ردا على مقال الفنان الموريتاني الشاب “علي ديدة ” عن مقاله الخاص بـ”المهرجان الوطني الموريتاني”
المسرح نيوز ـ موريتانيا |احمد محمود العتيق*
*كاتب صحفي.
في موريتانيا حيث الضمير الجمعي منغرس بقوة في نظام القيم الذي تنتجه المجتمعات البدوية. فإن قدر الفن أن يولد وهو يحمل جينا متطفلا، معروف بأنه يعيق النمو. وبحبط كل محاولات التحفيز. وهكذا كان حال المسرح. فقد ولد في موريتانيا معاقى. وبالتالي كان قدر المهتمين بهذا الفن أن يناغوا به صغارا حتى إذا شبوا عن الطوق وفتحوا أعينهم على. الناس من حولهم ‘وجدوا أنفسهم منبوذين ومحتقرين. فيستسلمون للمجتمع وبالتالي يبحثون عن عمل يمكنهم من الوصول إلى المكانة. والدور الذي يطمحون إليه. عندها يرتكس نمو المسرح من جديد. في رحلة عبثية مدمرة. كثيرون ممن يمدون أعناقم للإستظلال بظل المسرح اليوم وهو يتأسس بقوة. كانوا من الذين حبطت. أعمالهم بالأمس. والغريب انهم لا يستحون من سوء عملهم هذا ولا يجدون من يمحضهم النصح للأسف الشديد. وقد ورد في المثل العربي : ” في الصيف ضيعت اللبن”. من كان يهتم لأمر المسرح في هذا الصقع من المعمورة. اللهم إلا محاولات من هنا وهناك . لجمعية المسرحيين الموريتانيين فيها السبق على غيرها من الذين يهتفون للمسرح اليوم بعد أن صار له مهرجان وطني. لكن هل نسي هؤلاء أن هذا المهرجان بما يحمل من مبشرات لم يسقط من السماء هكذا وأنه ليس مائدة بني إسرائيل.
لقد كان ثمرة لكفاح المسرحيين الجادين المهتمين بهذا الفن ‘ ويسكنهم المسرح حيث يجري منهم مجرى الدم من العروق. لقد كان ميلاد المهرجان الوطني المسرح. في حاضنة رسمية من الدولة نفسها حيث حضره الوزراء و الدكاترة والمثقفون و المهتمون بالثقافة والتنمية في موريتانيا . زد على ذلك إصرار الهيئة العربية المسرح بقيادة سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي على تأسيس مسرح موريتاني قادر على المنافسة محليا وخارجيا . كان كل ذلك بمثابة سفينة النجاة التي على كل مسرحي ناضج و جاد أن يتمسك بها ويرعاها وينكر حتى ذاته في سبيل إبحارها نحو بر الأمان. وإن أكبر دليل على نجاح هذا. المهرجان رغم أنه ما زال فتيا أنه شهد مشاركة منقطعة النظير . حيث شاركت فيه فرق مسرحية من أعماق موريتانيا. شباب صغار كانوا يسمعون عن المسرح ويتابعون مهرجانات عربية ودولية. وجدوا. أنفسهم مشاركين في هذا المهرجان و يطمحون لنيل جوائزه…
صحيح أن إدارة المهرجان انتقلت إليهم في مدن الداخل الموريتاني وكونتهم وتعهدتهم حتى تجاوزوا عتبات صعبة. لكن تبقى مشاركتهم في ذاتها نجاحا كبيرا للمهرجان وإدارته. زد على ذلك أن هذا المهرجان انفتح على كل المهتمين بالمسرح و فن الصورة والصوت ووفر لهم مكانا. ليكونوا مشاركين في صناعة الحدث .
تلك إحدى حسنات هذا المهرجان. فبأي حق ينقم منه البعض منا؟. هل ينقم منه أنه نجح رغم كل الإكراهات خاصة إكراهات التجربة الأولى؟
تذكرني نقمة هؤلاء بآخرين نقموا مني ومن صديقي الأستاذ باب ميني مدير المهرجان الوطني للمسرح. كان ذلك حينما نجحنا وبشهادة الجميع في صناعة دراما تلفزيونية موريتانية أنتجنا من خلالها ما يزيد على ستة مسلسلات تلفزيونية في زمن قياسي. ساعتها كان مرتدوا الفن يرشقوننا بسهام الحقد والحقد فقط. ومع ذلك نجحنا فيما آمنا به. وارتدت سهام الحاقدين عليهم. وانقلبنا نحن بنعمة من الله وفضل لم يمسسنا سوء.
ذلك ما سيحصل مع المهرجان الوطني المسرح. فسينجح رغم كل الدسائس وسيستمر بإرادة كل المؤمنين بالمسرح والراغبين الخير لهذا الوطن. إن المسرحي المؤمن بهذا الفن ينكر نفسه لأن الفن يطهر من الداخل. فهو شخص صادق يؤثر على نفسه ولا يؤثر نفسه. أما هؤلاء الناقمون على المهرجان الوطني للمسرح. فلعلهم كانوا يؤمنون أنفسهم بجوائز ربما لم تجد لجنة التحكيم أنهم يستحقهونها. فطفقوا مغاضبين حتى وصلوا إلى موقعكم الموقر .
وعندها استحقوا منا أ ن ننبهكم بهذه. الملاحظات. أن هذه ربما كانت عادة تعودوها أن يهاجموا كل شيء حتى اللحمة الاجتماعية في وطنهم. فهم ربما لا يحبون العيش المشترك ووحدة الناس مع بعضهم . ثقوا بأنفسكم يا إخواني وتأكدوا أن الفن الناضج لا محالة باق لأنه ينفع الناس ويمكث في الأرض.. وأن ما سواه من غثاء السيل فزبد سرعان ما يتبخر. وتعلموا أن ما كتبتم عن المهرجان الوطني المسرح الموريتاني في دورته الأولى إنما. ذكرني ب”شنشنة أعرفها من أخزم”. أنتم أعزة علينا ولا نريد لكم إلا كل الخير. فعودوا إلى سفينة الرشاد التي يبحر فيها الجميع رغبة في صناعة مسرح وطني قابل للإستمرار. وتعلموا أن البحر شديد البرودة . وإنه يبتلع كل من لا يجيد السباحة. ولن ينجو بعد أن تغرق السفينة إلا من تعلم الغطس قبل أن تصنع السفن.