كتاب جديد عن “سعد الله ونوس” تنشره جامعة بيل
المسرح نيوز ـ مقالات ودراسات| ترجمة أورسولا ليندسي
ـ
وُلد ونوس عام 1941 في قرية حصين البحر في سوريا، ونشأ في بيئة ريفية متواضعة، لكنه كان قادرًا على متابعة تعليمه، ليدرس الصحافة أولاً في القاهرة ومن ثم المسرح في جامعة السوربون بباريس. تأثر ونّوس بأعمال بيرتولت بريخت، والكاتب المسرحي المصري توفيق الحكيم، وشخصيات التقى بها في فرنسا، مثل أستاذه الممثل والمخرج المسرحي جان ماري سيريو.
ومما لا شك فيه أن الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس مشهور في العالم العربي، لكنه معروف بشكلٍ محدود خارجه. الآن، ومن خلال أول مختارات رئيسية من أعماله باللغة الإنجليزية، سيضم كتاب جديد نشرته مطبعة جامعة ييل أربعة من مسرحيات ونّوس بالإضافة إلى مجموعة مختارة من المقالات والمقابلات والخطب.
وتعد مسرحية “حفلة سمر من أجل 5 حزيران”، والمُدرجة ضمن هذه المختارات، من بين أشهر مسرحيات ونوس. بكتابتها بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 بفترة وجيزة – والتي عاشها ونوس، كحال الكثير من أبناء جيله، بمثابة خيبة أمل مدمرة – تعتبر المسرحية عملًا رائدًا من ناحية الشكل والمضمون. إذ كسرت باستمرار الجدار الرابع، والحدود المتخيّلة بين الشخصيات والجمهور، وخلقت تفاعلا بين الجمهور وأولئك الذين يعتلون خشبة المسرح، وسخرت من الدعاية الرسمية وشكّكت في أسباب الهزيمة العربية. إذ كان أمل ونوس، الذي لم يتحقق بعد، في أن يتم جذب الجمهور بأكمله إلى الدراما وأن “يتفجر ذلك على شكل مظاهرة”، كما كتب في وقتٍ لاحق.
وكان ونوّس على الدوام مهتمًا بالسياسة ولطالما نظر إلى المسرح بإعتباره طريقة للتعبير عن المسائل الاجتماعية والسياسية بشكل درامي وتشكيل الوعي السياسي للجمهور. لكن، في أوائل الثمانينيات، وبعد زيارة السادات لإسرائيل والحصار الإسرائيلي لبيروت، دخل الكاتب المسرحي في فترة اكتئاب عميق وتوقف الكتابة لمدة عقد.
وفي عام 1990، وعندما عاد إلى الكتابة، تحول تركيز ونوس. فلم يعد يعتقد أن بإمكان المسرح التأثير لتحقيق تغيير سياسي فوري، أو أن يكون هذا التغيير هدفه الرئيسي. عوضًا عن ذلك، ركز بشكل أكبر على المجتمع نفسه، وعلى الكيفية التي يختبر من خلالها الأفراد الأحداث التاريخية العظيمة وسعيهم نحو الخيارات الأخلاقية وأشكال التحرر الشخصي. يبدو أن خيبة أمله السياسية قد تحرّرت بشكل خلاّق. قال في مقابلة أجريت معه ذات مرة، “لأول مرة أشعر أن الكتابة شكل من أشكال الحرية”.
وقد شُخّصت إصابة ونوس بالسرطان في عام 1992. لكنه استمر في الكتابة في السنوات الأخيرة من حياته، وأنتج بعضًا من أفضل أعماله. يشمل ذلك مسرحية طقوس الإشارات والتحولات، المُدرجة في هذا المجلد أيضًا. تدور أحداث المسرحية في دمشق في القرن التاسع عشر وتبدو للوهلة الأولى وكأنها تركز على صراع القوى السياسية بين الشخصيات المحلية البارزة قبل أن يتم الاستحواذ على القصة من قبل شخصيات تكافح من أجل التحرر والتعبير عن ذواتها – للوصول إلى نقطة تصبح فيها، كما تقول إحدى الشخصيات، “ذاتي الداخلية والذوات الخارجية واحدة.” وتشمل هذه الشخصيات بطلات بارزات من النساء (وهي سمة مميزة لأعمال ونوس المتأخرة) فضلاً عن تصوير نادر ومتعاطف لشخص مثلي الجنس في المسرح العربي.
ولعله بإمكان الجمهور الناطق باللغة الإنجليزية الوصول إلى أعمال ونوس بفضل الترجمة الجديدة لروبرت مايرز، أستاذ اللغة الإنجليزية والكتابة الإبداعية في الجامعة الأميركية في بيروت، وندى صعب، أستاذة الدراسات والأدب العربي في الجامعة اللبنانية الأميركية.
يعتبر مايرز، ذاته، كاتبًا مسرحيا غزير الإنتاج. وبعد تعاون سابق، قرر مايرز وصعب الشروع بالعمل على مسرحية طقوس الإشارات والتحولات لونوس. سار مشروع الترجمة الخاص بهم جنبًا إلى جنب مع اهتمام متجدد بعرض أعمال ونوس من جديد.
اتصلت طريق الحرير Silk Road، وهي مؤسسة للفنون المسرحية والإعلامية تروج للمسرح من مجتمعات شرق آسيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط، بصعب ومايرز لعرض فرصة للحصول على منحة مؤسسة ماكآرثر لترجمة المسرحية واتاحة قراءتها في مسرحها في نيويورك. وقد أسفر ذلك عن قراءة للمسرحية في عام 2014. وفي ذات العام، تم عرض المسرحية في بيروت لأول مرة منذ عشرين عامًا، حيث قدمتها المخرجة سحر عساف، وهي فنانة مسرحية لبنانية عملت في الجامعة الأميركية في بيروت أيضًا.
كانت تلك العروض جزءًا مهمًا من مشروع الترجمة. إذ أخبر مايرز وصعب مارسيا لينكس كويلي، مديرة مدونة أرابليت، “كنا نأمل في تقديم ترجمات جاهزة إلى حد ما لخشبة المسرح، لأن بعضها قد تم تقديمه بالفعل ويبدو أنه مناسب بشكل جيد، ونحن نسعى للوصول إلى جمهور وقراء يتجاوز أولئك الذين قد بدأوا بالفعل أو يجيدون اللغة العربية أو على دراية بالأدب والمسرح العربي.”
يمكن للمرء أن يتصور ونوس ذاته سعيدا بمعرفة أن أعماله ترجمت مع فكرة تقديمها على المسرح.
في عام 1996، وقُبيل وفاته بفترة وجيزة، قامت منظمة اليونسكو بدعوة ونّوس للتحدث في يوم المسرح العالمي (ويعتبر هذا واحدًا من أرفع أشكال التكريم للكتاب المسرحيين).
في حينها، أعرب ونوس عن أسفه لحالة تهميش المسرح ، قائلاً “لم أتعرف على أي فترة أخرى عانى خلالها المسرح من الفقر المالي والمعنوي كما هو الحال اليوم. […] دعنا نواجه الأمر، فالمسرح اليوم لم يعد هذا الاحتفال المدني الذي أفسح لنا المجال للتفكير، وشجعنا على الدخول في الحوار وتعميق شعورنا بالإنسانية.”
لكنه، وعلى الرغم من ذلك، حافظ على حبه وإيمانه بالمسرح، واصفًا إياه بأنه “المنتدى المثالي الذي يمكن من خلاله للإنسان أن يفكر في حالته التاريخية والوجودية.”
واختتم ونوس خطابه بالقول “إننا محكومون بالأمل، وأن ما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”. ترجم هذا السطر بشكل مختلف على أنه “محكوم علينا أن نواصل الأمل” أو “محكوم علينا بالأمل” أو “حُكم علينا بـ”الأمل”- وهو ما أعطى العنوان لكتاب المختارات الجديد والقيّم “حُكم بالأمل: أحد قُرّاء سعد الله ونوس”.