مقالات ودراسات

ماجد درندش يكتب: عرض “المنطقة” أعطت مسرح الشارع.. عُنواناً آخر!

شاهده الجمهور..ضمن عروض الدورة الرابعة من مهرجان الدن الدولي 2023


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

ماجد درندش

كاتب ومخرج ـ العراق

 

سبّب مصطلح “مسرح الشارع” خلطاً معرفياً لدى المختصين وصار الكثير من العاملين في هذا النوع الجمالي يتخبطون في مفاهيم خالية من المعايير العلمية، فالسؤال هنا يكمن بـ “هل هناك مسرح شارع في الوطن العربي؟”،

من وجهة نظري وتجربة العشرين عاما في كندا، ومشاهدتي للكثير من الفنون التي كانت تقدم في شوارع كندا وأوربا، أقول: لا يوجد مسرح شارع ينتمي لمعايير هذا النوع الفني في البلدان العربية.

فمسرح الشارع قائم على ثلاثة معايير أساسية:- “الفكرة” “الفعل” “الارتجال”، بمعنى أدق هذا الفن لا يقبل نصًا مكتوبًا، لأن منظومته الإبداعية لا تتفق مع النص الأرسطي، لأن التلقي يعتمد على العنصر البصري أكثر من السمعي، فالمتلقي ليس لديه الوقت أن ينصت ويصغي وينتظر، لأن مسرح الشارع يعتمد على الصورة والفعل أكثر من اعتماده على المنطوق، باعتبار الشارع فيه مارة لديهم أعمالهم ومواعيدهم وهناك أطفال في الشارع، إضافة إلى الأصوات التي تصدر من المارة، والتي تخرج من المحلات، وأصوات السيارات.

مسرح الشارع لا يتطلب مُخرجاً منعزلاً بعمله عن الممثلين، أو يذهب المخرج ويجلس لساعات وليالي يفكك بالنص من أجل رسم رؤيته الإخراجية، وإنما يحتاج إلى مجموعة تفكر وتعمل وترتجل بشكل جماعي، يحتاج إلى مجموعة تجمعهم الكيمياء حتى يصبحوا ناتجاً لمعادلة واحدة.

لا يمكن أن نحدد مكاناً واحدا في الشارع، وان حددنا فيجب أن لا يتم دعوة المتلقي مسبقاً، المتلقي لمسرح الشارع يجب أن لا يكون لديه العلم، سوف يتم عرض مسرحي على هذا الرصيف أو في تلك الساحة. يجب أن يحدث هذا بفعل المفاجأة، أي يقوم احد الممثلين بفعل ملفت للنظر يحفز المارة بأن ينتبهوا إلى ذلك الفعل، ومن ثم يتم تطويره وبناءه من قبل الممثلين ويتم دعوة المارة بشكل مباشر أو غير مباشر للمشاركة في الفعل أو مشاهدته للتعرف على ما يجري.

 

يفضل مسرح الشارع الممثل /اللاعب، سريع البديهية ولديه قدرة على الارتجال وممارسة ألعاب السيرك والغناء والعزف والألعاب السحرية، ولديه القدرة بأن يشكل علاقة وطيدة مع المتلقي ليشاركه فعله.

فأغلب العروض أو مجملها تقريباً والتي شاهدتها في البلدان العربية هي عروض ونشاطات فنية في الشارع، أغلبها ممكن أن تشاهدها على خشبة المسرح، فما ضرورة عرضه في الشارع؟

الفكر الفلسفي يقول: “إذا نقلنا الشيء من مكانه الحقيقي إلى مكان آخر يجب أن تكون هنالك ضرورة”.

ولهذا كل ما يعرض في الشارع، هي عروض جمالية في الشارع، وهذه ليست سُبه أو عيباً أو خطأ، لا بالعكس، إنها بدايات تأسيسية ومرحلة تعلم وعميلة بحث عن الإجابات الحقيقية من اجل الوصول إلى مفهوم علمي أكاديمي رصين.

أستثني مسرحية “المنطقة” إخراج سامي سمير ومن تمثيل ياسر حديد وروان سعيد ومديم عبيد ومحمد سبيل ويوسف مرور ومرشد محمد “لفرقة البُن المسرحية”، والتي قدمت في أول أيام عروض “مهرجان الدن الدولي” بدورته هذه، العرض يتحدث عن مجموعة بائعة متجولين وهم بالأساس من حاملي الشهادات، يأتون بسيارة نقل ركاب، ثم يترجلون ويعرضون بضائعهم للناس، يقومون بسرد معاناتهم وطموحاتهم وأحلامهم بمنتهى الجمال،

هم مجموعة فتية وشابة واحده، قدموا عرضًا بروح الكوميديا والفكاهة وروح الغناء، قادرين على الانتقال من حالة الحزن إلى الفرح بمنتهى الانسيابية، هم لاعبون مسكوا إيقاع العرض، حركوا المكان، تفاعل المتلقي معهم حتى صار جزءا من الحدث ومشاركاً فيه، إنهم مجموعة فريدة من نوعها في الوطن العربي، وكنت أتمنى أن لا يستقرون في مكان واحد، وإنما في كل مشهد ينتقلون إلى مكان آخر ليلحق بهم المتلقي ففكرة العرض تتيح لهم هذا الاقتراح، هذا العرض هو عينة حقيقية لفنون الشارع، حتى أعطى تسمية مغايرة لمسرح الشارع وجديدة ألا وهي “مسرح الناس” وأحد اشتراطات هذا النوع الجمالي أن يعرض في الساحات والشوارع والأماكن المفتوحة والمناسبات العامة.

ـــــــــــــ

المصدر: العدد السادس من النشرة المصاحبة للدورة الرابعة من مهرجان الدن الدولي بسلطنة عمان 2023


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock