مقالات ودراسات

قراءة نقدية للعرض المسرحي الجزائري “رفيقو “.. للناقد العراقي د. مهند العميدي


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

بقلم: د. مهند العميدي

 

هل يبقى مسرح الدمى حبيس القيم التربوية ؟ هذا السؤال تبادر الى ذهن الكاتب وهو يتناول مسرحية رفيقو ، وبمعنى اخر ان القيم التربوية امر مفروغ منه فهو المحرك الاساس في بث الخطاب المسرحي لأنه معني بمستوى الشريحة المراد التوجه اليها ومحاكاتها فلابد بذلك ان يراعي تلك القيم وبث خطاب تربوي يتساوق مع المرحلة العمرية ، وبالإضافة الى القيم التربوية هنالك القيم الجمالية التي تستطيع ان تسوق القيم التربوية من خلال المتعة البصرية التي هي المدخل الاساس في لفهم القيم التربوية ، اي ان هنالك خلطة وتعشيق يراد لصانع العمل ان يتقنهما جيدا لكي يصل بخطابه الى الطفل، وهذه الخلطة المعرفية لا تخرج الا من فهم عميق لسيكولوجية الطفل في التعامل مع هكذا نوع من المسرح لأنه يحمل في طياته خطورة في كيفية الفهم اولا وكذلك توجيه السلوك والمدركات العقلية للطفل ثانيا ، وهذا هو المعتاد والتقليدي في التعامل وصناعة هكذا مسرح لأنه يمتلك خصوصيته ومن يتقن اللعبة يمتلك سر النجاح الا ان مسرحية رفيقو تجاوزت هذه المعايير ودخلت في عوالم اخرى من خلال اللعب على عنصري الزمن والمكان وكذلك اللعب على منطقة هي الاخطر الا وهي قيمة الاشياء والقدرة على بث الروح فيها لتكون مؤنسنة تمتلك ديمومتها وقدرتها على الوجود ، فكان اشتغال مسرحية رفيقو يتمحور بالشكل الاتي
اولا : المكان استطاع المخرج ان يشتغل على قيمة المكان فهو هنا لم يعد ذلك الصندوق السحري الذي تتحرك به الدمى بل حول الحكاية الى مكان ينطق فمنذ البداية وهو يسرد القصة على لسان الراوي خلق مكان ومن ثم ينطلق الى الغابة يخلق مكان اخر وهكذا يتحول المكان لدى المخرج ليخرج بفرضية مفادها ان مسرح الدمى نسق متحرك له فضاءاته كما هو مسرح الكبار وهذه الفضاءات هي فضاءات متحركة ناطقة قادرة على بث الحياة في عناصر الحكاية الاخرى
ثانيا : الزمن وهنا اشد على يد المخرج فقد تعامل بوعي كبير بهذا الجزء المهم من العرض فقد ربط الزمن بعنصر مهم وهي بتول تلك الدمية التي ارادت ان تصنع دمية اخرى وبفعل قسوة الاب اضاعت من يدها دميتها ولكن اشتغال الزمن في العرض اعاد اليها دميتها بدوران زمني اجاد به المخرج في تعامله مع بنية العرض وحكايته وكذلك ان العتمة التي خلقها لرفيقو وهو خائف تارة ومتوجس من القادم اليه تارة اخرى خلق فضاءات زمنية فلسفية فكان الاثنان على سطح كوكب اخر غير ذلك الكوكب الذي يسكنه العنصر الادمي فبدونهم استطاع ان يخلق لغة اخرى اكثر تعبيرا واكثرا عمقا الا وهي لغة الرقص وبها استطاع رفيقو ان ينسلخ من صندوق القمامة الذي اراد له البشر ان يكون فيه فينطلق بجسده ليخلق عوالم اخرى تمتلك الحياة بعيدا عن لغة الاقصاء التي تعرض اليها
ان مسرحية رفيقو امتلك عنصرا فلسفيا من خلال تكنيك المشاهد التي وزعها المخرج بعناية لتقترب من الفهم الفلسفي في علاقة الانسان بالأخر وقدرة هذا الاخر ان يبدا من اول السطر ليكمل الحكاية ، وتجسد العنصر الفلسفي في العرض في اللغة التي خلقها المخرج من خلال لحظة السكون والبحث والغربة التي عاشتها الدمية رفيقة وكذلك الفضاء الجمالي المتمثل بسكون الليل وجمالياته وقدرته على بث رسائل عديدة
اعتقد ان مسرحية رفيقو عرض مغاير لكل المتوارث من عروض مسرح الدمى فلسفيا وكذلك تكنيكيا وجماليا , فتحية لكادر العرض وصناعه فهم يستحقون كل الاحترام .
د

مهند العميدي
العراق


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock