د. جبار خماط يكتب عن: الممثل الخطيب
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
بقلم: د. جبار خماط حسن
أكاديمي ومسرحي عراقي
هل اتاك حديث الممثل اليوناني الأول، حين ارتقى المسرح الحجري ومن وراءه البحر، حركتة ثقيلة، لأنه يحمل زيا وبوقا واحذية عالية ، لأنه يفكر كثيرا باولئك الذين يجلسون في أبعد نقطة ..
الغريب أن اليونان القدماء فكروا يعزل المسرح عن حركة الشارع بناسه ودوابه! فاوجدوا لنا ممثلا حريصا على نقل حمولة النص ، من خلال أفعال الكلام المنجزة مع الأداء ليضمن تداولا فاعلا مع الجمهور . ولأنه وفي للكلمة وسياق مضمونها، عرفه لنا هيجل في كتابه فن الشعر حين قال ” الأداء الخطابي كان قانون التمثيل اليوناني ” ويمكن النظر إليه- مقارنة بالتطور الهائل في تقنيات الممثل – بأنه نواة أولية ذات شكل تنظيمي بسيط، يعتمد كيفية اتصالية، تقوم على إنتاجها ثلاثة عناصر تعمل بشكل ميكانيكي لا عضوي، وتتوزع على متوالية خطية تبدأ بالنص، فالممثل ، ثم المتلقي . ولأجل تعرف ماهية وكفاءة هذه العناصر ، ينبغي التوصل إلى فهم يقربنا بأحكام، إلى الوظيفة الاتصالية بين الممثل والنص ، الذي هو محور إعلامي جديد ، يستند إلى مخطط مبتكر لسلوك اللغة . فهو- اي النص الدرامي- يعتمد في بنائه على تقنية التبادل اللغوي بين الشخصيات ، فالحوار أصبح بديلا عن السرد الذي كان سائدا في المتن الملحمي . والنص الإغريقي، نظام شعري يعتمد التعبير عن القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي هي مواد أولية في إنشاء معمار النص الدرامي.
إذا نجد التراجيديا احدى الوظائف المميزة للنظام السياسي الاثيني( الديمقراطي ) والتي تكيفت في شكلها ومضمونها وتطورها مع البيئة الاجتماعية التي تنتسب اليها. ( انظر جورج توماس ، اسخيلوس واثينا، ص ٩) لذا تطلب أداء الممثل في عصر الإغريق، خطا ارساليا مباشرا نحو المتلقي ، يضمن الأداء الأداء الاتصالي وطبيعة الأهداف الناتجة عنه. وانسجاما مع نمط الكتابة الدرامية الإغريقية، فإن عملية الإنتاج المسرحي( العرض المسرحي ) انقادت إلى نفس ضرورات الإنتاج النصي . بالمسرح الإغريقي، نشاط فني جديد يستند إلى مبادئ أهمها، ان المسرح مؤسسة تعليمية ، وأن التراجيديا هي ضرب من أنواع الصراع الداخلي للبناء الاجتماعي. وان مسرح الاحتفالات هو أفضل أداة للدعاية في دولة المدينة( Polis) والتي لا تسمح لاي شاعر ان يستعمل هذه الأداة كما يحلو له .( انظر ارنوالد هاوزر، الفن والمجتمع عبر التاريخ ، ج 1، ص 104)
ومع افتراض المعالجة المسرحية للدراما الإغريقية،، يمكننا الوصول إلى تعريف التمثيل الإغريقي على أنه: فن تحويل الدراما بواقعها الديني والطقسي للغة ، إلى فعل كلامي مباشر يقوم به الممثل على الخشبة ، وعند الرجوع إلى (أرسطو) فإننا نلاحظ تفريقه، بين الدراما والمسرح حين يقول : الفكر يتصل بالدراما وان القول يتصل بفن التمثيل . وعليه تكون الوظيفة الاتصالية الممثل تتم بوساطة الصوت والإلقاء، لأن والإيماءة والإشارة والحركة ، كانت محدودة وبسيطة ، وتعبير الوجه يختفي وراء القناع ، والمسرح كبير لا يسمح بالرؤية .
ولأن سهولة الفهم والإقناع هي التي تدفع القاء الممثل ليكون تدعيما للمضمون الدرامي. ، ولهذا يمكن عد أداء الممثل الإغريقي خطابيا مباشرا، يعتمد عمله على ضرورة جعل الرسالة اللفظية ذات المحتوى الفكري واضحة وسهلة الفهم ، ومنقولة بوسيلة مألوفة كالصوت، ولهذا يهتم الممثل الإغريقي بالسيطرة والتحكم والمهارة الادائية العالية لفنون القول التي تشترك جميعا في نقل رسالة النص المتحكمة بالعرض المسرحي.