مقالات ودراسات

د. حسين التكمه جي يكتب: مسرح الشارع بين الخصوصية والتنظيم


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

البروفسور الدكتور
حسين التكمه جي

على ضوء انعقاد مهرجان مسرح الشارع الدولي الدورة السادسة ، بمبادرة من تجمع فنانو العراق ، والمدعوم من قبل وزارة السباب والرياضة.

حيث ظهرت العديد من التساؤلات والأفكار والآراء النقدية التي تصب في مسرح الشارع , مما يفرض علينا حل تلك المعضلات وتحديد المفاهيم العلمية لضمن استمرا هذا الاتجاه المسرحي في العراق والوطن العربي ، ذلك ان عدد العروض المشاركة بالمهرجان بلغت ثمان وعشرون عرضا اختلفت في تنوعها ومدارس اتجاهاتها فضلا عن تنوع الأساليب والانماط ، اضف الى ذلك ان البعض منها لا يصب في مسرح الشارع .

وعلية اقدم بحثي المتواضع هذا للمعنين من المخرجين والباحثين والمؤدين والنقاد ، لتبيان وتحديد أهم خصائص واشتغالان مسرح الشارع ، ولتحديد مواطن الاختلاف على وفق مستويات المصطلح وخصوصية الأداء والمكان والجمهور ، عسى أن نوفق جميعا في أهمية بناء وإنتاج عروض مسرح الشارع .
التسمية :
اختلف البعض في تسمية هذا النوع من العروض بين ( المسرح في الشارع ) أو ( مسرح الشارع ) ولعلنا نؤكد هنا بان الساعين للعرض هم من يذهبون نحو الجمهور بدلا من أن يأتي الجمهور لهم ، ودون سابق انذار ، ولعل المسرح الأوربي أيضا ساهم في هذا الاتجاه بدءا من المسرح الشامل عند جان لوي بارو و موريس بيجار ، وكذلك مسرح الخبز والدمى لبيتر شومان وصولا لمسرح الشمس عند مونوشكن ، فضلا عن ان معجم المصطلحات الدرامية لحنان قصاب حدد المصطلح باللغة الإنكليزية بـ ( street theater ) أي مسرح الشارع ، وعلية فالتسمية هي مسرح الشارع وليس المسرح في الشارع .

النوع والطراز :
يتميز عرض مسرح الشارع بتنوع مدخلاته ، حيث توظف فيه الموسيقى والرقص والعزف
وتهيئة المهارات الفنية العالية واستخدام الآلات الموسيقية والاغاني الحية او المسجلة على الريكوردر والأداء المفعم بالحيوية والمرونة الجسدية ،كما يتوافر على التعبيرات الجسدية للمؤديين ، كما تقصى كافة عروض البانتومايم بوصفها عروض خاصة لها قوامها ومحدداتها المعرفية والفنية والادائية على وفق الحركة والايماءة والاشارة بوصفها مسرح حركي صرف له معنى ، كما تقصى أيضا اعمال المونودراما ذلك لكونها تصب بأداء الممثل الواحد إلا في حالات نادرة لعدد من المؤدين المصاحبين للعرض بوصفهم شخصيات منشطرة من الشخصية الام ، ولذا يفترض ان يقوم تقديم مسرح الشارع على شخصيتين أو أكثر في مسرح الشارع .

النص والفكرة :
يستند مسرح الشارع من اقتناص الفكرة من حياة الشارع وهموم الناس او نبض الشارع ، فضلا عن القضايا التي تؤرق الحياة اليومية وما يصب بها من مشكلات التي تعد مواطن هدامة أو معيقة لحياة الفرد ، والبحث عن اصل الفكرة والاهم من ذلك كيفية صياغتها في قالب مسرحي متميز ، يستند الى متن حكائي من مقدمة ومتن ونهاية ، اذ ينبغي ان يحمل العرض معنى واضح وحل مهم للمشكلة وعدم الدخول في اراء جانبية تشتت المعنى والفكرة معا ، انما البحث حصرا عن مسار الحدث نحو الذروة بحيث يستفز المتلقي ويساهم في مشاركته فكريا وحسيا بالحدث بالإقناع أولا وبالتفكر بحل المعضلات ثانيا ، وعليه بكل الأحوال ضبط قواعد اللغة العربية وتحريك النص من قبل المؤدي وفق مختصين بقواعدها ليكون فن الالقاء مفعم بالحيوية والمعنى سهل الوصول الى ذهن المتلقي .

وليس شرطا ان يكون النص ارتجالي او نص مكتوب او نص على شكل سيناريو معد للغرض نفسه ، المهم في الامر رص الوحدات الكلامية في سياق العرض نحو التوتر والذروة ، ولا مانع من دخول التعليقات الجانبية والاغاني المرافقة لرصانة اتجاه الحدث ، ذلك كون العرض يعتمد بالأساس على المتعة الحسية والمتعة الفكرية التي تحقق بدرها المتعة الجمالية .

الأداء :
لا يمكن اعتبار الممثل في مسرح الشارع ممثلا بل مؤديا ، والأداء هو المهارة وليست المهارة كفيلة بأداء المؤدي أنما المهارة في تجميع الوحدات في كل واحد متكامل بمهارة عالية وقدرة فائقة على إيصال المعنى ، كما يميز ذلك هو المقدرة الصوتية والدفع الصوتي بحيث يصل صوت المؤدي واضحا جليا لكل الجمهور دون إصابة الحنجرة بالتوتر والبحة ، وعلية اجراء تمارين الصوت المعتمدة في ذلك في القوة والشدة والنبر وفن الالقاء نحو إيصال المعنى الخاص بكل كلمة وجملة أو مفردة حسب الضرورة ، فضلا عن ما تم ذكره من أهمية المرونة الجسدانية ، كما يسمح للمؤدي في مسرح الشارع من توظيف الاحتفالية والانتقال من شخصية لأخرى بغية فرز الموقف والحالة ، ولعل الاسترخاء والسيطرة والتوازن احدى مهمات سحب الجمهور باتجاه العرض بالمحافظة على الوحدات الايقاعية في التسارع وعدم هبوط الإيقاع كونه يساهم بترهل العرض المسرحي وضعف الأداء ، ولا مانع من توظيف الزي والماكياج والموسيقى الحية المعزوفة من قبل المؤدي وبعض المفردات المنظريه البسيطة التي تساهم في انشائية العرض .

الدلالة والعلامة :
معظم عروض مسرح الشارع توظف الدلالة أو العلامة في العرض ، ولعلم الدلالة محددات واصول وقواعد ينبغي الالتفات لها ، وقد يكون سوء توظيف الدلالة الى معنى معاكس تماما ، فينبغي الحذر مما يجبرنا ان ندرس هذا العلم بدقة متناهية ، والدلالة حين تكون مدروسة بقصدية تتنج مفهوم وافر المعنى ، أما حين تكون اعتباطية او عشوائية فإنها تدفع المتلقي الى تفسير متعدد للمعنى مما يضيع عملية الفهم والادراك ، والابتعاد عن توظيف الرمز بوصفه يقدم أحيانا معاني مختلفة قد تسبب عدم فهم عام ، بسبب تأويلاته المتعددة ، ويمكن تقسيم الدلالة الى لونية واشارية وصوتية وبصرية وطبيعية وصناعية ، ولهذا يختلف التوظيف طبقا للقصدية وليس الاعتباط .

الجمهور :
لجمهور مسرح الشارع خصوصية هامة ، فجمهور مسرح الشارع مختلف عن جمهور النخبة وجمهور الصالات الا ما ندر ، كما ان جمهور الشارع لا يأتي رغبة الى المسرح كما هو الحال مع جمهور مسرح الصالات ، فجمهور الصالات تدفعه الرغبة الملحة لحضور عروض الصالة ، في حين جمهور المسرح لم يكن في ذهنه ان يشاهد عرضا ، ذلك كونه حضر لأغراض أخرى متعددة كما انه مختلف الذواق والمشارب والثقافات ، اعتقد جازما ان من الصعوبة السيطرة عليه وسحبه لمكان العرض ، ذلك انك تحاول ان تعرض لجمهور الساحات او المقاهي او المتنزهات او الشوارع دون ان تعرف مسبقا نوع الجمهور ، علما ان جمهور الريف يختلف عن جمهور المدينة ، وانت ملزم ان تذهب اليه لتدعوه نحو الفرجة المسرحية ليس بشكل قسري انما بشكل دعوة ممنهجة ، فانت تقوم بسحبة من مشاغله الخاصة نحو منطقة العرض لتدفعه نحو المشاركة الوجدانية معك دون اجبار ، وعليه يمكن ان تكون كل ادواتك الفنية والمعرفية والحسية مجندة تماما وحاضرة لسحبة بهدوء نحو ناصية التلقي ليس بشكل قسري انما بشكل إيجابي ، لذا عليك ان تتهيأ لردود فعله اذ انها قد تكون سلبية وربما تكون إيجابية فهي تعتمد على قدرات المؤدي وحسن تصرفه لسحبة نحو العرض والمكان المعد له مسبقا ، والتهيؤ اللحظي لحل المشكلات .. وربما تواجه جمهور ساذج قد يسبب لك المشاكل واللغط والكلام المفرط في غير أوانه يعيق ما تقدمه له ، فدراسة الجمهور هدف أساسي قبل بدء العرض كما هي تهيئة المكان هدف أساسي .

إشكالية المفهوم :
أخيرا فان مسرح الشارع يمكن تحديده بانه كل عرض مسرحي خارج مسرح العلبة الإيطالي او ما يسمى مسرح الصالات ، كما هو كل عرض مسرحي في الهواء الطلق ، ان كان في المقهى او الشارع او باحات السجون او على ضفاف الأنهار او في الساحات العامة او بارك السيارات او الحدائق والمتنزهات فهو مسرح شارع .
وعليه فأن خصوصية مسرح الشارع تتميز بتلك المفاهيم التالية:-
1- انه لا يخضع لمقص الرقيب
2- يتناول القضايا اليومية التي تؤرق المواطن
3- يساهم في حل المشكلات وإيجاد البدائل والحلول
4- لا يستخدم المنظر المسرحي انما يوظف بعض المفردات المنظريه ذات الأثر
5- يعتمد على جهد المخرج والأكثر جهد المؤدي في إيصال الأفكار والمعاني
6- يوظف مفهوم التشاركية مع الجمهور بإيجابية تامة
7- تعد عروض مسرح الشارع أكثر حميمية بين المؤدي وجمهوره
8- قدرة العرض المباشر على التأثير على الجمهور ان حسن التقديم
9- يعتمد على النقد الاذع للسلبيات لتأشير ما غاب عن ذهن المتلقي
10- يناقش القضايا الاجتماعية والسياسية والبيئية والإنسانية بحرية مطلقة
11- كل عروض مسرح الشارع يقترب من حفلات الزار والفرجة والاحتفالي
12- تتميز عروضه بالاحتفالية المفعمة بالمتعة الحسية والفكرية والجمالية
13- لا يتحدد بزمن معين عروضه مفتوحة بين الصباح والظهيرة والمساء ، بوصفة لا يستخدم الإضاءة المسرحية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock