مقالات ودراسات

رغم غيابه القهري عن المهرجان.. الأكاديمي السوري د. عجاج سليم يشارك في محاور التجريبي والمعاصر الـ 24 بورقة عنوانها: أهمية ـ الراهن والآني.. في المسرح المعاصر


 

بناء على طلب خاص من موقع “المسرح نيوز” تفضل د. عجاج سليم الأكاديمي السوري والناقد الكبير بإرسال ورقته النقدية التي شارك بها عبر ندوات ومحاور الدورة الـ 24 من مهرجان القاهرة المعاصر والتجريبي.. وهو هنا يقدم شكره للدكتور جبار.. الذي تفضل بإلقاء ورقته نيابة عنه لعدم تمكنه من الحضور الذي كان خارجا عن الإرادة..حيث تعرض أحد اخوته لأزمة صحية كان عليه أن يكون ملازما له.. وهو الآن صار بخير والحمد لله..

 

نص الورقة النقدية

 

أهمية / الراهن والآني/ في المسرح المعاصر

من المتعارف عليه أن المسرح فن تركيبي, يفترض العمل الجماعي لتحقيق هدف إنجاز العرض المسرحي بصورة منسجمة……

ولكنه …وهذا شيء عظيم الأهمية بالنسبة للفن المسرحي . فن آني _راهن _…يحدث الآن وهنا. وبدون هذا الشرط يتحول المسرح إلى شكل فني متحفي , لأنه سيفقد ذلك التأثير الضروري للتأثير وبلوغ التفاعل المطلوب  مع الجمهور .

بدون / الآن وهنا../ لن تنطلق شرارة الإبداع التي ستشعل فتيل مخزن  – الطاقة المتجددة –والتي تحدث نتيجة التفاعل المتبادل بين المسرح وجمهورهوترسخ الدور النشيط لفن المسرح  في الحياة.

الراهن ..يدعو المشاهد بحرارة وإصرار على أن يشارك في العرض ..عندما يجد شيئا من نفسه أو أحلامه أو آماله في ثناياه , عبر الكلمة والإشارة والإيماءة والشكل المتجدد للمشهد المسرحي ….. ويدفعه سواء عبر الوهم ( الأرسطي) أو البحث ( البريختي )أو ( المقدس ) الطقسي…أو أي سبيل يشير إليه العرض المسرحي الذي يقدم اليوم ..الآن ..وهنا..الى اعتبار نفسه شريكا في المنجز الإبداعي .

فن مسرحي راهن , يعني فنا حيويا متجددا , أي أنه فن معاصر .وهكذا يصبح شرط (الراهنية) صفة للمعاصرة في العرض المسرحي, الذي يمتلكروح الإبداع الضرورية للمسرح , والمنبثقة من إيقاع الحياة الشبيه بماء النهر الجاري…ماء لا تراه العين  الا مرة واحدة في المكان…(لا يتكرر في الزمان والمكان أكثر من مرة.  ) أو كما يقول المخرج (انطوان فيتيه ) :

// الفضاء والزمن عنصران أساسيان تاريخيا في العرض المسرحي الذي يقع الآن وهنا ( فضاء العرض وزمنه ) لكي يتحدث عن مكان مغاير وزمان سابق // .وكل التنويعات جائزة انطلاقا من هذه الصورة الأساسية.

المسرح لا يجيد التحدث عن الحاضر الراهن حينما يتعامل قسرا مع  = هنا = اليوم .

وإن شكلا من أشكال الابتعاد لا مناص منه .

بريخت كان يستخدم الديكور الفضائي / الزمني ..ليتأمل عصره. إنه مفهوم ثنائي للزمن يمكننا اعتباره خاصية مسرحية , حيث المسرح هو مكان الزمن ومادة المسرح هي الزمن.

أو بعبارات أوضح وعلى لسان / لوسيل جاربا نياتي / :

المسرح هو مكان  انطلاق الكلمة والحركة الزائلة  , إنه مكان اللاعودة , وإن كان يواجه في هذه اللحظة ماهو دائم ..ألا وهو ( حيز المسرح ).

الزمن تصور يصعب تعريفه ؟ هل هو سراب أم حقيقة ؟..ونقرأ.. بحسب تعبير بيرغسون

// الزمن هو اختراع أو هو لا شيء…على الإطلاق.//

الدليل على وجود الزمن كما نعرفه هو شيخوخة الكائنات والبشر. ولكنه يظل شيئا غير ملموس أو كما قال القديس أوغسطين :

(( لو أنني لم أسأل عن الزمن فأعتقد أنني أعرف ماهو, ولكن لو سئلت عنه….فإنني لا أعرفه )) ؟

حاول إيجون دولف تفسير هذا المفهوم المعقد للزمن ..بقوله ..إن فكرة تعريف الزمن من خلال التسلسل الزمني ربما تستهوينا حاضر وماض ومستقبل…ولكن هنا أيضا توجد مشكلة؟؟

الماضي قد ذهب..والمستقبل لم يأت بعد, ومنذ اللحظة التي ننطق فيها بكلمة // حاضر //..فإننا نكون في الماضي…!..= الحاضر الحقيقي لا وجود له = .

لكننا بطبيعة الحال نعرف نوعان من الزمن , على الأقل..ونعتقد أننا تمكنا من التقاط تعريف لهذين النوعين ؟

أولا الزمن المادي ..وهو الزمن الذي تشير إليه الساعة المعلقة على الجدار أو الضاغطة على معصمنا. وثانيا الزمن الذي نشعر به و (نعيشه ) في دواخلنا . وهو بشكل طبيعي يتعلق بنا تحديدا.

آن اوبر سفيلد تشير في هذا المجال الى أن // الزمن دائم التغيير ..فهو ينساب في خطوط متكسرة. مازجا مابين الإيقاعات المختلفة والناقصة … حتى أن انسيابتهتبدو متغيرة لدرجة أن فكرة المساحة الزمنية التي نشعر بها تبدو هشة .  ومن الواضح أنه  لا يوجد شخصان يحصيان عد اللحظات في فترة ما..

وقد ثبت أن تقديرنا للزمن يتغير مع سنوات العمر, خاصة مع معنى وقوة تلك الأحداث التي تدور في تلك الأزمنة. إن زمننا المعنوي ..مطاطي بعض الشيء//.

من واقع تجاربنا الإنسانية الشخصية نستشعر أن الماضي والمستقبل حاضران دائما لمحو جزء من بريق الحاضر. إن اللحظة الراهنةفي المكان المحدد لا تخفي تأثرها بالماضي وقد يبدو أحيانا أنها ..تخشى المستقبل.

هناك صعوبة أخرى تخص الزمن..وهي أنه لا يمكننا أن نبتعد عنه؟ نحن داخل الزمن ولا نستطيعالخروج منه .وتلك خاصية هامة يتقاسمها الزمانمع المكان , لأنه ليس بإمكاننا الإفلات من المكان. مع وجود فرق اساسي بين الزمان والمكانكما عبر عنه  / ايتين كلاين / :

( نحن نستطيع أن نتحرك داخل المكان , نذهب ونجيء في أي اتجاه نريد, ولكننا لا نستطيع أن نتحرك داخل الزمان ؟ إن المكان هو حيز حريتنا , أما الزمان فهو صورة لسجننا ) .

هكذا يبدو جليا أن إدراك المعاني المختلفة للمكان والزمان يساعدنا على الاقتراب من الفهم الواقعي لعبارة / الآن وهنا / ..الشرط الضروري لتأكيد معنى المعاصرة على العرض المسرحي .

ومن خلال سعينا لتجسيد صورة ما على المسرح أو ابراز فكرة أو صياغة طيف حلم ..أو تكرار أحداث تاريخية ..  لا بد أن نضع صيغة الآن وهنا كبوصلة ترشد العرض القادم باتجاه الشريك المشاهد كي نضمن الحياة لمنجزنا الفني.

يقول ( فيتير ) :

دور المسرح أن يقول في مكان آخر وفيما مضى. لا أن يقول / هنا واليوم / بشرط أن لا ننسى أن هذا // المكان الآخر -وفيما مضى…. // موجودان لا محالة في  / هنا والآن / .أي على خشبة المسرح هذه …و- اليوم – في هذه اللحظة.

المسرح حاضر على الدوام, وزمن المسرح الوحيد هو المضارع ,والفعل الوحيد في المسرح هو الفعل المضارع

…أو كما يقول لوسيل جاريا نياتي : // إن المسرح يتضمن المكان الآخر, والزمن المنصرم في ما يمكن أن نطلق عليه في العرض — الآن ,هنا — وبتمثل الأسطورة التي كثيرا ما يجسدها على خشبته,فإن المسرح هو بمثابة متلقي لا يعرف حدودا بين الماضي والحاضر,المسرح يتنقل بيسر بين طبقتي الزمن..سواء زمن الساعات أو الزمن المعاش فعليا.// .

زمن موضوعي محدد وزمن مستقطع هو زمن العرض ,وزمن يحياه المشاهد يرتبط بالزمن الخيالي للمسرحية.

دور المسرح يكمن في عرض الماضي أو اختزاله, وإيجاد أشكال باستطاعتها أن تقدم لنا الماضي والحاضر في آن واحد.

ومع أن المسرح مرتبط بالزمن فهو مرتبط بذاته, وهو أيضا مجال استنفار الزمن.

إن الإعادة هي بمثابة انتصار على الحدث المنتهي , الحدث الذي انقضى تماما…طالما أن بالإمكان أن نبدأ من جديد . الإعادة هي انتصار على انغلاق الزمن.

والمسرح موجود حتى لو لم تتم الإعادة, إنه يحيا بعرض واحد فحسب…. السينما تسجل اللحظة وتجمدها داخل العلب.. وعندما تعيدها فإنها لا تخرج من الزمن المغلق الذي تم تسجيل تلك اللحظة فيه…إنها تعيد عرض لحظة مضت.. وليس الآن الذي ندعوه بالحاضر. بعكس المسرح.. حيث يحمل اصطدام الماضي بالحاضر, والواقع بالتمثيل, معان جديدة تتبلور مع كل إعادة للعرض المسرحي ..بحيث يعبر عن إحدى وظائفه الهامة , ألا وهي العبور الحي من الزمن الماضي …الى الزمن الراهن .وبالتالي تجسيد العبور الإنساني من أشكال اجتماعية إلى أشكال اجتماعية أخرى…وبالضرورة…معاصرة.

من ميزات العرض المسرحي كما يقول موتان برتران أنه يتم في إطار فترة زمنية محددة.

تخلق لدى المشاهد مشاعر وأحاسيس مختلفة عن التي عاشها خارج العرض لأن الأحداث قد تم بناؤها وفقا لمنطق الزمن(ماقبل  وما بعد ) .وحتى أن المتعة التي يشعر بها ا المشاهد أثناء متابعة العرض المسرحي / مع قبوله لمنطق الوهم / تخضع لقدرة الفنان على اقناع المشاهد أن ما يحصل يحمل سمة الحقيقة التي تستمد مشروعيتها من تمثل وإعادة إنتاج ما يقدم بصورة عصرية ..أي / الآن وهنا / .

الممثل …الآن وهنا .

منذ اللحظة التي يظهر فيها الممثل على خشبة المسرح ( المجال المادي  ) الذي يحوي عنصري / الزمان والمكان / ..يتحرك ويقوم بفعل أشياء مختلفة, بعضها ظاهر خارجي وبعضها حسي باطني…

وهو يفعل ذلك كله ضمن ال / الحيز / المسرحي , خشبة المسرح .

وهو قادر كما يقول ( جان بيرتريفو ) أن يصل إلى ما يمكن أن يسمى ب // قطار الزمن //حيث نستطيع القول وبشكل مجازي, إنه يفك ويربط حزم المشكلات المختلفة الموجودة داخل الحدث المسرحي بما في ذلك مشاكل الزمان والمكان , وذلك على مرأى من المشاهدين.

إن التفاعلات العضوية التي تتم داخل وخارج الممثل إنما تواجه في النهاية حيزا زمانيا موجودا أصلا.. هو ما نسميه / الآن هنا / ..

خشبة المسرح عبارة عن مجال تتم فيه لعبة الحياة والموت…. يدلف الممثل داخل // حيز // الأداء فيصبح إنسانا يمر بين عالم الأحياء  ( الآن – هنا ) . وعالم الموتى ( المكان الآخر ) ..ما هوأبعد من ذلك , ما وراء خشبة المسرح.

إحدى القواعد الرئيسية برأي ( دينيس بيرغسون ) لفن المسرح هي / أن نجعل غير المرئي ..مرئيا / ……..إن ما يريده المسرح هو المرئي, بكل آثاره الحسية, أن نرى فعلا…لأن المشاهد لا يعتقد ب ( نية ) الممثل القيام بالفعل , أو الرغبة بالقيام بشيء ..إنه يريد أن يرى ذلك ..الشيء…

ولعل تأكيد ستانيسلافسكي على مبدأ الفعل …بل دعوته الى تغيير قواعد تحليل النص أو بروفات الطاولة الى مستوى التحليل كما سماه ( بالأفعال ). دليل آخر على حضور المرئي بشكل عام في فن التمثيل باعتباره فنا راهنا ويحدث دائما ..الآن وهنا ..

المسرح يريد الحسي ( الجسدي )..يريد الأشياء وهي تعرض تحت بصره.

يقول القديس أوغسطين : // ولم أكن أرغب , أنا , من يأكله الزمن , ومن يأكل الزمن , أن أترك نفسي كي أتفتت بسبب المباهج الدنيوية… // .

حقا نحن لا نأكل الزمن وهو لا يأكلنا, نحن نمر عبر الزمن في مسيرة رحالة عبر ( المكان والزمان ).

من

إن الممثل في المسرح هو التعبير الحيوي لمفهوم الآن ..إنه / ابن اليوم / يشمل تكوينه المعرفي والجمالي والسلوكي قيما معاصرة راهنة.

تأكيد الآن وهنا بشكل متواصل والاعتماد على هذه القاعدة الذهبية في المسرح بات شرطا  يصبح الخروج عنه أو تجاهله إشارة خطر قد يبدد أسس العلاقة المرجوة مع المشاهد الذي يعيش الآن وهنا.

الآن وهنا …كيف نختار نصا مسرحيا معاصرا :

قد يبدو السؤال سهلا وبسيطا للغاية , ولكن باعتقادي أن الإجابة عليه ستشكل الصورة الواقعية لفهمنا (العملي) لمفهومي الزمان والمكان معا.

الآن وهنا تتجسد فعليا في صورة النموذج القادم الذي سيكون عليه العرض المسرحي , ولأن اختيار أي نص يخضع لمجموعة من المفاهيم المتعلقة بالسوية الفنية التي نبحث عنها سعيا لتقديم الأفضل الذي لا بد أن يلقى التجاوب مع الجمهور الذي يعيش اليوم ..أما هنا فهي تتحول لصيغة كونية قابلة لأن تكون / أي مكان / نقدم فيه عرضنا الجديد.. تبعا للراهن الذي يحدث  // الآن //…وبدون ذلك الإدراك الواعي والمرتبط بالحس العالي لما يدور في العالم من حولنا ..انطلاقا من الدائرة الصغيرة التي تحيط بنا ..المدينة أو الحي ..أو الشارع ومن ثم تكبير تلك الدوائر لتشمل الوطن..أو الإقليم ..أو العالم….سيكون من الصعب أن نتوقع لمنتجنا الفني القادم أي صيغة للاستمرار والنجاح..وربما حتى القبول الجاف من جمهور المشاهدين.

إن كل ما يحدث من حولنا يحدث بالطبع الآن وهنا.. بالنسبة للمشاهد في أي بقعة من العالم ..ونتيجة لتطور وسائل التواصل الإنساني , أصبحت هذه / الآن وهنا / صيغة كونية ..حيث هي في كل مكان…مما يحمل الفنان المسرحي مسؤولية أكبر أمام واقع لم يعد فيه أسرار الى حد كبير..

كل شيء يتغير ..وطبيعة الحياة التبدل والتطور المستمرين . الزمن يسير باتجاه السهم الذي يشير نحو الأمام..وبالتالي لا يمكن التوقف ..بل إن التوقف سيعني النهاية ..لأن الزمن هنا يشبه محدلة ضخمة.. تأخذ كل شيء في طريقها.

الحركة هي قانون الأشياء والكائنات.. لا شيء خارج الخضوع لهذا القانون…حتى الأجسام الصلبة هي في حركة جزيئية دقيقة وتتحرك بسرعة هائلة لا تدركها العين المجردة.

أين  المسرح من كل هذا……في الحقيقة المسرح في مركز كل ما يحدث للكون , ليس لأنه الأقدر على سرد وإعادة تصوير ما حدث بصورة حية وإدراك عميق فقط…بل لأنه عندما يعيد حادثة أو ينقل صورة ..أو يجسد حلما ما..إنما يقوم بنفس الوقت بنقل ما حدث و يقدمه اليوم ..على الخشبة..وأمام الجمهور..فيبدو ما يحدث أنه صورة الماضي ولكنه يحدث اليوم…

لتحقيق ذلك لا يمكن العمل بمنطق الأشياء المكررة ..أو النسخ ..أو التقليد…لأن الحركة تعني الانتقال في كل جزء من الثانية.. وأي تكرار لشيء سبق عرضه يقترب من معنى الثبات أو الجمود ..وبالتالي يناقض قوانين الحياة ..فهو بشكل ما يقع في الجهة الأخرى…. جهة الموات.

ولذلك يصبح لزاما على المسرحيين الخروج من منطق إقرار نظام ثابت للمشهد المسرحي…؟

….يخضع المسرح للقوانين الطبيعية.. ولكنه يضع قانونه كي يبدو منسجما مع مسيرة تطور الحياة والكائنات. وهنا نصل لنقطة مفصلية في إطار مستوى الفهم لقانون الحركة…حيث يبدو أن الإعادة المتكررة لشكل المشهد المسرحي قد ولدت نظاما ثابتا على مستوى العالم لهذا البناء … وهذا بالطبع مناف لمنطق التطور .. وتحول هذا النظام الى ما يشبه الدائرة المغلقة ..يعاد بها بناء المشهد المسرحي بصورة متشابهة..؟ واي تجويد أو محاولة إبداعية إنما تتم في إطار التكرار ..وهكذا يتحول المبدع إلى كاهن من نوع خاص ..يعيد نفس الطقوس والشعائر التي نقلها عن أسلافه.. ومهما حاول أن يغير في الشكل والصورة سيعود لنفس النقطة ..اي أنه وضع نفسه بنفسه ضمن تلك الدائرة المغلقة.. وبالتالي لا يمكن توقع أي جديد…لأن هذا الغوص في التقليد أوقع الفنان في مستنقع الخضوع لمنطق السلف ..وحرمه من أي فرصة لأن يكون نفسه ..أو يأتي بجديد.

الرغبة بأن تأتي بشيء  ( جديد ) أو مبدع بالضرورة تقتضي أن تستوعب منطق الكون وقوانينه التي حافظت عليه ملايين السنين .لأننا  جزء من هذا الكون….اليرقة تتحول لفراشة.. والزهرة تصبح ثمرة يانعة ….وكل الكائنات لا ترضى أن تبقى على صورة واحدة. ففي ذلك موتها ونهايتها الحتمية.. وطالما أننا نكرر دائما أن المسرح صورة الحياة.. ووسيلة هامة من أجل الدفع بالبشر لتحسينها وتغييرها ..علينا أن نبدأ بأنفسنا وأن لا نكون صورة لما مضى.. بدءا من نظام المشهد المسرحي الذي صار عجوزا عمره تجاوز الألفي سنة…وصولا للتصنيف الجائر والذي نطلق عليه صفة الطبيعي ..عندما ندرج المؤلفين في مدارس أو مذاهب أو مجموعاتونتحول بذلكإلى نموذج متحفي يبدو أنه ما يزال حيا.. ولكن هو في الحقيقة نموذج لصورة حية تشكلت في زمن مضى…. علينا الدفع باتجاه مساحات التجديد والبحث عن تراكيب مبدعة لشكل المشهد المسرحي وكسر النظام الذي قام ويقوم عليه منذ مئات السنين..

إن إعادة تفكيك نظام المشهد الذي وجدنا آباءنا المسرحيين عليه هو الخطوة الأولى باتجاه امتلاك الحق على العيش في مستقبل المسرح ….المسرح الحي لن يرحم أي خضوع لمنطق سلفي جامد. وهذا التفكيك من إجل إعادة التركيب والخلق والإبداع لا يمكن أن يحصل خارج اليومي والراهن. / الآن وهنا / .

مسرح بريخت ( كمثال وليس حصرا )..تحرر من تأثيرات الوهم الأرسطي ومن منطق الصياغة المشهدية التي سبقته. ولكن المسرح الذي جاء بعد بريخت أيضا تحرر هو بدوره من استعباد الموضوعات السياسية والأيديولوجية..

وهكذا يبدو اختيار النص المسرحي تعبيرا عن مجمل المفاهيم والمدركات  الفنية والفكرية والاجتماعية والسياسية الخاصة بالجهة التي تختار هذا النص للمشروع القادم ….. لأنه على هذا الاختيار ستقع مسؤولية النتائج التي سترافق العرض أو تليه. وهو التعبير الواضح عن فهم قوانين المسرح.. وقوانين الحياة…من واقع أن ما سيعرض على الخشبة ..سيقدم الآن وهنا .. وبمساع حثيثة كي يكون القادم أفضل.؟

إن خضوع هذا الاختيار بالدرجة الأولى لشرط / الآن وهنا /  سيضمن بدء انطلاقة واعية تسعى لتحقيق أهداف جمالية وإنسانية معاصرة واضحة الرؤى …مدركة لأهمية العلاقة مع جمهور المشاهدين بلغة عصرية تضمن التواصل وتحقق النجاح وتترك أثرا عميقا في مسيرة المسرح .متحررة بالأصل من قيود التقليد والتبعية الفنية و الفكرية

لا يمكن التفكير في بناء مشهدية مسرحية غير تقليدية قبل امتلاك رؤية فنية من منطلق فكري معاصر مدرك وواع لمشاكل اليوم واسع الاطلاع على التجارب الفنية المسرحية والفنية في عالم اليوم ..ويعيش مشاكل المجتمع الراهنة..مسايرا لكل ما يحدث من حوله.

لا يجوز للمسرح أن يدعي أنه صورة الحياة وهو لا يعيش مع الحياة بشكلها التي هي عليه اليوم..إن منطق الانفتاح والتغيير والتطوير هو الضمانة من أجل مسرح بصورة الجمال الذي يخدم الإنسان.

امبرتو إيكو عندما وصف النصوص ب ( إن النصوص آلات كسولة ) إنما أراد الإشارة إلى أهمية الجهد الإبداعي الذي يجب أن يبذل من أجل تنشيط وتحريك هذه النصوص وتقديمها بالصورة الأمثل…ولأن هذه النصوص ستقدم الآن وهنا ..

الرهان على تصوير العالم كما هو..؟؟لا يقدم جديدا للبشرية. وبصورة أوضح قد يبدو ذلك إحالة واعية ! الى ماض ذهب وانقضى .

الإنسان بوعيه..وبغريزته ..يعلم علم اليقين أن ما قد مضى لن يعود أبدا..ويدرك عبثية الخوض في محاولات الاستعادة أو تكرار ما قد مضى..ولكن الرغبة العارمة في الاستناد على جدار أيام أو ثوان كانت سببا في منح الإنسان قوة وقدرة على مجابهة بعض  مخاطر العيش ومصاعبه ..تساهم كل لحظة بزيادة الإصرار البشري على التمسك بالمسرح ..الذي يقدم الآن وهنا ..ما قد كان هنا ولكنه ليس الآن ..

الآن وهنا تحيل بقوة كل الأشياء والعناصر الى شكل واقعي راهن .يتحول  لحظة وقوعه الى ما يشبه المستقبل المنشود….مستقبل حيوي لا يرتهن للماضي ولا يتوقف في اللحظة..

النص المعاصر الذي سيكون موضوع عرضنا القادم باعتقادي يجب أن يسعى ليكون الصورة المعبرة عن هذه الأمنيات البشرية وعن ذاك الحنين للفردوس وعن الحلم الذي نراه كل ما ضاقتبنا سبل العيش الحر الكريم. نص العرض القادم لن يقلد الواقع ..بل سيعرض تكوينا أو تشكيلا له يكون المعادل المكافئ للرغبة في الأجمل.

النص الذي ينبغي أن نختاره كمشروع عمل فني  سيكون كما قال :

/ ريجنر / ( ردا أنيا مستعدا للتطور والاستعراض فوق المنصة ). ولذلك ينبغي أن يمتلك هذا النص صفة المقدرة على الاستمرار والتأقلم مع كافة الظروف الراهنةالتي سيقدم فيها …ولا يشكل قطيعة مع الماضي , ولكن بمفهوم الإدراك الشامل لمعنى / الآن وهنا /.

لم تعد النصوص رهنا بتاريخ الطبع والإصدار ..بل لم تكن كذلك أبدا.. لأن الاختيار للنص ..أي نص , من أجل تقديمه  / الآن وهنا /  يخضع لاعتبارات فنية وانتاجية وحاجات  اجتماعية لا بد أن تكون  بالضرورة معاصرة.. بل إن تلك النصوص تحت ضغط ظروف رقابية مختلفة ( سياسية واجتماعية ودينية ..) كانت الملجأ الآمن كي يكون الفنان بمأمن من النتائج اللا إنسانية التي قد يتعرض لها في حال تقديم أفكاره والتعبير عنها في صورة نصوص لمؤلفين معاصرين.

هي نصوص لمؤلفين عاشوا فيما مضى ولكنهم ضمنوا لأنفسهم الفرص بأن تقدم أعمالهم على مسارح العالم دون توقف وعبر الأجيال ..وأن تنتقل من بلد لبلد.. ومن جيل لجيل ..

وقد استطاعت هذه النصوص ان تنقل المكان عبر الزمان.. وأن تجدد في مضامينها عبر الصياغات المختلفة لكل عصر .. لا بد أن نبحث ونحن نحضر لمشروعنا المسرحي القادم  عن هكذا نصوص أمنت بالإنسان وجعلته هدفها وسعت للدفاع عنه من خلال توضيح وفضح الشرور الكامنة في أعماق الإنسان وشهوته الفظيعة للتسلط .. والجشع البشري الذي لا حدود له عند البعض…… المواضيع الإنسانية لا تبلى بالتقادم .. وحتما لا تفنى ..

 

علينا عند التعامل مع تلك النصوص أسوة بمن أبدعوها أن نمتلك تلك الروح أيضا..وأن نرفض الاستكانة لشكل أو قالب أو نظام مشهدي ..بل نسعى للتجديد وكسر القوالب….لأننا بنفس الوقت الذي ننزع فيه صفة القداسة عن تلك النصوص..فإننا نساهم في ترسيخ خلودها ونضمن انتقالها للأجيال القادمة بجوهرها وبروحها ..لا بشكلها الخارجي أو صورتها التقليدية التي قد تكون سببا في فنائها.

والبداية ..الخطوة الأولى التي يمكن اعتبارها قاعدة فنية .. ذهبية.. اثبتت التجارب المعاصرة.. وربما عبر العصور أنها تشكل الأساس اللازم  لضمان حريتنا الإبداعية وبالتالي ترسخ ثقتنا وقناعتنا بكل ما  سنبذله من جهد مع مشروعنا القادم .. ولو جاز لنا استخدام كلمة ( ينبغي ) لقلت أنه ينبغي أن نبدأ مع كل قرار بالعمل على مشروع مسرحي جديد أن ننطلق من الأهم في الفن ..من ذواتنا ..لأن الإبداع جهد فردي ..يتكامل مع الجهود المختلفة من أجل صنع الجمال في الكون.

لا بد من الانطلاق من حدسنا الشخصي ..الذي تكون عبر تجاربنا المختلفة وما تلقيناه من معرفة ..وإدراكنا لمجمل ما يدور حولنا..بمشاركة عفوية من مشاعرنا واحاسيسنا الذاتية.

لا بد من ترك الحرية لهذا ( الحدس ) للعمل على التقاط الإشارات والمعاني المتضمنة في النص الذي نقرأه ..واثار إعجابنا..؟ هنا السؤال ..كيف تثير الأشياء اعجابنا ..وكيف ننجذب لشيء بعينه دون الأشياء الأخرى. الإجابة باعتقادي ليست صعبة.. ولكنها بالضرورة تخضع لقانون الاختلاف الذي يميز البشر..هذا الاختلاف الذي يعد فخرا بشريا.. لان جمال الحياة بتنوعها…وقوتها بتعدد مصادر المعرفة والوعي وأشكال التكوين والتنشئة الإنسانية.

حدسنا الشخصي ..هو ملكية خاصة بإصرار… لنا وحدنا يعود حق الاعتماد عليها ودرجة ذلك الاعتماد. ولكن قبل كل شيء لا بد من الإقرار بدور ذلك الحدس ..بعيدا عن خمول المثقف الذي يريد إرجاع كافة الأشياء الى قواعد جامدة هي أجدر باللغة أو بإنشاء بناء ..أو تركيب خزانة كتب على الجدار.

نحن ندرك أن أي مشروع مسرحي قادم هونوع من المغامرة الصعبة غير المضمونة النتائج.. ولكننا نخوضها وكل مرة بنفس المشاعر على أمل أن العرض السابق لم يسمح بالتعبير عن كل ما نعرفه ..أو نسعى لتحقيقه.وبنفس الوقت فإن التخلي عن هذه الروح / المغامرة / هو تخل أحمق  عن أحد أسباب الإبداع في شكله الحر الخالص. في الفن عموما وفي المسرح بشكل خاص  عندما نسعى لأن نتجاوز مخاطر المغامرة بتقصي أسبابها والحؤول دون حدوث تلك الأسباب بعقلانية مقصودة دون افساح المجال للطبيعة البشرية والحس الفني بالتدخل أو نضنع حاجزا نفسيا أمامه إنما نحن نسعى بشكل واع لندخل فخ التكرار والتقليد والنسخ….وبالتالي نحن بإرادتنا نختار دربا لا صلة للإبداع به. ..

بوعي وإدراك لمعنى / الآن وهنا / ندخل التجربة الجديدة مع النص الذي نال اعجابنا وحرك أحاسيسنا وحصل على علامة مقبول من حدسنا الصادق … لتبدأ الرحلة المضنية من أجل تقديم جرعة أمل كبيرة من أنفسنا  ولأنفسنا ,.بعيدا وبشكل مؤقت عن أي دعم خارجي …إننا ببساطة نقوي ثقتنا بأنفسنا من منطلق ذواتنا الواعية المدركة الحساسة لنسمح للا وعينا الإبداعي أن يتحرك كما يشاء ..ويبث كل ما نخبئه من هبات الحياة..

لا يوجد معيار أو تصنيف لذلك…, إن  ( الحدس ) الخاص بنا هو ملك لنا.. ولا يمكن مقارنة حدس بآخر..؟ صرخة الانتصار والفرح التي نطلقها عند تيقننا أن ( حدسنا ) أصاب ولم يخطئ ,  لا تعادلها إلا فرحة النجاح بإنجاز إنساني أو فني. هي الانتصار نحققه بوسائلنا الطبيعية التي نمت بحكم عوامل عدة كبرت كميتها أم صغرت بناء على كم الاجتهاد والتعب الذي بذلناه لنرتقي بالحس الى مدارك الحدس القريب من اليقين.

لنتفق إذا أن لحدس الفنان دور هام في عملية الاختيار للنص المسرحي المزمع تقديمه كمشروع لعرض مسرحي قادم../ اليوم وهنا / بالطبع….

في هذه الحالة لا بد أن نسأل من الذي يختار من .. هل نحن نختار النص وقد تركنا قيادة السفينة لحدسنا الخاص  ..أم أن النص الذي وافق اهواءنا المعرفية والفنية وذائقتنا الشخصية قد اختارنا حين أبرزت كلماته وما خفي بين سطوره … إشارات وايماءات وعبارات ومعان مختلفة.. وجدت عندنا القبول والاستجابة المناسبة.

هل لهذا النص صفات خاصة تجعله برأينا ( هواة ومحترفون )..الأنسب لتلبية مطالبنا الإبداعية الملحة والفكرية التي نريد التعبير عنها بالصورة الأمثل ؟

بالطبع وكما اتفقنا ليس الحدس أعمى  أو أطرش أو غائر الإحساس ..لأن اعتمادنا عليه جعله البوصلة المركبة من أجزاء عدة لا يمكن لأي منها أن يعمل بدون الآخر…وأقصد مجمل مداركنا ومعارفنا وأحاسيسنا لخاصة.. ولأننا نريد التعبير بلغة المسرح لترجمة ذلك الحدس الى صورة مشهد مسرحي فإننا نرجو في الدرجة الأولى من النص الذي اخترناه شيئا رئيسا.. ألا وهو ..أن يفعل هذا النص أكثر مما يقول.

الآن وهنا ..تعني العصر الذي لم تعد فيه الكلمة هي اللغة الوحيدة التي يسعى المسرح لأن يوصل رسالته من خلالها.. هذه النقطة أصبحت حقيقة وبدهية مسلم به في المسرح العالمي…رغم كل المحاولات التي بذلها البعض ( التقليدي ) وفي محاولات متكررة لإعادة دور  الكلمة على الخشبة كوسيلة وحيدة للتعبير . بالطبع لا أحد ممن عمل أو يعمل أو سيعمل في المسرح يستطيع انكار الدور الرئيسي للكلمة وقدرتها على ايصال الفكرة أو الرسالة المرجوة من العرض المسرحي وخاصة  الى الجمهور ( العام )..بالوسائل المسرحية المعتادة من أداء وديكور …الخ…ولكن عندما نتحدث عن  / الآن وهنا /..فإننا نعلن بوضوح أن المطلوب لغة عصرية تختزل انجازات العصر الفكرية والتكنولوجية والاجتماعية التي تضع بعين الاعتبار بشكل دائم المستوى الهائل لمقدرة العالم اليوم على التواصل ونقل المعرفة.. ولم يعد نقل خبر عن عرض يقدم الآن في برودواي كافيا لإشباع حاجات الجمهور المتابع ..بل إن ضغطا بسيطا على زر صغير للغاية.. سينقلالمسرح بكل ما  فيه من برودواي نيويورك الى أي مكان في العالم… الى بيت المشاهد..

لا نبالغ إذا قلنا أن اهمال دور الحدس المتأثر بكل التفاصيل الدائرة من حولنا قد يودي الى نتائج غير مستحبة.. وسيعطل سيالة الحرية التي تجري في دم الفنان وتفسح له المجال ليقول ويفعل ما ( يشعر)  به  تجاه مسألة أو قضية إنسانية معاصرة.

بعد الحدس وقبل اتخاذ القرار المصيري /  باختيار النص المحدد/ لابد من أننأخذ بعض العناصر الهامة على محمل الجد…. من أجل ضمان قبول العرض عند المشاهد وتوفر الإمكانية الفنية لبناء مشهد مسرحي بصورة غير تقليدية تضمن تحقيق الشرط الذي قبلنا به عن وعي وقناعةوهو أن ما سيقدم للجمهور يحدث../ الآن وهنا/

– الجمهور…

منذ احتفالات اليونان القديمة بأعياد دويونيزوس , ومع تلك الكرنفالات  العظيمة التي كانت أثينا تهب لحضورها بكل فرح واحترام, وتقيم الطقوس والشعائر المقدسة التي تملأ الأثيني بالفخر والاعتزاز بمدينته وحكمائه وانجازاته الفنية والفكرية…وصولا الى تتويج تلك الاحتفالات بالعروض المسرحية التي كان الحصول على دعمها ورعاية فنانيها شرف يسعى كل نبلاء أثينا للحصول عليه, ومرد ذلك ليس فقط لإيمان الأثيني الغني بالمسرح وما يقدمه لشعب مدينته . بل لأن تلك العروض التي تستقدم جميع سكان أثينا ولأيام عدة من الصباح حتى المساء .., تعد بالفعل الفرصة الأمثل للدعاية التي يسعى اليها الأثرياء من أجل الترويج لأنفسهم وامتلاك المزيد من الحظوة بين أهل بلدهم. ولا نبالغ إذا قلنا أن نيل شرف تنظيم ورعاية العروض كان يشكل بالنسبة لأثرياء أثينا الديموقراطية انتصارا كبيرا , حيث تعتبر تلك اللحظة التي يعلن فيها اسمه كمنظم وراع وممول وداعم لعروض المسرح .. , اعلانا يشبه  اعلان الفوز الذي يحصل عليه السياسيون عند ظهور نتائج الانتخابات وحصولهم على كسب سياسي . وكل ذلك يحصل لأن جمهور أثينا الذي يقدر المسرح لن يغيب عن تلك العروض , بل سيحضرها بما يشبه الطقس الديني الذي لا يمكن الغياب عنه.

الموسوعة البريطانية عرفت المسرح بأنه ممثل وجمهور..وكذلك فعلت كل الأدبيات المتعلقة بتعريف المسرح . حيث يتم اعتبار الجمهور الشريك الاساسي في العرض المسرحي , لأن ذلك العرض يتوجه اليه بالدرجة الأولى. وغياب الجمهور كما هو معروف يعني غياب المسرح .. أو بعبارة أوضح ..موت المسرح ..

لم يغب الجمهور عن ذهن المبدعين المسرحيين عبر العصور أبدا, وكان تأثيره حاضرا ليس فقط على أرض الواقع ..حيث تقام العروض أو تجري البروفات.. بل في أحلام وكوابيس الفنانين الذين يدركون أن وجودهم رهن بوجود جمهور يقبل ويقدر الفن الذي يبذلون فيه ارواحهم وطاقاتهم , ويهبونه أغلى لحظات حياتهم.

الحديث عن الجمهور يبدو وكأنه حديث عن المسلمات العامة …. وهو كذلك بالطبع.. مثل الحديث عن الهواء الذي نتنفسه كل ثانية.. . شيء ضروري نمارسه كل حياتنا , تعودنا عليه. غيابه هو غيابنا عن الحياة. ولكننا لو سألنا معظم البشر على وجه الأرض عن الآلية التي يتم فيها التنفس وكيف نستنشق الهواء ونعيده للطبيعة  ممزوجا بالكربون ..لتعثرت وتعددت الإجابات من الغموض الى الجهل …عدا فئة قليلة من الأطباء أو المهتمين أو الرياضيين.. الجمهور في المسرح يشبه الى حد بعيد ذلك الهواء الذي نريده نقيا ..لا يمكن للمسرح أن يحيا بدون جمهوره. إلا في المختبرات التي تجرب كي تخرج بعد ذلك للجمهور لتفاجئه بما انجزته.

لم يغب الجمهور باعتقادي عن بال المسرحي أبدا. ويمكننا ربط مسيرة تطور العروض المسرحي ببساطة بتاريخ علاقة المسرح مع الجمهور.. أثينا لبت حاجات الجمهور الى الشعر والحكمة والكلمة البليغة والأحداث الكبيرة.. وأشبعت حاجات الأثينيللزهو والاستمتاع بالمزيد من الفخرالوطني والاعتزاز بعظمة مدينته …

واستمرت تلك العلاقة العضوية / الجدلية. بين الجمهور والمسرح عبر العصور المتتالية. لم يغب الجمهور عن المسرح..وبالتالي لم ينسى المسرح أو يقصر تجاه جمهوره…وما عدا ذلك كان مسرحا لم تصلنا أي أخبار عنه.

إلا أن  مرورا سريعا على تجارب مشهورة في العالم يساهم في تأكيد وجهة نظرنا حول العلاقة القوية بين المسرح وجمهوره ودور الجمهور في وعينا المباشر وتأثير ذلك على قرارنا لاختيار النص المعاصر , الذي سيتوجه لجمهور محدد نضعه نصب أعيننا,لنقدم له تجربتنا القادمة.

ستانيسلافسكي البورجوازي بدأ مع المنظر الطبيعي الذي يلائم ذوق الجمهور . ويقدم له ما تعود عليه ..لم يرفض وجهة نظر ما يرخولد عندما قدم له صيغة المسرح الشرطي لأنه أدرك بحسه الفني أن الزمن لا يتوقف ..وأن الحركة التي تشير الى الامام دائما تفرض عليه النظر بجدية لكل التحركات التي كانت تزخر بها الحياة الفكرية والاجتماعية في روسيا القيصرية. وأن عصرا جديدا على وشك البزوغ. ولذلك مد يده لمنافسه وقدم له المكان ليبدأ تجاربه الجديدة على أشكال معاصرة لجمهور ..معاصر. هذا الوعي بحركة التاريخ ,ساهم الى حد كبير بإعطاء المخرج الكبير اسم المعلم. لأنه حس وإدراك الفنان لما يحدث من حوله.  لو أردنا أن نعرف مجمل التجارب التي عاشها الفنانون وهم يسعون لكسر التقليدي ونبذ الرتابة ومسح الغبار عن كاهل المسرح ..لقلنا إنها عين الفنان وحسه ووعيه التاريخي والاجتماعي ومعرفته بمعان الراهن الذي يحدث من حوله وبتأثير من جمهور المدينة أو البلد…. وبدون هذا الوعي والإدراك لن يكون هناك معنى لحضور المسرح في حياة الناس المعاصرة. بل سيؤدي ذلك الى تباعد وتنافر بين المسرح والجمهور وسيكون المسرح هو الخاسر الوحيد.

بريخت ومع بيانه المسرحي الاجتماعي السياسي …ودعوته الى الوعي وعدم التماهي مع احداث العرض ..واكتشافه لمبدأ التغريب في المسرح…كان على صلة وثيقة بجمهوره المتعطش للتغيير والساعي للعدالة الاجتماعية وتحقيق فرص متساوية في عيش كريم لشعب  عانى من الاستغلال والبطش والقمع ..وبتوجه إنساني نال التقدير على مستوى العالم . يمكن القول أن السبب الأول الذي أوصل بريخت الى هذا النجاح وبصورة واقعية هو الوعي بحاجات جمهوره دون الاستكانة للأشكال التي تعود عليها هذا الجمهور في المسرح.

غروتوفسكي أراد مسرحا لجمهور محدد.. مسرحا لعدد بسيط من الجمهور الذي سيدخل العرض  المسرحي معه في حوار حضاري يكثف رؤية المسرحي غروتوفسكي للعالم ولقضايا العصر الملحة بإبداع سمته التجريب الصعب والمغامرة , من أجل الوصول لشكل جديد وغير عادي للمشهد المسرحي.

بيتر بروك ومسرحه الطقسي ..جان فيلار والمسرح الشعبي ..آريان منوشكين و…. الخ.. حيث يمكنالقول إن المسرح المعاصر وطوال رحلته الصعبة من أجل تقديم أشكال جديدة للمشهد المسرحي كان يبحث في الصيغة المناسبة مع جمهور يضعه في مكان الشريك الذي لا يمكن انجاز المشروع الجديد بدونه.

باختصار نستطيع القول إن تاريخ التجارب المسرحية المتنوعة كان دائم الارتباط بالجمهور ..وأن هذا الارتباط الواعي كان المدخل الصحيح في طريق البحث والتجربة . الجمهور المعاصر الذي يعيش اليوم وهنا..وأن قدرتنا على تحديد طبيعة الجمهور الذي سنتوجه اليه في تجربتنا الجديدة يساهم الى حد كبير ببلورة الصورة النهائية لتلك التجربة ويمهد السبيل أمامها لتنال فرصة العيش على الخشبة..وربما الاستمرار والتطور .

……عوامل كثيرة ستلعب دورا ..أو أدوارا هامة في التأثير على قرارنا باختيار النص المناسب من أجل العرض القادم، ينال اعجابنا ويساهم في بناء علاقة وثيقة مع الجمهور ويساعد في  البحث عن أشكال غير مألوفة لبناء المشهد المسرحي .

البروفات والتمارين قبل العرض :

لا شك أن صيغة (المعاصرة )عند العمل على الشكل الجديد للمشهد المسرحي ستشمل كافة عناصر العرض , بدءا من اللقاء الأول حتى موعد العرض .. ..لذلك ستبدو النماذج التقليدية المتبعة في ما نطلق عليه صفة ( البروفة )..غير مناسبة لآلية التفكير العصرية التي تسعى لتفكيك الآلية القديمة باعتبار أن كل ما سيحدث في ( البروفة ) سيكون له صدى وتداعيات وربما يكون الصورة النهائية للعرض..هي دعوة لو أردنا أن نعمل بصيغة الآن وهنا الى التمرد على شكل التمارين القديم ..الشكل الكسول المتراخي , حيث الجلوس حول الطاولة مع الشاي والدخان, والأحاديث المتعجرفة لمجموعة من الممثلين أو الفنيين الذين أقنعوا أنفسهم أم ما وصلوا إليه من قدرات / احترافية / كاف لصنع العرض القادم بل وتقديم كافة أنواع العروض المسرحية بطريقة الطباخ الماهر الذي حفظ عن ظهر قلب آلاف الوصفات الضرورية لصنع وجبات مختلفة من الطعام الشهي ومقادير وكميات تلك الوصفات…  . وكأن العرض الذي أطلقنا عليه صفة فن ..هو وجبة لها وصفة تحوي مقادير معينة من عناصر العرض..القليل من السكر أو الملح ..ومقدار من اللحم ..الخ…

لم يكن الفن والإبداع ولن يكون وصفة تكتب وتوزع وعلى المنفذين التقيد بما يرد فيها ..وبدقة ؟ طالما أن مادة الفن مادة حيوية ومتواصلة مع المجتمع والتاريخ وقضايا المجتمع والكون. وأن من سيقوم بترجمة عبارات أوإشارات النص فنان حي يحمل في داخله تاريخا من المعرفة وجينات الإبداع والموهبة.

ستانيسلافسكي وبعد تجارب طويلة ممتدة عبر عقود طويلة..وجه نصيحة ومارسها بنفسه حين دعا ومنذ بداية القرن العشرين الى تغيير اسلوب التحليل الأدبي المتبع لنص المسرحية التي يعتزم المسرح تقديمها , والانتقال بالتحليل من الكلمات والفذلكات اللغوية الجوفاء ..الى التحليل بالأفعال..ومشاركة كافة الحواس في عملية التحليل ..صرخ بالممثل : قم ..تحرك وانت تقرأ الجملة عندما تشعر أنه لا بد لك أن تتحرك…

مايرخولد دفع الممثل لأن يقف ويتحرك ويبحث عن الإيماءة والإشارة من أجل فهم أعمق للجملة أو الكلمة. وكذلك فعل تاييروفوفاختانغوف… ولم يبتعد ميخائيل تشيخوف في تمارينه الشهيرة عن الطاقة عن هذا الاكتشاف الكبير للعمل أثناء البروفات .وإن تكرار الدعوات والورشات والتمارين التي تعتمد مبدأ الارتجال أثناء التحضير ..كوسيلة فاعلة تعطي نتائج أقرب للسمات الحقيقة لما تفعله أو تقوله الشخصيات في المسرح.. , والذهاب الى تفضيل هذا الاسلوب المعاصر عن غيره من أساليب تحليل النص, بل أحيانا الاستغناء عن النص والاكتفاء بفكرة أو مقولة أو خبر صحفي أو قصة قصيرة للخروج بعرض يخاطب الجمهور المعاصر .إلا التعبير الأوضح عن أن المسرح فن لا يعيش في الماضي وأنه متجدد تجدد الحياة نفسها وعلى عاتق الفنان بث الدم الجديد في شرايين المسرح من خلال البحث الدائم عما يناسب العصر الذي يتنفس المسرح هواءه.

لا يمكن للفنان المسرحي أن يقدم صورة جديدة ولا أن يدعي أنه يبحث عن شكل جديد أو وسائل عصرية لمسرحه طالما أن بداية تمارينه ستكون بداية تقليدية مكررة لأنماط في التحضير سبق وأن انتهى مفعولها الإبداعي وذهبت مع الزمن الذي أتى بها ولكنه قد رحل.. هي بالضبط دعوة لنبذ التقليدي تتكرر مع كل مرحلة من مراحل بناء العرض الذي يقدم / الآن وهنا / في محاولة أن يكون عصريا بكافة عناصره.

الممثل ….الجسد….الحركة / الآن وهنا / .

يقول بيتر بروك :

( إن اكتشاف الإنسان لجسده, إحدى الطرق الموصلة للإبداع , ففي هذا الوعي يكتشف إنتماءا قويا لجسدية الآخرين .ويشكل هذا الوعي علاقة قوية مع تراثه البشري ).

إن بيتر بروك بهذه العبارات ينقل الممثل ( الأنا الأنا ) الى أزمان سابقة عندما يعتبر أن الوعي بالانتماء الى جسد بشري مترابط , ناقل .. .خلال  مسيرة الأجيال عبر الأزمان تراثا بشريا ضم بحسب العلوم الطبيعية جينات تتطور وعادات يتم تناقلها وطقوس متوارثة وسلوكيات اجتماعية لا يبدو عليها التعب في بعض البلدان رغم أنها بلغت من العمر عتياَ. إن هذا الجسد الذي يدعو بيتر بروك الى اكتشافه , وهو بالدرجة الأولى يوجه هذه الدعوة الى الممثل , يدرك ويؤمن أهمية هذه الدعوة التي تعتبر الجسد بما يحمله من تراث ( بشر ) فضاءا , كيانا , ينقل ( المكان ) عبر الزمن من خلال تجسد ه بأفعاله وسلوكياته المختلفة. فكأن المكان والزمن قد اجتمعا في هذا الجسد .

ويعتبر أيضا أن اكتشاف المؤدي للبعد الجسدي , لا يحتاج الى البحث عن نفسه داخل الشخصية التي ينوي تقديمها .لا يحتاج للبحث داخل أو خارج الشخصية. ؟أي أن الأمر لا يتعلق بالزمن الراهن/ الآن وهنا / فقط، وليس بهذا الجسد في الفضاء / المكان الذي يحيا فيه ،لكنه يعتبر هذا الجسد امتدادا مكانيا لتأثيرات حدثت سابقا، وهو ما أطلق عليه ( تراث بشري ).

الصوفي الإسلامي محي الدين بن عربي له مقولة فلسفية تحمل الكثير من المعاني التي تدعو للتفكر بما يخص الزمان والمكان…( المكان زمن متجمد والزمان مكان سائل ). وكأن رسالة الصوفي لاقت صداها عند بيتر بروك من خلال مقولته حول الجسد الفضاء / المكان .. الذي يحمل المكان في الزمان ويحمل الزمان في المكان والذي انتقلت عبره تقاليد وسلوكيات وتأثيرات بشرية , اختلفت باختلاف الثقافات والمجتمعات. ليظهر هذا الاختلاف كدليل إضافي على ظاهرة انتقال التراث البشري عبر الجسد .

يقوم المؤدي / الممثل باستدعاء تلك التفاصيل من خلال أشياء وتفاصيل صغيرة يفعلها…( حركة ..إشارة.. نبرة…..الخ…) , كيان…يعني حضور المادة في الفضاء ..يعني الجسد بكل حيويته ومخزونه في الراهن والآني ..يعني رسائل مختلفة تصل اليوم عبر المكان / الجسد من ماض الى حاضر ..وتستمر لتعبر الى المستقبل.

إبحار في الماضي // الزمن // وفي أعماق النفس البشرية // الكيان – الفضاء – المكان // وبعبارات المخرج الكبير بيتر بروك  صاحب التجربة الواسعة والطويلة بالعمل مع الممثل ، والإخراج لأعمال لامست الشرق والغرب …( المها بهاراتا ..منطق الطير ..بستان الكرز…الخ…) هي دليل جديد على أن الزمن مكان سائل ..والمكان زمان متجمد..ولكن حاوية هذا المكان والزمان هي جسد الممثل …الواعي الموهوب المكتشف الحامل لأرق وأنبل الأحاسيس …مخزن التراث البشري…الناقل لصفات وجينات وسلوكيات الأجداد والأسلاف . وهو بالطبع يحدث كل الحضور البهي الذي تحدثنا عنه ..لسبب بسيط…إنه يعيش بيننا ..الآن وهنا. ويعيد الاكتشاف المعجزة على خشبة المسرح ويصنع كل ما يصنعه أمام الجمهور. وحسب / توبي كول / :

(  يتحول الممثل إلى التاريخ التجريدي الموجز للعصر .)

عندما أكد ستانيسلافسكي على أهمية التقنية الداخلية عند الممثل للوصول إلى أعماق النفس بهدف إحداث التأثير الأكبر للأداء الواقعي القريب من الصدق الإنساني ..إنما كان يحفر في تاريخ  / الإنسان.. ..ويسعى للغوص في أعماقه لإبراز تلك الكنوز التي يحملها الممثل في داخله والتي أطلق عليها غروتوفسكي تراثا بشريا.

وكذلك فعل بريخت على طريقته عندما أراد فرض استجابة عقلية على مفهوم الأداء عند الممثل بواسطة الوعي والإدراك لما يدور حوله ومعالجة هذا الإدراك بعقلانية تعتمد على قدراته الفردية الخاصة

إنه بحث بطريقة مختلفة عن ذلك المخزون البشري من تراث تم تناقله عبر الجسد من جيل لجيل .

آرتور اعتبر الجسد- جسد الممثل – محورا مركزيا لتوليد استجابات انفعالية بمختلف انعكاساتها –وعلق أهمية كبرى على الجسد من حيث أنه مصدر الإشارة والإيماءة المتوارثة عبر الزمن.وهويعتقد أن أهم أسباب الفعالية الجسدية على الفكر وقوة التأثير المباشر تنتج من المسرح لأنه حافظ بواسطة الممثل على ( أسرار )وأسباب استخدام تلك الحركة أو النبرة أو الإشارة وهو من أجل البرهنة على ذلك يعتبر أن الحركة ليست عفوية أو ارتجالية ..بل هي حركات مدروسة تؤدى في زمان مناسب . يقول : ( إنها حركات تعبيرية تحسب فيها كل الإيماءات والتعبيرات، وهذا الحساب الدقيق يضاف إليه الصفة الموسيقية للحركة الجسمانية. )ويتابع في موضع مختلف …( إن الحركة الجيدة هي تلك الإشارات التي يشعر فيها المشاهد بأن فعاليتها لم تستنفذ، كما يجب أن يكون في مقدورها إثارة الذكريات بواسطة ايقاعاتها… عمل المسرح يصبح نوعا من الإثبات التجريبي لماهية المجرد والمحسوس العميقة، وذلك لأن الثقافة بالحركات توجد الى جانب الثقافة بالكلمات….).

ونقرأ ل تاييروف ( فن الإيماء ليس عرضا خاصا بالصم والبكم حيث تكون الحركة بديلا عن الكلمة ، بل الإيماءة هي ذلك العرض الذي يكشف العالم الداخلي للشخصية، تموت فيها الكلمات ويولد الفعل المسرحي الحقيقي كبديل عنها. ).

مايرخولد يشرح سبب اعتماده على حركة الجسد وهو صاحب مدرسة / البيو ميكانيكا / في الأداء المسرحي بقوله :

(في كل مؤلف درامي يوجد نوعان من الحوار ، أحدهما ضروري ظاهر ، وهو الذي يتألف من الكلمات المصاحبة والمفسرة للعمل الدرامي ، والآخر داخلي وهو الحوار الذي لا يسمعه المتفرج  في الكلمات ، بل في أوقات الصمت ..ولا في الحوار..بل في موسيقا الحركات اللينة……شخصان يتحدثان عن الطقس ، أوالفن ـ أو القلق .ثمة شخص ثالث مراقب لهما ، يستطيع إذا كان يتمتع بقدرة ما من حدة البصر ..أن يحدد بدقة من مجرد حديثهما عن أمور لا تمس علاقتهما المتبادلة بينهما هل هما صديقان أم عدوان أم عاشقان .. إن حركات الأيدي وأوضاع الجسم والنظرات والصمت تحدد الى حد ما حقيقة علاقة الناس المتبادلة ..لأن الكلمات لا تقول كل شيء..) .

فاختانغوف كان يطلب من ممثليه أن يبنوا شخصياتهم متنقلين من إشارة لإشارة ، ومن إيماءة لإيماءة  ليؤكد على دور وبلاغة تأثير الجسد لغة وحضورا في بناء المشهد المسرحي .

الآن وهنا…تعني بالنسبة لفنان المسرح  …العيش هنا / اليوم.. بكل ما تشير إليه الكلمة من انسجام وتناغم مع روح العصر ومخرجاته التقنية والثقافية والفنية ..والسعي لأن يكون المسرح عاملا فعالا بكافة عناصره في مسيرة التطور التي يخوضه الناس في كافة أرجاء العالم ….لأن الآن وهنا عندما تدرك على حقيقتها ستصبح منارة يهتدي بنورها المسرحي كي يضمن الوصول الى شاطئ الأمان..اي الحصول على التأثير المطلوب للعرض المسرحي على جمهور يعيش هو أيضا اليوم وهنا.

 

أ .د . عجاج سليم الحفيري

مخرج – أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية

دمشق 4 / 7 / 2017


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock