مقالات ودراسات

عزيز ريان يكتب عن العرض الإماراتي “طقوس الأبيض”يضع قدم المسرح الإماراتي في المشهد الفني.. ويعلن عن قدومه!


المسرح نيوز ـ شفشاون | المغرب

ـ

عزيز ريان

شفشاون

 المغرب

   aziz_rian@yahoo.fr

 

اسم العرض: طقوس الأبيض

عرض: دولة الإمارات العربية

وتأليف محمود أبو العباس

إخراج محمد العامري

 

تشخيص: أحمد الجسمي وأبوالعباس ، وحميد سمبيج، وملاك الخالدي،

ومحمد جمعة، أشجان وهيفاء العلي

وأخرون

 

الحكاية بين الحُلم والموت مسافةُ حَياة:

تبدأُ فصول العرض/الطقوس بمشهد الولادة أو الإنعتاق على وقع مؤثرات مصاحبة نجحت في نقلنا إلى عوالم العرض الفلسفية المشبعة بالإشكالات والأسئلة العالقة. يخرج الشخوص عبر فتحات صغيرة من رداء أبيض اللون:البطل الذي يُشدنا لكل طقوس مراسيمه.

أجواءٌ ركحية تُصِّر على مَزج الحلم بالواقع، الموت بالحياة، الأمل بالانتكاس. جوقة تُعدَنا-غِنَّاءً- للانصهار في هذه المساحات الشائكة. تُوقف ايهاماتنا صوت المرأة (القابلة) التي تناجي ولدها المتخيل، والتي يهزأ منها زوجها (الحفار). قابلة وحفار؟ مزج أخر جميل متناقض نجح فيه أصحاب العرض في  رفعنا إلى حيوات أخرى. هي قابلة تموت أجنتها قبل الاكتمال. بين عتاب الزوج والزوجة يبقى أمل الخصوبة غائبا. “على صوت الموت الذي يراقص انعكاس القمر” ينبهنا العرض أن الموت بطل خفي يراقصه الحفار المسكين كلما آن الوقت لرحيل ما. رائحة الموت عطر يغطي على روائح القبور.

في رقصة الحوامل الثلاث يصلنا تمرد آخر للحامل التي يثقلها جنين ما. كل حامل لها قصة ما. هن يعرفن أن القابلة تكره كل مولود يخرج من بين يديها كحرقة ل”عيب” أصاب رحمها القاحل. لكنها تساهم في ولادات متعددة. الحامل تريد أن تلد في شهرها السابع لكي تشاهد نتاج حملها. تريده قبل اكتمالها لكي تنقذه من دمار وخوف  من أن يُسرق منها فالقادم أفضع وإن كان جسدها لا يحتمل”الطلق”.

ثم نتعرف على  قصة حامل أخرى اكتشف زوجها الغني حملها فركبه الشك اللعين فقرر التأكد عند القابلة التي اكتشفت أن بطنها منتفخة ولم يصل لحمل كاذب حتى. يلوم الزوج الغني نفسه تصفعه زوجته.

حامل أخرى رفقة زوج تنقصه علامات الرجولة الظاهرة. زوج”أقرع” ينتظر الولادة فتفقد الأم روحها فداء للمولود الجديد، يُطَّلقها بالثلاثة كما أوصته ويتركها كنفاية دون أن يكرمها بالدفن ولا برعاية المولود. المولود الذي يتكفل به الزوجان: القابلة والحفار لتنتهي المسرحية بنوم أخر لهما على وقع صراخ الموت والحياة. ولدي يكسر صراخ القابلة فضاء الخشبة كما بدأت فصول المسرحية. فيختلط علينا الحلم بالواقع.

الإخراج بحلول دينامية وبصرية متنوعة:

استغل مخرج العرض فضاء الخشبة ووظف آليات الممثلين، ونجح في تحريهم فوق الركح بتقسيم ثلاثي. حيث قسمت الخشبة لجهتين أساسيتان: الأولى يمينا كأنها بياض أول خاصة بالحفار وعالمه وإكسسواراته: بياض الموت والفناء، والثانية يسارا كأنها بياض ثاني للقابلة وعالمها وآليات عملها المعتادة: بياض الحياة والانعتاق، والجهة الثالثة وسطا في الخلفية تتجمع فيها الجوقة للغناء والإنشاد.

استعمل المخرج تقنيات ورؤى إخراجية متنوعة، وإن كان خروج ودخول الممثلين تكرر بشكل كبير. موظفا الرقص والغناء الحي الذي أضفى على العرض حياة من نوع أخر.ساهم هذا في إضفاء حياة من نوع خاص فوق أبعاد الخشبة، ساعدت على تنويع ماهو بصري وعلى إنغماس المتلقي الغارق في البياضات باللعبة المسرحية. وإن سقط في بعض التكرارات في التخلص من المشاهد كما أن النص المكتوب به بعض التعقيدات على مستوى الحبكة الدرامية قد تغيب عن عقل المتفرج العادي.

انسجام ممثلين: جيش من الممثلين

ممثلين طقوس الأبيض كانوا لُحمة واحدة كأنها أثاثا ركحيا يفسر مراسيم الطقوس التي تحتفل باللون البطل: الأبيض. كما تميز البطلان: الحفار والقابلة اللذان نجحا في شد الجمهور إليهما وإلى أداءهما وطرق تحركهما.غير أننا يمكن أن نعترف بأبطال أخرى خفية وغير ملموسة:اللون الأبيض، الحياة،الموت،الكفن، القماط…عموما برغم العدد الكبير للمشاركين بالعرض إلا أنهم لم يخلقوا نشازا في تموقعهم وتحركهم وخروجهم من الركح.

الملابس كانت تيمة مكملة لباقي عناصر العرض والتي اعتمدت على طغيان اللون الأبيض، وتنوعت بين ما تلبسه كل شخصية بحسب ظهورها. كما أن للجوقة التي خرجت من بين الرحم الكبير الأبيض الذي استهلت بها المسرحية والذي أضاف على المجموعة تناغما حقق البعد الصوفي والروحي الذي يلازم طقوس الموت والجنازات.كما اعتمدت الملابس على لونين متضادين الأبيض والأسود كرمز للولادة والموت. حضور الكفن والقماط كلباس أساسي في كل طقس أبيض سواء في الوجود أو الرحيل عن هذا العالم. هما من الألبسة المتصارعة نحو ومن هذه الحياة لإثبات الذات، إلى درجة التلاحم أو الاختلاط أو تبادل الأدوار والتوظيف: فيصبح القماط كفنا، والكفن قماطا. كأنهما واحد كما الحياة والموت في بعدهما الدلالي والفلسفي.

الموسيقى لم تخرج عن سياق العرض الفلسفية مع حضور للمؤثرات الواقعية إيقاعيا وغنائيا بحضور لافت ومميز لآلة الدف والإنشاد. تيمة الإنشاد تنوع بين ما ينشد في مناسبات العقيقة ومراسيم تشييع الموتى. وهو تضاد شكل تنوعا سمعيا لما في العرض من تنوع بصري.

الإنارة لعبت بالتقسيم الثلاثي الذي سبق ذكره فحققت تكاملا بين المرئي وبين الأحاسيس المتذبذبة والصراعات الداخلية والخارجية التي تشبع بها العرض. فحققت إضاءات ملونة على الأبعاد الثلاث التي زركشت فراغات الخشبة.

الديكور وازن بين التقسيم المذكور حيث سريران مرتفعان للولادة وللموت وسلالم خلفية تستعمل للذكر وللإنشاد. توفقت السينوغرافيا في ملأ فراغات الركح وإضفاء أجواء فنتازية واحتفالية على العرض أو الحلم الذي عايشناه عرضا في اختلاط تارة وفي وضوح تارة. على أن المرتفع على شكل سلالم في الخلفية تمكن من ممارسة دور المراقبة البعيدة أو دور المقابر التي تشهد طقوسا بيضاء كل يوم.

لا غرو، أن العرض الإماراتي أظهر مدى التطور الفني المسرحي وما وصل إليه مؤخرا بشكل محترف.. العرض بانتاجه الضخم وتنوع فرجته البصرية والسمعية حقق متعة جمالية وازنة. ووعد برقي مسرحي قادم بما أن الدولة عموما تشجع وتسعى لمسرح في المستوى عربيا.

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock