مقالات ودراسات

د.ميادة الباجلان تكتب: عرض توحش لعبد النبي الزيدي وهشام جفات… دوامة القهر والانهزام

بمهرجان فرق التربية


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

د.ميادة الباجلان | العراق

تأليف: علي عبد النبي الزيدي

اخراج: هشام جفات

مهرجان فرق التربية

دائما ما يتناول المسرح في طروحاته الفكرية والجمالية مراحل القهر الانساني وما يتعرض له على مر العصور, وان خير من يصور هذه الدوامة التي تبدأ من حيث لا تنتهي في كل مرة.

 

هو المسرح الذي اشتغل كثيرا في هذا الموضوع بطرق وأساليب مختلفة مع اختلاف مدارسه ومذاهبه ونظرياته, فالإنسان الذي يكون فريسة الخيبات والنكبات والحروب هو الموضوع الأكثر الاثارة, والذي يمكن أن يشبع الخشبة بكل ما يثير المتلقي ويكسب تعاطفه مع كل ما يقدم.. ولم يكن عرض( توحش) الذي قدم الا واحدا من هذه العروض التي تتخذ من الموضوعة اساسا لفرضياته,

 

وكما عودنا الكاتب المبدع (علي عبد النبي الزيدي) على التطرق والبحث في مناطق وعرة يكشف من خلالها القهر الانساني في زمن النكبات, وهذا هو ديدنه, , فكان نص (توحش) امتدادا لسلسلة النصوص التي كتبها الزيدي والتي من خلالها أراد أن يقول ان الانسان سيبقى مشروعا للظلم والحرمان.. فكرة جريئة لمسرحية فلسفية فكرية صعبة في (زمن الكورونا), خوف.. هروب.. استلاب..  كل الايام متشابهة..  اغتصاب دجاجة.. اخاف من حذائها الأبيض.. حامل وانا لم ألمسك..  ليذهب الانسان الى العزلة.. سبع سنين عجاف.. عزلة الانسان لمرض .. خوف.. هستيريا.. ربما انتهت.. عالم موحش.. حياة معطلة.. دخول عالم شبكات التواصل .. عبثية ساخرة فلسفة عميقة وهو يدمج العبث بالواقعية, والفانتازيا..

بني النص على افتراضية عدم اتمام اشتراطات ليلة الزفاف بين رجل وأمراءه لضغوطات قسرية تضع حاجزا بين الاثنين يلغي اتصالهما حسب النواميس القوانين الانسانية, يذهب المشهد الاستهلالي الى الليالي الجميلة ك( ليلة العرس)ليلة غريبة بالرغم من واقعيتها, يتوسط وسط المسرح سريرين للرجل والمراءة يفصل بينهما جدار عازل يفصل بين الشخصيتين هي الزوجة, وهو الزوج عزل تام في غرفة الزفاف,

 

يمر الوقت ويمر السنين والواقع ما زال مريرا, كل شيء معطل-العالم معطل- كل شيء مؤجل الحياة, الحب, الأماني, أحلام مؤجلة, دوامة لم تنتهي, توزع الاداء بين المعايشة بالمشاعر الآنية والأفعال الحركية عبر التشخيص للحالات النفسية والاجتماعية والفكرية للمواقف والوصف والمحاكاة ما بين أزمنة التعبير التمثيلي للحوار والزمن الافتراضي  لفضاء العرض المزدوج الواقعي والفانتازي

عمد المخرج(جفات) ان يغطى المسرح كله بالسواد, رغم المتعارف علية أن الأعراس تغطى باللون الأبيض, ليشير بذلك أن العالم اسود, معطل, سريران منفصلان بجدار زمني عازل عبرت عن سلب الانسان ارادته, وكل ما يملكه من أفكار وأحلام, وانطلق العرض من فضاء التأسيس السينوغراقي الى فضاء حركة التمثيل وفق الرؤية الاخراجية لتأسيس خطاب مسرحي يحاكي الواقع ومعطياته, شخصية الرجل شخصية مستلبة تتنقل عبر محطات الزمن بخوف وهستيريا  تحاكي مراحل الزمن وتحولاته التي عاشها مع زوجته (سرعة الزمن مع سرعة الحركة) معادلة صعبة اذا ما اتقنها فكرة النص ورؤية المخرج ورشاقة اداء الممثل الذي يجعل من المتلقي أكثر انجذابا وشدا واهتماما لما يراه .

تميزت شخصية الرجل الزوج بضعفها الانسانية والمحبطة والعاجزة تواجه مصيرها والتي تحمل في داخلها وجع, وجع الحقيقة, والألم, أزمة نفسية, اجتماعية, فكرية, رغبة مؤجلة في الفعل, اذ اجاد شخصية الرجل(صلاح حسن)بتنوع أسلوبه في الطرح والسرد, اذ وظف مهاراته الجسدية باعتماده على المهارة الحركية, والصوتية في الاداء التراجيدي بجانب الكوميدي الساخر وفق اعطاء دلالات مغايرة للشخصية وفق مقتضيات الحدث, اذ امتلك المرونة في الجسد والاداء والتنوع في الصراع بين الألم, والفرح, والقبول, والرفض, ..والانتقالات السريعة التي حققت أفكارا احتجاجية بطريقة كوميدية ساخرة ضمن المعالجة الاخراجية

تميزت شخصية المراءة (زهراء صباح)بالرشاقة والمهارة في الاداء الحركي والصوتي, والمهارة الجسدية, والرقص التعبيري( وكم من أزواج يعيشون تحت سقف واحد, وكل واحد يعيش في عالم آخر),, وفي مشهد آخر للزوجة (تتغنج) على عذابات زوجها.. وهنا اسجل استغرابي كيف كان من الأجدى للمخرج بمعالجة الرؤية الاخراجية لشخصية الزوجة بهذا الشكل الذي جعلها تستمتع(غنجا) بعد موافقتها على الاتصال المباشر حسب الاعراف والقوانين بين الزوجين, لقد كانت الزوجة تتلذذ بمنع نفسها عن زوجها وكان ذلك من دواعي عزتها بنفسها وذلك ما يدعوا الى الغرابة في هذا الصراع, وكان من الاجدى للمخرج أن يعالج حركة الديكور, السرير, الطاولة, بدل من ثباتها .

حققت الاضاءة لغة العرض من خلال التناغم والتفاعل في توظيفها (الاحمر )و(الازرق النرجسي ودورها في التحولات بجانب الموسيقى والأغاني في انتاج صور مقنعة لزمكانية الاحداث والازمنة(الماضي, الحاضر, المستقبل), اذ عالج المخرج جفات رؤية اخراجية حداثوية اذ جعل سماع صوت المدافع بدل صوت نباح الكلاب ليشير بذلك الى الحروب والمآسي, و(سبع أولاد) ربما هي الخيبات, و(سبع عجاف)كررها كل من الزوج والزوجة الى (ثلاث مرات) فلو ضربنا رقم (7) في رقم (3) لأصبح الرقم (21) وهي سنة النكبة (الكورونا) عام 2021 , وهذه هي المعادلة الرياضية الافتراضية للزمن العرض المسرحي ..

الزيدي يضعنا دائما في دائرة مغلقة.. اليس من الأجدى للمخرج أن يشاكس المؤلف ويخرجنا من هذه الدائرة المغلقة الى دائرة الحياة .. ليعطينا فسحة من الأمل ..


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock