د. علي خليفة يكتب عن مسرحية حصار القلعة.. للشاعر محمد إبراهيم أبو سنة

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

 

مسرحية حصار القلعة
للشاعر محمد إبراهيم أبو سنة

لا عجب في أن يميل كتاب المسرح الشعري في العصر الحديث للتاريخ؛ ليستوحوا منه بعض الأحداث، ويصوغوها في مسرحيات شعرية، وقل أن نجد شاعرا معاصرا يكتب مسرحيات شعرية يصور فيها أحداثا معاصرة؛ وذلك لأن كتاب المسرح الشعري يجدون في الأساطير وأحداث التاريخ الأحداث التي يمكن تناولها بهذه اللغة الشعرية الحافلة بالصور والرموز والدلالات، كما أن هذه اللغة الشعرية لن تكون غريبة إذا نطق بها أشخاص تم استحضارهم من التاريخ أو الأساطير، فهذا البعد الزمني يسوغ للمشاهد والقارئ تقبل هذه اللغة العالية منهم بما فيها من صور ورموز ودلالات متعددة.

 

وبعض كتاب المسرح الشعري العربي يلجئون للتاريخ القريب في بعض مسرحياتهم، كما فعل صلاح عبد الصبور في مسرحية ليلى والمجنون التي جعل أحداثها في مصر قبيل ثورة يوليو، وأعتقد أن هذا البعد الزمني غير الموغل في الزمان البعيد كان من أسباب ضعف هذه المسرحية، إلى جانب عوامل إخرى جعلتها أشبه بالميلودراما، وأبعدتها عن أن تكون في قمة مسرحياته الأخرى باستثناء مسرحية بعد أن يموت الملك، فهي أيضا فيها قدر من الخلل.

 

وكتب فاروق جويدة مسرحية الخديوي، وعالج فيها أحداثا تاريخية قريبة من عصرنا، وحاول أن يسقط بعض الدلالات السياسية على الأوضاع السياسية المعاصرة من خلال هذه المسرحية، ولكن هذه المسرحية لم تخل أيضا من عيوب، وكانت اللغة الشعرية العالية على ألسنة معظم الشخصيات فيها غير مستساغة لقرب هذه الشخصيات التاريخية من عصرنا الحديث، وكان هذا العيب من أهم عيوب هذه المسرحية.

وسار محمد إبراهيم أبو سنة في مسرحيته الشعرية حصار القلعة في الطريق نفسها، فاختار لمسرحيته هذه أحداثا تاريخية قريبة من عصرنا، وهذه الأحداث هي الفترة القصيرة التي حكم فيها خورشيد باشا مصر، وهي سنة واحدة، والفترة المبكرة من حكم محمد علي لمصر، وتوجد إشارة في المسرحية تشير إلى أن نهاية الأحداث فيها كانت سنة ١٨٠٧، أي بنهاية حملة فريزر القائد الإنجليزي على مصر التي فشلت في احتلال مصر، وعادت مهزومة لإنجلترا.

وهذه الفترة التي اختارها الشاعر محمد ابو سنة لمسرحيته مليئة بالأحداث المهمة، وكان من الأفضل اختيار حدث واحد منها والتركيز عليه، ولكن حرص أبي سنة على تناول أحداث كثيرة في مسرحيته هذه جعلها أشبه ما تكون بسجل لاستعراض هذه الأحداث، في حين لم يهتم بالشخصيات اهتماما كبيرا، ولم يجعل للأحداث الخاصة التي من خلالها يسوق هذه الأحداث التاريخية القدر الكافي من الاهتمام، وكذلك بدت اللغة الشعرية على ألسنة بعض الشخصيات فيها أعلى من المستوى الذي يتوقع أن تتكلم به هذه الشخصيات، وسيتضح مع تحليلي لهذه المسرحية عرضي لهذه العيوب في هذه المسرحية..

وبداية المسرحية نراها في بيت حجاج الخضري أحد أبناء مصر البسطاء الذين تضرروا من جند خورشيد باشا الذين أشاعوا الفوضى والاضطراب في البلاد بما يقومون به من سلب ونهب، وقتل لأبناء الشعب، بل منهم من تجاسر، واعتدى على بعض النساء والفتيات.
ونتج عن ذلك أن المصريين صاروا لا يأمنون على أعمالهم ودكاكينهم، وبيوتهم وأهليهم، وأنفسهم.
ومن خلال حوار حجاج مع زوجته في بداية هذه المسرحية نعرف أنه تضرر بشدة من جند خورشيد الأتراك، فهم قد حاولوا الاعتداء على ابنته عزة، ورآهم خالد أخوها مع بعض أصدقائه من طلاب العلم في الأزهر، فاشتبكوا معهم، وقتل خلال هذا الاشتباك خالد، فشعر حجاج وزوجته بشدة المرارة لفقده.
وتطلب زوجة حجاج إليه أن يترك عزلته، ويخرج للعمل حتى يوفر لهم الرزق، وكذلك تطلب إليه أن يعود لأصحابه الوطنيين بقيادة نقيب الأشراف عمر مكرم؛ لمواجهة ظلم خورشيد وجنوده المستبدين، ويوافقها حجاج على ذلك.
ويظهر في المسرحية علاقة حب تجمع عزة بنت حجاج بابن عمها محمد الذي هو أيضا طالب من طلاب الأزهر.

ويرى عمر مكرم وغيره من كبار علماء الأزهر أن النصيحة لم تعد تجدي مع خورشيد وجنوده، فيميلون للقائد الألباني محمد علي الذي أظهر توددا لهم.

وحاصر أبناء الشعب المصري القلعة التي كان يحكم منها خورشيد باشا مصر، وكان العلماء يقفون في مقدمة الثائرين على خورشيد وجنوده.

وعرض المصريون على محمد علي أن يكون واليا على مصر مكان خورشيد على أساس أن يكون حاكما عادلا، ولا يجعل جنوده يعيثون الفساد في البلاد، ولا يرهقون أبناء الشعب بالضرائب الكثيرة،ووافق محمد علي على مطالبهم إليه، وأرسل زعماء الشعب المصري الذين كان يتقدمهم علماء الأزهر بقيادة نقيب الأشراف عمر مكرم – إلى السلطان العثماني رسالة تتضمن رغبتهم في عزل خورشيد من حكم مصر وتولية محمد علي مكانه، ووافق السلطان العثماني، تجنبا لأي اضطرابات داخل مصر.

وكان من الأفضل في رأيي أن تنتهي المسرحية بذلك، ففي هذا تعبير عن عنوان المسرحية، وهو حصار القلعة الذي انتهى بموافقة السلطان العثماني على عزل خورشيد وتولية محمد علي الذي اختاره الشعب المصري مكانه، وكذلك فإن نهاية أحداث المسرحية عند ذلك ستعبر بشكل كبير عن إرادة المصريين القوية التي تجأر بالثورة حين يزيد عليها الظلم، وتسعى للخلاص ممن يظلمونها.

 

ولكن أحداث المسرحية تستمر بعد ذلك، فمحمد علي بعد أن يتمكن من حكم مصر يسعى للتخلص من زعماء الشعب الذين ثاروا ضد خورشيد، وجعلوه حاكما مكانه برضا السلطان العثماني، وهو يشتري بعض هؤلاء الزعماء بالترغيب، ويخيف آخرين بالترهيب.
أما عن عمر مكرم نقيب الأشراف، فقد اصطدم بمحمد علي مبكرا، حين طلب إليه عمر مكرم تسيير جيش من أبناء الشعب لمساعدة أهل رشيد في قتال حملة فريزر، فرفض محمد علي؛ حتى لا يقوى الشعب أمامه، وحتى يحجم دور زعمائه خاصة عمر مكرم.

 

وفي نهاية المسرحية يأتي الشاب حمزة لعمر مكرم يستحثه على النضال ضد محمد علي الذي زاد جنوده في الضرائب على الشعب المصري، ويقول له عمر مكرم بحزن: لقد تفرق كثير من زعماء الشعب عن وحدتهم، وعليك أن تتجلد حتى يكثر في هذا البلد الأنصار، وتنتهي بهذا تلك المسرحية.

 

أما عن حجاج الخضري وزوجته وابنته عزة، فلم يهتم بهم المؤلف بهم اهتماما كبيرا، وصرنا نعرف بعض المعلومات السريعة عنهم؛ لأن المؤلف كان همه الأساسي في رصد الأحداث الكثيرة المتتابعة، وليس في كشف النفوس الإنسانية، وإظهار ما يختلج فيها إزاء هذه الأحداث.

 

ونحن نفاجأ أن محمد ابن عّم عزة وحبيبها قد مات خلال حصار القلعة، هكذا فجأة، وتحزن عليه عزة حزنا شديدا، ولكنها لا تلبث أن تتزوج من صديق محمد، وهو حمزة، وتحبه حبا شديدا، ويحل حمزة مكان محمد في الصورة التي تعرضها المسرحية في التعبير عن دور الشباب في مواجهة الحاكم التركي المستبد وجنوده المستبدين، ولا تختلف شخصية حمزة عن محمد، حتى إن عزة تظهر نفس العاطفة لحمزة بعد أن حل مكان حبيبها القديم محمد، ومن هنا يتأكد لنا أن المؤلف لم يعط الشخصيات اهتماما كبيرا في بنائه لهذه المسرحية.

 

ونعرف أيضا في لمحة خاطفة أن حجاج الخضري الذي بدأت به الأحداث – وظننا أنها ستسير من خلال التركيز عليه وعلى أسرته – قتل مشنوقا من قبل جنود محمد علي.

 

والشخصيتان اللتان سلطت المسرحية عليهما بعض الضوء هما عمر مكرم ومحمد علي، أما عمر مكرم فقد ظهر بملامح ثابتة من أول المسرحية لآخرها، فهو شخص نبيل فاضل، يحب الشعب، ويرغب في كل صلاح له، ولديه قدرة على التأثير في الجماهير، وَقّاد جموع الشعب المصري للثورة ضد خورشيد حتى تم عزله، وظن أن محمد علي شخص فاضل، كما كان يحاول إظهار نفسه له ولبقية المصريين، فدعا المصريين للسعي ليكون الوالي على مصر بعد أن يتم عزل خورشيد، وبهذا فعمر مكرم شخص حسن النية، وانتهى أمره بأن جعله محمد علي معزولا عن باقي زعماء الشعب الذين استطاع تفرقتهم بأساليب مختلفة ذكرتها من قبل.

 

ومحمد علي بدا في هذه المسرحية شخصا واسع الحيلة، وخطط لأن يكون واليا على مصر، وتقرب في سبيل ذلك من زعماء الشعب المصري، وبعد أن وصل لأهدافه سعى للتخلص منهم بما فيهم قائدهم عمر مكرم.

 

والمسرحية بهذا الشكل ترسم جانبا أحاديا لمحمد علي – مؤسس مصر الحديثة – وكان من الأفضل أن تظهر المسرحية جوانب أخرى في شخصية محمد علي لتكتمل الصورة عنه، فهو كان يرغب في أن يبني مصر بالصورة التي يراها دون أن يواجه باعتراض زعماء الشعب عليه، فتخلص منهم لهذا السبب، وبالطبع ما فعله محمد علي كان مخطئا فيه في تخلصه من زعماء الشعب المصري، ولكن هذا لا يمنع من أنه كانت له أهداف من وراء ذلك له ولمصر أيضا، فقد كانت غايته حسنة، ولكن أسلوبه كان خاطئا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock