وجوه مسرحية

المؤرخ والناقد سمير حنفي محمود يكتب: عبد الوارث عسر .. وكيف أشاد الملك فاروق بمسرحية الحجاج ثم أصدر أمراً ملكياً بوقفها..! “الحلقة الثانية”


المسرح نيوز ـ القاهرة | الناقد والأكاديمي: سمير حنفي

——-

المسرح وثورة 1919: وقف النشاط المسرحى بشكل كبير، فى أعقاب ثورة 1919، وما تبعها من أحداث سياسية، كانت تطالب بالأستقلال عن أنجلترا، ووضع دستور جديد للبلاد، ثم صراع الطوائف المختلفة فى البلد حول مواد الدستور الجديد، لهذا أنصرف أهتمام الناس عن المسرح، ولأن الفنان جزء لا يتجزأ من مشاعر المجتمع، فقد أحس الفنانون، والمسرحيون، بأن لهم دوراً كبيراً فى التفاعل مع الأحداث السياسية، والوطنية، وكان عبد الوارث وقتذاك عضواً فى فرقة عبد الرحمن رشدى، وكان هناك مسرحية ايطالية بأسم “رومانشيرنو”، تمت ترجمتها بنفس الأسم، وتتناول فترة الأحتلال النمساوى للجزء الشمالى من إيطاليا، وما تبعها من مقاومة شعبية، ولكن الرقابة رفضت المسرحية، وبدأ تدخل الاحتلال الأنجليزى، والداخلية المصرية، فى أختيار نوعية المسرحيات، ثم تبعيات الحرب العالمية الأولى،  فبدأت الفرق المسرحية، ومنها فرقة عبد الرحمن رشدى، فى إعادة المسرحيات القديمة، التى أنصرف عنها الجمهور، لأن أهتماماته، وأتجاهاته تبدلت عقب قيام الثورة، فى الوقت الذى نمى فيه تيار المسرح الهزلى الذى قادة نجيب الريحانى، وعلى الكسار، فلجأ عدد كبير من المسرحيين فى البحث عن مجلات أسترزاق أخرى، أستغل عبد الوارث معارف والدة، وتم تعيينه بوزارة المالية، فى وظيفة كاتب حسابات، بينما ذهب سليمان نجيب لوزارة الحقانية، وأمين وهبة إلى وزارة الصحة، وداود عصمت على وزارة الداخلية.

عبد الوارث عسر وفرقة ترقية التمثيل 1921: وأستمر الكساد المسرحى حتى ظهر طلعت حرب ورفاقه، فسعوا إلى دعم فرقة عكاشة، وتحويلها لشركة يدعمها رجال الاعمال، فقاموا بأنشاء فرقة ترقية التمثيل التى أستطاعت أن تقف فى مواجهة المسرح الهزلى، وكانت للفرقة أهداف وطنية تفاعلت مع أهداف ومتطلبات الثورة، وكان من أهم أهدافها أنشاء مسرح وطنى بكتاب مصريين، فبدأت مرحلة التأليف الحقيقى فى المسرح المصرى، فقدمت الفرقة رواية الأفتتاح “هدى” من تأليف عمر عارف، وكان يعمل قاضياً، وهى من وتلحين سيد درويش وإخراج عبد العزيز خليل وأشترك بالتمثيل فيها عبد الوارث عسر، وهى مستمدة من حكايات ألف ليلة وليلة، وكتبت بأسلوب ملحمى، ويدور الصراع فيها بين الأنس والجن حول التفريق أو التوفيق بين البشر، واللغة في هذه المسرحية وسط مابين الفصحى والعامية، وكان محمد عبد القدوس من المؤلفين الذين قدموا للفرقة فى عامها الأول مسرحية معروف الأسكافى، وقدم خليل مطران مسرحية القضاء والقدر، وقدم سليمان نجيب مسرحية القضية الكبرى عام 1924، التى شارك فيها أيضاً عبد الوارث عسر، وكان يمكن لفرقة عكاشة أن تكون علامة فارقة فى تاريخ المسرح المصرى، لولا أن زكى أنفرد بالأدارة، وبأدوار البطولة، بحجة أنه الأصغر سناً، وهو غير مهيئ لذلك، وكانت معظم الجماهير لا تتعاطف معه، بل كان تعاطفهم مع أخوه عبدالله، الذى قام زكى بتهميش ادواره، وأدوار فيكتوريا موسى زوجة عبدالله، فى الوقت الذى كان يسيطر على ثقة طلعت حرب، فأنفصل عبدالله عكاشة وزوجته فيكتوريا عن الفرقة، فكان بداية نهايتها.

فرقة أحمد الشامى: يتحدث عبد الوارث عسر عن أحدى الفرق الهامة التى أهملها تاريخ المسرح، وهى فرقة أحمد الشامى، ويبدى عبد الوارث عسر أعجابة بتلك الفرقة المهملة فى تاريخ المسرح، ويلقى عبد الوارث الضؤ على الشيخ أحمد الشامى، الذى كان رجلاً أزهرياً، ملم المام تام باللغة العربية، وقواعدها، وله أخ يمثل معه فى الفرقة، أسمه مصطفى الشامى، وكان ضابطاً فى الجيش، مما الضؤ على أرتقاء نظرة الجمهور لفنانى المسرح فى عشرينيات القرن العشرين، وكان روائى وكاتب مسرحى جيد جداً، وكتب للفرقة مسرحيتين، الأولى أسمها، على كوبرى قصر النيل، والمسرحية الثانية، تدور حول البمبوطية بالأسكندرية، وكان مصطفى الشامى يمثل بنفسه دور البمبوطى، وكانت فرقة أحمد الشامى تقوم بجولات فى قرى ومحافظات مصر، وقليلاً ما تعرض فى القاهرة.

أنضمام عبد الوارث عسر لفرقة فكتوريا موسى: وأنتهى الأمر بأنفصال عبد لله عكاشة، وزوجته عن الفرقة، وكونا فرقة جديدة، بأسم فرقة فيكتوريا موسى، كان مقرها كازينو البسفور، بميدان رمسيس، وأنضم للفرقة، عبد الوارث عسر ( وكان موظفاً بالحكومة بوزارة المالية)، ونجحت الفرقة نجاحاً كبيراً، وأستطاعت فيكتوريا موسى أن تضم للفرقة، مصطفى الشامى شقيق أحمد الشامى، ومن المسرحيات التى شارك فيها عبد الوارث مع الفرقة، مسرحية سهرة الشاى، عن قصة صينية أقتبسها مصطفى الشامى، ثم جاء عباس علام، وكان موظفاً بوزارة الداخلية، فقدم مسرحية، المرأة الكدابة، وكتب للفرقة عدة مسرحيات أخرى، كما قدمت الفرقة لسليمان نجيب  مسرحيتى المشكلة الكبرى، وأخيراً أتجوزت، وقدمت الفرقة عروضها لمدة شهر على مسرح زيزينيا بالأسكندرية، كما قدمت مسرحيتى الموظف والنضال من تأليف عبد الوارث عسر، كذلك قام عبد الوارث عسر بتعريف مسرحية أسبوع الالم من تأليف الكاتب الفرنسى، هنرى بيزيشتين، تحت أسم الأمل، وكان من اعضاء الفرقة، أحمد فهيم، وعبدالمجيد شاكر، وأحمد حافظ، ومنسى فهمى، أمين وهبة، وأستمرت الفرقة على الساحة حتى عام 1924، حيث بدأت تترنح بسبب الظروف السياسية، والأقتصادية، وعدم التجديد فى النصوص، التى يراها عبد الوارث هى أساس مشكلة المسرح فى أى عصر من العصور.

عبد الوارث وجمعية أنصار التمثيل:  مع تدهور حال المسرح فى السنوان التى أعقبت ثورة 1919، وتدهور حال المسرح بعد فشل فرقتى أولاد عكاشة، وفرقة فكتوريا موسى، تجمع الممثلين، بدافع حبهم للمسرح، وقرروا أنشاء جمعية تشبع رغبتهم فى المسرح، وكان معظمهم  قد أمن نفسه بالوظيفة الحكومية، وكان لعبد الوارث تجربة جيدة مع فريق نادى التجارة السابق الأشارة أليها، واجتمع عبد الوارث مع سليمان نجيب، ومحمد عبد القدوس، وداود عصمت، وقرروا العودة للجمعية القديمة، وهى جمعية أنصار التمثيل، وتم أنتخاب سليمان نجيب رئيساً للجمعية، وعبد الوارث عسر وكيلاً للرئيس، كما ضمت الجمعية محمد كريم الذى كان يستعين بأفراد الجمعية، فى أفلامة السينمايئة، ونجاح تجربة عبد الوارث من نادى التجارة، جعلت جمية أنصار التمثيل تسعى لتقديم المسرحيات التى قدمها فى نادى التجارة بجمعية أنصار التمثيل، وضمت الجمعية عدداً من رموز التمثيل فى مصر، أمثال، السيد بدير، وعباس فارس، وأحمد ضياء الدين، الذى أحترف الأخراج السينمائى بعد ذلك، وداود عصمت، وأمين وهبة، ثم عماد حمدى، ويذكر عبد الوارث معلومة هامة، أن الريحانى كان من الأعضاء المؤسسين لجمعية أنصار التمثيل عام 1913، فى أثناء تقديمه لرواية كشكش بك، وأنه أتبع أسلوب الجمعية واهدافها عندما كون فرقته الجديدة، وأعتمد على الأقتباس من اللغات الأجنبية، مع تشبيع النص بالروح المصرية، وكان معه من الأعضاء المؤسسين، سليمان نجيب، و محمود مراد، وداود عصمت، ولكن عبد الوارث ورفاقه أعادوا تأسيس الجمعية عام 1928، كان سليمان نجيب ممثل محترف، وكانت له فرقته الخاصة، التى كانت تعانى من الكساد، وكان هدف الجمعية، عند إعادة تأسيسها، هو مناقشة القضايا الأجتماعية، وكان من ضمن ما قدمته الفكرة، تعريب للمسرحية الألمانية، spring cleaning  للكاتب الألمانى فريدريك لورانس، بالأشتراك مع سليمان نجيب لتقديمها كمسرحية، بعنوان أنقاذ ما يمكن أنقاذه.

جمعية أنصار التمثيل تكتشف المطرب محمد فوزى: بينما كان أعضاء الجمعية يقدمون مسرحية المشكلة الكبرى، أقتباس سليمان نجيب، باغتهم شاب نحيل الجسم يمسك عوده الخاص، وطلب من عبد الوارث أن يستمع له، فأستمع لغنائه، وأعجبه، ومكنه من تقديم بعض الفقرات الغنائية بين الفصول، فأمتدحه النقاد وذاع صيته من خلال جمعية أنصار التمثيل.

المسرحية التى أشاد بها الملك فاروق ثم منع عرضها: كانت جمعية أنصار التمثيل مع الوظيفة الحكومية، هى الملاذ لعدد كبير من الفنانين وقتذاك، وكانت الجمعية تقدم مسرحيات على دار الأوبرا المصرية، من فصل واحد، لدعم الجمعيات الخيرية، وكانت وزارة المعارف تقدم الدعم للجمعية لتقديم نشاطها، وكانت الجمعية تعتزم تقديم مسرحية الحجاج بن يوسف الثقفى، وقامت وزارة المعارف بدعم المسرحية بمبلغ مئتى جنيه، وكان وزير المعارف وقتذاك هو محمد العشماوى باشا، وكان يرأس جمعية خيرية بأسم الأصلاح الأجتماعى، وطلب من الجمعية تقديم فصل واحد من مسرحية الحجاج، فى أحتفال جمعية الأصلاح على دار الأوبرا، لدعمها، فوافق أعضاء الجمعية على هذا، وشاهد المسرحية اللواء خالد باشا حسنين، وكان من الحرس الملكى، ورئيس جمعية الكشافة المصرية، فطلب هو الأخر بنفس الفصل فى حفل جمعية الكشافة التى سيحضرها الملك فاروق، وبالفعل حضر الملك فاروق الأحتفالية، وفى نهاية المسرحية، هنأ الملك فاروق القائمين على العمل، وكان عماد حمدى، وزوزو حمدى الحكيم أبطال العرض، ، وقال لهم “أظهرتم لنا بصدق، أن أختلاف الأراء لا يجدى، وطالب بأستكمال المسرحية، لأنه يريد مشاهدتها كاملة، وبالفعل قام المسئولين بسرعة التجهيز للمسرحية، وحجزوا عشرة ليالى بالأوبرا، وأرسلوا للديوان العالى الملكى، يطالبون أن يكون العمل تحت رعاية الملك، وأن يحددوا لهم اليوم الذى الذى سيحددة الملك لحضور المسرحية، والغريب أنهم حصلوا على موافقة الديوان برعاية المسرحية، فى خطاب يقول أنه سيخبرهم بموعد زيارة الملك، وفى اليوم التالى يباغتهم خطاب، بوقف التصريح لعرض المسرحية، ويبرر عبد الوارث عسر هذا بأن السبب هو أن المسرحية كانت تحذر من توغل اليهود، ودسائسهم، بينما أن معظمهم، والعهدة على عبد الوارث عسر، من أصدقاء الملك، اللذين حضروا معه الفصل الأول من المسرحية، وعرفوا مغزاها.

أداء سلامة حجازى وفرقته: ينفى عبد الوارث ما شاع من أن نجاح سلامة حجازى كان بسب غنائه فقط، وهو يرى أن أداء سلامة جازى التمثيلى كان أول درجه من درجات، التمرد على الكلاسيكية، ومرحلة أولى من مراحل المدرسة الواقعية، حيثُ بدأ الألقاء يبتعد عن المبالغة نوعاً ما، وبدأت فرقته تقدم أعمال عصرية، مثل غادة الكاميليا، والبرج الهائل، وسعى المؤلفين للتأليف له خصيصاً، كما فى مسرحيتى، صلاح الدين، وعلى نور الدين، ورغم شهرته الكبيرة، إلا أنه لم يتأخر عن أى دعوة توجه أليه لحضور عرض مسرحى للهوه، ليقوم بتشجيعهم، ويقول عبد الوارث أن سلامة حجازى كانت له نظره ثاقبة فى أختيار أفراد فرقته، وأغلبهم كانوا من الهواه، من جمعية المعارف التى كان بها فرقة للهواه، من العاملين فى مصلحة السكة الحديد، والتلغراف، والبوسته، ويصف عبد الوارث أعضاء فرقته، فأحمد فهيم، كنت تراه فتحس أنه شخصية هامة، ملك، أو شخص هام، ويقول، كنت عندما تراه تجد نفسك تقف له أجلالاً، ثم أحمد أبو العدل، كان لا بد أن تصدقه عندما يتقمص شخصية الشخص الورع، أو رجل الدين، أما منسى فهمى فرغم طيبته الشديدة، فلم يكن أحد ينافسه على أدوار الشر، ويذكر أنه مثل دور ياجو، فى مسرحية عطيل، فأجاد فيه إلى درجة كبيرة، حتى أن أحد المتفرجين غضب من كمية الشر التى أظهرها فى المسرحية، فأنتظره على باب التياترو، وقذفه بطوبه أصابته، وأوقعته، فأجتمع الناس على الجانى ليمسكوا به، فإذا بمنسى يصرخ فيهم، أتركوه، لقد منحتنى هذه الطوبة وسام فى التمثيل، كذلك يذكر محمود حبيب الذى تميز بخفة دم، لم يعهدها فى أحد من قبله، ولا من بعده.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock