د. آمنة الربيع تكتب: ” عن المسرح العماني ونقده”
د. آمنة الربيع
كاتبة وناقدة وأكاديمية ـ عمان
ما بين هذه الورقة التي أسعى فيها إلى رصد بعض حراك النتاج النقدي المسرحي العماني وورقة بحثية سابقة عليها كانت بعنوان (قضايا النقد المسرحي في عمان: الأسئلة والمتغيرات) قدمتها ضمن أعمال ندوة النقد الأدبي والفني في عمان: الواقع والمأمول 21-24 ديسمبر 2008م ليس الزمن بالطويل أو البعيد، فهي ست سنوات وبضعة اشهر. وعلى الرغم من قصر الزمن، إلا أن الواقع قد جاء محملا بالعديد من المنجزات الثقافية على المستوى المسرحي.
ففي عام 2009 صدرت التوجيهات العليا من سلطان البلاد بتشكيل لجنة عليا برئاسة وزير ديوان البلاط السلطاني الموقر آنذاك لتطوير الدراما والمسرح في عمان.
شهد تاريخ 25/ سبتمبر/ 2009م تأسيس الجمعية العمانية للمسرح.
استمرارية تنظيم وزارة التراث والثقافة لإقامة مهرجان المسرح العماني في محافظات عمان المختلفة برغم قلة الموازنة المخصصة للمهرجان، فأقيمت الدورة الثالثة عام 2009م، والرابعة 2011م والخامسة 2013م
حدث في 8 سبتمبر 2012م أن تم تدشين مسرح أوبار بمقر المديرية العامة للتراث بمدينة صلالة في محافظة ظفار والذي دُشن فيه افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان الفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
مواصلة انعقاد المهرجانات المسرحية المحلية الجامعية (جامعة السلطان قابوس)، ومهرجان المسرح الجامعي لوزارة التعليم العالي، ومهرجانات الملتقى الجامعي (جامعة نزوى).
الحرص على استمرارية مسابقات التأليف المسرحي (المنتدى الأدبي) بوزارة التراث والثقافة، والمسرح المدرسي بوزارة التربية والتعليم.
تدافع الكتّاب المسرحيون إلى نشر نصوصهم في كُتب، بعد أن كانوا لا يكترثون بالوجود المادي للكتاب في ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي عبر الأنترنت وتفشي ظاهرة المدونات الخاصة.
انطلاقا من النقطة السابقة، لاحظنا قلة إصدار الكتب النقدية المتخصصة بالمسرح. وعندما أصدرت المطبعة الحكومية في السلطنة الطبعة الأولى كتاب (المسرح في النادي الأهلي بسلطنة عمان عام 1977م) كان على المسرحيين في عمان الانتظار ما يقرب (29) عاما لتظهر الطبعة الأولى لكتاب (المسرح في عمان من الظاهرة التقليدية إلى رؤى الحداثة) للمؤلف عبدالكريم بن علي جواد ضمن احتفالية مسقط عاصمة للثقافة العربية عام 2006م، ولولا تلك الاحتفالية الوطنية والعربية الكبيرة لطال انتظار المسرحيين زمنا أطول لظهور دراسات نقدية تقف على الحركة المسرحية بالجمع والتحليل والتفسير، ثم تطرح أسئلتها الفنية والنقدية على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج والتقانة على المنصة. فقد ظهر في ذلك العام وضمن خطة الوزارة وإمكانياتها كتابان اهتما بالتوثيق للحركة المسرحية (من حيث تاريخ نشأة الفرق المسرحية وعددها وعروضها وجوائزها مزودا بالصور) وهما رؤية في المسرح العماني للباحثة عزة بنت حمود القصابية، وكتاب الحركة المسرحية في عمان للباحث محمد بن سيف الحبسي. إذن فمحصلة الوزارة هي ثلاثة كتب فقط! وفي العام نفسه أيضا ولكن على نفقة شخصية صدر كتاب معجم المسرح العماني (نصوص وعروض) طبعته جريدة الوطن وهو عبارة عن تأليف مشترك بين الباحثين محمد بن سيف الحبسي، وسعيد بن محمد السيابي. كما صدر كتاب توظيف الأدب الشعبي في النص المسرحي للسيابي والذي أصدره مجلس النشر العلمي بجامعة السلطان قابوس. لتتوقف الإصدارات النقدية المسرحية سبع سنوات حتى نصل إلى العام 2013م بصدور الكتاب الآخر في المسرح العماني وهو تأليف مشترك للباحثة كاملة بنت الوليد الهنائية، وسعيد بن محمد السيابي عن دار بيت الغشام للنشر والترجمة، وفي عام 2014م صدر كتاب مغامرة النص المسرحي في عمان مسرحيات النادي الأهلي أنموذجا، عن دار مسعى للنشر والتوزيع لمعدة هذه الورقة.
إن الناظر للوهلة الأولى إلى عدد الكتب الثمانية لمقارنتها بعمر التجربة المسرحية العمانية والتي انطلقت مغامرتها الأولى في السبعينيات مع عدد من النوادي كان أبرزها النادي الأهلي الذي نبتت فيه مغامرة الفعل المسرحي على يد مجموعة من الطليعيين الشباب هم: رضا وحسين وأمين أبناء عبداللطيف، وموسى جعفر، ومحمد إلياس فقير، وصولا إلى العام 2014م سيجد نفسه أمام خارطة نقدية متواضعة جدا تدعو للرثاء، ولا تتناسب مع زمن التجربة المسرحية ومتغيراتها. ولن يكون صعبا الاكتشاف أن فضاء المسافة الممتدة بين أول إصدار نقدي إلى عام 2014م، قد وجهت اشتغالات الباحثين المسرحيين العمانيين إلى اهتمامات نقدية محددة، وسمت تلك الاهتمامات، المؤلفات المسرحية النقدية بملامح متقاربة كما فجرت كذلك العديد من الأفكار والأسئلة المتصلة بمستقبل الخطاب النقدي المسرحي في عمان.
فمن الملامح العامة لهذه الكتب (المسرح في عمان من الظاهرة التقليدية إلى رؤى الحداثة، ورؤية في المسرح العماني، والحركة المسرحية في عمان، ومعجم المسرح العماني (نصوص وعروض) اتباعها أسلوب الإحصاء والرصد والتوثيق للحركة المسرحية في عمومها منذ ظهورها وإلى اليوم. كما أنها اعتمدت على الاستفادة من تجليات المنهجين التاريخي والاجتماعي وتوظيفهما لقراءة الظاهرة المسرحية بغية تفسيرها وتحليلها.
سأحاول في الأسطر القادمة الوقوف على وضعية النقد المسرحي العماني من خلال كتاب (الآخر في المسرح العماني) وهو كتاب لم أتطرق إليه في ورقتي (قضايا النقد المسرحي في عمان الأسئلة والمتغيرات) لحداثة ظهوره. إن للكتاب ميزة واضحة فهو يؤشر إلى بدايات الاشتغال الجامعي على اختيار ثيمة محددة هي ثيمة (الآخر). وهو ما أعلن عنه مؤلفا الكتاب فيقولان: «إطار الموضوع مبني على قراءات في واقع النصوص المسرحية المكتوبة، والعروض التي قُدمت على خشبات المسرح العماني، إذ شكَّل الآخر تحديا لأزمة قناعات المؤلفين والمخرجين؛ نتيجة تؤيدها كثرة الشواهد الدالة على درجات حضوره، لذا كان محتوى هذا الكتاب إبحارا في الكثير من المنجز المسرحي الذي انطلق على أرض سلطنة عمان، وساهم في تقديمه وكتابته مجموعة من المبدعين…إلخ»، وإذ يجزمان بصعوبة «تقصي كل ما كتبه المؤلفون العمانيون عن الآخر؛ لغياب الكثير من النصوص والعروض المسرحية العمانية عن التوثيق والأرشفة من قبل المؤسسات والفرق الأهلية…إلخ، فإنهما كباحثين يمضيان بجدية ويطرحان الأسئلة حول الآخر ومن يكون؟ وكيف عرّفته المعاجم والنصوص؟ هل الآخر هو المختلف العقدي أو هو المخالف في العقيدة؟ وكيف العلاقة معه سواء كان هذا الآخر هو الغربي أو العربي أو الخليجي. وضمن محاولتهما رصد الآخر بغية تحديد المفهوم يعلن المؤلفان ما ينطوي عليه التعريف من إشكاليات معرفية فلسفية وتاريخية وعقدية وحضارية، فالآخر هل هو كل ما لم يكن عمانيا أم عربيا أم عقديا؟ وهل عالم الآخر وصورته هي ذاتها التي عكسها الكتّاب المسرحيون العمانيون؟ أم أن هناك صورة متخيلة لا أساس لها في واقع الآخر؟ وما القضايا التي شكلت حضورا كبيرا في النصوص المسرحية العمانية؟
إن الجواب على تلك الأسئلة تطلّب من الباحثين القيام بجرد تاريخي لوجود الآخر بالمسرح العماني ووجوده. فبعد تعريفهما بالموقع الجغرافي لسلطنة عمان وعلاقة هذا الموقع بالتواصل الحضاري، فللتاريخ العماني تمايزه. وما من حديث عن الدور الحضاري لعُمان إلا ويتصل بالدور المُغيب للأوروبيين وعدم اهتمامهم أو تشجيعهم بابتعاث العمانيين للدراسة في بلدانهم كما فعلوا في بلاد الشام ومصر، وكان ذلك حتى عهد السيد سعيد بن تيمور (1932-1970) ينطلقان لتحديد معالم ظهور الآخر وبدايات وجوده بالاستناد على ما تم توثيقه حول تاريخ المدارس السعيدية الثلاث، التي كانت موجودة في السلطنة قبل عام 1970م؛ المدرسة السعيدية بمسقط 1940م، والسعيدية بمطرح 1959م، والسعيدية بصلالة 1951م. وبعد هذه الإشارة المهمة ينتقلان إلى تخصيص الحديث عن فرقة المسرح الشباب التي تأسست عام 1980م ومع هذه الفرقة تم تقديم مسرحية تاجر البندقية لوليم شكسبير، ثم يتحدثان عن افتتاح قسم الفنون المسرحية عام 1990م بجامعة السلطان قابوس.
ومن بين الملاحظات التي يسجلها الباحثان الهنائية والسيابي ملاحظة تتصل بالنادي الأهلي فيذكران»لم تظهر أي مسرحية عربية للنادي الأهلي في فترة ما قبل 1970، واقتصر التأثير فقط على إدخال بعض التطويرات على خشبة المسرح والستارة… ولكن مع بداية عصر النهضة 1970م بدأ التأثير واضحا بالمسرح العربي والعالمي؛ سواء في مضمونه، أو شكل الأعمال المسرحية التي قام النادي الأهلي بإعدادها وتأليفها وإخراجها في فترة السبعينيات ومثلت إحدى مراحل ازدهار المسرح العماني» ويريان- بعد وقوفهما على مجموع المسرحيات وقيامهما بعملية إحصائية- أن مجموع المسرحيات المؤلفة من الآخر والتي قدمت على المسرح العماني بلغت حوالي (54) مسرحية، منها (37) مسرحية لمؤلفين خليجيين وعرب، و(17) مسرحية غير عربية لمؤلفين من مختلف قارات العالم، أوروبا وأمريكا وآسيا.
وعلى طول (239) صفحة تتوزع الفصول الثلاثة للكتاب. يُخصصان الفصل الأول (الآخر مؤلفا في المسرح العماني) يرصدان فيه مجموع المسرحيات المؤَلفة من الآخر خلال زمن ممتد منذ السبعينيات إلى عام 2012م، ومن النماذج الدالة يستشهدان بمسرحيات بلغ عددها (17) مسرحية لكل من شكسبير، واليخاندرو كاسونا، وناظم حكمت، وعمانوئيل روبلس وجورج ثيوتوكا، وبيرج زيتونيتان، وهنريك أبسن. ومن الآخر العربي يستدلان بتوفيق الحكيم، وألفريد فرج، ومحمود دياب، وعبدالكريم برشيد، وعزالدين المدني، ومنصور مكاوي، وعبدالغفار مكاوي، وقاسم مطرود، وتوفيق عزيز، وإبراهيم شعراوي، وصلاح راتب، وفاروق صالح، وفلاح شاكر، وخزعل الماجدي، وعبدالأمير شمخي، وعثمان عبدالمعطي. أما من الآخر الخليجي غانم السليطي، وعبدالرحمن المناعي، وعالية محمّد، وإسماعيل عبدالله، وسالم الحتاوي. أما الفصل الثاني فجاء عنوانه (الإعداد من الآخر في المسرح العماني) ويطرحان في الفصل أسئلة يريان أنها تساعد على توضيح فكرة الإعداد في مسرحنا العماني: فلماذا يلجأ المسرحيون في أعمالهم المسرحية للإعداد سيما المخرجين؟ هل لغياب النص المسرحي؟ وهل النص مقدس ويجب احترامه؟ وبعد أن يخلصان إلى تعريف الإعداد يقسمان ما تم تقديمه من أعمال مسرحية معدة من الآخر في المسرح العماني إلى ثلاثة عناصر رئيسة هي: إعداد عن نص طبق الأصل، وإعداد عن أكثر من نص، وإعداد عن فكرة نص. وفي الفصل الثالث المعنون (صورة الآخر في المسرح العماني) يتتبع الكتاب صورة الآخر في بنية النصوص المسرحية كصورة الآخر المُستَعمِر، وصورة الآخر الخبير، والمستثمر، وصورة الآخر كزوجة، وأبناء أجانب، وأصدقاء، وصورة الآخر كعمال أجانب، والآخر كسائح وضيف في برنامج تلفزيوني، وأخيرا صورة المرأة الأجنبية المتسولة.
إن هذا التقسيم يقدم فكرة جيدة عن وجود الآخر في المسرح العماني، ويعكس إلمام الهنائية والسيابي اطلاعهما الجيد حول ثيمة الآخر؛ لما تُشكله هذه الثيمة بالنسبة للبحث الأكاديمي من مادة خصبة تخول للباحثين مناقشة العديد من القضايا الإشكالية. وقد تنبه الباحثان إلى هذه الجزئية حينما تطرقا في التمهيد إلى محاولة ضبط مفهوم مصطلح الآخر بقولهما: «إن وجود الآخر قديم قِدم وجود الإنسان على هذه الأرض، والتنوع والتمايز بين الآخر صفات خلقها الخالق بمشيئته وقدرته… فمن الآخر؟ وكيف يكون قبوله؟ هل بحدود أم بدونها… إلخ
ختاما: إن قيمة هذا الكتاب تنبع من انفتاحه على أفق يستقطب الكثير من المستويات والتحولات الاجتماعية في مجتمعنا العماني. وثيمة الآخر المحمولة بالكثير من النظريات الثقافية، توثق في مسرحنا العماني لمرحلة مهمة من مراحل الوعي بالآخر في ظل وجود الأنا والكتابة عن وعيين مختلفين، وعليه لن تكتمل المعادلة إلا بمزيد من البحث والحوار والدراسة المعمقة لهذين الوعيين.
—————————-
نزوى