مقالات ودراسات

د. هشام زين الدين يكتب عن: المسرح الحقيقي!


د. هشام زين الدين

كاتب مسرحي وأكاديمي لبناني

ـ

يلاحظ المتابع لحركة المسرح في البلدان العربية وجود عدد لا بأس به من العاملين في مجالات المسرح المختلفة، ممثلون ومخرجون ومؤلفون وسينوغرافيون وأساتذة مسرح في الجامعات والأكاديميات، تقرأ عنهم في الصحف والكتب وتلتقي بهم في المهرجانات وجلهم من النخب الثقافية والابداعية في أوطانهم. إن وجود هذا الكم من المسرحيين في حياتنا هو بحد ذاته مؤشر إيجابي على المنحى الثقافي العام الذي تسير فيه مجتمعاتنا باتجاه الخيار الحضاري والمدني بعيداً عن التزمت والقوقعة ضمن الأطر المغلقة. لكن هذا الإطار الذهبي الجميل للوحة المسرح العربي لا يجب أن يمنعنا من الغوص في تفاصيل اللوحة ذاتها وتقييم محتواها بموضوعية، ولا يجب أن يمنعنا أيضاً من وضع الأصبع على الجرح وإعادة التذكير ببعض المفاهيم الأساسية التي يرتكز عليها الفن عموماً والمسرح يحتل مساحة مهمة فيه، والتي تتعلق بالصفات والقيم التي يجب أن يتحلى بها المسرحي لكي يستحق لقبه كمبدع وموقعه في المجتمع كمثقف.
المسلَّمة الأولى التي تشكل منطلقاً للحديث عن مواصفات الفنان أو المسرحي تتعلق بمدى اعتناقه وتبنيه لفكرة الخير، حيث أن الفن وجد وتطور واستمر حتى يومنا هذا وهو يلعب دور صمام الأمان في المجتمعات، يقاوم محاولات الجنوح نحو الشر والظلم والظلام والقتل والموت ويحفز على التغيير نحو الأفضل وعلى العلم والمعرفة والحب والأخلاق والعدالة والمساواة، يرفع من قيمة الإنسان ويتصدى لكل محاولات تهميشه وإفقاره معرفياً وفكرياً، هذه هي رسالة الفن الحقيقية وهذا هو دور المسرح الاجتماعي والانساني، فأين نحن منهما؟
قد يبدو هذا الكلام تنظيراً خارجاً عن الواقع، خصوصاً في هذا العصر الذي يشهد ارتباكاً في تحديد سلم القيم الانسانية ما أفقد الانسان التوازن المطلوب بين حاجاته المادية والمعنوية، وانعكس ذلك حكماً على منظومة القيم التي تحكم الفنون والمسرح فبتنا نشاهد أعمالاً مسرحية تحرض على الكراهية ضد الآخر، ونتعرف على مخرجين وكتاب وممثلين وصوليين لا يؤمنون إلا بالمصلحة الخاصة ويفعلون ما حلّله الله وما حرمه للوصول إلى غاياتهم ضاربين بعرض الحائط قيم الجمال والفن والخير والانسانية التي نشأ عليها الفن منذ بداياته. فكيف يمكن لمسرحي أن يتطرف إلى دين أو مذهب أو عقيدة أو فلسفة، وكيف يمكن لفنان ألاَّ يكون نصيراً للانسان أينما كان وإلى أي فكر أو دين أو مجتمع انتمى، كيف يمكن لمسرحي ألاَّ يكون شفافاً صادقاً محباً للانسان وعاملاً فاعلاً من أجل تحقيق الخير العام ونشره في المجتمع.
يخطئ من يظن أن الفنان المسرحي المبدع هو من يملك التقنية والشطارة في إدارة اللعبة المسرحية، والتمتع بالحضور الطاغي وقوة التأثير على المتلقي فقط، إن هذه الصفات وكلها إبداعية ومهمة في حياة المسرحي لكنها غير كافية ما لم تتوحد وتتكامل مع الأهداف العليا لوجود المسرح في حياتنا، والتي تتلخص بعبارة واحدة هي “تعميم ونشر الخير العام”.
ــــــــــــــ

جريدة الشرق القطرية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock