مقالات ودراسات

د. وطفاء حمادي تكتب عن: الإخراج المسرحي في العالم العربي ومتغيرات البنية الشكلانية والفكرية الجديدة


د. وطفاء حمادي *

أستاذ النقد المسرحي في كلّية الآداب في الجامعة اللبنانية

التمهيد

تعتبر دراسة البنية الإخراجية وتغيراتها الجديدة ومساراتها في المسرح العربي سعيا جادا للتعرف إلى واقع الإخراج ، وخاصة أن هذا النوع من الدراسة لم يلق اهتماما كبيرا من الباحثين المسرحيين العرب قياسا بالدراسات والأبحاث المختلفة الاتجاهات (النفسية والفنية والفكرية والسويولوجية) التي تناولت النص في المسرح العربي نظرا لعلاقة النص المسرحي بالنص الأدبي المرتبط ذهنيا ونفسيا وقكريا بالثقافة العربية ، من منظور إيديولوجي سياقي ، ونظرا لعدم ظهور نظرية العرض المسرحي ومكوناته من تمثيل وإخراج وسينوغرافيا إلا بعد فترة السبعينات عندها بدأ التعرف إلى عناصر البنية الإخراجية .
ايضا نرجح أن الدوافع الكامنة وراء هذا السعي تعود إلى الاعتبارات التالية :

-التغير الذي طرأ على النص المسرحي وهو أحد مكونات بنية العرض المسرحي ،فبعد ما كان يشكل العنصر الأساسي للعرض المسرحي ،من خلال فعل تحويل تام من طبيعة إلى أخرى transmutation ويبدل نظام نقل للمعلومات إلى نظام آخر هو العرض المسرحي ،فهو يمر اليوم بتحولات ، كثيرة منها ما يظن “أصحاب مسرح مابعد الحداثة أن النص الدرامي لم يعد قادرا على ضمان مسرحانية الخشبة ،والمسرحانية أو الأدائية هي تلك التي تجعل من الدراما خصوصية المسرح دون غيره من فنون الاداء الوقائعي والفنون متعددة الاتصالات . ومنها ما انتقل إلى ما سمي بالدراماتورجيا وهنا”” ينشط دور المخرج ويتميز في كتابة اخرى للنص كتابة تقوم على الرؤية والمعالجات الابتكارية التي تتجاوز طريقة السرد او التجارب الاخراجية التقليدية التي هي مجرد ترجمة او زخرفة او نقل حرفي لافكار النص، الى اقامة علاقات جديدة وتركيبات قائمة بذاتها ومتحررة بعناصرها في فضاء فعلي يتجسد فيه الدال بصيغ – بوليفونية – يتوزع فيها المنطق السردي والمسرحي على عدد من الوسائط التعبيرية والفنية”
ويدل ذلك على :

– إن العملية الإخراجية للعرض المسرحي تمر بتغيرات سريعة لإنها نتاج لتطورات تقنية وفكرية وجمالية وفنية متغيرة ومتطورة وذا ت إيقاع سريع “فالعرض المسرحي يساعد على التكامل بين النظرية والتطبيق ، فهو يجمع بين الخبرات النفسية /العضلية والخبرات الوجدانية والمعرفية ، ويوحد الفني والتكنولوجي، ويوثق الروابط بين المؤدي وبين الجمهور ”
-إن المدارس الإخراجية بدأت تسلك مسارات مغايرة في تقديم عروضها وفي أساليب إخراجها اليوم

ولا سيما الأساليب الشبابية ، لأن العرض المسرحي هو ذو سمة تركيبية تحويلية تحول النص إلى الخشبة بأدوات سمعية مرئية وأداء ممثلين يتحركون في فضاء نسقه متناغم مع كل عناصر بنية العرض ، ومتغير مع سمات كل مرحلة ومتغيراتها الفكرية والفنية والجمالية والتقنية ، ولا سيما بعد الانتقال من النص اليوناني والشكسبيري والكلاسيكي الجديد ، إلى النص الطليعي والوجودي avant – gardistالعبثي والمابعد حداثي وتصب وتصنف جميعها بالتجريبية experimentaliste ، ومن أهم سماتها تكسير قوالب المسرح الكلاسيكي باعتباره -حسب مفهوم التجريبين – بات مسرحا تقليديا ،واعتبر هؤلاء ان النص المسرحي بات عنصرا ثانويا ، وأعطوا الأولوية للتمثيل وللسينوغرافيا والإضاءة وغيرها من عناصر تنزاح نحو البصري /السمعي والأدائي /التمثيلي وهم حسب الأنصاري. “امثال المخرج انتونين أرتو الذي حاول عبر تجاربه في مسرح القسوة ان يجعل فن التمثيل في اولويات العرض على حساب النص الادبي ، وأن يسهم المشاهدون في صياغة العرض المسرحي كما كان ذلك سائدا لدى الشعوب البدائية في الطقوس والشعائر الدينية وصولا الى غروتوفسكي الذي دعا الى الغاء مكملات العرض وركز جل اهتمامه على تفجير قدرات الممثل عبر مختبره الذي اطلق عليه المسرح الفقير في بولندا ، وكذلك فعل المخرج الانكليزي بيتر بروك الذي نظر للمسرح على انه مساحة فارغة يتوجب املاؤها ، ولكنه لم يهتم بالكلمة ودورها مثل اهتمامه بالحركة والفضاء ، كذلك الحال عند المخرجين الامريكان روبرت ويلسون وريتشارد فورمان وبيرد هوفمان ولي برور وتجاربهم في ما يسمى المارينكا او مسرح الصورة التي اعتمدت الجانب البصري ” متجاوزة البناء التقليدي في المسرح ،وخاصة عندما بدأت الدعوة إلى تأصيل المسرح من خلال العودة إلى الشكل التراثي ( المسرح الاحتفالي ، السرادق الحكواتي وغيرها من تجارب سعت إلى التخلص من شكل الخشبة الغربية واللجوء إلى الشكل التراثي (الطيب الصديقي ،و روجيه عساف ،وقاسم محمد) .أو الاهتمام بالمسرح الدائري كانطوان ملتقى والمساحة الفارغة كريمون جبارة ومسرح الصورة كصلاح قصب …ثم تتالت التجارب االمسرحية العربية وتحديدا الإخراجية التي وقعت بين التأصيل و التجريب والطليعي . وظلت في كل محاولاتها تستند إلى مصادرها الغربية دون أن تكون نتاج الدوافع والعوامل الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية التي ولدت النظريات والأساليب الإخراجية الغربية الكلاسيكية والحداثية وما بعد الحداثية ، وغالبا ما كانت تستنسخ هذه التجارب دون أن تضيف إليها شيئا من رؤيتها الجمالية والبنيوية الخاصة .

ومن الضروري ،في هذا السياق ، الإشارة إلى أن هذا التغير ينتج من بروز تيارات فكرية وفنية حديثة ،أدخلت النتاج الفكري العربي في مفهوم الحداثة،ولا سيما المسرح. وفرضت تغيرات في البنى الفكرية والفنية وقادت إلى ظهور مفاهيم حداثية في “فترة الحداثة المتزامنة مع المرحلة التنويرية في القرن الثامن عشر .ونتج هذا التغير أيضا من تطور تقني هائل نقل العالم الى مرحلة مابعد الحداثة او ما بعد الصناعي ، وتواصل مع مستجدات الالفية الثالثة وما جاءت به من معطيات عصر المعلوماتية والمعرفة، في خطاب المسرح شكلا ومضمونا نتيجة التنافس القائم بين النظريات والمذاهب والتيارات ، اي بين القديم والجديد ، وهذا امر بديهي للبحث عن طرق تعبير جديدة تنسجم مع القفزة التقنية ووسائلها المتاحة لتقديم رؤية متجددة للواقع” .

ما المقصود بالتجربة الجديدة ،والتجديدية … علاقة مع المفهوم ؟

قبل البدء بتحديد إشكالية الدراسة المرتبطة بالتجربة الإخراجية لا بد بداية من تحديد مفهوم الجديد وربطه بالتجربة الإخراجية .إذا انطلقنا من تحديد مفهوم كلمة حداثة modernite أي عصرنة أو تحديث نجد أنها عملية تتضمن تحديثا modernism وتجديدا لما هو قديم ، والفرق بينمها يكمن في أن الأولى تعني إحداث تغيير في المفاهيم السائدة القديمة .أما مصطلح التجديد فيعني مذهبا أدبيا ، بل بالأحرى نظرية فكرية لا تستهدف الحركة الابداعية فقط ، بل تدعو أيضا إلى التمرد على الواقع بكل ما فيه من علوم وسياسية واجتماعية واقتصادية .

وفي مجال آخر يميز أدونيس بين الجديد والحديث “للجديد معنيان: زمني ، وهو في ذلك ، آخر ما استجد وفني ، أي ليس في ما أتى قبله ما يماثله .أما الحديث فذو دلالة زمنية ويعني كل ما لم يصبح عتيقا . كل جديد بهذا المعنى حديث . لكن ليس كل حديث جديدا . الجديد يتضمن إذن معيارا فنيا لا يتضمنه الحديث بالضرورة ، وهكذا قد تكون الجدة في القديم كما تكون في المعاصرة “.
كما يعتبر مفهوم التجديد من أكثر المفاهيم التي تنازعتها التيارات الثقافية والفكرية المختلفة ، والتجديد في اللغة من أصل الفعل “تجدد ” أي صار جديدا ، جدده أي صيره جديدا وكذلك اجده واستجده ، وكذلك سمي كل شيء لم تأت عليه الأيام جديدا ، ومن خلال هذه المعاني اللغوية يمكن القول ، إن الشيء المجدد قد كان أول الأمر موجودا وقائما وللناس به عهد ، والتجديد مناقض للتقليد ” نحاول أن نستعين بهذا المفهوم للتعرف إلى جدة التجربة الإخراجية وهي سمة تختلف عن سمة التجديد من خلال دراستنا للتجربة الإخراجية ، وللعناصر الجديدة أو للوظائف الجديدة التي أضفت على هذه التجربة تلك السمة.
إشكالية الدراسة :

في ظل الواقع المتغير لمكونات العرض المسرحي وفي ظل تأثيرها ا لمباشر وغير المباشرفي المسرح ، وبعد تحديد مفهوم الجديد تسعى هذه الدراسة إلى تقصي أساليب إخراجية تتلاءم مع اللحظة التاريخية التي يعيشها المسرح في العالم العربي وتحديدا في الكويت والمملكة التي تعتبر قضية إشكالية لما تنتجه سيرورة التحولات بسمتها الجديدة من تغيرفي مفهوم النموذج المعرفي “البراديغم” أي ” النسق المعياري الإدراكي”الذي ينظم تفكيرنا في حقل معين ويوفر له الأسس والإطار ويضع حدوده ونطاقه مثل : المفاهيم والنظريات والمنظورات ورؤية العالم” التي يسهم في جزء كبير من صنعها جيل عرف بجيل” الفايس بوك” .وتطرح هذه الإشكالية مساءلات كثيرة عن هذه التحولات مثلا :ما المقصود بالتجديد والجديد في الممارسة الإخراجية ؟ هل يعتبر تغيير الاتجاه المسرحي تجديدا أم جديدا ،وما هو معياره ؟ هل يرتبط “الجديد” بالرؤية الفنية والفكرية للمخرج ، وهل معارضته للنص المسرحي تعتبر “جديدة”؟هل هو التوظيف وآليته لعناصرالبنية الإخراجية البصرية والسمعية والأدائية وللمدارس والاتجاهات هو الذي يسم العمل الإخراجي بالجديد ؟
للرد على هذه المساءلات نرى ضرورة ربط هذه الإشكالية بإشكالية الجديد أو التواصل مع الأجيال السابقة أو الانقطاع عنها ، والانتماء إلى نتاج مرحلة جديدة برؤية فكرية وجمالية في تتسم بأنها متمردة، متجاوزه ومجددة.مما يستدعي القيام بقراءة نقدية تنطلق من الحاضر وتؤسس للمستقبل،وتثير أسئلة تتعلق بالبنية الإخراجية المسرحية ،والكشف عن ملامح هذا التغيير أو التطور أو التجديد في مسار هذه الحركة في الكويت وفي المملكة ،طيلة هذه الفترة .

ما هي التحولات في التجارب الإخراجية الكويتية والسعودية ؟
إن التغيرات التي طرأت على الإخراج اليوم شملت المسرح على مختلف الخشبات المسرحية العربية ، وشملت تحديدا الخشبة المسرحية الكويتية والسعودية ، وهاتان الدولة والمملكة على الرغم من أن نشأة المسرح فيهما هي نشأة مشابهة لمثيلتها في العالم العربي ، نشأة مدرسية ،إلا أنها لم تظهر بمستوى واحد قياسا بالحركة المسرحية في العالم العربي ،ويعزو ابراهيم غلوم ذلك إلى أنه : «… ربما لم تحتف حركة مسرحية في الوطن العربي بالتغير الاجتماعي كما احتفت به المسرحية في مجتمع الخليج العربي، لأنّ المجتمعات العربية الأخرى لم تواجه ظواهر الانقسام، والتوتر، والصراع، والقلق وعدم التوازن، التي خلقها ظهور النفط، وانقلاب نمط الانتاج في فترة وجيزة من الزمن. وذلك ابتداء من مطلع العقد الرابع من هذا القرن ، ولا نعني بظهور النفط مجرد المادة الخام، وإنما نعني به محركا أساسيا لتطور النظام الاجتماعي والسياسي في ذلك المجتمع” .

ولكن هذا الاحتفاء لامسه التغير عندما انفتح المسرح في الكويت على المسرح العربي /المصري ، مع حمد الرجيب أول مسرحي كويتي يدرس المسرح في مصر عام 1945 وأخرج في العام 1948 مسرحية هاملت لشكسبير .وكان قبلها يقدم مع محمد النشمي مسرحيات مرتجلة . وفي هذه العروض اعتمدت تقنيات الاحتفالية الشعبية وهي -حسب الباحث محمد مبارك بلال –عبارة عن الحركة الجسدية المستقاة من التراث الاحتفالي الكويتي .وقد بدأت هذه الحركة إرتجالية معتمدة على الأنماط الشعبية كتلك المتوافقة مع أنغام أغنية ( المالد ) المرفقة بالرقص والمستندة إلى التعبير من خلال الصوت وبعض ملامح الوجه ، لأن أساليب ومناهج التمثيل لم تكن قد عرفت واعتمدت بعد في بعض عروض المسرح العربي .وفي الستينات والسبعينات اعتمد المسرح في الكويت على التأليف الجماعي ، وعلى أسلوب التغريب البريختي الاخراجي مثل تجربة فرقة الحكواتي في لبنان ،وعلى أسلوب المسرح داخل المسرح تبعا لأسلوب بيراندللو وأساليب واتجاهات مسرحية إخراجية غربية متنوعة منها الستانسلافسكية ، وظهرالمخرجون عبد الأمير التركي ، كنعان حمد وحسين الصالح،

وبعدها ظهر المخرجون الذي تلقوا تدريبات في التمثيل والاخراج ، فظهر المخرج والكاتب صقر الرشود الذي رفض صيغة الارتجال وأسلوب زكي طليمات- حسب بلال مبارك – ، والمخرج فؤاد الشطي الذي اعتمد على فنون القول والحوار والمسرح الأدبي ، مستعينا بمناهج إخراجية حديثة ،ولكن أولوية التمثيل بالنسبة إليه كانت للحوار .

ثم بدأ التحول المتغير في أساليب الإخراج المسرحي في كل من الكويت والسعودية في مرحلة الثمانينات والتسعينات حتى السنوات الحالية ، واعتمد المخرجون مرجعية سميت بمرجعية البدائل التي أفرزتها العولمة ،وهي ذات صلة بالمتغيرات المستجدات ،والبرامج المتنوعة السمعية المرئية وأفلام السينما والفيديو، والموسيقى وفرق الراب والهيب هوب .
وبدأت تحدد معالم التغيرات المسرحية على مستوى العلاقة مع الخشبة المسرحية ، وعلى مستوى النص /عقل الاخراج ، والعرض الذي صار يعنى بمكونات العرض المسرحي وهي (السينوغرافيا والأداء التمثيلي والمؤثرات الصوتية والمرئية والعناصر المشهدية ) ، ،فبدأت هذه العناصر تضيق مساحة التداولية الحوارية التلفظية لتحصر الخطاب القولي وتختزله في تداولية خطاب الصورة ، فاستفاد المخرج من التقنيات الحديثة ،وعمل على توظيفها في مسرحه ، ذلك لأن الفنانين هم أول من يستشعرون التغييرات الآخذة في الحدوث ، وبفضل انجذ ابهم لروح العصر ، يجدون أنفسهم في عالم فقد شكله المألوف ، ويبدأون بالبحث عن عالم جديد لإقامة التجارب والأبحاث التي تجسد رؤاهم الحديثة مستعينين بتلك التقنيات .
وهنا نطرح المساءلات التالية :ما هي الأدوات الاجرائية الجمالية والفنية التي استخدمها هؤلاء الشباب لتجسيد خطابهم المسرحي على الخشبة (المؤثرات السمعية والبصرية ، والسينوغرافيا …) ؟ ما هي الاتجاهات الفنية (الكلاسيكية ، الواقعية ،أم تلك التي تنتمي الى المسرح التجريبي (وهو ذلك المسرح الذي يتجاوز القيود ويكسر المألوف ويجترج افكارا جديدة غير تقليدية ويمكن أن يصنف بالحداثي او ما بعد حداثي ) ?
تعامل المخرجون في مرحلة التسعينات كحسين المسلم وشايع الشايع وسليمان البسام عبد الله العابر ومساعد الزامل وعلي العلي ،وعبد الله الكندري وفيصل العميري وهاني النصار وفهد الهاجري ، مع اتجاهات مسرحية حداثية من خلال أدوات سينوغرافية فاقت بجمالياتها الصورة البصرية .وفي هذه المرحلة قدما الشباب الكويتيون حديثا عروضا مميزة كعرض ” مندلي ” فيه بدت براعة المخرج عبد الله التركماني في إدراة الممثلين و في تفجير قدر اتهم التمثيلية التي جاءت على شكل صياغات وتعبيرات داخلية ، ولعبت السينوغرافيا دورا مهما في بناء المشاهد البصرية في العرض ، بحيث قسمت الخشبة إلى أكثر من حيز تدور فيه الأحداث وتجسد الحالات في سياق متزامن وفي عدة مشاهد :كالمشهد الذي تتزامن فيه ثلاثة أفعال معا .
وفي عرض “كالا ونار” الذي أخرجه رازي الشطي ، نرى أنه عرض الفانتازيا التي تتوغل في عمق الأسطورة لتصنع مشاهدها البصرية ..ولعبت السينوغرافيا دورا كبيرا في أغلب العروض والأعمال و في بناء المشاهد البصرية ، كما لعبت الموسيقى المؤلفة خصيصا للعرض دورا تفاعليا مع كل المشاهد.ونستعين بعرض ” يوتوبيا العتمة ” لكاتبه علي البلوشي ، ومخرجه بدر شاكر المعتوق الذي صاغ مشهديته من وحي عتمة البصر ،فوضع المخرج الممثلين في غرفة مغلقة تغشاها الإضاءة البيضاء التي توحي ببرودة السجن ، وبرودة البيئة على الرغم من حرارة القضية التي يعالجها العرض ، وهي القضية الفلسطينية ، أو ربما تحتمل تأويلا آخر وهو ان القضية الفلسطينية باتت في مساقات الجدل البارد الذي ينتظر ببطيء احتمالات الحل . وفي هذه الغرفة المقفلة بإحكام . كما استخدم المخرج محمد الحملي في عرضه ” مسرح بلا جمهور ” أدوات سينوغرافية وبصرية وصوتية تتلاءم والرؤية الفكرية للنص / العرض وهي :الفيديو الذي ينقل حدث الانفجار الذي اصاب المسرح ، ثم ينتقل الحدث من الفيديو إلى المسرح بمشهد الحفرة والسجن . وأحسن استخدام التقطيع السينمائي في حركة الممثلين .كما حاول المخرج فيصل العميري في عرضه “نقطة بيضاء أو إبليس في ورطة” أن يجسد رؤيته مشهديا فيما يسمى بالبرفورمانس وهو نوع مسرحي حديث يستند الى نوع performance making الذي يعتمد على الـvisual art. وعلى الاداء الواقعي الذي يعزل المخيلة ،والذي يعتمد على السرد وليس على لعبة التمثيل ( )كما تخلل المشاهد المسرحية اسلوب التقطيع السينمائي ، ، ليخرج بنص للعرض قريب مما يسميه السينمائيون Le decoupage technique التقسيم التقني” .

مسارات ملامح إخراجية جديدة / أم تقليدية أم منقطعة ؟

من النادر ان نجد لدى هؤلاء الشباب / مادة البحث، نصا مسرحيا كتب للقراءة ، وإنما كتب للخشبة .و ذلك لأن النص المسرحي الذي يكتبه المخرج يكون قد وضع فيه كل حلوله الاخراجية التي يجسد من خلالها رؤيته وأفكاره. أما بنية النص الفنية فقد اتسمت بالحذف والتشظية ، وربما يعود ذلك إلى تأثير بنية الصورة التقطيعية (التقطيع السينمائي ) . وتأثروا بالفكر ما بعد الحداثي بإزالة الحواجز بين الفن والحياة اليومية ، والاستغناء عما كان يمايز بين النخبوي والجماهيري المتداولين في الفكر ما بعد الحداثي كما في نص “ودار الفلك “لسليمان البسام .ولم يقبلوا بل رفضوا ما لا يتلاءم ورؤيتهم كرفض فكرة “عبدة الشيطان” كما ورد في نص العميري ” نقطة بيضاء او إبليس في ورطة “، لأنهم مؤمنون بديناميات التغيير في هذه المجتمعات ، كما أن أغلبهم قد انفصل عنه ،فتأثر بما ظهر من مفاهيم تتصل بالنص المترابط , والتفاعلي , والفضاء الشبكي , والواقع الافتراضي ,في وقت ما يزال فيه بعض الجمهور ومسرحيي السبعينات أسيري مفاهيم تتصل بالنص الشفوي أو الكتابي , الذي لم يرق بعد إلى مستوى التعامل مع النص الإلكتروني “

ولذلك فهم يحتاجون إلى مدارس وأساليب إخراجية مغايرة ، ونتبين ذلك من خلال تقصينا لآلية الإخراج في المسرح في الكويت وهو حافل بالانواع المسرحية لجهة المضمون ولجهة تقنيات الاخراج .وقد اتسم الاخراج في أعمال هؤلاء الشباب بملامح جديدة قياسا بأساليب الإخراج التي مارسها الجيل السابق ، كما في عرض العميري الذي استخدم الاضاءة مراوغا من خلالها الخطاب المباشر المستند الى تداولية لفظية واستعاض عنها بإشارات دالة على الحرب والسلطة وانهيار القيم ، فضلا عن تفجير المسكوت عنه من خلال الموسيقى والرقص وهذا ما استخدمه ايضا البسام وشايع والعابر والحشاش الذين آثروا تشكيل خطابهم من خلال الحركة والكلمة والاضاءة والتقطيع السينمائي والموسيقى وقد ترجموها بإضفاء الطابع الالكتروني المستند إلى الوسائطية السينمائية الذي تفوق بدوره على الكلمة المنطوقة، وهذا ما يجب النظر اليه -حسب تعبير أمبرتو إيكو بخصوص العولمة -في “اطار هيمنة العلاقات المعولمة وثقافة الصورة على الانتاج الثقافي الذي يكشف عن المسافة التي تفصل بينهم وبين صيغ التقليد ” .
خلاصة القول أن هؤلاء الشباب مارسوا المسرح وأنتجوه و ظلوا -حسب وصف اوسكار وايلد نفسه – دائما على علاقة رمزية مع زمنهم ، إذ يمثلون ، وفقا للشعور العام ، جماعة تواجه الكثير من المصاعب وهي تمثل العذاب الجماعي للشعب وتشهد على آلامه ، وتجسد فكرة الاصرار مجددا على حقها في الوجود الثابت ، وتعزيز ذاكرتها . وباعتقادي أن هؤلاء الشباب قد سعوا لكتابة نص واعتمدوا على أساليب إخراج متطورة ومتجددة تجسد خطابهم وتفجر لغتهم .

تحولات إخراجية مماثلة في المسرح في المملكة

تتحكم اليوم في المسرح السعودي مجموعة من العوامل تجعله يقع بين اتجاهات إخراجية متنوعة
تمنح لكل عرض خصوصيته ،وطرحت هذه العوامل مساءلات حول آلية توظيفهم الفضاء المسرحي والسينوغرافيا وأين انجلت ملامح التجديد أو ملامح الجديد وما ما بعد الحداثة في توجهات أسلوبهم الإخراجي وعلاقته بالصورة البصرية.
في البدء كان الاعتماد الأساسي للإخراج في العالم العربي و الخليجي على النص الذي يتمتع بالسلطة الكاملة على المسرح .ولا تزال هذه السلطة تشكل واقعا يتجه إليه عدد كبير من الكتاب المسرحيين ويصعب اختراقه حتى اليوم )كما سنلاحظ في بعض العروض الواقعية والتراثية(. و ظل هذا التقليد سائدا في المسرح السعودي رغم ظهور محاولات لتغيير هذه الأساليب الإخراجية، ولتجاوز صورته القديمة التي قدمها أغلب مخرجيه والمتمثلة في السمات التالية:
1- إن الإخراج كان ينفذ تفسيرا للنص الآدبي ، ثم فقد النص سلطته و تحول التأليف إلى الدراماتورجيا عندما بدأ الكتاب الدراميون يكتبون نصا خاصا بالخشبة، وقد تأثروا بنظرية هيلتون الذي وضع آراء متنوعة تتعلق بالعرض المسرحي وبالتخلي عن أولوية الالتزام بالنص المكتوب، والعمل على تقديم نص تتوفر فيه شروط العرض المسرحي، وذلك وفقا لما يراه كل من برنارد دورت Bernard Dort ورولان بارت Rolland Barthes ومفاد رؤيتهما “ إن المسرح هو فن متعدد ومتفاعل بامتياز، أي يتعدى إلى شيء خارج عن دائريته ويؤثر فيه، فيه يصوغ المسرحي رؤيته مع الوقوف على ما ورائيتها عن طريق اللجوء إلى الشكل الإخراجي الملائم”
-بدأ المسرحيون في المملكة بكتابة نص تتوفر فيه هذه الشروط التي يتطلبها العرض، وذلك عندما بدأ الإخراج بتوظيف تقنيات تصيغ خطابا بصريا متلائما مع العرض. وبالتالي فقد انطلق كل مخرج من مقولات نظرية أو من مدارس الإخراج المتنوعة،ومن استخدام الصورة البصرية لتشكيل مشاهد العرض المسرحي، وخاصة أن الصورة، اليوم، تلعب اليوم دورا فاعلا وكبيرا في العرض المسرحي.وسلك عدد من المخرجين المسرحيين السعوديين هذا المسار، وأفادوا من تجارب المسرح الفقير والمسرح الشامل والمسرح الاحتفالي،وهم اليوم يتجهون نحو التغيير مثل رجا العتيبي وشادي عاشوروأسامة خالد ياسر مدخلي وغيرهم ، و يتمثلون الاتجاهات ما بعد الحداثية في المسرح التي يسعى إليها اليوم أغلب المسرحيين وخاصة الشباب منهم. بحيث بدأ العمل على الفضاء المسرحي بشكل عام، وعلى توظيف الصورة، وبدأ التركيز على حركة الممثل وأدائه وفقا لمفاهيم أدائية متطورة، ذلك لأن وعيا فنيا وفكريا جديدا بدأ يتشكل وخاصة بعد تطور وظيفة الصورة، وما أحدثه هذا التطور من ثورة في السينما والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي والمسرح .ولم تعد لغة الكلام تكشل حيزا كبيرا في بنية بعض العروض المسرحية، وصار للغةالسينوغرافيا والدراماتورجيا وفنون التعبير الجسدي وأشكالها الغربية الحيز الأكبر في العرض performance d’artوتقنيات الفيديو آرت، والتشكيل، ومفاهيم الأداء وما بعد المسرح، وغيرها من التغيرات التي جاء بها اتجاه ما بعد الحداثة والتي برزت تجلياتها في النص الدرامي وفي الإخراج.

المابعد حداثية والاتجاهات الجديدة في التجارب الإخراجية

في أغلب العروض المسرحية المذكورة سابقا ، اعتمدت التكنولوجيا بمنظوريها :التقليدي والحداثي كعنصرأساسي، واستخدمت أحيانا في السينوغرافيا المتجسدة في تسجيل فيديو “متلائم مع عناصر البنية المسرحية من كل اتجاهات الخشبة وحيز العرض”.
وتعتبر هذه العروض فنون تواصلية من الطراز الأول لأنها تقوم على “وجود حدث Event بين
العرض ومتلقيه ويتحدد بزمن وجود المتفرج في فضاء العرض، وتسيطر فيه الصورة السمعية
البصرية على العنصر الكلامي، وفي حال استخدم الكلام فيكون عنصراً أو مؤثراً صوتياً سمعياً أكثر
من كونه أداة تواصل الشرائح والصور المجمعة بالحاسوب ”
بعد التعرض لهذه التعريفات بالتوجهات التي يعتمدها الإخراج في المسرح عامة، سنتقصى مدى
تفاعل الإخراج المسرحي للعروض التي قدمها مخرجو المسرح في المملكة ، مع هذه التوجهات، وما هي العناصر التي تتسم بملامح اتجاه ما بعد الحداثة ؟

العروض والاتجاهات الإخراجية: السينوغرافيا عنصر بصري أساسي

عرض )سفر الهوامش( تأليف فهد ردة الحارثي مساعد مخرج وسينوغراف عبدالعزيز العسيري
إخراج أحمد محمد الأحمري ديكور فيصل الحديدي والعرض يعالج ثيمة اعتاد فهد ردة الحارثي أن يتناولها في أغلب نصوصه، وهي تتعلق بالإنسان وانهزاميته ومعاناته.يعتمد هذا العرض على مشهدية بصرية شاء المخرج الأحمري أن تشكل البصريات والسينوغرافيا الحيز الكبير فيها للتعبير عن الهوامش والمهمشين: هؤلاء الذين تغتال أحلامهم مسالك الفساد والقهر.
واعتمد المخرج ومصمم الديكور فيصل الحديدي، لتجسيد رؤيته المستندة إلى عدة حالات وأفكار
، على وضع أشكال كبيرة متلاصقة ملأت الفضاء المسرحي، توحي بعدة أمكنة:السجن، والمنزل، ووظفت لتجسيدعدة قضايا: الحصار بمعناه التجريدي، والسخرية من اللغات،واللافت في هذا العرض أن داخل المربعات /السجن أطر التقييد، ، “لأن هذه المنازل / المربعات هي الحيز للبوح ولتفجير المسكوت عنه، فيتعالى الصوت ويتتالى الكلام ويعلو الهتاف ثم تتحول المنازل إلى صناديق مفخخة يمكن أن تنفجر في أي وقت” .

عرض «بيت من ليف «تأليف وإخراج تأليف ناصر المبارك إخراج مصطفى جمعه .
“يعالج هذا العرض ثيمة تقليدية بدأ الكشف عنها من خلال معالجة إخراجية تنزاح نحو بنية عرض
الفارس.لقد آثرنا القيام بقراء نقدية لهذا العرض لكي نبين أنواع العروض المسرحية التي كانت تقدم على
الخشبة المسرحية في المملكة والتي تدل على المستويات والأنواع المتنوعة لهذه العروض.
، وبد ا واضحا عدم تخلي المخرج عن سلطة النص.
“أبو سعد: ستاتيكي ديناميكي اوتوماتيكي “عالج المخرج هذه الثيمة بأسلوب تقليدي، وعرض” ليلة العيد” تأليف وإخراج مصطفى عبدالخالق ،المسرح الكوميدي الذي لم يتجاوز الديكور المسرحي التقليدي للإيحاء بالبيئة الواقعية” .
عرض “الحافة أو الهروب الى الماضي “ تأليف عبدالعزيز السماعيل إخراج راشد الورثان.
“مثل سائر عروض المسرح الخليجي اشتغل هؤلاء على التراث،ولكن عرض « الحافة « جاء من وجهة نظر أكثر حداثة وتجاوزاً للمفهوم الجامد والسكوني للتراث المشار إليه بالماضي، إذ جعل المخرج الماضي والمستقبل متقابلين، فلم يعد أحدمها استمراراً للآخرأو مكملآ له.
جسد العرضى هذه الثيمة من خلال ملامح جمالية في العرض، مثل استخدام خيال الظل، بشكل متساوق مع الحلم، بهذا الأسلوب الإخراجي تحرك الممثلون بأداء طبيعي، لم يعتمد على الأداء الجسدي / ولكنه اعتمدعلى السرد والحوار المنطوق.

عرض” زهير بن أبي سلمى “ تأليف شادي عاشور إخراج رجا العتيبي
انطلاقا من ملامح شخصية “زهير بن أبي سلمي “الفاعلة والحكيمة بنى شادي عاشور نصه
العتيبي، بقدرة لافتة، الصورة البصرية كمعادل مرئي بصري، والصورة المسرحية اليوم «لا تعتبر الفن الأكثر تكثيفا – فحسب – بل هي أيضا الأكثر فلسفة «كل شيء في مسرح الصورة– قابل للتأويل والتفسير في النص المرئي، « من هذا التحديد نجد أن عرض العتيبي عرض مرئي يحتمل التأويل ويتخذ من الصورة بعداً جوهرياً في خطابه المسرحي. وقد استثمر فضاءها الجمالي لأقصى حدّ، وشحنها بالدلالات التعبيرية التجريدية ، ونظرا لدورها البصري الوظيفي والدرامي، وظفها العتيبي لتجسيد رؤية تجاوزت الأسلوب الكلاسيكي في الإخراج، وجسدت الثيمة المستلهمة من التراث التاريخي بمنظور تقني معاصر، ومن خلال فضاء مسرحي تمتع ببلاغة بصرية،جسد المخرج العتيبي رؤيته المعاصرة في هذا العرض من خلال النص الذي يرمي كاتبه عاشور
إلى التعبير عن استمرارية الماضي وإمتداده إلى الحاضر، فجمع أهم التفاصيل الدرامية التي تعتمل فيها
صورة الصراع على الخشبة.هوعرض جمع إلى التراث جمالية الصورة ما بعد الحداثية.

عرض “الرقص مع الطيور “من تأليف وإخراج شادي عاشور
من عمق القضية العربية وإنهزامية العرب، يصوغ عاشور نصه، ليدخلنا في متاهات الظلمة وليوغلنا
في تعاريجها، وكأنه يدخلنا إلى دواخل النفس حيث ندور وندور في حلقة مفرغة، ننتظر صلاح الدين
/غودو، فنحن دائما في حالة انتظار للبطل /المخلص / البطل التراتجيدي.

توزعت الأدوات السينوغرافية وتحرك الممثلون / الراقصون / المؤدون على منصة قسمت إلى
منصات دائرية تسلمتها الإضاءة التي لعبت دورا رئيسيا في تشكيل المكان الذي شكل حيز الحركة،
و تولت مهمة التغيير من فكرة إلى أخرى، ومن حدث إلى آخر، وتمكنت هذه الإضاءة من تجسيد
فكرة الصراع والمعركة مع النفس ومع الآخر، وقد وزعت المنصة بين عدة دوائر وكانت كل دائرة
محددة بالإضاءةg تعبر عن مشهد مختلف.ثم بدأت هذه الدائرة تتكاثر، وتواكب تكاثرها مع حركة
الممثلين التي بدأت تنمو مع تزايد عدد الممثلين. وكانت الحيز المكان لتلاوة المونولوغ والمحاكاة
الذاتية التي تعبر عن الصراعات والانهزام.برؤية عبثية سوداء تجسدت في ثيمة اختلط فيها التاريخ بالواقع السياسي .

عرض ) موت المؤلف ( تأليف سامي جمعان وإخراج زكريا معرضة
من الشخصيات المستلة من التراث ومن مسرح سعد الله ونوس كتب جمعان نصه، تعاطى المخرج زكريا مع هذا النص انطلاقا من بيئة مسرحية تنتمي إلى هويتها التراثية. لم ينحاز المخرج إلى رؤية حداثية ولا إلى رؤية تقليدية، بل اختار لعرضه المناخ والإيقاع التراثي الذي تنهض من خلاله شخصيات ونوس
عرض ) الإكليل ( تأليف شادي عاشور وإخراج أسامة خالد
يبدأ أسامة خالد رحلته مع هذا العرض بمدخل جمالي بصري متعوي حبكته خيوط جمالية تتغلغل إلى الذوق الجمالي للمتلقي.المسرح السعودي .الثيمة إنسانية سياسية، تعبر عن عبثية الموت والإرهاب وتدخلنا في متاهات سوداوية.
. قسم المخرج منصته إلى مستويين وأطر حراك الممثلين ضمن القطار الذي ظل صفيره هو العنصر
المسيطر الممزوج بموسيقى أحسن المخرج اختيارها. نوع المخرج بمشاهد العرض التي تتراوح
بين الكلام،الذي يعبر عن معاناة من خلال أداء متقن أداه هؤلاء الممثلون،.أما المنصة والشاشة فتدلان على مدى استغراق المخرج في المنظور المابعد حداثي حيث تختلط الفنون وتتساكن وفق البنية ما بعد الحداثية، فقد كسرت الحدود باستخدام التقنيات التقليدية والحديثة،وبدا ذلك عندما استعان خالد بعملية التساكن هذه التي ظهرت في مفاهيم مسرحية جديدة،” مفاهيم ما بعد حداثيةاخترنا منها ما وظف في هذا العرض الدادئية الجديدة neo- Dadaisme , الفن الفقير” L art Povera ,
ولم يعاكس المخرج ياسر مدخلي هذا السياق بل سلك المسار نفسه منطلقا من نص للكاتب ابراهيم الحارثي”دوران “أي “تصريح دفن “وهو نص مكتنز بالرموز الدالة على السياسي والاجتماعي والانساني ، وقد صاغه الكاتب بلغة شاعرية . وترجم مدخلي الرموز بلغة سينوغرافية متلاءمة مع جوهر النص وثيمته ، من خلال إشغال الفضاء المسرحي بشاشة بيضاء ترتبط دلالتها بالجثة والموت والفراغ وانعكاس خيال الظل ، خلقتها براعة لعبة االاضاءة البيضاء التي عبرت طيلة النص عن البرودة والموت ومن خلال أداء تمثيلي متقن وأزياء تتلاءم مع بيئة العرض ورؤيته التي تواءمت مع رؤية الحارثي بزرع بعض من الأمال بإحياء الجثة من جديد .

استنتاج

هي تجارب جديدة أم تكرار أم حسن توظيف ؟

من الملاحظ أن هذه التجارب الإخراجية هي تجارب يشترك أغلبها في الاعتماد بشكل خاص على الأدوات السينوغرافية والصورة البصرية والتقطيع السينمائي ، مستلهمين النسق الإخراجي من مدارس واتجاهات ونظرية إخراجية مختلفة ومتنوعة ، وقد يولف المخرج بين عدة مدارس إخراجية منها الواقعي والعبثي ، أو الواقعي والمابعد حداثي ، ولكن هل يعتبر هؤلاء المخرجون مجددين أم تجديدين أم مستهلكين ومستنسخين لما هو متوفر من أساليب ومدارس إخراجية استدمها مخرجو الجيل السابق ، لأن ما يميز الإخراج هوما يتسم به من سمات التجديد بما هو إضافة على ما كان سابقا والجديد في الممارسة الإخراجية والجديد بما يأتيه بما لم يكن موجودا ؟
لقد لاحظنا في تجارب الإخراج في المسرحين الكويتي والسعودي أنه ليس هناك من جديد ومن خلق أساليب إخراجية جديد ة ،بل لاحظنا أن المخرجين استخدموا المدارس الإخراجية ذاتها ولكن بعضهم أجاد توظيفها برؤية تجديدية وهم على ما قاله عباس محمود العقاد بخصوص التجديد عامة : فليس شاعرا عصريا من يصف الطائرة ، ولا هو حتى قديما إذا وصف البعير ،أو كما قال عز الدين اسماعيل “قد يكون الشاعر مجددا حتى وإن تحدث عن الناقة والجمل ”
إذن من الضروري الاستنتاج أن هؤلاء المخرجين في مسارهم الاخراجي يمكن أن يصنفوا كالتالي ،فمنهم:
– من استنسخ
-ومنهم من أتقن استخدم التقنيات و” الأجهزة السمعية البصرية على الخشبة، خاصة منذ وصول الفيديو،”ومنهم من استخدمها بطريقة مبالغ في تكرارها،فأحلها محل عمليات الحذف أو إثارة المشاعر، من أجل الحصول على توضيحات .

-ومنهم من أكثر من تقديم الفيديو في أغلب هذه المسرحيات (محمد الحملي وفيصل العميري .)وكان بمثابة قطيعة سردية الأمر الذي يقربه أكثر “من ظاهرة جماهيرية لما بعد الحداثة مثل التفزيون التناص الممكن بين المسرح والتلفزيون ”
وختاما ،يمكن القول إن هؤلاء المخرجين استخدموا الفيديو والتقطيع السينمائي والاضاءة للتعبير عن رؤيتهم بلغة بصرية أعدمت السردية الحوارية وشكلت أحد المعالم التي زادت من ترسيخ فكرة ما بعد الحداثة للإخراج بحيث “تمت محاولة كسر التناقض المطلق الموجود بين اللغتين وخلق مجالً درامي، لا يمكن تنسيقه دون تصادمات اليوم”مما أدى إلى مسار جديد في التوظيف .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لائحة المصادر والمراجع
-جوليان هيلتون ، نظرية العرض المسرحي ، مهرجان المسرح التجريبي ، القاهرة ترجمة نهاد صليحة ص. 15
– حسين الانصاري، الإثراء الدلالي في الخطاب المسرحي بين مدونة المكتوب و فضـاء العرض ، حسين الانصاري www.mohamedrabeea.com/books/book1_7821.doc موقع

– نظرية العرض ، مرجع سابق ، ص. 207
-.الأنصاري ، مرجع سابق
– الحداثة في الفكر العربي المعاصر ، ويكيبيديا ar.m.wikipedia .orgمستخدم

– مقدمة الشعر العربي ، أدونيس ص. 99المرجع نفسه عن مستخدم hasanisawi .

-سيف الدين عبد الفتاح ، التجديد ، موقع إسلام أون لاين
– Mona Abul-Fadl,” Paradigm in Political Science Revisited:Critical Option and Muslim Perspective”, The AmericanJournal of Islamic Social Science, Vo.6, No.1 September 1989.p.15 عن كنعان حمة غريب موقع قدوة ww,qudwal.com Qudwa1.cwwwwewwwo

ابراهيم غلوم، المسرح والتغير الاجتماعي في الخليج،عالم المعرفة ، عدد 124، سنة 1979، ص200.
-كوبر ، الثقافة في التفسير الانثروبولوجي، ترجمة تراجي فتحي ، مجلة عالم المعرفة ، عدد 349،، 2008ص. 230

– مرجع نفسه ،ص. 150

-وطفاء حمادي، مسارات المسرح في الكويت :بين الرؤية الجديدة والهوة الثقافية المسرحية ، ورقة قدمت في ندوة مجلة العربي ،2012-2014
– إنغليز، ديفيد (تحرير ) سوسيلوجياالفن طريق للرؤية ، ، ترجمة ليلى الموسوي ، عالم المعرفة ، عدد 341، 2007، ص. 134 –
– وطفاء حمادي ،المسرح في المملكة العربية السعودية ،مسارت التطور واتجاهاته ، مسرح الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ،نموذجا ،دراسة نقدية ، طباعة ونشر الجمعية ، 2012،ص. 168
– عبدالرحمن بن زيدان،ا لتجريب في ا لنقد والدراما، مطبعةا لنجاحا لجديدة،ا لدارا لبيضاء، منشورات الزمن،ا لرباط، 2001 ،ص.21 ،عن كتابي المسرح السعودي المرجع السابق ،ص. 170
– L’ART D’AUJOURDHUI Editions Nathan, Paris, Lucie- Smith، ,50.p,1991
Edward Vidéo et après: la collection vidéo du Musée national d’art moderne / sousla dir. de Christine Van Assche, Paris, Editions Carré / Editions duCentre Georges,Pompidou 50.P 1992
وأسعد عرابي، «تزاوج أنواع الفنون في نزعة مابعد الحداثة »، جريدة «الفنون »، شهريّة فنيّة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، العدد 4، أبريل- نيسان – 2001 .
ومارفن كارلسون، فن الأداء مقدمة نظرية، ترجمة منى سلام، مركز الشارقة للابداع الفكري، سلسلة تصدر برعاية الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، لا تاريخ، ص ..178 – 179 – 180
عن كتابي المسرح في المملكة ، مرجع سابق ،ص. 171ا

– المسرح في المملكة… ، مرجع سابق ،ص. 172
-مرجع نفسه ص .176-173
-مرجع نفسه ،ص.180-178-174
– كارموس خيل تامورا ،صورة الحداثة وما بعد الحداثة في المسرح العالمي ، جريدة المستقبل الأربعاء 6 تشرين الأول 2004 – العدد 1716 – صفحة 20
– مرجع نفسه
-مرجع نفسه


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock