مقالات ودراسات
د. محمد سمير الخطيب يكتب: مارفن كارلسون وصراع المركزيات!
قراءة في كتاب مارفن كارلسون والمسرح العربي ترجمة سباعي السيد .. من إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 2020
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. محمد سمير الخطيب
ناقد وأكاديمي مصري
تهدف هذه القراءة إلى إقامة حوار مع الكتاب من أجل قراءة منتجة فعالة، لكي يتم ذلك يجب التعامل مع ما هو مكتوب بصورة جديدة لا تعتمد على محاكمته بمنطق الحق والباطل،
بل تحاول أن تكون قراءة تحقق شكلا من الاتصال والانفصال عن الكتاب في لحظة واحدة، لأن إثبات مدى انفصالنا عنه ونقدنا له، ما هو إلا اثبات لمدى تقديرنا للبروفيسور مارفن كارلسون ولخطابه النقدي والذي استفاد منه كاتب المقدمة بعد اختزانه في فكره واستفاد من نصوصه في تحديد رؤيته للمسرح.
ولد البروفيسور مارفن كارلسون (1935- ) في أمريكا، وشغل عدة مناصب فهو استاذ المسرح والأدب المقارن ودراسات الشرق الأوسط، وعمل كاستاذ زائر في جامعة برلين الحرة، وزميل في الهيئة الفيدرالية الدولية للأبحاث المسرحية (IFTR). حاز على العديد من الجوائز منها جائزة جورج ناثان للنقد المسرحي، وجائزة استرا. قام بتأليف ثلاثة وعشرين كاتبًا ولعل أشهرها كتاب نظريات المسرح 1993، وكما قام بتأليف العديد من الكتب عن تاريخ المسرح في أوروبا الغربية، وكتاب الحديث بالألسن 2006.
من هذا المنظور يمكن القول إن البروفيسور كارلسون له قصة أو حكاية داخل كل سياق مسرحي في الثقافة المعاصرة لتنوعه وثرائه وموسوعيته التي تتجلى في اختيار كتبه التي تتناول نظرية الدراما والسينوغرافيا واللغة المسرحية وغيرها من المجالات التي ترجمت إلى لغات متعددة، وتسد العجز في الكتابة الأكاديمية، كل ذلك جعل من كارلسون سلطة يرجع إليها كل باحث مسرحي في بقاع العالم..
مارفن كارلسون والمسرح العربي
وإذا نظرنا إلى مارفن كارلسون نجد أن له قصة وحكاية في الثقافة العربية والتي تمتد لسنوات طويلة، ويمكن أن نرصده على مستويات ثلاثة،
المستوى الأول:
حيث اشرف على العدد من المبعوثين المصريين في أمريكا بداية من الستينيات من القرن الماصي ولعل أبرزهم الراحلين الدكتور عبد العزيز حمودة، والدكتور وجدي زيد، كما أنه عضو دائم في المؤتمرات العلمية التي تعقد في الاكاديميات والجامعات الهيئات العربية.
أما المستوى الثاني:
فهو يعد أحد المؤسسين للمجموعة العربية في الهيئة الفيدرالية الدولية للأبحاث المسرحية (IFTR) التي تهتم بالشأن المسرحي العربي وعلاقته بالعالم، والتي يشترك فيها نخبة من الباحثين المسرحيين العرب،
وبالتالي تحدد موقعه بوصفه أحد فرسان الحوار بين كل من الشرق والغرب المسرحي. أما المستوى الثالث: ويعود إلى أن يعد الباحث الأكاديمي الغربي الأكثر ترجمة في المسرح العربي، حوالي ستة كتب من قبل.
يعد هذا الكتاب (في المسرح العربي) هو الكتاب الرابع له في اصدارات مكتبة المهرجان الدولي للمسرح التجريبي فقد سبقه العديد من الكتب بداية من كتاب فن الأداء (1999)، وأماكن العرض المسرحي (2002)، التكلم بالألسن (2010)>
كما ترجم له كتابين آخريين في المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية وهما المسرح المسكون (2005)، ونظريات المسرح (2010).
من هنا يمكننا القول إن مؤلفات البروفيسور كارلسون لها بعدين أولهما نقدي: وعلامة على التميز البحثي والدقة المنهجية خاصة أنه يتناول موضوعات جديدة على القارئ العربي، اما ثانيهما ثقافي: لأن معظم كتبه اطلاله على المشهد المسرحي الغربي.
ومن تلك الزاوية يثير كتاب (في المسرح العربي) في عقل القارئ المتابع للإنتاج النقدي لمارفن كارلسون أن هذا الكتاب المترجم يتميز بموقع مغاير عن بقية مؤلفاته، لأنه يتحدث عن المسرح في ثقافة أخرى مغايرة له وهي الثقافة العربية، وخاصة أن قادم من ثقافة ترى أن النموذج المسرحي الغربي هو الأصل.
لذلك يطرح هذا الكتاب تساؤل مفاداه هل استطاع كاتبه أن يهرب من أسر المركزية الغربية القادم منها أم وقع في شراكها دون أن يعي؟، والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى دراسة الخطاب المضمر في هذا الكتاب وسوف نتعرض لها سريعا.
وإذا نظرنا إلى مفهوم المركزية الغربية من منظور وجودي والمقصود بها أن الثقافة الغربية تجعل من ذاتها محورًا للعالم، كما تنظر إلى الآخر من خلال أفقها الخاص بها، نتيجة لشعورها بالتفوق على الآخر لأسباب مختلفة، يصبح الآخر تابعًا لها وداخلاً في تشكليها وترسيخ وجهة نظرها عن الأشياء وتأكيد تفوقها، وبالتالي يغيب حضور الآخر وتنفي فاعليته من أجل زيادة نفوذها وسلطتها الرمزية. وتتكون هذه المركزية بفعل قوة علمية أو عسكرية،
كما يتخذ التمركز طابعًا عرقيًا أو ثقافيًا أو فنيًا. وهذا ما حدث في المسرح حيث تم التعامل مع النموذج المسرحي الغربي وتقاليده المسرحية كنموذج متعال ويحاكم به كافة النماذج المسرحية التي انتجتها الثقافات الأخرى، وأن ينظر إليها من منظور التطابق مع النموذج الأوروبي، ويجب أن يمر بنفس المراحل لكي يتم الاعتراف به.
محتوى الكتاب:
يقسم الكتاب إلى قسمين، القسم الأول منه عبارة عن اربعة مقالات كتبت على فترات متفاوتة على رحلاته المختلفة للبلدان العربية وحضور مهرجاناتها، فالمقالة الأولى تتحدث عن الندوات العلمية وفعاليات مهرجان طنجة المشهدية بالمغرب 2016 وتستعرض ابرز المشاركين فيه.
أما في المقالة الثانية التي كتبها عام 2018 تتناول عودة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بعد فترة توقف ويحاول رصد المتغيرات التي حدثت نتيجة للظروف السياسية والثقافية، أما المقالة الثالثة يقوم فيها بقراءة نقدية لعرض مسافر ليل للمخرج محمود صدقي والتي اشاد فيها بالأخراج المسرحي ومستوى التمثيل. أما المقالة الرابعة التي كتبها في 2003 يرصد من خلالها خريطة المهرجانات العربية بالوطن العربي الأردن وسوريا ومنطقة الخليج العربي.
أما القسم الثاني من الكتاب، يحتوي على خمسة دراسات وهي أوديب العربي، والمعالجات العربية المختلفة، وقراءة في اعمال الطيب الصديقي، اربع مسرحيات عربية عن هاملت، واربع مسرحيات من شمال أفريقيا، ويختتم الكتاب بالدراسة المركزية وهي ابن دانيال اريستوفان العرب والتي نال من خلالها على جائزة أوسكار بروكيت للمقال النقدي من الجمعية الأمريكية للبحث المسرحي عام 2014.
وأول ما يلفت النظر في هذا الكتاب هو منهج الكاتب الذي يعتمد على المسرح المقارن وهو الذي يبحث في العلاقة بين ثقافتين أحداهما غربية والأخرى عربية، ويعتمد على الوصف مثل التركيز على شخصية درامية معينة، أو التفسير في تحليل الأحداث المشتركة أو المختلفة في الأعمال الدرامية. وهذا ما نلمحه في معظم دراسات الكتاب فنجد مقارنة تاريخ مسرحية أوديب ويحدد استجابة الرفض لها في ثقافتنا العربية في بدايتها ومعالجتها المختلفة على عكس ما حدث في الثقافة الغربية، وأيضًا في مقالة اربع معالجات لهاملت في تجلياتها العربية والاختلافات التي أحدثها المبدعون العرب عن هاملت شكسبير، ويتكرر نفس المنهج في دراسته عن بابات أبن دانيال،
ولكن يشذ عن تلك المنهجية دراسته أربع مسرحيات من شمال أفريقيا التي تعتمد على أسباب هيمنة النموذج المصري في الموسوعات العالمية المكتوبة باللغة الأنجليزية في مقابل تهميش نموذج المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب)، ويتناول أشهر كتاب المسرح بالإضافة إلى رصد تحولات المؤسسة المسرحية في المسرح العربي.
وأيضًا تشذ دراسته عن الطيب الصديقي وأعماله المسرحية وكيفية تعامله مع التراث والتي اشترك في كتابتها معه الباحث المغربي الدكتور خالد أمين عن منحى الكتاب أيضًا، ففي هاتين الدراستين تم استخدام مفاهيم مغايرة من قبل كارلسون لم يستخدمها من قبل في الكتاب مستمدة من أفكار هومي بابا مثل الفضاء الثالث والهجنة.
مارفن بين المركزية العربية والمركزية الغربية
يجب أن نضع في الحسبان أنه بعد حادث تفجير ابراج التجارة العالمية بامريكا 2001، تعاظمت الأهمية في معرفة الآخر العربي بالنسبة للذات الغربية، وتم تشكيل مجموعات عمل وتزايد الاهتمام بالمسرح العربي، وهذه نقطة تحتاج إلى توسع ولن يف المقام هنا بشرحها كما ينبغي. لذلك يمكن القول إن كتاب “في المسرح العربي” للبروفيسور مارفن كارلسون يدور في فلك مواقع القوة بين الشرق والغرب المسرحي، والجدل الدائر حول نشأة المسرح العربي بصورة غير مباشرة. ففي الجزء الأول من الكتاب .
وهو عبارة عن كتابات انطباعية وتوصيفية يكتب عن تجربته في حضور بعض المهرجانات العربية إلى المواطن الغربي، كأنه يعيد – مارفن كارلسون – إنتاج صورة الرحالة، ويذكرنا بصورة الرحالة الغريبيون الذين جاءوا إلى مصر في القرون السابقة ورصدوا بعض المظاهر المسرحية مثل نيبروني (1696) وبيلرزوني (1815) ولين (1834) وغيرهم من الأجانب. إلا أن مارفن يرصد المؤسسة المسرحية العربية وهي الخريطة المهرجانية والتي تعبر عن الإنتاج المسرحي العربي. فهذا الجزء تعريفي يتوجه به أساسًا إلى القارئ الغربي بوصفه أحد ممثلي فرسان الحوار بين الشرق والغرب المسرحي.
أما الجزء الثاني في الكتاب، فهو يدخل في الجدل الدائرة بين الشرق والغرب، وكتابة المسرح العربي بواسطة الباحثين الغربيين مثل يعقوب لاندو وفيليب سادجروف وغيرهم من الباحثين، ويقدم في هذا الجزء دراسات حول المسرح العربي، ونلاحظ هيمنة النموذج المسرحي الغربي بصورة لا واعية من ناحية اطلاق التسميات،
فنجد أنه يصف بن دانيال بأنه اريستوفان العرب من جهة، ومن جهة أخرى فرض النموذج الغربي الذي يعتمد على تقاليد الكتابة الدرامية في تحليله للنصوص التي توفرت لبابات بن دانيال التي تم تدوينها بعد 150 سنة تقريبًا، ،
ونتيجة لذلك عقد مقارنة بين البنية الدرامية لبابات بن دانيال ومسرحيات اريستوفان وأن يثبت بالأدلة التاريخية بتأثر بن دانيال باريستوفان، حاول أن يثبت بالأدلة التاريخية إطلاع أو تعرف بن دانيال على مسرحيات اريستوفان من البطالمة والرومان والبيزنطيين بفعل مخالطته لهم وللملوك والأمراء. لقد أغفل مارفن كارلسون حقيقة أساسية وهي أن خيال الظل ينتمي إلى تقاليد الكوميديا الشعبية القائمة على مبدأ الارتجال ويتحدد النص وفقًا على التفاعل بين اللاعب والجمهور، وبالتالي فالنص عبارة عن تخطيطه أو مخطط قابل للحذف والإضافة منه، لذلك فهو أقرب إلى كوميديا دي لارتي.
لقد أدى هذا التصور في وقوع كارلسون في شرك المركزية الغربية، بوصفها النموذج الذي يقيس به ظواهر المسرح المختلفة، جدير بالذكر أن البروفيسور مارفن كارلسون لم ينكر وجود مسرح عربي حي كالآخرين الذين حددوا نشأة المسرح العربي باستنساخ النموذج المسرحي الغربي طبقًا لمنطق موليير، فهو لم ينجر لذلك لكن عزز النموذج المسرحي الغربي بوصف الشكل الأمثل، ونظر إلى المسرح الغربي انطلاقًا من الرؤية العربية المحدقة والمراقبة لكل انزياح عن النموذج الغربي، فتمثل مارفن كارلسون المركزية الغربية وتكلم من خلالها عند قراءة المسرح العربي.
وبعد الاستعراض السريع لكتاب “في المسرح العربي”، يجب التنوية إلى أن مترجم الكتاب ومحرره هو الناقد والباحث الأكاديمي سباعي السيد يندرج تحت أفق الحداثة النقدية، وقد واكب مشروع مكتبة التجريبي منذ بدايته، ويعد هذا الكتاب الرابع في مسيرته للترجمة، فقد ترجم من قبل امهات الكتب النقدية منها مجال الدراما مارتن ايسلين، والمسرح في مفترق طريق الثقافة باتريس بافيس، والمسرح والعلامات لألين ستون،
كما ترجم العديد من المقالات والدراسات المهمة في النقد المسرحي. وتعد هذه الكتب بمثابة علامة تطوير النظرة إلى الظاهرة المسرحية في سياقنا المسرحي. واتوقع أن تثير المقالات التي كتبها مارفن كارلسون على فترات متباعدة وتم تجميعها وتحريرها ممهوره بتوقيعه الخاص العديد من التساؤلات لدينا لا تقل عن قوة ترجمتها.