مقالات ودراسات

د. مؤيد حمزة يكتب: مهرجان مسرح الكوسا والدوالي!


د. مؤيد حمزة

دكتور في الفنون المسرحية ـ دراماتورغ، مخرج مسرحي، ومربي ممثل

ـ

ذكرت معالي وزيرة الثقافة في برنامج سواليف على التلفزيون الأردني في شهر يونيو 2015، أنها اتخذت قراراً بعدم طبخ الكوسا والدوالي في المنزل مبررة ذلك بالقول “ساعات من الإعداد والطهي وعند الأكل ينتهي كل شيء بـ 5 دقائق”. ولم تكتف بهذا بل وشنت هجوماً ساحقاً ماحقاً على مكتشف هذه الطبخة  (لاحظ أنها تستخدم هنا صيغة المذكر) واتهمت ذلك المتهم الذكر المفترض بأنه “فاضي أشغال”.

من خلال هذا اللقاء في برنامج سواليف (يعني دردشة أو طق حنك) أكدت معالي الوزيرة على رفضها القاطع للجهد الضائع – برأيها- الذي على المرأة أن تقوم به من أجل إعداد طبخة تستغرق ساعات طويلة لتؤكل في دقائق قصيرة، دون شك أكثر من خمسة بقليل.

بغض النظر عن تأييدنا من عدمه لهذا الموقف، أنا نفسي أشفق على أمي عندما تصر على إعداد هذه الوجبة لدرجة أن تعلمت (اللَّف، والنقر) لأقدم لها ما أستطيع من مساعدة عندما تصر على طبخها، إحتراما لفولكلور وثقافة مطبخها.

مقالة معاليها المذكورة تجعلني كمسرحي أتوقع منها بالمقابل أن تطبق نظرية الكوسا والدوالي على المسرح مثلا.. فلا تسمح بأن يُهدر جهد المسرحيين الذي يفترض أن يستمر لأسابيع طويلة وربما لأشهر من البروفات بعد عمل طويل على النص وإعداده، وتفصيل الميزانيات، واختيار فريق العمل.. بالإضافة إلى أشهر من المقابلات مع لجنة اختيار العروض التي (س)تستحق الدعم. لن تقبل معاليها لهذا الجهد أن يؤكل في ساعة واحدة (هي ساعة العرض فقط). كما ويحق لنا أن نتوقع من معاليها التي أشفقت على تكاليف طبخة الكوسا بالدوالي، أنها ستشفق ولابد- وبشكل مضاعف- على الميزانية التي تصرف على عرض الساعة الواحدة لمرة واحدة أو بضع مرات لا تتجاوز أصابع بشري عادي.

انتهت كالعادة فعاليات مهرجان المسرح الأردني والذي استمرت فيه نفس آلية الاختيار المتبعة وتداولت نفس الأسماء التي كانت تنتظر دورها، وبنفس أسلوب المقاولات حيث يقوم كل مسرحي بطرح مشروع العرض المزمع إخراجه، فتقوم لجنة مختارة من قبل مديرية المسرح (لا أحد يعرف معايير الإختيار) بمقابلة السادة المخرجين ومناقشتهم بالمشاريع التي قدموها، والتي يسمونها بالخطط الإخراجية. لتقرر اللجنة انتقاء بعض الأسماء من المخرجين أصحاب المشاركات السابقة بغض النظر عن مستوى أعمالهم السابقة ومدى التذمر الذي يصيب المشاهدين – بمن فيهم أعضاء لجنة الإختيار أنفسهم – عند مشاهدة أي عرض من عروض المخرجين الذين قرروا أنهم ( ناجحين) أو مطابقين للمواصفات والمقاييس التي هم أنفسهم لا يعرفون ما هي، أو مقاولين ناجحين بالإقناع تبعا لرأي الناقد الأشد سخرية في الأردن تيسير نظمي.

انتهت فعاليات المهرجان والذي سجل استياء عريضاً من قبل المتابعين من حيث مستوى العروض أو استخفاف المخرجين بقيمة المهرجان وموقعه على الساحة العربية حتى أن بعضهم قام بإشراك مجموعة من الطلبة في الجامعات التي يعملون بها، نظرياً بحجة إعطائهم الفرصة، وعملياً لغرض التوفير من الميزانية تماماً كأي مقاول شاطر.

وكالعادة فعلى أي مواطن يرغب في أن يشاهد عملاً مسرحياً، فما عليه إلا أن ينتظر أقرب مهرجان مسرحي سيقام على أرض الوطن الحبيب، ويدعو الله أن يشاهد عرضاً يحترم ذوقه وثقافته، لأنه وببساطة لا رأي اللجنة التي اختارت مخرج العمل ولا آلية عملها ستضمن هذه النتيجة .

انتهت فعاليات مهرجان المسرح الأردني وفي نهاية المهرجان تم توزيع دروع المشاركة والشهادات على المشاركين بالتساوي وعلى قدم المساواة، وسجل لهم عملاً جديداً وتجربة مضافة، سيكون لهذه التجربة دوراً أساسياً في إعطائه فرصة أخرى في قادم السنين بحجة أنه مسرحي خبير و”محترف”!!!، قام بتقديم عرض مسرحي ليوم واحد ( يعني ساعة)، ومُموّل بالكامل من وزارة الثقافة. وأصبح بذلك من قادة الفكر والرأي والثقافة في هذا البلد تبعاً لسجلات وزارة الثقافة!!!!!!

لهذا السبب بالتحديد نقوم بالأردن بإطلاق التهاني والتبريكات لمخرج العمل بمجرد أن يتم اختياره للمشاركة في المهرجان وليس بعد تقديم عرضه المسرحي كما يفترض. بكلمات أخرى: يستحق المخرج تلقي التهاني بمجرد أن يرسو العطاء عليه. وقد يسمع تهاني من قبيل: “صحتين عالشاطر”!

الوزارة بدورها لا تجد ضيراً في هذه المنظومة. فهي تحافظ على تقديم إحتفالية مستمرة منذ عقدين، وتستكتب كل من تستطيع من الكتاب للترويج لنشاطات الوزارة والوزيرة والأمين العام. وتلمح لمن لا يعرف أن الثقافة بخير، والمسرح موجود ومتقدم… وإن كان لا يزال رهناً بالمهرجان، وإن توقف وجود المسرح على الدعم الكامل!! وإن غاب شباك الجمهور!! وبالتالي لا يتعرض أي عرض لاختبار حقيقي أمام جمهور. بل مجرد مصفقين من المعارف والأصدقاء والزملاء والأقارب يرسموا وهماً أن هناك عرضاً ناجحاً، وغالباً ما يصدق المخرج المحترف( تبعاً لرأي وزارة الثقافة) أن عرضه قد لاقى نجاحاً.

وصرنا كجمهور نتقبل أن يقوم المخرج أو المخرجة بالكتابة على حائط الفيسبوك : “أنه قدم للتو عرضه المسرحي الذي نجح نجاحاً باهراً”!!!! … من قال لك عزيزي/تي هذا الشيء، وهل حلفوا لك؟ وهل سيحضروا مرة أخرى أو يوصوا أصدقاءهم بفعل ذلك ؟ ومنذ متى يقرر الفنان- أي فنان- بنفسه أن عمله قد نجح؟

إن نجاح أي عمل فني من فشله أمر يقرره الجمهور وحده، ذلك الجمهور الذي لديه الاستعداد ليدفع ثمن تذكرة ليشاهد إبداعك، وليس ذلك الذي تتسول منه أن يتبرع لك بما تجود به نفسه وهو خارج من المسرح. أو الذي تتسول حضوره وأن يضحي بثمن المواصلات لأجل شخصك الكريم فقط.

انتهى المولد، وقامت وزارة الثقافة بمنح جائزة الإبداع المسرحي لعرضين مسرحيين – دون أن تشير لأسماء اللجنة التي اختارت هذين العرضين- وكيف استطاعت تلك اللجنة الموقرة أن تحدد الإبداع في أحد هذين العرضين على الأقل، فأنا تشرفت بمشاهدته أكثر من مرة ولم أجد فيه أي شيء من عناصر الإبداع التي تحدث عنها فلاسفة الفن وعلم الجمال.

في نفس اليوم الذي تعلن فيه وزارة الثقافة الأردنية عن اكتشاف عروض إبداعية، تقوم الهيئة العربية للمسرح بإعلان العروض التي ستشارك في مهرجانها المزمع إقامته في الكويت، والذي تمنح فيه جائزة أفضل عرض مسرحي عربي. وبكل شفافية تعلن الهيئة عن أسماء اللجنة حتى قبل إعلان عن العروض المرشحة. وكلها أسماء محترمة على المستوى الفني والثقافي.  وكما كان متوقعاً لأي خبير مطلع على العروض المسرحية الأردنية المنتجة في هذا العام لم يتم ترشيح أي عرض مسرحي من الأردن للمشاركة في مهرجان الهيئة العربية للمسرح للمنافسة على جائزة أفضل عرض مسرحي عربي.

فكيف تقبل وزارة الثقافة أن يذهب كل هذا الجهد سدى، دون أن تنجح بتقديم عرض مسرحي يستحق مجرد المشاركة بين عروض العرب؟ وكيف تقبل قبل ذلك أن يكون كل الجهد والمال الذي يقدم للمسرح محصوراً في إيجاد مناسبة تستمر لأيام عشر تنطفئ بعدها كل العروض بل والمسرح نفسه؟ وتنتقل بعده مباشرة لمولد الأغنية الأردنية والذي يقدم أغاني ستذهب لنفس مصير عروض المهرجان المسرحي من قبل؟ لو قامت معالي الوزيرة بتطبيق برنامجها المطبخي والمتعلق بطبخة الكوسا والدوالي على المهرجان المسرحي لربما دفعت الجميع للتفكير في آليات أخرى لتوفير حالة مسرحية مستمرة وغير مرتبطة حصراً في المهرجانات، ولربما قامت بتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا الفن، ووفرت له كل الحوافز، وقاتلت من موقعها لنزع سيف الضرائب والرسوم عن رقبة كل من يتجرأ بالتفكير في الدخول في هذا القطاع. مثل هذه الأفكار لا يطرحها أمام معاليك من يتسابقون على مؤتمرات دراسة الحالة المسرحية في الأردن وكل هم أغلبهم أن يحصلوا على جزء من طبخة العام القادم.

لكن وبالعودة إلى كلام الوزيرة نجد أنها ملتزمة ببيان العمل الذي قدمته :” أنها اتخذت قراراً بعدم طبخ الكوسا والدوالي (في المنزل)….” ونؤكد على عبارة في المنزل (فقط). فمن الواضح أن هذا المبدأ سيبقى مستمراً في وزارة معاليها من حيث تعاطيها مع الحالة المسرحية في الأردن. ولا يبدو أن هناك ما يضير معاليها أو يزعجها في أن تتعامل مع (فاضيين أشغال) بحسب وصفها. ويبقى المسرح في ظل قيادتها كما كان في عهد من سبقوها مرتبطاً بمبدأ الكوسا والدوالي حصراً، وتبقى الوزارة ملتزمة بتوفير متطلبات هذه الطبخة ومكوناتها في كل عام. وعلى رأي صديقي المبدع خالد الطريفي : “كل عام وانتوا بخير”.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock