مقالات ودراسات

عن السيرة الهلامية .. والنقد من مقاعد المتفرجين!


 المسرح نيوز ـ القاهرة| كمال سلطان
ـ
لاشك أن تناول هذا العرض بعين الناقد المتخصص سيجرنى للتنقيب عن سلبياته، وهو ما لا أريد ان أتعرض له، فقد سبقنى إلى ذلك العديد من الأساتذة، لكننى أحببت أن أكتب عنه بعين المتفرج العادى، الذى لم يتوقف عن الضحك والتصفيق طوال مدة العرض، ولو كان هذا هو الهدف الوحيد الذى سعى إليه المخرج محمد الصغير لكفاه، فقد استطاع أن يحقق هدفه رغم أن جمهور مسرح الطليعة ذا طبيعة خاصة أصقلها نوعية العروض الجادة التى شاهدها خلال العام المنصرم، وعلى رأسها “يوم أن قتلوا الغناء” و “الجلسة” وإن كان هناك عروضا أخرى قد استطاعت إضحاك الجمهور رغم جدية الفكرة والتناول مثل “كلنا لها” و “واحدة حلوة”.
 
يتناول المؤلف الحسن محمد من خلال ” السيرة الهلامية” مأساة هاملت للكاتب الإنجليزى وليم شكسبير فى قالب هزلى من قلب صعيد مصر اعتمادا على السيرة الشعبية للبطل أبو زيد الهلالى والذى اطلق عليه المؤلف اسم “هراس” ذلك الشاب البدين الذى لا يحمل للدنيا هما ولايشغله سوى اللعب مع صديقه الوحيد “فزاع”، وكأنه مازال طفلا، حتى يظهر له شبح والده الراحل ليخبره بأن عمه قد قتله بمشاركة امه ليتزوجا، ويطالبه بأن يثأر له بقتل عمه. وبعكس الحالة الدرامية ، المأساوية التى تغلف رواية شكسبير، وحالة الكآبة التى تحيط بالأمير هاملت منذ بداية الأحداث إلى نهايتها، إلا أن المخرج محمد الصغير أظهره بصورة عكسية تماما، لكنه حرص فى الوقت نفسه على المحافظة على وجود نقاط تماس عديدة بين هاملت وهراس، أهمها حبه للعزف على إحدى الآلات الموسيقية، والخطاب الغرامى الذى أرسله إلى اوفيليا، لكنه اتخذ هنا من التكنولوچيا الحديثة وسيلة مبتكرة لهذا الخطاب من خلال إرساله لها عبر “الفيس بوك”،
وقد عبر المخرج عن ذلك على خشبة المسرح بطريقة عملية لاقت إعجاب الجمهور وأثارت الضحك، كما حرص المخرج على وجود جميع شخصيات النص الاصلى ولم يعمد إلى حذف أى منها، ويحسب له قدرته على التحكم فى هذا العدد الكبير من ممثلين وراقصين وموسيقيين على خشبة المسرح ، وهو الشكل المعتاد فى جميع عروضه التى سبق له إخراجها، ومن أشهرها عرض “شيزلونج” الذى قدمه عام ٢٠١٠ وأعاد تقديمه عقب ثورة يناير مع التغيير فى بعض الأحداث التى طرأت على المجتمع المصرى، وقدم من خلال هذا العرض عددا من نجوم مسرح مصر مثل مصطفى خاطر، وحمدى الميرغنى، ومحمد أنور.
ويقدم فى “السيرة الهلامية” أيضا مجموعة من الممثلين الشباب المتمكنين من أدواتهم الفنية، واستطاعوا جميعا لفت انظار الجمهور، من خلال تمكنهم من الأداء ومن خلال خفة ظلهم وهم : محمود المصرى، محمد إبراهيم، رأفت سعيد، رامى عبد المقصود، مها حمدى، حسن عبد الله، بلال على، مصطفى السعيد، محمود سليمان. وقد حرص المخرج محمد الصغير على تجنب الافيهات اللفظية الخارجة، أو السخرية من التكوين الجسمانى لأى ممثل، وكان الانتقاد الوحيد الذى واجهه فى هذا الأمر، هو الشكل الذى ظهر به الممثل الذى جسد شخصية الملكة الام، حيث اعتمد على المكياچ والاكسسوار فى إبراز التفاصيل الأنثوية بصورة مبالغ فيها، كما بالغ فى أظهار النهم الجنسى للشخصية.
 
ولكننا نستطيع القول أن المخرج محمد الصغير قدم فى هذا العرض نموذجا للعرض المسرحى الذى يحوى كل فنون الفرجة المسرحية، واستطاع من خلال الاعتماد على التراث المصرى الأصيل فى صعيد مصر أن يجذب الجمهور للتفاعل مع عرضه والإقبال عليه، وهو أمر لم يكن ليتحقق لو تم تناول العرض على صورته الأصلية، وقد استطاع الصغير أن يطبق كل ماتعلمه وما اكتسبه من خبرات فى هذا العرض الذى حوى اشكالا مسرحية مختلفة مثل التجريب، والكوميديا دى لارتى، والموسيقى المتضافرة مع نسيج النص الذى صاغه الحسن محمد والتى ارى انها الصورة الأمثل لإحياء المسرح الغنائى من جديد. جاء ديكور مصطفى حامد بسيطا ومعبرا عن البيئة الصعيدية، حيث قسم المسرح إلى مستويين الأول للممثلين والثانى شغلته الفرقة الموسيقية، كما جاءت الإضاءة والتى نفذها المخرج موحية أيضا حيت تم تقسيمها إلى عدة مستويات متفاوتة تعبيرا عن الحالة المزاجية لأبطال العرض. وتبقى فى النهاية تحية واجبة للماكيير المبدع اسلام عباس، ومصممة الأزياء هبة مجدى، وللتعبير الحركى الذى صممه سمير وچوليا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock