مقالات ودراسات

“عن العشاق” حكايات الحب تتجسد في قصر الأمير طاز


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

كتب: صلاح صادق

 

أجواء ساحرة أسطورية في عبق التاريخ بقصر الأمير طاز ليلة عرض مختلفة حيث السفر عبر التاريخ تنقلنا فيه آلة الزمن لنلاقى شخوص من الماضي التليد عبر بهو القصر المواجه لشرفاته المشرقة عليه، الإضاءة تنساب عبر أجوائه ترتكز حول الأعمدة كاشفةً عن زخرفات زاهية على الأسقف الخشبية وآيات الذكر الحكيم، تشكيلات رائعة من الأرابيسك الخشبية متكررة لتصنع جدار هو إطار لشرفة القصر الرئيسية المطلة على ساحته وفضاءه الداخلي ..

الأرج والقباب والجدران الحجرية الشاهقة تجعل العين تحتار في أي إتجاه تنظر، حالة من الدهشة تستحوذ على الذات تجعلها تتسأل كيف لم ندرك كل هذا الجمال ..؟!

إن هناك أبطال سكنوا هذا المكان، عشرات بل مئات من الحكايات والقصص تسكنه، رائحة البشر والمكان تنشر عبر ردهاته وممراته الطويلة حتى الشقوق في حجارته تحوى الأثير ذلك السحر الذي ينساب في تلك الأمسية الرائعة ..

تنتشر وتتوزع أعضاء الفرقة الموسيقية الشرقية العود والقانون ويصاحبهم التشيللو والكمان خمسة عازفين موزعين على المكان ثلاثة في صحن الفناء وعود آخر على السلم الحجري والكمان في الشرفة، يبدأ العود ليفتتح الأمسية وكأنه البطل ليسرد الحكاية ويقدم عزفاً منفرداً (صولو)

لينبأ بليلة عرض رائعة (عن العشاق) عن طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي عن أفكاره في الحب للمخرج هاني عفيفي الذي قدم شرحاً لعرضه، ومستعيناً بأعمال كوكب الشرق أم كلثوم بديلاً عن شواهد الشعر ومعه حضور تشخيصي لأبطال الحكايات ومؤديين لرقص وأداء حركي مصاحب لموسيقى حية وجميلة وأغنيات لها رصيد في الوجدان المصري والعربي ..

ابن حزم (حمزة العيلي) يلقي كلماته الشارحة عن الحب من شرفته العالية ثم يهبط من عليائه للبهو، والمؤيديين موزعين على الأبواب، ليدلوا بدلوهم في الحب متناقلين رؤيتهم عنه ..

ويغني أحد المشاركين أغنية (يا سعده اللي عرف مرة حنان الحب) حبيبين يتحدثان للإمام ويرد شعراً،

وتعزف الفرقة موسيقى لايف وعمري ما أشكيلك من حب،

مع أداء راقص (أداجو ثنائي) لدقائق معدودة، اتسمت كل المقطوعات الموسيقية والغنائية بسمة القصر والإيجاز وكأنها فواصل للجمل الحوارية والتبلوهات الراقصة، تبدو الحكاية حكايات منفصلة متصلة يجمعها رابط واحد تيمة الحب والراوي ابن حزم وسحر المكان ..

تحكي فتاة جميلة للشيخ ويرد هو بعلامات الحب، تداخل حواري مبهج بين أفكار الإمام وتصوراته عن الحب ومواقف وحال العشاق ، لينفذ المؤديين مفارقات تجلي وصف الإمام للحب، لغة الحوار خطابي على لسانه وأداء رصين لحمزة في توافق جيد وحسن استخدام من صاحب العمل، يتداخل في العمل العازفين للمشاركة بالتساؤل عن الحب وما يميزه عن أي شعور آخر، ومع التداخل تأتي الإجابة (الحب كده) ..

ليقودنا العمل في تكنيك سؤال وجواب، والجواب يكون بمقطع موسيقى أو أغنية عن هذا المجهول الذي يسكن القلب في الجسد ويحيل حياته عذاب أو سعادة، جنة أو نار ..

يقول الإمام : من علامات الحب الوجوم والشجن ..

ونجد شاب ينادي اسم (شمس)، شمس كانت أحلى بنت حكاية حب على لسان محبوب، مصاحبة لأداء العود الشجي الشجني، التشيللو يقود الحالة ليعبر عن مشاعر الحزن وحالة الخذلان والوجع،وهناك آخر يحكي عن ميلاده ووفاته لحظة مرور محبوبه، ليصف جمالها، حوار عن المحبوبة ليحبها المستمع لحاله،فنجد كل المعاني الثنائية في الأمر، المبالغة والكفايةفي الحب، والحديث الوصفي عن الحبيبة ..

وهل تعرف الجنة بسوي الوصفي ..؟

مشخصي الحالات الأدائية شابين وفنانين ومعهم راقصين، ثنائيات جميلة تم اختيارهم بعناية وحسن تسكين للأدوار..

اتسمت الملابس بالبساطة والجمال بآن واحد، وكذلك المناسبة للحالة، وكان منها التاريخية كما للشيخ الإمام والمؤديين، والعصرية أيضاً ومعها كثرت الإكسسوارات كالطرح والعباءات لتحدث الإنتقالات السريعة الزمنية، والفوارق بين المشاهد في سهولة ويسر ..

تتنوع الفقرات الراقصة بمصاحبة الموسيقى الحية والعزف الراقي لتنوعات أم أكلثوم سواءً كانت الموسيقية أو غنائية بصوت المطربة نجوى حمدي، أداجو فردي لمحب يحمل وردة حمراء رمزاً لحبه وتراقبه من الشرفة محبوبته، وصلة رقص معاصر ..

وتتابع الحكايات على لسان ابن حزم الذي يأخذ شكل الراوي الشارح العليم بأمر الحب، ومنها حكاية يوسف بن هارون الشاعر وحبيبته الجارية، ليظهرا بملابس مناسبة للعصر، وحواراً بينهما العاشق فيه يكاد يجن،

طقطوقات موسيقية .. (نظرة وكنت أحسبها سلام وتمر أوام) بصوت الجميلة نجوى

تبادل الأماكن والجلوس على الأرائك الخشبية للمؤيديين، مرونة في الحركة وحرية التجول في جنبات الصحن واستغلال منافذه، (يا قلبي آه) أداء رائع لآلات الوتر الكمان البطل والقانون والتشيللو يؤازرانه ..

ابن حزم يصرخ : محب الاثنين شهوة،

أما المحب الحق فليس له بقية يصرفها لآخر ..

(أنت فين والحب ظالمه ليه دايماً معاك) ..

صولو كمان في الشرفة مع إضاءة ساحرة لبهو الأعمدة،

الاستخدام الجيد لأجواء وأرجاء المكان ..

الحوار والمشاهد الثمثيلة بمثابة فقرات تعليمية، إرشادية، تتسم بالمباشرة، والأداء تمثيلي هو أداء تعبيري شارح لتلك الأفكار والمواقف المعبرة عن قضايا الحب ومشاكله عبر العصور ..

حكاية أخرى على لسان الراوي

سعيد منذر وموصوع اللحية والجارية والعتق، ترفض حبه وزواجه الفتاة بعد صنيعه وتقبل أخاه الحكم بن منذر ينال جارية أخاه ومحبوبته، الموفقة والنزول على ما يرضي المحب، تضحيةً ومحبةً، ونجد العود هو الأنسب للتعبير عن القصة بأنينه ومناسبة الفقرة المعزوفة للحالة.

على لسان ابن حزم : وهل أعظم من الحب علة..؟!

عجيبة هي إذن طاعة المحب لمحبوبه،

(أطاع في هواك قلبي)

المستوي الفوقي للمسرح، المستوى العلوي حيث الشرفة والذي استخدمه المخرج ليكون مكان ا الجارية الجميلة المطربة التي يرقيها صوتها العذب لتكون أميرة وأيقونة الأمسية ومعها والعازف (عازف الكمان) ..

تتوالى الحكايات والمواقف الحياتية لتصاغ حواراً وتساعد الموسيقى الدرامية في وصف الحالة لتعين الإمام على الشرح والوصف والحل ..

الحب وآثامه، الرقيب الحاقد مؤدي طامع أناني،

الجارية والعاشق والرسول الزوج.

وفي مشهد أخر نجد في الشرفة الفتاتين في حديث عصري عن مواصفات المحب، الجان والغير مناسب، حوار ضاحك، والعيوب، الحب والاختيار والتميز ..

الوقوع في من لم ترض صفاته،

الشيخ يحكي قصته وجاريته الشقراء في صباه،

الحب الحق، الزمن والملازمة، يحدث تداخل بين العصور والصور .. ويبدو الإمام في هيبة الشيخ وتظهرها الملابس واللحية والمكياج المناسبين للحالة، حاملاً كتابه وفيه الريشة فيه وردة حمراء.

تغير الفتاة الرئيسية (أميرة عبد الرحمن) الجارية الجميلة _ والتي يصفها ابن حزم بالأميرة_ لملابسها للون الأبيض الحريري، والتي كانت موفقة وزميلتها (سارة) دائماً

في تجسيد صفات الجمال والحب في العرض

ونسمع أغنية (سنين ومرت)

الفتاة والتلميح للتعبير عن الحب تستوضح الأمر، والشاب أيضاً، العين تنوب عن الرسل، الرسالة خطوة شكلها أجمل الأشكال، فهي شكل صاحبها، والرد سرور يعدل اللقاء ..

تنبع الثقافة من أماكنها بقصر الأمير طاز ليحدث مزج سحري بين سحر الأندلس وسحر مصر القديمة وقاهرتها المعزية متعددة العصور ..

تتوالى الراقصات ، مؤدي حركي على نغمات القانون

والتشيللو الهادي، أداجو آخر رائع ومعبر عن الحالة ..

حوار ثنائي عن الحرمانية والحب، القلوب بيد الله ..

(قول الحب نعمة مش خطية، الله محبة)

موقف عصري، عاشق ورئيسته في العمل وحالة من الكتمان والخشية من الشماتة والصد أداء المغني والمؤدي (شادي) وأميرة ..

(هفضل أحبك من غير ما أقولك إيه اللي غير أفكاري)

مع رقص ثنائي ..

القناعة والحب، الراحة لرؤية من رأى محبوبه ..

الخيال والرقص مع أغنية (وصفولي الحب) لتعبر عن أن الحب داء ودواء، مع موسيقى فقط مع أداجو زوجي للثنائي الراقص .. ابن حزم :

كل ما له أول لابد له من أخر ..

من أحب حقيقة لا يمل ..

من أحب ثانية لينسى الأول لم يحب الأول ..

التصبر والنسيان ونجد في لوحة أخرى الفتاتين على الأريكة في مشهد عصري، وحوار فضفضة وشكوى وحزن ونصائح متبادلة بينهما في محاولة للصبر والسلوان ..

يا لذكراك التي عاشت لها روحي مؤدي مغني،

حاول المخرج والكاست في إيجاد وصنع (أوبرا شرقية) أندليسية تناسب حالة الطرب والسماع والحكي التي يعشقها المصريين مع الموسيقى والرقص والغناء والتي تشكل وجداننا الثقافي والفني ..

الشيخ والفتاة والعود الجارية الحسناء أميرة وهي أميرة

في الشباك، الإضاءة والإيحاء بالعزف وخفض عما سواها إحداث إظلام كامل في البهو لصنع جو من الحيرة والتلويع

العازفة والوردة

المغنية والكمان في الشرفة العلوية، المستوى الفوقي

(كنت بشتاقلك وأنا وأنت هنا بيني وبينك خطوتين)

(فات الميعاد) غناء نسائي

غناء نجوى حمدي حالة من الطرب والسلطنة، صوتها قادم من منطقة بعيدة تناسب أجواء المكان القصر المسحور، الحياة والأرواح الساكنة تعود للحياة ..

ابن حزم : النساء رياحيين ما لم تراع ذبلت،

الوصل رحمة من الله عظيمة،

وصل المحبوب صفاء لا كدر فيه،

كمال الأماني،

حكاية جارية وفتى ابن أكابر ذوي سلطان وملك

(في الدنيا مفيش أبداً أحلى من الحب)

غناء أنثوي نجوى

تعددت الحكايات والمقتطفات وأمتد الزمن ساعة وأكثر من النغم والغناء الساحر وحالة الحكي والتمثيل والرقص في أجواء الماضي بصحبة الإمام المحب ابن حزم ليختلط عليّ وعلى الحضور الكثيف الأمر هل هو قاضي القضاة ابن حزم أم هو الأمير طاز صاحب القصر، نجح مخرج العمل وفريقه الفني ومؤديينه ودراماتورج العمل الذي أعاد صيغة أطروحة الأندلسي طوق الحمامة في شكل أفكار ودمج تلك الأداءات الراقصة والغناء والموسيقى الشرقية الساحرة والمكان البطل القصر لتناسب الأجواء الأندلسية الأصلية للأحداث، وجعل من الإمام شخصية تجوب الأزمان لتحكي القصة وترشد العاشقين ..

عن العشاق الثقافة والفن نبع المكان والتراث ..

ليلة رائعة في حضن القاهرة، الجمال والسحر ..

عن العشاق

إخراج هاني عفيفي ..

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock