: إنها حكايات تافهة. ولكن وكما يقول المثل الشعبي: شو فَهَّم الحمير بأكل الزنجبيل.

(تصدر إشارة اتصال من هاتفه المحمول، يتناوله من جيبه ويضعه على أذنه يستمع ثم يتكلم)

مولاي شهروار، احتراماتي..تقول إنني ألعب بذيلي..لماذا تقول ذلك وتتهمني؟ تعلم أنني مخلص لك ولأسرتك المجيدة، كنت فقط ألعب الشطرنج وأتحدث منذ قليل عن أمجاد أسرتكم الحاكمة، وثائق العبور..نعم..نعم.. أنا أهيئ وثائق العبور إلى الجنة وقد طبعنا عددا منها مع صور المطلوبين لخدمتكم، ستكون لديكم في القصر هذا المساء.. الأحوال جيدة والناس يؤدون صلاة الشروق أمام تمثال مليكتنا المعظمة إيميني زاد .. آه.. عفوا القديسة إيميني زاد كل صباح قبل الذهاب إلى أعمالهم، نعم.. نعم.. الحركة السياحية ناشطة وقد وردتنا طلبات عديدة من دول مجاورة لزيارة القصر الملكي .. بالضبط.. هذا يذكرهم بقصر زمري ليم* في ماري والوفود التي تأتي لزيارته مما يؤكد عراقة قيروان في فن الريازة والعمران.. لا شكر على واجب يا مولاي..كما صدر الديوان القيرواني لشعراء قيروان في مديحكم وتعداد انجازاتك وانتصاراتكم في الحروب وسيوزع على السائحين مجاناً وعلى الشعب بأسعار رمزية وتشريفية.. دمتم يا مولاي.

(يغلق الجهاز)

عليك اللعنة.

سلالة من العنينين السفاحين، ذاك يقتل النساء صبيحة الزفاف، وهذا مغرم بالشباب يقضى مع أحدهم ليلته ثم يتخلص منه بعد أن يزوده ببطاقة مرور إلى الجنة، وإذا كان معجباً بالشاب أكثر منحه سويتاً فاخراً في أحد فنادق الجنة مطلاً على نهر الكوثر..هكذا.. ونحن وزراءَ قيروانَ المنكوبة علينا أن ننهض بأعباء الحكم وحاجات الناس.

أنا لا أتقوَّل على هذا الرجل، لقد أخبرتني دنيا زاد وهي عين لي في القصر أن لشهروار معتقداً دينياً خاصاً ورثه عن السلالة الشهروارية يبيح له التضحية بكل شيء من أجل المتعة ومصلحته الخاصة، ولما سألتها عن ذلك قالت: (محاكيا صوتها)

–       قال لي شهروار ذات ليلة:

–       (محاكيا صوت شهروار) انظري يا دنيا زاد إلى هذه الرؤوس المعلقة في قصري، ماذا ترينها؟

–       (محاكياً صوت دنيا زاد) أراها رؤوس حيوانات.

–       الآن سأمسح على عينيك.. والآن ماذا ترينها؟

–       أراها رؤوسَ بشر.

–       أرأيت الفارق بين خداع البصر والحقيقة، ما البشر عدا سلالتنا المقدسة سوى حيوانات في الحقيقة ولكن خداع البصر يريكم إياهم بشراً.

قلت لها: هذا معتقد تلمودي قديم تبنته هذه العائلة، ولهذا هو  يضحي بسخاء بمواطني قيروان وشبابها، ثم يمنحهم صكوك العبور إلى الجنة. يا عزيزتي هذا الملك المخنث لن يتورع عن إبادة شباب قيروان بدم بارد.

    *   *   *
شهروار : (يعلق صورة له ولدنيا زاد وهما في مقهى صيفي بين أحضان الطبيعة، بجانب نبع ماء، يحتسيان القهوة)

يقول المثل في اكتمال الجمال، جمال النزهة: ” خضرة وماء ووجه حسن”.

كانت دنيا زاد تحكي لي كل أسرار القصر، كانت تأمل أن أتزوجها، ولكنني لا أومن بالحب ولا بالزواج، أومن فقط بالمتعة اللحظية.

دنيا زاد فتاة مرحة لطيفة ولكن مشكلتها أنها لا أباليَّة، تقول دائما: ” فخّار يكسِّر بعضو”، وكانت كثيرة المطالب، وهذا يكلفني كثيراً، مما ألجأني إلى أن أفرض بعض الضرائب لأسدَّ حاجاتها، وأعتقد أن الناس يتفهمون هذا الأمر لأن المسؤول مثلي كوزير أول يجب أن يجد الراحة النفسية ليتفرغ لمتابعة شؤونهم ومصالحهم.

يعتقد شهروار أنني أتحكَم بدنيا زاد كما أريد ولهذا رفض الزواج منها، وفي الحقيقة أنني لا أدري من الذي يبرمج الأخر، أنا أَمْ دنيا زاد؛ إنها تبتزُّني. فاجأتني ذات يوم وكنا في مقهى صيفي نحتسي القهوة وقالت: (يحاكي صوتها)

–       اسمع يا بختيار، علاقتي معك ستكون مشروطة، علاقة مصلحة، بيزنس.

–       خير دنيا زاد، هل أصبت بلوثة في عقلك؟

–       مثلما أنت مصاب بلوثة في مالك.. تضحك عليّ ببعض الهدايا التافهة وتعاشرني كأنني بغي..كلا يا عزيزي، سأكون شريكتك في جميع الصفقات التجارية التي تعقدها مع التجار، لن أطمع، تكفيني ثلاثون في المئة.

–       هل تريدينني أن أخسر؟

–       وما الذي تخسره؟ أنت تشارك التجار باسمك فقط وحمايتك لهم، هذا كل رأسمالك.

لم أكن لأستطيع أن أرفض، ليس لأنني أحبها فأنا لا أومن بالحب، ولكن لا أستطيع أن أقيم علاقات مفتوحة مع عديد من النساء لئلا أنفضح فيقول الناس: يدَّعي المعارضة وهو زير نساء وشريك التجار في أرباحهم.

(محاكياً صوتها)

–       وأريدك أيضاً أن تقيم لي تمثالاً في متنزه المدينة وتعلنني قديسة.

–       اسمعي با دنيا زاد، هذا ليس من اختصاصي، إنه اختصاص المجمع الكهنوتي في قيروان، والكلمة في ذلك للكاهن الأكبر الملك، وهو لن يوافق.

–       تقصد مجلس الشورى؟

–       يا سيدتي عندما يكون الملك هو الكاهن الأكبر يكون كل من يقف وراءه في الصلاة من المسؤولين والحكام كهنةً صغاراً.

(تخبو الأضواء لحظة)

    *   *   *
بختيار : (ينظر في ساعته) حان الوقت (يتناول من درج الطاولة مستطيلاً من الخشب مكتوب عليه: الوزير الأول، شكاوى المواطنين من 11-12)

هذا الموعد اليومي مقدس عندي، يستطيع أي مواطن أن يتصل على أرقام تلفوناتي مباشرة. أنا لا أثق ببرنامج شكاوى المواطنين في الإذاعة ، ولا باللقاءات التلفزيونية مع المسؤولين حول ذلك، بل لا أثق بالإعلام جملة.

(يرن جرس تلفون1) ألو..نعم.. تكلمي بهدوء يا سيدتي ولا تبكي، لا أستطيع أن أفهم شيئاً وأنت تبكين (صمت، يستمع) تقولين إن أَمْن الحرس الملكي قد اعتقل زوجك للتحقيق بحجة المعارضة ، وصادر رواياته وقصصه، ولا معيل لكم ولديك ثلاثة أولاد. حسن.. وصلت القصة، سأتابع الموضوع، اطمئني، وتستطيعين أن تراجعي محاسب الوزارة لتقبضي ما يعادل راتب زوجك.

(يغلق الهاتف، ويرن الهاتف رقم2  فيتناول المهتف)

ألو.. من؟.. مولاي شهروار.. لم أكن أتوقع أن تتصل بي على هواتف شكاوى المواطنين وبيننا خط اتصال ساخن..نعم.. نعم..تقول إنك أيضا مواطن كغيرك في قيروان ويحق لك تقديم شكوى! إنك يا مولاي سيد المواطنين.. حسن .. حسن.. ما هي الشكوى؟

يا للهول..محاصيل القمح تحترق، المزارعون خرب بيتهم  وأنت تتهم المعارضة! هذا غير معقول يا مولاي، أنت تعلم أنك شريك مع بعض المزارعين مثلما أنا شريك، والمرء لا يطلق النار على نفسه ولا يحرق بيته بيده.. ربما حدث ذلك من حرارة الشمس أو من رمي أعقاب سجائر من المارة. حسن .. حسن.. سأشكل لجنة تحقيق في ذلك، وسأحاول تعويض المزارعين الذين يهمك أمرهم.. احترامي مولاي (يغلق الهاتف)..هههه والذين يهمني أمرهم أيضاً.

(يرن الهاتف3 ويتناول المهتف)

ألو.. ماذا تقول؟ البرغش يهاجم المدينة، يدخل في الأنوف والأفواه ويملأ صحاف الطعام! البرغش يأكل أجساد المواطنين في المدينة! وهل هذه شكوى ترفعها إلى الوزير الأول في قيروان؟ حسن.. حسن.. سآمر البلدية بأن ترش المبيدات.. ماذا؟ غير معقول، رشت المبيدات ولم تمت برغشة واحدة! هل نحن في أيام فرعون وموسى وما ابتلاه الله ؟ آااا هااا تقول إن الناس يعتقدون أن هذا البرغش هو أرواح الموتى ومن قتلوا ظلماً من شباب قيروان..! كفى..هذه مجرد خرافة سخيفة (يغلق الهاتف بعصبية) عليكم اللعنة.

    *   *   *
    (بختيار يحمل مستطيل الخشب بيده، يسير وهو يفكر)
بختيار : أتاحت لي هذه الزاوية شكاوى المواطنين مجالاً رحباً للتفكير وأنا أستعرض بعض الأحداث الغريبة: محاصيل القمح التي تحترق .. هل هي قضاء وقدر أم بفعل فاعل؟ البرغش الذي يهاجم المدينة ولا تقتله المبيدات.. هل هو حقاً برغش حقيقي أم حشرات آلية، طائرات مجهرية صنعية دقيقة الصنع أرسلها العدو مقدمة لغزو قادم لقيروان من وراء الحدود؟ شهروار الذي بدأ يعاني داء الركب وفقدان الليونة في جسمه وعدم التحكم في تصرفاته كما أخبرتني دنيا زاد.. حتى بدأت أشك في نفسي، هل أنا مخلوق بشري أم إنسان آلي؟

(يصدر عن اللابتوب إشارة اتصال فيسرع ويفتحه ويضع الهدفون على أذنيه ليتابع لعبة الشطرنج، وتضاء شاشة العرض لإسقاط اللعب عليها)  

أهلا بك، أنت أيها المجهول، يا من تلاعبني في هذا العالم الافتراضي، دعنا ننه هذه الجولة من اللعب، ولكن قل لي: من أنت ، وهل أنت مخلوق بشري أم إنسان آلي؟ (صمت)

حسن أنت ترفض الإجابة، إذن دعنا نلعب.. معك حق..هذه الحياة مجرد لعبة سخيفة مفروضة علينا.

(تنعكس على الشاشة نقلات عدة لقطع الشطرنج وأخرى مقابلة لها)

كش ملك..مات الشاه.

(إظلام)

 

 

-3-

إيميني زاد

 

 

    (فضاء فسيح، أغنام ترغى، كلب يحرس الأغنام، إيميني راعية الغنمات تجلس على صخرة تقرأ في كتاب ، وفي حضنها المزمار)
إيميني زاد : كثيراً ما أسأل نفسي هذا السؤال التقليدي: هل الإنسان مجبر أم مخير؟ وهل نحن أناس آليون تحركهم قوى علوية أم وضعية؟ مهما يكن الجواب لا أحد يعلم ما الذي يخبئه له القدر.

أنا من قرية نائية، فتاة ترعى أغنام القرية، مغرمة بقراءة الروايات والأشعار العاطفية، وحين أسرح بأغنامي كنت أحمل معي كتاباً أقرأ فيه، وقد أتاحت لي القراءة وامتداد النظر اللامحدود إلى السماء والطبيعة التفكر حيث تتوارد في خاطري أسئلة كثيرة أبحث لها عن إجابات، كما منحتني مهنتي الفرحَ الغامر وسط المروج فكنت أعزف على المزمار ثم أنهض وأراقص كلبي الأليف.

ذات يوم مر بي شاب على فرس أبيض، كان  جميلاً وأنيقاً، خلته أحد البوهيميين الشباب الذين يرمون الحياة وراء ظهورهم ويعاكسون الفتيات، وكنت أعزف على المزمار وأراقص كلبي، وكتابي على الأرض مفتوح الصفحات، نظر إليَّ وهو يبتسم ثم قال: (محاكية صوته)

– تعالي يا فتاة، هل عندك شربة ماء؟

أعطيته مطرتي*، راح يشرب و يطيل النظر إليّ.

–       ماذا تفعلين في هذه البرِّيَّة؟

–        كما ترى، أقرأ، أتأمل، أرعى الغنم، أراقص كلبي الأليف.

–        هل تذهبين معي إلى قصري فأكون كلبك الأليف ترقصين معي؟

–        ومن أنت؟

تناول التاج من جيب فرسه، وضعه على رأسه وقال:

–       أنا شهروار ملك قيروان.

–       أوه مولاي، لا تسخر مني، أنا مجرد فتاة قروية ترعى الغنم.

–        أنا لا أسخر، وأنا مجرد ملك على الورق وفي أفواه الرواة، أرعى شؤون مملكتي مثلما ترعين أنت أغنامك، يا عزيزتي ” ما حدا أحسن من حدا” هيا معي وستكونين ملكة على قيروان..وسيعود كلبك بالأغنام إلى القرية.. ولكن لم اسألك عن اسمك.

–       إيميني.

–       سيكون اسمك في القصر إيميني زاد.

تناول ذراعي وأردفني وراءه على الفرس، ومضى.

(تخبو الأضواء قليلاً)

    *   *   *
    (غرفة نوم في جناح إيميني زاد بالقصر الملكي، سرير، مشجب، طاولة عليها مزهرية فيها ورود، تلفون، وعلي الطاولة أيضاً مربع خشبي مفروش بمرج صناعي، وفيه مجسمات بضعة أغنام )

 

إيميني زاد : (تتجمل أمام المرآة ، ثم تنهض وتلبس كيموناً زهرباً)

عندما صرت في القصر خلعت ثوب الراعية ولبست ثوب المدينة، لكن ثوب الراعية لم أستطع أن أخلعه من داخل الروح التي تعودت على هدوء الطبيعة وجمالها. كان عليَّ أن أجد لنفسي مكاناً في الوسط الجديد، وأن تلاءم مع وسط مليء بالمتناقضات: بختيار يكرهني، دنيا زاد عَدَمية غير مبالية لا تؤمن بشيء، شهرزاد ظلت تثقلني بنصائحها حتى توفيت، شهروار أعرف جانباً منه وتخفى عني الجوانب الأخرى، وربما أنا التي لا يهمني معرفتها،كان غريب الأطوار لكنني أحببته، ربما لأنه لم تزل تنطبع في ذاكرتي تلك اللحظة المجنونة التي انتزعني فيها من بين غنماتي وأردفني فيها وراءه على الفرس وقال: (محاكية صوته)

– التصقي بي يا إميني وأحيط خصري بساعديك جيداً لئلاّ تسقطي.. أوه كم جسمك لذيذ ودافئ.

أحبني شهريار وأحببته، حتى بعد أن علمت أنه لا يستطيع الإنجاب على الرغم من أنه يجيد المعاشرة. كان مرحاً رقيقاً معي، نقضى الآصال في الرقص وسماع الموسيقى وقراءة الشعر، وفي الليل ينام وحده في جناحه الخاص بالقصر، وأنام أنا في جناحي مع وصيفاتي. كان يستقبل بعض الزوار في جناحه ممن هم في سنه من الشباب، ولا أستطيع أن أؤكد ما يشيعه عنه بختيار. لقد عزمت ألا أتدخل في شؤون الحكم أو شؤون الآخرين الخاصة، هكذا علمتني أمي.

قالت لي أمه شهرزاد ذات مرة: (محاكية صوتها)

–       يا ابنتي، لماذا تَدَعين زوجك ينام وحده في جناح خاص، وتنامين أنت في جناح آخر؟ أليس لديك حكايات تحكيها له كل ليلة؟ هل تريدين أن أعطيك نسخة من ألف ليلة وليلة؟

–       كلا يا أمي، إنه يكره الحكايات، ولا يريد سماعها.

–       ولكن ليس من اللائق أن تناما منفصلين.

–        هو الذي يرغب في ذلك يا أمي.

–       حتى الحكايات العاطفيه الحميمة لا تستهويه؟

–       نعم.. حتى هذه.

–       إذن عليك يا إيميني زاد أن تتدبري ولياً للعهد بطريقتك الخاصة، وسيكون ذلك سراً لا يطلع عليه أحد.

الفتاة راعية الغنم لا يمكن أن تخرج من عباءتها، تعودتُ منذ قدومي إلى القصر أن أخرج في جولات منفردة في أسواق قيروان وشوارعها وضواحيها، وأن أتجول قي أحيائها الفقيرة، وقد آلمني ذلك الفارق الواسع بين الطبقات، وما يعانيه معظم الشعب من قهر وفقر مدقع بسبب الظلم والفساد المستشري في أجهزة الدولة. قالت لي مرة امرأة شابة تعمل في ورشة للبناء، وضعت رضيعها في شرشف على ظهرها وهي تحمل على رأسها قرميداً للبناء: (محاكية صوتها)

–       يا مليكتنا الحسناء، هل أنت هبطت من السماء أم ولدتك أمُّنا الأرص؟

–       ولماذا تقولين ذلك؟

–       لأن أهل النعم والقصور لا يعرفون هذه الأحياء ولا يتجولون فيها.

–       يا فتاتي، أنا في القصر، وأنا الملكة، ولكنني لست من أهل النعم.. أنا .. هنا..في القلب كما أنتم.

علَّمتُ شهريار نظم الشعر، وكنا نقرأ القصائد معاً ونسمع الموسيقا، ولكنني أبداً لم أقرأ له رواية أو أروِ حكاية، كان يكره ذلك، قلت له ذات مرة:

–       اسمع يا حبيبي، الشعر من الشعور، ولا يمكن لأحد أن يدعي بأنه شاعر ما لم يحس بآلام ومشاعر الآخرين، لماذا لا تفعلون شيئاً لهذه الطبقات الفقيرة المسحوقة في قيروان؟

نظر إلي، تبسم، ثم قال: (محاكية صوته)

–       افعلي شيئاً يا إيميني.. أما أنا فلا أستطيع.. أ تعلمين الآن لماذا اخترتك زوجة من هذه الطبقات التي تتحدثين عنها.. افعلي شيئاً يا حبيبتي وأنا موافق، فأنت يا بنت البراري أكثر حرية مني، أما أنا فلا.. كأنني مسيَّر من قوة أجهلها.

–       (تخبو الأضواء لحظة)

     
    *   *   *
    إيميني زاد في السرير تقرأ، يرن جرس الهاتف، تنهض وتتناول المهتف)
إيميني زاد : ألو.. أوه.. غفران..أهلاً بك.. خبِّريني هل أكملتم استعداداتكم لافتتاح مشفى السلام.. مئة سرير.. عظيم، طبعاً سيكون مجانياً للفقراء، وقسم خاص بخدمات سياحية لمن يستطيع الدفع وبذلك يسدد جانباُ هاماً من نفقاته.. كلا ما أظن الملك سيحضر الافتتاح.. أوه..طبعاً تستطيعين زيارتي في القصر حين الضرورة.

(تغلق الهاتف، تعود إلى السرير وتقرأ، يرن الهاتف من جديد فتنهض وتتكلم)

ألو.. منير .. أهلاً .. إذن الكادر التعليمي اكتمل لديك في المعهد..عظيم.. التعليم مجاني طبعاً،  وأنا تقصدت بناءه في الحي الشرقي فهو مهمل تماماً وسكانه فقراء، الكتب ستطبع وتوزع بالمجان.. الناس يهتفون باسمي.. لا.. لا أريد ذلك، فليهتفوا باسم الملك..

(تغلق الهاتف فيرن من جديد وتتناوله) ألو.. دار المسنين، صار لديكم هاتف إذن.. ثلاثة خطوط .. هذا جيد، خصصوا خطاً لاتصالات النزلاء.. القسم الغربي في الطابقين الأول والثاني للنزلاء الأغنياء الذين يدفعون أجور إقامتهم وبذلك نسد نفقات القسم الشرقي المجاني. .. تقول تم تسجيل مئة وخمسين نزيلاً من القسمين.. عدد لا بأس به، حسن، سيكون الافتتاح الخميس.. ربما يحضر الملك الافتتاح أما الوزير فلا.. سلام

(تغلق الهاتف)

سأبقى راعية ما حييت، هذا هو جلدي لا أخرج منه،  لقد علمني رعي الغنم الكثير، الحياة حب ورعاية.

لم يكن الملك ليعارض أعمالي، كان بحاجة إلى من يحسن صورته التي شوهها بختيار أمام الناس، وكنت أتمنى لو أنه هو الذي يبادر بهذه الأعمال الجيدة ، ولكنه يبدو لي وكأن قدراً ما يسوقه وبخاصة بعد أن بدأ يحس بارتباك في أعضائه واضطراب في تصرفاته، مع بعض الصحوات التي كنا فيها نمارس الرقص والسمع إلى الموسيقا والشعر.

أما بختيار فقد أبدى امتعاضه ومعارضته لأعمالي هذه، بل وأرسل لي دنيا زاد تنصحني وتحذرني للكف عنها.

(تسوي السرير وتجلس عليه متأهبة للنوم)

دخلت عليَّ وكنت متأهبة للنوم وقالت: (محاكية صوتها)

–       آسفة إيميني إذ جئت في هذا الوقت المتأخر.

–       خير..دنيا زاد؟

–       أرسلني بختيار وأوصاني ألاّ أقول لك أنه هو الذي أرسلني.

–       وماذا يريد بختيار؟

–        يريد أن تكفي عن هذه الأعمال التي تضر به، وإلا ..

–       وإلاّ ماذا؟ يهددني! أنا لا أتعرض لمصالحه.

–       يقول إنه كزعيم للمعارضة يرى أن أعمالك وهي باسم القصر تؤخر الثورة وتزيد من شعبية الملك.

–       وأنت ما رأيك؟

–       أنا لا يهمني شيء.. فليفعل كل امرئ ما يحلو له، الحياة عدم ولا معنى لها، أنا لا أؤمن بشيء، لا بالقصر ولا بالثورة  ولا بالشعب..(صمت) أنت لا تكرهينني إيميني.

–       ولماذا أكرهك يا دنيا. عيشي كما يحلو لك.. (صمت) دنيا ما الذي قاله بختيار لك عن رؤوس الحيوانات المعلقة في جناحه.

–       ومن أخبرك بذلك؟

–       أخبرتني حماتي شهرزاد قبل وفاتها.

–       ياعزيزتي، بختيار يكذب على لساني، ويكذب على الملك ويكذب على الشعب، الكل هنا يكذب.. (ناظرة إليها بإعجاب) ما عداك.

–       حسن دنيا.. سنبقى صديقتين.

–       بالتأكيد، آسفة إيميني على الإزعاج .. تصبحين على خير.

خرجت دنيا زاد، وتمددت في السرير ، جافاني النوم وأنا أفكر.

(تخبو الأضواء قليلاًً)

    *   *   *
    (عرض على الشاشة، شهروار وإيميني زاد يرقصان رقصة سريعة حافلة بالحركة والاستعراض، ثم تعتم الشاشة)
إيميني زاد : حدث ذلك بعد أن تناولنا الطعام والشراب، وشربنا، وقرأنا قصائد اختارها شهروار بنفسه، وكانت كلها تتحدث عن الرحيل ووداع الأحبة، واستمعنا إلى الموسيقا، ورحنا نرقص.. ونرقص بجنون.

(يعود العرض على الشاشة وهما يرقصان، وفجأة يسقط  شهروار على الأرض. تتوقف إيميني زاد وتنظر، لقد تفككت أعضاؤه، وابتعد رأسه عن جسده، وبرزت منه نوابض ووشائع وصفيحة تحكم. إنه كان روبوتاً. ينتهي العرض على الشاشة وتظلم.

 إيميني حزينة، تركع وتحضن رأس شهروار وتطبع قبلة على جبينه ثم تنهض)

كان يجب أن أدرك ذلك من قبل، جاء الأمر من بعيد.. من بعيد جداً.. نعم جاء الأمر بتدميره ذاتياً، يبدو أنهم قد صنعوا رجلاً آخر. إوه إنها خرافة، ولاة العهد مجرد خرافة.

( تبدأ بجمع بعض أغراضها وبسرعة في محفظة، تعلقها على كتفها ثم تسير خارجة. تلتفت نحو الصالة)

لا بأس.. كانت تجربة وعلي أن أعود من جديد راعية للغنم.

     
    ستار

 

الخميس 13/6/2019

9 شوال 1440

للاتصال بالمؤلف قبل تناول أي عمل له للعرض في المسرح

هاتف محمول و(واتس): 00963955680098

حلب- سورية

بريد إلكتروني:   ar.kalaji@gmail.com

الاتصال بالمؤلف قبل تناول أي عمل له للعرض في المسرح

 

* شاور الوزير لدى آخر خلفاء الدولة الفاطمية بمصر،عرف بتآمره واتصالاته المشبوهة مع الصليبيين. قتله شيركوه قائد نور الدين الزنكي وصلاح الدين.

* الفاسد النسب، المولود عن زنى.

* أغرت هيروديا وهي امرأة يهودية ابنتها الراقصة سالوما لتطلب من عشيقها الملك هيورودس أنتيباس أن يحمل لها رأس النبي يحيى في طست من الذهب.

* قطر الندى توفيت سنة 287 هـ – 900 م

* زمري ليم ملك ماري وقد بنى لزوجته قصرا عظيما وممن طلب زيارته ملك أوغاريت.

* وعاء ماء معدني مبسط ملفوف بالقماش للتبريد، يعلق في الخصر.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock