نصوص

“حواء والتفاحة” .. مونو دراما للكاتبة السورية أمينة حنان


المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

 

أمينة حنان

 

 

حواء والتفاحة

 

مونو دراما

 

الشخصيات

 

 

حواء : امرأة جميلة، وهي من النوع الذي يستطيع أن يحافظ على قدر من جماله في مختلف الظروف ومراحل  العمر، وهي كهذه الطبيعة التي تتعاقب عليها الفصول، وكالبركان الذي ينشط فيقذف الحمم ثم يخمد ويحلو العيش في سفحه وظلاله. إنها ذات نزعة ثورية على واقع بليد غبي.

لا شك أتها مغرمة بجسدها كالنرجسة العاشقة لذاتها، فهي تتحسسه وتعتبر ذلك نوعاَ من العبادة، وتجيد انتقاء ملابسها.

على الرغم من قلبها العارم المضطرم بكره الجنس الآخر بسبب تجاربها المريرة إلا أن في أعماقها بذرة تنتش ولا تموت، وتتماهى في التوق إلى حب خالد تمنح فيه حبيبها  كل ما لديها من عاطفة ومال. ولكنها تبقى أبداً شهية كالتفاحة التي طعِمها آدم في الجنة.نداء الحية في داخلها لا يهدأ: حرية الروح والعقل والجسد. وهذه النزعة تتقمصها حتى في عشق الرجولة المخبوء في أعماقها.

وهي كالطفل الذي يعيش قي أعماقها تنتابها موجات من الكره والحب تبين في سلوكها وعباراتها، مما يجعل قارئها يحار هل يرفضها أم يتعاطف معها.

 

 

(إضاءة خفيفة جداً وقريبة من الظلام.

تتدلى من السقف خمسة أشرطة معقودة الرأس كأنها مشانق… وفي الوسط حبل ينتهي بحزام بنطال رجالي معقودوإذا فُرد يمكن أن يصير أرجوحة طفل في المهد. كل الأشرطة خارجة من طاولة مقلوبة تتدلى من السقف وعليها كؤوس شراب مقلوبة ملتصقة بالطاولة إضافة إلى أوراق الشدة.

في جوانب المسرح باب ملتصق بالسقف ويده في الأعلى … بعيد المنال عن الأرض … ثلاثة نوافذ زجاجية ملتصقة بالأرض… في البداية جميعها مغطاة بالستائر .

خزانة كبيرة مليئة بأحذية حواء وكأنها تمنحها الذكريات متتالية بلا هوادة. ببغاء في قفص معلق تحادثه. كلب على الأرض محنط .

لوحة للجدة على الجدار وعلى عينيها نظارات للقراءة.

ساعة جدارية تدق بين الحين والآخر.    

في صدر وعمق المسرح شاشة إسقاط ضوئي وتحتلها باستمرار صورة غزالٍ يعدو في البراري، شفاف زجاجي أزرق فاتح اللون .. تتشكل أوضاعه وحركته والبراري التي يتواجد فيها مع صيرورة المسرحية

مدى حبيب حواء هو الغائب الحاضر، وكل شيء يوحي بعالم مقلوب مماثل لمقلوب حروف آدم بمدى ).

 

(إظلام )

 

المشهد الأول

الجدة ذات النظارات

 

حواء : القمر بعيد وغال, وَلِكَي يصبح صوتك جميلاً وتغني هذه الأغنية لحبيبك… عليك أن تقوم بجراحة لحنجرتك وحبالك الصوتية (صمت قصير)  جميل أن يصبح المرء مطربا يغني لنقسه وحبيبه. (تغني) حبيبي بدو القمر والقمر بعيد.. ستعجب بصوتي يا مدى، أيها الموسيقي الحر، وسأظل أغني لك حتى تعود وتذيقني طعم الحرية ثانية.
    (تتدلى صنارة صيد معلق بها تفاحة وتحمل العديد من أصابع ليزرية ملونة أزرق أحمر فوسفوري تغريها… تحاول حواء قضمها… تعلو وتهبط… ولا تنال منها غير اللمس)
حواء : مدى… مدى هات التفاحة يا مدى، سياطهم أكلت لحمي(صمت قصير)  لماذا تركتني مع أول معركة وهربت؟  لماذا هربت وتركتني ألوك أحذية ذكور العائلة كلها لتعود إلي؟ هل حقاً تخليت عني أم  أنهم أجبروك على الهرب ؟

أما كان عليك أن تصمد معي ؟

آه… تكلم يا مدى .. (تلتفت نحو الببغاء وتخاطبه) تكلم أيها الببغاء أرح قلبي وسأحررك من هذا القفص اللعين… مدى لم يتخل عني أليس كذلك ؟ إذاً سأنتظره ولو لآخر العمر…

(تنظر باتجاه لوحة جدتها)

–       جدتي،  قلت لي عليك الزواج به رغماً عنك بعد فعلتك الشنيعة.

(تضع نظارات جدتها وتتكلم بلسانها)  لكنني لم أفعل شيئاً سوى أنني أحببت.

 اصمتي أتودين أن يذبحك أخوك… ألست خجلة مما فعلته؟ منذ متى كانت البنات عندنا تحب وتعشق !؟                                                     

حواء : (تلتفت نحو اللوحة وتخاطب الجدة) ومم أخجل؟! أنا لم اقترف ذنباً ، وقبل أن يحاسبني فليحاسب نفسه وزوجته تلك. وكانا يقبلان بعضهما أمامنا هاه… بماذا تتميز عني تلك الأجنبية حتى لا تُحَاسَبْ، هل هي حرة وأنا عبدة، يحلل لنفسه مايحرّمه عليّ؟ أ إذا مارسنا حريتنا  (تتحسس خدها فجأة وقد شعرت بصفعة خفية لطمة)

لما تضربينني أيتها الجدة المسترجلة؟ ألا يكفي سيطرة ذكور العائلة، وكأنهم لا يكونون رجالاً إلا على حساب الإناث وكأنهم ليسوا رجالاً من دوننا، ولكن ماذا تريدين أن تصبحي أنت رجلاً ؟ أم .. لا تقولي عيب… لا تقولي عيب.. سئمت العض على الشفاه سئمتكم جميعاً.

(تواجه الجمهور وهي تتلمس ثدييها وبطنها)  أن أتلمس جسدي عيب .. أن أتحسسه عيب، ماذا به؟ أهو عورة ؟ هل ثمة ذيل لدي وأنا لا أدري؟… لماذا تريدونني أن أخجل  من جسدي ؟ لِماذاَ ؟ أليس هو لي ؟… فلما لا أعجب به… وإني لأرى أنوار الشهرة تغمرني… أضواءها تحييني أنا ومدى (تلتفت نحو اللوحة) لا تقولي انه انتهى من حياتي… قلت لن أتزوج ذلك العجوز الخرف، وإن كان غنياً، ومم سيستر عليّ وعليكم، أنا لم أغلط كان مدى سيتزوجني.  تقولين إن ذلك من أجل أختي الكبرى..هه.. وما ذنبي إنْ عنّست هي أأعنس مثلها؟… أم تريدونني أن أقف أمام الجوامع وأقول من مال الله يا محسنين… عريس… عريس لهذه العانس المسكين… أما كنتم أنتم السبب في عنسها ؟ ما الذي ستفعلونه لها بهذا المهر الغالي ؟ هل ستشترون لها عمراً آخر؟!… سعادة أكثر؟!… أما نظرت إلى شفاهها المحمومة… حينما كانت تنظر إلى تلك الزرقة في عنق تلك الأجنبية الحمقاء زوجة أخي أو صاحبته وما أدراني … وأنا أيضاً وددت تمزيق جسدها ماذا لو كانت هذه الزرقة على عنقي أنا ؟ ومع هذا كله لم أغلط.

(باتجاه الجمهور) أنا في العشرين من عمري ولن أتزوج ذلك العجوز حتى وإن كنت كبيرة… إن طلبت حريتي وهي حقي يقولون أنا أفسد أخواتي الثلاث (نحو اللوحة) أنتم تريدونهم أن يبقوا ثلاث خادمات تحت إمرة الذكور ، يا لها من عائلة، هذا ليس كلام مدى فقط هذا كلامي.. كلامي أنا..تقولين إن هذا كلام جني يتلبسني هه..هه

(نحو الجمهور بسخرية)  وقررت العائلة الكريمة أن جنياً يتلبسني، ولا بد من إخراج الجني من جسدي.

(إظلام)

     
    المشهد الثاني

التطهير

 

     
    (في الظلام، صوت إيقاعات صاخبة مجنونة بقرع الدفوف، إضاءة حمراء وصفراء خفيفة تتراقص، الفتاة حواء على الأرض وقد ألبست كيسا بلون التراب لا يبين منه غير رأسها وهي تتلوى وتصرخ من الألم بأوضاع متعددة وهي تجلد، يختلط صوت سوط الجلاد المتخيل بصوت الموسيقا الصاخب والمتصاعد.
حواء :  يكفي.. يكفي.. آه جسدي… آه… هذا جسد وليس… آه… كفى أرجوكم ..كفى ..أنا موافقة.
    (صوت طلقة رصاص. على الشاشة ظل الغزال وقد سقط على الأرض مدمّى بطلقة صياد)

(إظلام)

     
    المشهد الثالث

العجوز وشهر العسل

     
    (إضاءة)

(باب يؤدي إلى المطبخ والحمام.

خزانة مكشوفة تنتظم فيها أحذية نسائية عديدة، بجانبها آلة إيقاعية هي دف بصناحات كالذي استعمل في مشهد التطهير وفوقها طربوش الزوج، وثمة خزانة أخرى لأثوابها.

تتناول حواء أحد أحذية عرسها المنكود).

حواء : (ترفع الطربوش بيدها) طربوش ولبسوني إياه عنوة. (تعيد الطربوش و تخاطب الحذاء وكأنه زوجها العجوز) حذاء لبسوني إياه قهراً..نعم موافقة أيها العجوز.. موافقة أيها الحذاء اللعين… موافقة يا حذاء عرسٍ لِليلةِ مأتم.

 (تشعر بالتقيؤ..ترميه وتذهب إلى الحمام لتتقيأ.. ثم تعود)

لا أدري ما الذي يجعلني استفرغ… أتقيأ كل ما في داخلي… أحشو هذه المعدة الحمقاء واحشوها… وأفرغها حتى الدماغ..أفرغ كل ما في عقلي …

بشرية تعيش بحمق… تخاف نور الشمس…وما الذي جلبته لي هذه الشمس غير هذه الزيجة الإبليسية؟

(تتحير بحزن)  أف.. أظن أنه حان وقت القهوة.

( تدخل إلى المطبخ. تخبو الإضاءة قليلأ وترتسم على الشاشة صورة الغزال وهو يشرب من ماء نهر. ترتفع الإضاءة وتدخل ثانية) .

عجوزي .. الآن سيأتي ويرى دميته بهذا الشكل… دون مكياج… قد يقتلني (تحضر المرآة وتضع المكياج) دائماً يُلبسني زماني رداءً أكبر من ردائي الذي استحق… ردائي الذي يناسبني وأنا عليّ أن ألبس كل يوم رداءً يناسبه يناسب مزاجه كأنه يريدني كل يوم بنكهة تفاح .. فريز  ( تتناول من الخزانة ثوبا ممزقا) حتى ثيابي يحق له أن يمزقها متى هاج ونفخ كالثور المصارع … ما أرحم لدغات الأفعى أمام لدغاته المحرقة البليدة المقززة.. (تتناول كيمونا وردياً وتلبسه، تضحك باشمئزاز) يهيجه الأحمر كالثور الاسباني (تنتبه) اوه لا بد أن القهوة قد فارت (تدخل بسرعة إلى المطبخ. يسمع صوت تكسر صحون وفناجين، تدخل ثانية ومعها القهوة) لا بأس صحنان وثلاثة فناجين تكسرت كما انكسرت حياتي، لكن القهوة سليمة. (تجلس وتحتسي القهوة) كم هي لذيذة القهوة على الأقل هناك ما نستلذ به في هذا الزمن… على الأقل تهدئ أو تهيئ الأعصاب قبل… إيه.. لا داعي للنكد الآن . ( تضع فنجان القهوة على الدُّف بجانب الحذاء … )

ذلك الغبي العجوز يقفل الأبواب عليّ ويسدل الستائر ظناً منه أنه يحاصرني، ما أغباه من رجل! المرأة لا تُمنع إن أرادت شيئاً…

هل يظن أني أحد متاعه ؟

ألهذا قيدني بسريره في أول  من زواجنا؟ ذلك اليوم المشؤوم… و عاملني كأي شيء إلا كإنسان … هل حسبني قطة تحبس… أوَلَيست تلك المرأة دخلت النار لأنها حبست قطة

( تنهض وتنزع الستائر، فيظهر الباب الملتصق بالسقف والنوافذ الملتصقة بالأرض )              

أوه ..ستائر ستائر… كل ما حولي ستائر… دوختني هذه الستائر اللعينة… كل ما حولي ستائر، والستائر في كثير من الأحيان لا تستر ولا تستتر… تضر ولا تنفع  توهم وتتوهم فيا لمهزلة الستائر. فلننزع الستائر كيلا نقهر النور فنقهر أنفسنا… وبهذا القهر وبذاك النور جنيتَ على نفسك أيها العجوز.

(تتلقى صفعة متوهمة على خدها من زوجها) لماذا تضربني.. أمن أجل الستائر؟ (تتلقى لطمة أخرى على عنقها فتسدل الستائر وتبتعد خائفة) كفى .. ها قد أسدلت الستائر .. أنا لم أفعل شيئاً سوى أني أريد بعض النور.

(تجلس القرفصاء أمام الدف والحذاء… تنظر إلى زوجها العجوز خائفة … ثم تتلقى لطمة أخرى)

آ  آ  لا لا  إلا السوط أرجوك… لا أرجوك آه آه ( تتلقى ضرباته فتتلوى وتتألم) لكن لماذا ؟ حسناً… حسناً يكفي أرجوك.. فهمت.. فهمت ما تريد. تريدني أيضاً أن البس الحذاء وأتعرى وأرقص لك .. حاضر .. حاضر (تلبس الحذاء وتخلع الكيمون، وتتناول الدف، وتتحدث باتجاه الجمهور وجانباً) سادي لعين لاتحلو له مضاجعتي إلا إذا ضربني بالسوط. (تضرب علي الدف وترقص، تتوقف وتتحدث باتجاه الجمهور وجانباً) يريدني كدب السيرك وليس إنسانة بمشاعر وجسد (تنقر نقرتين خقيقتين على الدف) لا وحق الله لم أرقص لمدى مثل هذا.

(تتابع الرقص الجنوني والمعبر عما بداخلها من قهر وألم، تعلو موسيقا طبول إفريقية بدائية حتى يملأ الصوت جنبات المسرح).

(إظلام)

     
    المشهد الرابع

جميع النوافذ مفتوحة الآن

     
حواء : (تتناول الدف تقرع عليه نقرتين، حواء تلبس ثوباً عرائسيا أبيض) جعلوا جسدي طبلاً يقرعونه بالسياط ..(مخاطبة نقسها) إيه كم عانى جسدكِ من لسعات سياطهم .. خمسة عشر عاماً كافية لأن يصبح جلدكِ جلدَ تمساح.

لكنه الآن قد مات (ترمي بالدف وبالطربوش بعيداً) أتعلم ما معنى أن يموت ذلك الآدمي العقيم الغني… يعني أنني حرة الآن وأمواله الكثيرة لي وحدي يعني أن السوط أصبح مُلْك يدي الآن… وسأجلد كل من جلدني ( تتناول السوط وتسوط في الهواء).

(تتجه نحوالستائر.. تزيحها فتجدها محددة بقضبان حديد… تشعر كأنما شيء يخنقها..)

ما هذا ؟… أنا الآن حرة… ما الذي تريدونه مني الآن ؟ وماذا يعني أنني أرملة ؟ هذا بيتي ولن أتخلى عن أموالي… سأبقى بلا زوج؟… وما هو الزوج ؟ ثور آخر؟… ولا بد أن أتمتع بحريتي. حدثني عنها مدى… كيف ؟ ماذا يعني ؟ طربوش يمضي وطربوش يأتي!

أمي أنا حرة والفضاء الذي حدثني عنه مدى… كيف ؟ ماذا يعني ؟ طربوش يمضي طربوش والفضاء الذي الآن .. ولدي أموال .. أموال كثيرة .. عليّ أن استمتع.. أن أعيش بها…

ماذا تقولين؟ أتزوج ابن عمي .. كلا… أفهمتم… لن أتزوجه… الأموال لي أنا وليست لكم… حسناً دعوني اختر بنفسي وإلا رميت بأموالي للبحر… ولن يصيبكم منها شيئاً… هيه موافقون؟

المال كسرهم (ساخرة) مع المال تذهب المبادئ والأعراف!

(بحنق وغضب) دائماً يجب أن يكون هناك رجل… ذكر تباً لهم من جنسٍ يحتكر كل شيء… حتى الحرية… حتى إن مِتْنا يروق لهم وضع قفل على تابوتنا لأننا نساء!

لا.. لا.. سأحقق حريتي من خلالهم ومن أمامهم وحتى من خلف ظهورهم ومدى لي أنا. أنا أعلم أن مدى تزوج واختفى لكني سأبحث عنه وأعيده إلي… كي نأكل التفاحة سوية فإما أن نصعد إلى الجنة أو نهبط إلى الجحيم… وريثما أجدك سأشتري كل الآدمين… كلهم وباسم الزوج والزواج… وإن يكن لا تهم طريقة الزواج أو الشراء.

(تخبو الأضواء، تضرب على خزانة الأحذية وتهزها فتسقط عدة أحذية تضحك بتشف وزلزلة. تلعب بحبال المشانق كأنها أوتار آلة موسيقية. تغيب في الظلال والعتمة،  علي الشاشة خيال الغزال ينظر إليها بسخرية).

يا هو… أنا حرة … أنا حرة الآن… حرة لن يستطيع أي أخرق أن يخنق حريتي… هيا قوموا… قوموا يا بنات حواء… عيشوا باسم الحرية… أنا الأنثى المتحررة… أنا سيدة الأعمال العظيمة حواء.

(إظلام قصير وترتفع الإضاءة) 

حواء : ( وهي ترتدي جاكيتاً رجاليا وتحاول عقد ربطة العنق) أف.. إلى الآن أخطئ في ربط عنقي بهذه الكرافة… أظنني أكره ربط عنقي أما أعناق الآخرين فأتقنها… لست أدري ما نهاية هذه الربطة معي أزواجي هم الوحيدون سيتقنون ربطها لي (تضحك) الأغبياء هم لا يعرفون غير ذلك… كم أود ربطها دون الحاجة لهم. (تشد ربطة العنق على رقبتها فتكاد تختنق) أوه.. هذه الربطة تكاد تحنقني.. ولكنني مصرة عليها، إنها واحدة من رموز حريتي وعشقي للرجولة كي يتم انتقامي.

(إظلام)                       

     
    المشهد الخامس

عشق الرجولة

     
حواء : (تحت بقعة ضوء مركزة وباقي المسرح مظلم تقف على المنبر وراء الميكرفون تترأس جمعية نسائية متطرفة وهي تلبس بذة قريبة لملابس الرجال، ويبدو أنا أجادت عقد ربطة العنق)

أيتها السيدات… أيتها الحواءات، إن من أهداف جمعيتنا، جمعية ليليث المتمردة، أن نتصدى لهؤلاء الأغبياء الذين يريدوننا أن نكون أجهزة استقبال لإشاراتهم، علينا أن نعلِّمهم أننا نستطيع صنع الإشارات، نعلِّمهم أنهم من جعلوا دفاترنا تنزف… أفكارنا تنتحر، هم الذين بدمائنا يسطرون، يكتبوننا، يفكرون عنا، علينا التخلص من كل معتقلات الذاكرة التي شوهونا داخلها،

سيداتي آنساتي بناتِ حواء، علينا تربية آبائنا، وكل ذكور البشرية، علينا تحريرهم من جاهليتهم، وتعريفهم بمقدِرات  الأنثى، الكائن الذي يجعلون تفكيره ينحصر بالخلاص من حصارهم ثم يتهموننا بنقصان العقل… فالطير المحبوس في القفص لا يفكر إلى أي مدى سيطير… إنما يقاوم ويحلم الخروج من القفص، ولكن علينا أن نغسل أرواحنا قبل غسيل دماغنا… فالسياط مزقت أرواحنا قبل أن تأكل من أجسادنا وقلوبنا.

تفاحة الحرية علينا أن نأكلها بإرادتنا وننعش بقايا الإنسان فينا.. ترى كم بقي فينا من الإنسان ؟!

آنساتي.. سيداتي ، صدئ القفل كيف الفكاك ونسلكم لا يتحرر من بدائيته وبداوته… كيف الفكاك والقفل ما عاد يفكه غير التكسير، وسنخلع عنّا رداء العبودية… بركاننا يبحث عن فوهة… فكيف عساه ألّا ينفجر، لا أحد يستطيع أن يمنحك السعادة أكثر من نفسك، وليكن اليوم يوم مولد حواء .. على الآخر أن يحترمنا رغماً عنه. ولنثبت ذواتنا رغم أنوفهم,

اليوم نعلن مولد حواء الجديدة، فالصمت لا يخلق الصدى.

(إظلام قصير)

حواء : (تكون قد غادرت المنبر واختى في الظلام، تحمل بيدها عصا معقوفة لزوجها “باكورة” وهي تطعن بها الهواء) بهذه الباكورة كنت تطعنني في بطني وتقول: (تقلد صوته) هيا اخلعي ثيابك أمامي وارقصي.. أوه ما أجملكِ وأنت عارية ترقصين يا بنت الكلب!

كان لا يحلو لك مضاجعتي إلا بعد أن أرقص وأنت تَخِذني في جسدي.

لا بأس .. اليوم أنتقم منك، لقد أصبحت مشروع رجل قوي..أقصد سيدة قوية، أتعلم كم قارة زرت؟ لم أترك بلداً يعتب عليّ رجالها… تزوجتهم باسم الشرع وطلقتهم باسم الشرع… فالعصمة بيدي، ليس زواجاً  بقدر ما هو شراء اشتريتهم ثم أبيعهم (تضحك بسخرية) وبنقودك أنت  مع أن جسدي الأحمق هذا لم يرتعش لأي لمسة رجل منهم.(بمرارة) يبدو لي أن جسدي فَقَدَ الإحساس باللذة والمتعة، (بانتشاء وعنف) كل ما أستطيع الشعور به واللذة الوحيدة التي أجدها هي في إذلالهم كما ذللتني… وترويضهم بالمال بالعنف كما كنت تفعل… سحقاً لكم من كائنات.

(تضع حقيبتها أمامها على الطاولة وتخرج منها دمى أزواجها الواحد تلو الآخر) أنظر هذا أحد أزواجي، وهذا زوج آخر، أشقر صغير وجميل أصغر مني، وهذا ثالثهم أسمر بكتفين عريضتين وشنبات كنت أركب على ظهره ويدور بي في أنحاء البيت وأنا أضربه على قفاه بعصاك هذه حتى يسرع أكثر…  (تخرج دمى أكثر وتصفها على الطاولة) انظر، أزواجي كلهم شباب (بأسى) هذه حواء عندما تُظْلَم… هذه حواء عندما تنتقم… هي الشيطان بذاته هي الحرباء بذاتها. أتريد أن أخبرك كيف كان يتم زواجنا؟

كنت أمزق ثيابهم واغتصبهم كما كنت تفعل… اغتصبت كل أزواجي كلهم هاهاها… ومع هذا لم يشف غليلي منك… أشعر بأحشائي تأكل بعضها البعض… أشعر بانتحار خفي في أعماقي… آه… نيران الحقد تأكلني.. نظراتك المفترسة لا تبارحني… وبركان هذه الغريزة الملعونة ينفجر في كل الاتجاهات..

لم أعد أذكر أسماءهم هؤلاء الحمقى…

أما زوجي الأخير هذا (تشير إلى دميته) فشاطر ومدعٍ ، قال لي وقد وضع لي شمعة واحدة في عيد ميلادي: شبابك دلالك مع أنه لو وضع شموعاً على عدد سنيِّ عمري لما بقي من قالب الكاتو شيء أو ربما أشعل حريقاً. من المؤكد أنه كان يقصد تكفيك سنة واحدة لتستمتعي وتغادري هذه الحياة ليعود إلى من يحب، تلك التي تخلى عنها ليتزوجني.

أنا لم أصبح بعد عجوزا محنطة، أليس كذلك يا كلبي المحنط (تنظر إلى الكلب المحنط) أصدقني القول أيّهما أفضل الحياة قبل التحنيط أم بعده ؟    إيه .. ما أجمل أن تهب أحداً حياته والألذ أن تأخذها منه… هكذا دائماً نحن نأخذ ما أُخِذَ منّا … وليت الذي أُخِذَ يسترجع… هل لأحد أن يعيد حبي… حب عمري، هل لك أن تعيد عمراً مضى عبثاً تفعل ذلك… ابنة أربعين ( مخاطبة مدى)   كيف تتوقع أن بكون عمري أيّها الغالي؟ (تتلمس وجهها وشعرها وتنظر في المرآة)  هل ثمة تجاعيد ملأت وجهي… حقاً ها هي شوكة الأربعين تعيث فساداً في وجهي تحيك لي قبعة بيضاء عفنة إنذاراً بعهد السقوط.

لكن لا ليس الآن ليس بعد أن وجدته…وجدت حبيبي مدى. وسأشتريك بأي طريقة يا مدى (تدق ساعة الدار دقات متسارعة قوية) لا.. لاتدقي أيتها الساعة وتهزئين بي.  كفى زعيقاً أيتها الساعات… لا مكان لَكُنَّ في حياتي (بخوف وألم عميقين)  أنثاي المتأخرة تلوكني كما الساعة التي أخاف… ألا تعلمين أننَّا جنس يخاف الساعة ويكره الزمن سأحطمكن سَأحطم كل الساعات، كل الأعمار المسروقة فيها… عمري لن يمضي… ومدى لن أخسره ثانية ..

آي ..معدتي تؤلمني… أحشائي تأكلني… آي..معدتي تهضمني… (تشعر بالتقيؤ ثم تتماسك).

اليوم عيد ميلاد مدى… وأنا أخاف أن يمر عيدك ولا أكون بجانبك… لا معنى لأن يمر العيد ولا قلب بجانبك ينبض بحبك ويقول: كل عام وأنت بخير.

(إظلام)                                                                            

    المشهد السادس

حتى أنت يا بروتس

     
حواء : ها قد عدت إليك يا مدى، يا حبيبي، طلبتَ أن تكون العصمة بيدك .. كما تريد فلتكن العصمة بيدك، وطلبت توكيلاً  لإدارة شركاتي،  ولم لا؟ ليكن لك التوكيل بكل أعمالي، أعطيتك قلبي فهل أضن عليك بذلك. (تغني أغنية حبيبي بدو القمر والقمر بعيد)  أتعلم أصبح صوتي جميلاً بعد تلك العملية والتدريب المستمر، وتحسين معرفتي بالأنغام والأوزان … يعني أنني أستطيع الغناء معك، سنشكل ثنائياً رائعاً.. مدى وحواء.. سيكون ثنائيا رائعاً في الحفلات التي نحييها معا، وتنشر الصحف أخبارنا، ويصورها التلفزيون.

ولكن.. (تشعر بالقلق والحزن) هل برد اهتمامك الفني. هل شغلك العمل في إدارة أعمالي!؟ حتى إنك صرت تتأخر في العودة إلي البيت وقد لا تعود ، تقبلني ببرود وتقول كنت مسافراً من أجل العمل. . والزمن يمضي بنا.. أو يمضي بي وحدي… ها هو الفجر يطلع وأنت لم تعد حتى الآن.

(تخبو الأضواء ، ونسمع دقات رتيبة حزينة للساعة، وعندما يرتفع النور قليلأ نراها أمام المرآة تتحسس تقاطيع وجهها).

إنها الخمسون.. فلتكن.. ما زلت شابة فالقلب لا يهرم.

(يرتفع النور أكثر ونراها منحنية على خزانة أحذيتها) حذاء عرسي أين هو؟ أين وضعته..اوه..أوه.. ما هذا (تخرج من الخزانة تاج عرسها). أي أحمق وضع تاج عرسي هنا بين الأحذية ،مدى هل أنت من فعل ذلك حقاً ؟! لماذا حبيبي ؟… أبات التاج مكان الحذاء والحذاء مكان التاج !… ماذا أتريدني أن أضع الحذاء على رأسي بدل التاج وأرقص على الطبل ثانية ؟!… لماذا؟ ألست حِب عمرك كما أنت حِب عمري؟ مدى، أنا لم أعد أشعر بحرارتك الأولى، أنا لا أشعر بكلماتك… كلمة أحبك لم أعد أشعر بها، تقولها ببرود وتثاقل… كلمات كصقيع الشتاء باردة لم تعد تعني لي أي شيء… آه… أنا لم أعد أشعر… لم يعد لي قلب أشعر به كان لدي الكثير من الحنان لأبثه لك… أما الآن… عدت لتقتلني يا مدى… عدت… هل حقاً عدت لتقتلني؟ كان يكفيني حبك، لكنك اليوم تقتلني وتعيد إليّ الأقفال والستائر.. ما الذي أخفيته تحت رداءك الأبيض هذا… ما الذي أضمرته خلف تلك العيون الشهل التي أحب…

آه… أشعر أني محمومة معاقة... ها أنا أرقص على الطبل مجدداً.

(بغضب وشعور بالخيبة)  وأنت..! أنت مستنسخ عن ذلك العجوز، تريدني أن أرقص كما رقصت له؟ سأرقص.. أرقص هذه المرة لنفسي وليس لأحد (ترقص)   سأظل فخورة بجسدي هذا، كان ذلك العجوز يجبرني على إخفاءه مع أنه كان يعشقه ويعبده.

(بألم عميق) لم يعد هذا الجسد غير آنية محطمة، رغم أنه مازال يحتفظ بكثير من جماله.. هل تريدني أن أتعرى للناس كي يستمر حبك لي؟! بأي طريقة يعود إليّ حبك يا مدى؟

(بأسف وحزن) آه.. شرَّبتني الفجور باسم الحرية، سلمتني حرية بلا هوية ووثقت بك لأني أحببتك. (تفتح النافذة وتطل منها) مضى الليل ولم تعد، أعلم أنك عندها.

ثب إلى رشدك وعد إلّي.. اهجرها.. … لا تذهب إليها أقبُّل يديك لا تذهب إليها… أنا أنثى ألا تراني .. مدى خذ كل ما لدي سأفعل كل ما تريد … لكن لا تتركني.. مدى.. أنا حبيبتك يا مدى (تعود إلى مكانها تضع التاج على رأسها وتبكي) أشعر برغبة جامحة للبكاء هلا أعرتموني عيونكم لأبكي بها… عيناي لا تكفياني… أسناني؟ أود لو أمزق قلبي بأسناني … ليتني أستطيع شراءك كما اشتريتهم… أبيعك كما بعتهم… آه… آه من حوائي آه من غيرة الحواء … آه… أعطيتك كل ما لدي… وهل أبقيت لي شيئاً من المال يا مدى لم أعطك إياه؟ (ترمي بالتاج بعيداً) سقط القناع، لم جعلتني أنتظرك… أ أنت الرجل الخفي الذي تخيلته بقربي ينأى عني ويخدعني..هل تنتظر لحظة هلاكي… وسقوطي… وانكساري… أهكذا تتركني وتمضي إليها ولا تترك لي وراءك غير تلك الابتسامة الساقطة الباردة البلهاء.. كلا لن أبكي (تمسح دموعها) كفكفي يا دموع, سحقاً للدموع إن خرجت بعد الآن من عيني.

(تضحك بجنون) هه.. هه.. إن كانوا قد سرقوا أموالي فأنا سرقت أعمارهم… أما أنا فلن أنتهي… أنا لم أسقط لم انته… أنا لا أشيب لا أكبر ولا عمْر لي… عمليات التجميل كفيلة بترميم كل شيء..لن أحب بعد الآن سأذلهم جميعاً.. ومن يكون هؤلاء الذكور الأغبياء؟

(تخبو الأضواء، ثلاث دقات للساعة، تنقذف من الشباك ورقة مطوية على شكل صاروخ مما يلعب به الأطفال، حواء تهرع وتمسكه تغلق النافذة، تفتح الورقة وتقرأ)

ماذا ؟ ورقة طلاق ؟! طلاقي أنا؟! مدى يطلقني أنا !… لا أصدق لن أصدق. (تطلب رقما بهاتفها الجوال) مدى.. مدى.. كيف فعلت ذلك!” قل إنها ليست منك أنتَ، قل إنها طارت خطأً إلى نافذتي (تبكي) عد إليّ حبيبي.. عد إلى بيتك، سأغني في الحانات معك كما السابق و.. أفعل أي شيء يرضيك… ماذا .. أصبحت في الخمسين وماذا إن أصبحت في الخمسين… مدى أنا لا أزال شابة… (تصرخ بغضب من خلال دموعها)  أنا التي اشتريتك بكل ما أملك ..فاهم..فكيف تبيعني.. ماذا؟ تقول إني عجوز (تصرخ غاضبة) ستأتي رغماً عنك  هل فهمت؟ (ترمي بالهاتف بعيداً) ستأتي يا ابن العاهرة.

(إظلام)    

     
    المشهد السابع
     
    التفاحة الأخيرة
     
    (إنارة. قيثارة مدى التي تركها ومضى معلقة على الجدار)
حواء : انتهى كل شيء… كل شيء يا مدى… سرقت كل أموالي… وأتيت واغتصبتني يا ابن الفاجرة… أتقول إنك الآن تشعر برجولتك الحقة ولم أعد أفي بحق الفراش.. الآن تقول هذا بعد كل الذي فعلته من أجلك (تشير إلى بطنها) وكنت أنت النتيجة أيها الجنين.. هل لي ببضع ذرات من الهواء… أكاد اختنق، السم يسري في جسدي وفي نفسي وهذا ينمو في أحشائي.

(عيناها غائمتان) ظلال..ظلال..الظلال تزحف من خلفي وأمامي (تضع رأسها بين كفيها) وأنا أسمع أصواتأ (تخبو الأضواء، تفتح النافذة ويخيل لها أنها تسمع أصوات عرس)

يا إلهي.. من هي تلك العروس التي تلبس ثوب عرسي ؟ إنه ثوبي أنا و هذه زفتي أنا.(صمت قصير تتحسس عنقها) أشعر بآثار قبلاته المحمومة على عنقي (تسمع صوت مواء قطط) كفوا عن المواء ايتها القطط اللعينة  (صمت، تهدأ قليلاً وتغوص في الذكريات الدافئة) كان يقول لي: أنت قطتي. وحدك من علمني معنى الحرية… لكنك أتيت متأخراً… وحدك من أشعرني أنه لا يهم ما تلبسه بقدر ما يهم أن نظهر ما يلبسنا من الداخل ..

قال لي: عراة أتينا… حفاة سنعود… ليس ذنبي أني أحببت الحرية وأحببته .. ليس ذنبي أني سمعت صوته يهتف لي… وتلقفته دون أي تردد… ثم.. ثم ترك لي قيثارته ومضى.. قيثارته التي من أجلها ومن أجل ألحانه التي كان يعزفها لي ونغني معاً أحببته.

كان حبه قدري، لم يكن بيدي أن حملت بعض أضلعي وأهديتها له علَّها تكون له سريراً وثيراً وبيتاً دافئاً… هدأ داخله وأخذته الغفوة إلى حيث دنيا النعيم… نام بدفء القلب و هدأة الروح… استرق نصف العمر وغفا… وحين أفاق… أمسى القلب مداسه… والروح مسرح ابتكارات تعذيبه…

استعجلت كثيراً حبيبي… استعجلت كثيراً مدى فالشمعة أذابتها الظُّلَم واللوعة لا نور الحب… أما علمت أن اللوعة أشد حرقاً من النار.

أنا لا أستوعب نفسي… لم أعد أفهمها آه… أشعر أني أضحي بذاتي رغم كل النذور… يا لهذه النفس السكرى بما تبحث فيه عن نفسها… تبحث عنها تحت الردم تحت الحطام… تحت ركام من الأنفس وبضع أرواح مستلقية على ظهر الزمن غير آبهة بمعنى الوجود…

الحياة دولاب تسحق من يعاندها… تهرس من يبحث عن ذاته وينادي بالحرية… حقاً عراة أتينا… وحفاة سنعود لكني لن أعود وحيدة سأعود ومعي هذا.. ابني.

أنا لا أستوعب نفسي… لم أعد أفهمها، أشعر أني أضحي بذاتي رغم كل النذور… يا لهذه النفس السكرى بما تبحث فيه عن ذاتها… تبحث عنها تحت الردم والحطام… تحت ركام من الأنفس وبضع أرواح مستلقية على ظهر الزمن غير آبهة بمعنى الوجود…

والحياة دولاب تسحق من يعاندها باسم الإيمان تارة وباسم الحرية تارة أخرى.

أوراق ذاكرتي باردة… تستجدي الدفء الحميم..(تشد من قامتها وتتكلم في ألم وإصرار)  كلا..لن تكسرني الأيام… لن تحيك مني نسيجاً غائماً ضبابياً… آه بالأمس كنت واليوم أصبحت… ليت زمن الماضي يدق في ساعات اليوم… ليت زمن اليوم لا يدق في ساعات الغد..

(صمت وتفكر وابتسامة باهتة)

حقاً عراة أتينا… وحفاة سنعود لكني لن أعود وحيدة سأعود ومعي هذا.. ابن مدى إنه ابنه .. ابني…إنها الأمومة.. يا لجمالها.

أمطري أيتها السماء الطاهرة… أمطري حباً… أمطري طهراً واغسليني , أنا الأرض الأم..

(يتساقط المطر ويعلو صوت زخاته) اسمع قطرات المطر، أشعر حنانها قسوتها، (تنظر من النافذة) يتساقط المطر غزيزاً.. ترى أحقاً ما أرى أم هي الذاكرة النائمة داخلي؟

(تشعر بالهدوء والراحة، تعلق في نهايات الأشرطة بعض تفاحات في حركات راقصة)

إن التفاحة التي قطفتها حواء لا يمكن أن تعود إلى مكانها في شجرة المعرفة والحياة، وعلى الإنسان أن يواجه حقيقة الاختيار مهما كانت مؤلمة.(تعلق في نهاية آخر شريط وردة صفراء) هل يستطيع أحد أن يتذكر الحب؟.. أبدا. قد ترى الوردة ولكنك لم ترى العطر أبداً.. هذه حقيقة الورد.

(تقف أمام الشريط الأخير الذي ينتهي بنطاق بنطال رجالي وتبدأ بفكه وفرده ليتحول إلى سرير مرجوحة لطفلها المقبل)

(تظهر صورة الغزال على الشاشة وهو يعدو بعيداً، تتأملها وتغني)

يا غزالي كيف عني أبعدوك

شتتوا شملي وهجري عودوك

مدى.. أصبح ما بيني وبينك أمداء.. ولكن عطرك ما يزال يسكن في عظامي.. سامحنى على ما بدر مني من كلمات، فأنا حواء المجروحة. نحن لا نملك أن نكره من أحببناهم .. الكراهية لا تمسح الحب

(تضع كفها على بطنها) فيَّ يامدى جزء منك لا تزيله ورقة طلاق.

(تـهز الأرجوحة وتغني لطفلها القادم)

نام   يا ابني    نام       لادبحلك طير الحمام

ويا حمامات لا تخافو         عم بهدي لإبني حتى ينام

نام    بحضيني   نام       وحضني دفء وسلام

ولما تكبر يا حبيبي        اضرب للماما سلام

اضرب للماما سلام

(ستارة النهاية)

 

فهرس

 

المشهد الأول     :        الجدة ذات النظارات       4

المشهد الثاني      :        التطهير                     6

المشهد الثالث    :        العجوز وشهر العسل       6

المشهد الرابع      :        جميع النوافذ مفتوحة الآن  9

المشهد الخامس   :        عشق الرجولة               10

المشهد السادس   :        حتى أنت يا بروتس        13

المشهد السابع    :        التفاحة الأخيرة             16


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock